خبراء في ندوة خاصة لملتقى القانونيين من أجل فلسطين: الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني ، وفتوى العدل الدولية المرتقبة سوف تستدعي المسؤولية الدولية لإنهائه
نظمت القانون من أجل فلسطين، وبالشراكة مع منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية “أرض”، ندوة متخصصة عبر الإنترنت بعنوان “على طاولة محكمة العدل الدولية: شرعية/ لا شرعية الاحتلال الإسرائيلي والمسؤولية الدولية اللاحقة”. وهذه الندوة هي اللقاء التاسع من الموسم الثاني من ملتقى القانونين من أجل فلسطين، الذي كانت أطلقته منظمة القانون من أجل فلسطين منذ سنتين.
وهدفت الندوة إلى مناقشة طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة من محكمة العدل الدولية إصدار رأي استشاري حول شرعية/ لا شرعية الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك الصعوبات التي قد تواجه المحكمة، ومسألة الاختصاص، والأثر القانوني لمثل هذا الرأي بعد صدوره.
واستضافت الندوة، التي عقدت يوم الجمعة 27 يناير/كانون ثاني 2023 عبر تقنية “الزووم”، أربعة خبراء دوليين، وهم: ميلوني كوثاري: عضو لجنة التحقيق الأممية بشأن فلسطين/إسرائيل، وجوليا بنزاوتي: خبيرة في القانون الجنائي الدولي بجامعة لايدن، ورالف وايلد: خبير في القانون الدولي بجامعة كلية لندن UCL، وسوزان باور: مديرة البحث والمناصرة الدولية في منظمة الحق. فيما أدار الحوار حسان بن عمران، عضو مجلس إدارة منظمة القانون من أجل فلسطين. وحضره ما يزيد على 100 مشارك من الباحثين والمحامين والنشطاء.
ميلوني كوثاري: سياسات الضم الإسرائيلية وصلت نقطة لا رجعة فيها!
في مداخلته، تناول كوثاري عمل لجنة التحقيق الأممية بشأن فلسطين، وسلط الضوء على تقريرين تم إصدارهما من قبل اللجنة حتى الآن، مشيرا إلى أن نطاق عمل لجنة التحقيق الأممية يشمل أراضي الخط الأخضر (إسرائيل)، ومن خلال مراجعتها للأعمال السابقة التي تم إنجازها بشأن فلسطين، وجدت أنها تعكس عدم تناسق الصراع وحقيقة وجود دولة تحتل أخرى، مما يبدد الرأي القائل بوجود طرفين على قدم المساواة.
وأكد كوثاري في مداخلته أن الاحتلال، وسياسات الضم على أرض الواقع أصبحت لا رجعة فيها، على الرغم من تخفي سلطات الاحتلال تحت ستار أنها مؤقتة، إلا أن الواقع يقول إن سلطات الاحتلال تنوي بقاء سيطرتها على هذه المناطق بشكل دائم. وعليه، يؤكد كوثاري أنه من الطبيعي الوصول لنتيجة مفادها أن الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين هو احتلال غير قانوني من دولة لدولة أخرى وفقاً لقواعد القانون الدولي. ومما يؤكد هذه النتيجة هي سياسات الضم الدائمة سواء التي بحكم القانون أو التي تجريها سلطات الاحتلال على أرض الواقع.
وختم كوثاري مداخلته بالقول إن لجنة التحقيق الأممية بشأن فلسطين قد أوصت الجمعية العامة بأن تقدم طلبا لمحكمة العدل الدولية من أجل إعادة النظر في الرأي الاستشاري الذي أصدرته المحكمة حول الجدار الفاصل عام 2004. وذلك من أجل التوسع في مناقشة العواقب القانونية لرفض إسرائيل إنهاء الاحتلال في الأراضي الفلسطينية، وإنكارها حق تقرير المصير للفلسطينيين، وأخيراً توضيح التزامات الدول تجاه احترام القانون الدولي فيما يتعلق بالانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
جوليا بنزواتي: ليس هناك شك في أن المحكمة مختصة بإعطاء الرأي المطلوب حول شرعية الاحتلال
وفي كلمتها، ذكرت بنزواتي أن محكمة العدل الدولية لديها الاختصاص القضائي لإصدار رأي استشاري حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، وذلك وفقاً لميثاق الأمم المتحدة والنظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، والذي يعطي الجمعية العامة صلاحية طلب رأي استشاري حول أي مسألة قانونية، حتى ولو كانت تلك المسألة مليئة بالتفاصيل السياسية، طالما كانت الإجابة لتلك المسألة القانونية مبينة على القانون الدولي، حيث يصبح الجزء السياسي غير مهم في ظل اختصاص المحكمة القضائي للقيام بدورها.
