ماذا تضمّن قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن حركة المقاطعة العالمية (BDS)؟
إعداد: روان راضي
ل: منظمة القانون من أجل فلسطين
خلفية قرار المحكمة الأوروبية حول حركة المقاطعة BDS
في الحادي عشر من يونيو 2020، قامت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بإدانة قرار محكمة فرنسية لانتهاكها حرية التعبير التي يتمتع بها ناشطون مؤيدون لفلسطين، كانوا قد أُدينوا في 2013 بسبب دعوتهم إلى مقاطعة منتجات مستوردة من إسرائيل[i].
وتبعاً لقرار المحكمة الفرنسية، قام أولئك النشطاء بالتوجه للمحكمة الأوروبية لحقوق الانسان لايمانهم بأن ما حكمت به محكمة العدل الفرنسية ضدهم لدعوتهم مقاطعة البضائع الاسرائيلية عام 2009 هو انتهاك للمادة العاشرة من الاتفاقية الاوروبية لحقوق الإنسان والتي تتعلق بحرية التعبير.
وفي تعلقيها على قرار المحكمة الفرنسية، قالت الهيئة القضائية التابعة للاتحاد الأوروبي أنها “تلاحظ أن الأفعال والأقوال المنسوبة إلى أصحاب الشكوى تندرج في إطار التعبير السياسي والكفاحي وتتعلق بمسألة مرتبطة بالمصلحة العامة“، وتعتبر أن إدانتهم في عام 2015 من قبل محكمة الاستئناف في كولمارو بتهمة التحريض على التمييز بسبب مشاركتهم في حملة المقاطعة “لا تستند إلى دوافع واضحة كافية”.
وبالتالي، حكمت المحكمة الاوروبية بإلغاء هذه الإدانة -وبالتالي براءتهم- بالاضافة الى الحكم بالتعويض لكل واحد من المشتكين والبالغ عددهم 11 مشتكي بمبلغ قيمته سبعة الاف و380 يورو بدل أضرار مادية ومعنوية، وعلى مجموعة المدعين عشرين ألف يورو تعويضا عن النفقات”.
وقائع القضية
لجأ 11 من أعضاء تجمع كوليكتيف باليستين (68 Colectif Palestine) عام 2016 إلى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بعد إدانتهم عام 2013 لمشاركتهم في تحركات لمقاطعة سوبرماركت كبير في “إيلزاك” بالقرب من “مولوز”، وذلك لدعوة المتسوّقين لمقاطعة المنتجات الإسرائيلية، في إطار حملة المقاطعة “BDS”. وتبعاً لذلك، صدر الحكم المشار اليه عن محكمة فرنسية بإدانتهم بـ”التحريض على التمييز” نتيجة لذلك.
مداولات القضية لدى المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان
استمرت المحكمة الاوروربية لحقوق الإنسان بمداولة القضية بين شد ونزاع على مدار قرابة 5 سنوات، وحصل النشطاء في النهاية على هذا القرار ذو الأثر بالغ الاهمية في اعاقة الضغوط الاسرائيلية على حكومات البلدان الاوروبية لحظر حركات المقاطعة لمنتجات الاحتلال الاسرائيلي ووسمها بمعاداة السامية أو بأنها تحرض على التمييز.
خلفية عن الجهات المرتبطة بالقضية
أولاً: حركة المقاطعة العالمية لمنتجات الاحتلال الاسرائيلي(BDS):
حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات بالإنجليزية Boycott, Divestment and Sanctions): Movement المعروفة بالاختصار بالإنجليزية BDS)) تشير إلى الحملة الدولية الاقتصادية والتي بدأت في 9 يوليو 2005 من 171 منظمة فلسطينية غير حكومية للمقاطعة، وسحب الاستثمارات وتطبيق العقوبات ضد إسرائيل حتى تنصاع للقانون الدولي ومبادئ حقوق الإنسان. انطلاق الحملة تزامن مع الذكرى السنوية الأولى لحكم محكمة العدل الدولية ضد الجدار الإسرائيلي العازل في الضفة الغربية. الأهداف الثلاثة المعلنة للحملة هي[ii]:
- انهاء الاحتلال الإسرائيلي واستعماره لكل الأراضي العربية، فضلا عن تفكيك الجدار العازل.
- الاعتراف الإسرائيلي بالحقوق الأساسية للفلسطينيين المواطنين العرب في إسرائيل بالمساواة الكاملة، و
- قيام إسرائيل باحترام وحماية وتعزيز حقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم كما هو منصوص عليه في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194.
