منظمتا أرض والقانون من أجل فلسطين تناقشان الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل تجاه وكالات الأمم المتحدة والدول الثالثة
استضاف برنامج القضية الفلسطينية في مركز النهضة الاستراتيجي التابع لمنظمة النهضة ARDD، وبالشراكة مع منظمة القانون من أجل فلسطين (L4P)، فعالية رفيعة المستوى بعنوان: “الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن التزامات إسرائيل تجاه وكالات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى والدول الثالثة: قراءات أولية”.
عُقدت الفعالية في 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2025 في عمّان وعبر الإنترنت، وجمعت نخبة من الخبراء والممارسين في القانون الدولي. وشارك في النقاش كل من: أرضي إمسيس، عضو الفريق القانوني الذي ساهم في الإجراءات التي أفضت إلى صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية؛ ومايكل لينك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة؛ ومنى علي خليل، التي وفّرت خبرتها الواسعة في الأطر القانونية للأمم المتحدة والقانون الناظم لعمل المنظمات الدولية منظوراً نقدياً مهماً لتفسير الرأي؛ وأنيس فوزي القاسم، أحد الروّاد في تطوير البحث القانوني المتعلق بالمكانة القانونية الدولية لفلسطين وحقوق شعبها؛ وماثيو هويسنغتون، رئيس قسم القانون الدولي في دائرة الشؤون القانونية في الأونروا، الذي قدّم من خلال موقعه المؤسسي قراءة فريدة لتداعيات الرأي الاستشاري على ولاية الأونروا ومساحتها التشغيلية. وأدار النقاش إحسان عادل، مؤسس ورئيس منظمة القانون من أجل فلسطين.
تناولت الجلسة الرأي الاستشاري الصادر حديثًا عن محكمة العدل الدولية في 22 تشرين الأول/أكتوبر 2025، بناءً على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة في كانون الأول/ديسمبر 2024. ويبحث هذا الرأي في مسؤوليات الدول والمنظمات الدولية في مواجهة إبادة جماعية وكارثة إنسانية مستمرة، مؤكدًا مرةً أخرى مسؤوليات دولة الاحتلال الإسرائيلي بوصفها قوة احتلال وعضوًا في الأمم المتحدة. ويستند الرأي إلى الرأيين الاستشاريين للمحكمة لعامي 2004 و2024، ليضيف لبنة جديدة إلى إطار قانوني متكامل يُدين عدم شرعية الاحتلال طويل الأمد ويُعيد التركيز على حقوق الفلسطينيين، مُتحديًا بذلك سرديات الإفلات من العقاب.
ورغم أن الطلب المقدم للمحكمة لم يتناول الإجراءات الإسرائيلية ضد الأونروا مباشرة، إلا أنه جاء في سياق القيود المتزايدة التي فرضتها إسرائيل على وصول المساعدات الإنسانية وحربها على الأونروا، في ظل ما تمر به غزة من دمار واسع، ومجاعة، وتهجير قسري وانهيار شبه كامل في الخدمات الأساسية. وقد شدّد الخبراء خلال الجلسة على أن الرأي الاستشاري يُعيد تثبيت المبادئ الأساسية الملزمة في القانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان.
لا يكتفي هذا الرأي بإعادة التأكيد على المعايير القانونية، بل يقدم أيضًا نتائج واقعية مهمة، خصوصًا فيما يتعلق بعرقلة العمل الإنساني والهجمات على الأونروا، وهي النتائج التي يُتوقع أن تُحدث أثرًا مباشرًا على قضايا التقاضي الدولية الحالية والمقبلة، كما رفضت المحكمة على نحو قاطع الادعاءات الإسرائيلية التي تُشكك في حياد الأونروا، ولم تجد أي دليل يدعمها. ويُعزز هذا الرأي “الصلات الفريدة والمستدامة” التي تربط الأونروا بسكان غزة، مؤكدًا واجب إسرائيل بالتعاون مع الوكالة بحسن نية وفقًا للقانون الدولي.