ووضحت بنزواتي، أنه بالممارسة العملية، نجد أنه تم استخدام الإجراءات الاستشارية -طلب الرأي الاستشاري من محكمة العدل الدولية- بشكل متزايد من أجل عرض المسائل الخلافية أمام المحكمة في الحالات التي لا توافق فيها دولة أخرى على تسوية النزاع أمام المحكمة، لا سيما في المسائل الثنائية. إلا أن محكمة العدل الدولية لم ترفض مسبقاً أي طلب يتعلق بتقديم رأي استشاري حول مسألة تتداخل فيها السياسة بالقانون أو مسألة ناجمة عن نزاعات ثنائية.
وأضافت بنزواتي أنه في حالة الرأي الاستشاري حول شرعية الاحتلال، فإن الافتقار إلى العناصر الواقعية (factual elements) لن يكون مشكلة لأن إسرائيل دولة عضو في الأمم المتحدة وطرف في نظام المحكمة، لذلك يمكن القول بأن إسرائيل، بالنظر إلى كونها عضو، وافقت على منح المحكمة اختصاص إعطاء الرأي الاستشاري.
وأوضحت بنزواتي أن طلب الرأي الاستشاري حول شرعية/ لا شرعية الاحتلال، ليس أساسه ابداء الرأي في نزاع ثنائي، بل هو دراسة أكثر عمومية لضرورة وتناسب الاحتلال بموجب قانون الحرب. وعليه، لا يوجد أي سبب منطقي يجعل المحكمة ترفض هذا الطلب.
ورأت بنزواتي أن المحكمة من خلال موافقتها على إبداء رأيها الاستشاري لا تظل وفية لمتطلبات الوظيفة القضائية فحسب، بل تؤدي أيضًا وظائفها باعتبارها الجهاز القضائي الرئيسي للأمم المتحدة، نظرًا لمسؤولية الأمم المتحدة البارزة تجاه قضية فلسطين.
رالف وايلد: الاحتلال غير قانوني وذلك لأنه ينمنع الفلسطينيين من حقهم في تقرير مصيرهم
وضح وايلد أنه ومن خلال مقالاته العديدة وأرائه القانونية، تناول ما هو المقصود بمفاهيم مثل “شرعية/لا شرعية” الاحتلال من خلال توضيح مسألة الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية بما يشمل الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية، وذلك عبر تطبيقه لقواعد القانون الدولي فيما يخص حق تقرير المصير، والاستيطان الاحتلالي، وقواعد استخدام القوة، والاحتلال طويل الأمد، ومفاهيم تأسيس الدول والسيادة، وضم الأراضي، وقواعد الحرب، ونظام الفصل العنصري، والقانون الدولي الإنساني، وقواعد الأمم المتحدة، وأخيراً قانون المعاهدات.
وبين وايلد أن قواعد مسألة الشرعية أو اللا الشرعية تتداخل مع بعضها البعض ويمكن تطبيقها عند الحديث عن الاحتلال من خلال تطبيق قواعد مختلفة من القانون، وأنه يمكن الإشارة للشرعية أو اللاشرعية عند الحديث عن وجود الاحتلال بحد ذاته، أو عن ممارساته، أو الاثنين معاً.
وذكر وايلد أن الاحتلال الإسرائيلي، ومن خلال إنكاره حق الشعب الفلسطيني بممارسة حكم ذاتي، يشكل انتهاكاً صريحاً لحق من حقوق الإنسان الأساسية وهو حق تقرير المصير وفقاً لما تقره قواعد القانون الدولي، وهذا ما يجعل وجود الاحتلال غير قانوني.
ونوه رالف إلى أن حجة إسرائيل بحقها في الدفاع عن النفس، والتي استُخدمت كوسيلة لتبرير احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967، لا تستمر، حيث لا يوجد هجوم مسلح فعلي أو جوهري يبرر الاحتلال بأنه ضروري ومتناسب كوسيلة للدفاع عن النفس. مضيفا بأن مبدأ الدفاع الوقائي عن النفس (الذي يبرر الاحتلال كوسيلة لوقف تهديد محتمل) ليس له أي أساس في القانون الدولي.
وأكد وايلد أن لا القرار الصادر عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 242 ولا اتفاقية أوسلو يمكن أن يوفروا تفسيراً قانونياً يعطي أساسا لسبب استمرارية الاحتلال حتى اليوم. وأضاف وايلد أن اتفاقيات أوسلو بحد ذاتها تعتبر انتهاكاً للقانون الدولي، حيث تم إجبار منظمة التحرير الفلسطينية على الموافقة على مضامين أوسلو عبر استخدام القوة غير القانونية، وعبر احتلال الأراضي الفلسطينية، والأهم من ذلك أن اتفاقيات أوسلو تخالف مبدأً أساسياً في القانون الدولي خاصة فيما يتعلق بالحقوق غير القابلة للانتقاص منها.
