بالشراكة مع القانون من أجل فلسطين، نظمت عيادة حقوق الإنسان بجامعة القدس ندوة عبر الإنترنت لإطلاق الكتاب الذي صدر مؤخرًا بعنوان “حماية حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة: العمل من خلال الأمم المتحدة”. استضافت الندوة، التي أقيمت يوم 29 أبريل/نيسان 2023، المؤلفين الثلاثة للكتاب والمقررين الخاصين السابقين للأمم المتحدة والخبراء القانونيين البارزين: البروفيسور جون دوغارد، والبروفيسور ريتشارد فولك، والبروفيسور مايكل لينك، بالإضافة إلى المقررة الخاصة الحالية للأمم المتحدة د. فرانشيسكا ألبانيز، التي كتبت مقدمة الكتاب.
ناقش المقررون الخاصون، إلى جانب 120 من الخبراء القانونيين والباحثين المشاركين في الندوة، أهم نتائج الكتاب وطرق المضي قدمًا في قضية فلسطين داخل منظومة الأمم المتحدة. ركز الكتاب على الدور الإيجابي الذي تلعبه الأمم المتحدة في حل قضية فلسطين في منطقة مثيرة للجدل سياسياً، فضلاً عن الشد العكسي للقوى الجيوسياسية التي تمنع الأمم المتحدة من ضمان تطبيق القانون الدولي.
وقد أدار الحوار د. منير نسيبة، الأستاذ المساعد في جامعة القدس وعضو مجلس أمناء القانون من أجل فلسطين.
ألبانيز: الكتاب يساهم في تحويل الجدل القانوني حول قضية فلسطين
في مداخلتها، أعربت المقررة الخاصة الحالية للأمم المتحدة بشأن فلسطين عن سعادتها واعتزازها بحمل الشعلة وإكمال المسار الذي رسمه أسلافها، المؤلفون الثلاثة للكتاب.
وأضافت ألبانيز: “الكتاب استثنائي من نواحٍ عديدة بسبب طبيعة وشخصية وعلم كل مساهم فيه كخبراء قانونيين وأيضًا كونهم مقررين خاصين بشأن فلسطين”. وقالت إن الكتاب يرفع من مستوى الجدل حول قضية فلسطين من خلال توفير نهج شامل للقانون الدولي، ومن خلال الإشارة إلى الحقائق القانونية التي غالبًا ما تكون مفقودة في النقاش السائد حول حالة حقوق الإنسان في فلسطين.
واختتمت بسرد ثلاثة جوانب رئيسية يمكن الالتفات إليها من خلال الكتاب: أولاً ، تفاقم الوضع على الأرض في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة. ثانيًا، النضال والتحدي المشترك الذي وجاهه المقررون الخاصون السابقون خلال ولاياتهم على الرغم من اختلاف شخصياتهم. ثالثاً، أن التجربة الجماعية والفردية للمقررين الخاصين تدل على أنه لا خيار سوى احترام القانون الدولي لحل الواقع المأساوي الذي يواجه الفلسطينيين.
فولك: الكتاب يسلط الضوء على قبول الأمم المتحدة التدريجي للتحول في المناقشة من تقييم أوضاع حقوق الإنسان إلى مناقشة مصطلحات مثل الفصل العنصري
بدأ البروفيسور ريتشارد فولك بشرح أن فكرة الكتاب انبثقت من إدراكهم للقيمة الهائلة للتجربة الجماعية للمقررين الخاصين للأمم المتحدة. وأوضح أن الاعتماد على فترة عقدين من الخبرة للمقررين الخاصين للأمم المتحدة بشأن فلسطين يكشف أكثر بكثير مما يمكن أن تكشفه تجربة الفرد. وهنا تكمن أهمية هذا التعاون: تسليط الضوء على نقطتين مهمتين غالبًا ما يتم إغفالهما. أولاً، إبراز القبول التدريجي، على مستوى الأمم المتحدة، للتغييرات السياسية المتعلقة بالوضع في فلسطين. على سبيل المثال، هناك تحول من مجرد تقييم أوضاع حقوق الإنسان في فلسطين إلى مناقشة المصطلحات الشاملة مثل الفصل العنصري. ثانيًا، الكشف عن النقد المنهجي الموجه إلى كل مقرر خاص خلال فترة ولايته، مما يثبت محاولة إسرائيل تحويل الحديث من القانون وحقوق الإنسان إلى التشكيك في مصداقية المقرر الخاص.
من ناحية أخرى، قال البروفيسور فولك إن الحملات الإسرائيلية المستمرة للتشكيك في مصداقية المقررين الخاصين وتشويه سمعتهم ساهمت في الواقع بطريقة أو بأخرى في تسليط الضوء على عمل المقررين الخاصين. وخلص البروفيسور فولك إلى أن استخدام إسرائيل للتكتيك المعادي للسامية لانتقاد أي شخص ينتقد أفعال إسرائيل أدى إلى زيادة اهتمام وسائل الإعلام بعمل المقررين الخاصين.