وأوضح المتحدثون انعكاس محاولات نزع الشرعية عن الأونروا -سواء من خلال الهجمات العسكرية، أو الحظر التشريعي أو الضغط السياسي- مباشرة وعلى نحو مدمر على المدنيين الفلسطينيين، ولا يُقلل تقليص قدرة الوكالة من مسؤوليات إسرائيل، بل يزيد من التزاماتها القانونية بوصفها قوة احتلال.
ويتوجب على دولة الاحتلال الإسرائيلي، بصفتها قوة احتلال، أن تلتزم بضمان توفير الإمدادات الأساسية للسكان الفلسطينيين، وتسهيل -لا تعطيل- عمليات الإغاثة الإنسانية التي تنفذها الأمم المتحدة، وعلى رأسها الأونروا، وفقًا للمادة 59 من اتفاقية جنيف الرابعة. وأشار الخبراء إلى أن الهجمات الإسرائيلية على عمليات الأونروا وعرقلة المساعدات تُعد محاولة ضمنية لحرمان الفلسطينيين من الإغاثة، الأمر الذي يخلق ظروفًا قد تُجبر السكان على النزوح. إضافة إلى ما سبق، فقد بينت المحكمة الصلة الواضحة بين إعاقة برامج الإغاثة وخطر الترحيل القسري.
كما أكد الرأي الاستشاري أن دولة الاحتلال الإسرائيلي لا تملك أي حق سيادي على أي جزء من الأرض الفلسطينية المحتلة، وأن وجودها فيها غير قانوني، في ظل تحديد الجمعية العامة تاريخ 18 أيلول/سبتمبر 2025 موعدًا نهائيًا لانسحابها الكامل. واعتبر المشاركون أن النقاشات الدولية انشغلت لسنوات بإدارة الاحتلال بدلًا من إنهائه، بينما شكّل رأي المحكمة لعام 2024 نقطة تحول حاسمة عبر تأكيد عدم شرعية الوجود المادي ذاته لدولة الاحتلال في الأرض المحتلة.
ومع وضوح الإطار القانوني، سلطت الجلسة الضوء على الهوة الواسعة بين قواعد القانون الدولي وغياب آليات المساءلة الفعّالة. كما أوضح العديد من المتحدثين أن استمرار إسرائيل في تجاهل التزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة وعرقلة عمل وكالاتها يطرح تساؤلات حول استمرار عضويتها في الأمم المتحدة، مؤكدين أن الجمعية العامة يمكنها أن تنظر في اتخاذ تدابير مماثلة لتلك التي اتخذت بحق جنوب إفريقيا في عهد الفصل العنصري عام 1974.
في هذا السياق، يشكل الرأي الاستشاري مرجعًا قانونيًا موثوقًا يُثبت انتهاك إسرائيل لالتزاماتها من حيث التعاون بحسن نية مع الأمم المتحدة واحترام امتيازاتها وحصانات موظفيها، إذ تتعارض ممارساتها ضد الأونروا مع ميثاق الأمم المتحدة واتفاقية امتيازات الأمم المتحدة وحصاناتها لعام 1946. كما أكد المشاركون أن نتائج المحكمة تنطبق كذلك على ولاية فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة المعنية بحقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ختامًا، شدد المشاركون على أن الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية يوفر أساسًا قانونيًا قويًا يجب أن يتحول الآن إلى فعل سياسي ملموس، وإجراءات عملية، ومساءلة حقيقية لحكومة فقدت ثقة المجتمع الدولي، فليست الالتزامات التي حددتها المحكمة بالاختيارية، بل هي متطلبات مُلزمة بموجب القانون الدولي، فضلًا عن أن إنفاذها ضرورة لحماية الشعب الفلسطيني، وحفظ مكانة منظومة الأمم المتحدة، وتعزيز المساءلة الدولية.