سوزان باور: الرأي الاستشاري المنتظر من محكمة العدل الدولية سيقوم بوضع العديد من الالتزامات على الدول الأخرى والزامها باتخاذ إجراءات لتفكيك وإنهاء الاحتلال
سلطت باور الضوء على المادة 14 من “المواد المتعلقة بمسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً”، ووضحت باور أن الاحتلال غير القانوني من قبل دولة لأراضي دولة أخرى هو أبسط مثال يمكن طرحه عند الحديث عن استمرار الأفعال غير المشروعة دولياً، وفق ما ذكرت لجنة القانون الدولي، وهذا ما ينطبق على مسألة الاحتلال الإسرائيلي المستمر للأراضي الفلسطينية منذ أكثر من 56 سنة، بعد عقود من مطالبة مجلس الأمن الدولي بإنهائه.
وأكدت باور على مسؤولية الدول والتزامها بالتعويض واستعادة الوضع الذي كان قائماً قبل الفعل غير المشروع دولياً. وأضافت باور، أنه من المهم لفت الانتباه إلى أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد أصدرت وتبنت العديد من القرارات التي تنص على ضرورة قيام إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية بشكل كامل وبدون شروط، وهذا يعني أن الانسحاب ليس مستحيلا.
وتحدثت باور عن مسؤولية الدول بعدم الاعتراف بأي أفعال غير مشروعة دولياً والموضحة في الفقرة 2 من المادة 41 من “المواد المتعلقة بمسؤولية الدول تجاه الأفعال غير المشروعة دولياً”، وتوضح هذه المادة أنه من مسؤولية الدول عدم الاعتراف بأي أفعال غير مشروعة، وينطبق ذلك على الحالات التي يكون فيها انتهاك جسيم للقواعد الآمرة في القانون الدولي، وأيضاً من مسؤولية الدول عدم تقديم المساعدة أو العون الذي من شأنه أن يساهم في استمرار تلك الأفعال.
وذكرت باور مثال احتلال العراق للكويت كأحد الأمثلة الواقعية التي تم حينها تفعيل قواعد مسؤولية الدول، والإجراءات الحالية التي يتخذها الاتحاد الأوروبي ضد روسيا. وأضافت أن مسائل مثل إعادة توطين المواطنين الفلسطينيين وحق العودة ربما تكون قضية تعالجها محكمة العدل الدولية، وسيكون هذا لاستكمال إنهاء الاستعمار الذي يتطلب تعاون جميع الدول.
وختمت باور مداخلتها عبر التأكيد على أهمية النتائج التي قد تتوصل إليها محكمة العدل الدولية حول الوضع القانوني للاحتلال الإسرائيلي في فلسطين، ذلك أنها تشكل أسس قانونية واضحة من أجل إنهاء الاحتلال في الأراضي الفلسطينية. حيث قالت “نحن فقط يجب علينا أن نكرر مدى أهمية هذا الأمر، ذلك أن الدول يجب عليها الالتزام بالالتزامات المفروضة عليها فيما يخص عدم الاعتراف وجبر الضرر وتعويض المتضررين”.
هذا وقد تلا مداخلات المتحدثات والمتحدثين نقاشاً قانونياً من قبل الحضور، الذين أثروا بمداخلاتهن ومدخلاتهم النقاش. وأيضاً تم طرح بعض من الأسئلة من قبل الحضور، وأبدى العديد مخاوفهم وآمالهم تجاه الرأي الاستشاري المنتظر من محكمة العدل الدولية، وحول التحديات السياسية التي قد تعيق صدور مثل هذا الرأي.
يشار إلى أن هذه الندوة تأتي ضمن الأنشطة الشهرية لملتقى القانونين من أجل فلسطين في منظمة القانون من أجل فلسطين. يتم عقد اللقاءات شهرياً عبر الإنترنت والتي تجمع طالبات وطلاب، خبراء وخبيرات دوليين، باحثات وباحثين، وقانونيات وقانونيين، وجميع المهتمات والمهتمين بفلسطين من جميع الدول حول العالم. وذلك من أجل مناقشة مواضيع وتطورات ترتبط بالقانون الدولي وفلسطين، وأيضاً تشكل هذه اللقاءات فرصة للتشبيك بين القانونيات والقانونين المهتمين بقضايا فلسطين من كافة أنحاء العالم.
* للاطلاع على التفريغ النصي الكامل لهذه الندوة، انقر/ي هنا
** إذا ما أردت حضور اللقاءات القادمة في ملتقى القانونيين من أجل فلسطين، يمكنك التسجيل عبر النقر هنا