دوغارد: هناك معايير مزدوجة لدى الدول الغربية والولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بفلسطين
تحدث البروفيسور جون دوغارد عن العقبات والتحديات التي واجهها خلال فترة ولايته كمقرر خاص. وبينما استذكر بعض النقاط الإيجابية مثل تمكنه من زيارة كل من الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل، أشار إلى أنه واجه معارضة من الإسرائيليين في الأمم المتحدة في جنيف ونيويورك فيما يتعلق بعمله ودعوته إلى إصدار رأي استشاري من محكمة العدل الدولية عام 2004. علاوة على ذلك، لفت البروفيسور دوغارد الانتباه إلى المعايير المزدوجة للدول الغربية فيما يتعلق بقضية فلسطين. وأوضح أن مواقف الولايات المتحدة والدول الأوروبية متأثرة بذنبهم بشأن الهولوكوست، مما يدفعهم إلى دعم إسرائيل. واختتم البروفيسور دوغارد حديثه بالقول إن المجتمع المدني الدولي يؤمن بوجود نظام فصل عنصري في الأراضي الفلسطينية، لكن الفاعلين السياسيين في الغرب لم يعترفوا بهذه الحقيقة بعد.
لينك: لم يعد بالإمكان التغاضي عن الفصل العنصري في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية
خلال مداخلته، تحدث البروفيسور مايكل لينك عن كيفية تطور تقييم حقوق الإنسان في فلسطين على مر السنين، ولا سيما ظهور مصطلح الفصل العنصري بين المنظمات الدولية لوصف حالة حقوق الإنسان في فلسطين. وتحدث عن تقريره الأخير الذي صدر خلال فترة ولايته، وتناول بعمق تجربته في إصدار ذلك التقرير. وقال: عندما عُينت مقررًا خاصًا عام 2016، قلت لنفسي إنني لن أستخدم مصطلح الفصل العنصري، كنت أعتقد في ذلك الوقت أن هذا قد يغلق الباب أمام أي حلول سياسية ودبلوماسية. ومع ذلك، في نهاية ولايتي، قرأت العديد من التقارير من المنظمات الدولية وتوصلت إلى استنتاج مفاده أن هناك فصلًا عنصريًا في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية.
واختتم البروفيسور لينك بعرض أفكاره وتوصياته للمجتمع المدني ونشطاء حقوق الإنسان المدافعين عن حقوق الشعب الفلسطيني، متحدثًا من خبرته في العمل مع أدوات صنع القرار في الأمم المتحدة، حيث سلط الضوء على العلاقة العسكرية والدبلوماسية المهمة بين الولايات المتحدة وإسرائيل والطريقة التي يعقد بها ذلك المشهد الفلسطيني في الأمم المتحدة. وأشار إلى أن الولايات المتحدة استخدمت حق النقض داخل مجلس الأمن للتأثير على عملية صنع القرار في الأمم المتحدة بشأن القرارات المتعلقة بفلسطين، الأمر الذي أعاق جهود دعاة العدالة. وعلى سبيل المثال، لفت لينك أن الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة من بين الأعضاء الخمسة الدائمين في مجلس الأمن التي استخدمت حق النقض (الفيتو) على قرارات تنتقد إسرائيل. وكان لهذا تأثير كبير على قدرة الأمم المتحدة على معالجة مخاوف حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني.
تلا مداخلات المؤلفين مناقشة فاعلة، حيث طرح المشاركون أسئلة حول الكتاب والموضوعات التي يتناولها. وكان من بين الأسئلة التي أثيرت كيف يمكن للفلسطينيين الاستفادة من مفاهيم القانون الدولي والقانون الإنساني الدولي في إطار النظام القانوني الإسرائيلي. وفي هذا الصدد، شدد البروفسور لينك على أهمية القانون كوسيلة لمعالجة الاحتلال وممارساته. وعرض تجربته في مطالبة الجمعية العامة للأمم المتحدة بإحالة سؤال قانوني إلى محكمة العدل الدولية حول شرعية الاحتلال الإسرائيلي. وبيّن لينك كيف سيسمح هذا الطلب بمناقشة المسائل القانونية التي هي في صميم الاحتلال وممارساته.
كما طُرح سؤال آخر حول التقدم في مجال حقوق الإنسان المتعلق بفلسطين وما إذا كان يجب على نشطاء حقوق الإنسان أن يكونوا متفائلين بشأن مستقبل حقوق الإنسان والعدالة في فلسطين. ورد البروفيسور فولك بأنه ينبغي التعامل مع التفاؤل بحذر، لا سيما بالنظر إلى الوضع الحالي على الأرض. وشدد على أهمية دمج قوة القانون الدولي مع النشاط القائم على التعبئة لتحقيق تغيير دائم.
ورداً على سؤال أخير حول حملات التشهير الموجهة ضد خليفتهم د. فرانشيسكا ألبانيز، كرر البروفيسور مايكل لينك أن هذه حملات ذات دوافع سياسية، والتي غالبًا ما واجهها هو وأسلافه، ولكنها تكثفت ضد د. ألبانيز لأنها كانت صريحة تمامًا ونشطة في نهجها. وأضاف أن كونها أول امرأة مقررة خاصة زاد من حدة الحملات على ما يبدو.