وضمن نشاط الحركة دعواتها ومخاطباتها للشركات والمؤسسات لتعزيز مقاطعة دولة الاحتلال والتي تشمل وقف التعامل مع إسرائيل، ومقاطعة الشركات الإسرائيلية وكذلك الدولية المتواطئة في انتهاكاتها لحقوق الفلسطينيين، ومقاطعة المؤسسات والنشاطات الرياضية والثقافية والأكاديمية الإسرائيلية، وهي الأنشطة محل التهم المنسوبة للمشتكين والذين أدانتهم المحكمة الفرنسية في حينه.
ويدور نشاط الحركة بين إصرار على تحقيقها لنتائجها وبين الوقوف ضد المحاولات المتتالية وبتحريض من الاحتلال لتجريمها ووأد وجودها.
المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان:
المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان European Court of Human Rights محكمة فوق وطنية تأسست في سنة 1959 بموجب الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان ومقرها ستراسبورغ فرنسا وتعنى بدراسة الشكاوى المقدمة إليها فيما يخص الدول الأعضاء التي تخرق حقوق الإنسان المنصوص عليها في الاتفاقية وبروتوكولاتها، ويمكن أن يتقدم بالشكوى للمحكمة أفرادٌ أو دولٌ.
أهم النقاط القانونية المتحصلة عن القرار:
- القرار أُخذ بالاجماع من كافة أعضاء المحكمة.
- تصريح المحكمة بأن قرار المحكمة الفرنسية انتهاك واضح للاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان وتحديدا لنص المادة العاشرة منها والمتعلقة بحرية التعبير والتي تنص على أنه:
“1. لكل شــخص الحق في حرية التعبير. ويشــمل هــذا الحق حرية الــرأي وحرية تلقــي أو نقل المعلومــات أو الأفكار مــن دون أن يحصل تدخل من السلطات العامة، ودونما اعتبار لحدود. لا تحول هذه المادة دون إخضــاع الدول شــركات البث الإذاعي أو الســينما أو التلفزة، لنظام التراخيص.
2 .يجــوز إخضاع ممارســة هــذه الحريات وما تشــمله مــن واجبات ومســؤوليات، لبعــض المعاملات أو الشــروط أو القيــود أو العقوبات المنصوص عليها في القانون، والتي تشكل تدابير ضرورية للمجتمع الديمقراطي، للأمن الوطني أو ســلامة الأراضي أو السلامة العامة أو حمايــة النظام ومنع الجريمة، أو لحماية الصحــة أو الأخلاق، أو لحماية ســمعة الغيــر أو حقوقه، أو لمنع الكشــف عن معلومات ســرية، أو لضمان سلطة القضاء ونزاهته”.
- يسري أثر القرار على جميع دول الاتحاد الاوروبي، بمعنى أنه سابقة قضائية ملزمة التطبيق وعدم المخالفة في جميع دول الاتحاد.
- تصريح واضح بقانونية حركة المقاطعة ومنتسبيها وأحقيتهم بما تقوم به من نشاط وشرعية الحركة وفق قواعد القانون الدولي ذات الصلة خاصة أن ميثاق الامم المتحدة تضمن مثل هذه الاجراءات ولكن بإذن مجلس الأمن، حيث ورد ذكر إجراءات المقاطعة الاقتصادية في المادة (41) منه والتي تنص على أن:
” لمجلس الأمن أن يقرر ما يجب اتخاذه من التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته، وله أن يطلب إلى أعضاء الأمم المتحدة تطبيق هذه التدابير، ويجوز أن يكون من بينها وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفاً جزئياً أو كلياً وقطع العلاقات الدبلوماسية”.
وقد لجأت الأمم المتحدة إلى فرض عقوبة المقاطعة الاقتصادية في العديد من المنازعات، ففرضت هذا الجزاء ضد جنوب إفريقيا بسبب سياسة التمييز العنصري، وذلك بموجب قرار مجلس الأمن رقم 232 في كانون أول ديسمبر عام 1966، ثم قرار مجلس الأمن رقم 253 في أيار/ مايو من العام 1968. كما لجأ مجلس الأمن الدولي إلى فرض هذا الجزاء إثر الاجتياح العراقي للكويت في العام 1990، بموجب قراره رقم 661 في آب أغسطس 1990 والذي فرض مقاطعة اقتصادية شاملة على العراق.
- الحكم الصريح بالتعويض لكل فرد من افراد حركة المقاطعة المدانين سابقا الى جانب الحكم على السلطات الفرنسية بتحمل كافة النفقات، إشارة واضحة لتعرضهم لاعتداء على حقوقهم ترتب عنه ضرر وتعزيز مهم لحقوق افراد هذه الحركة وحرمة المساس بها قانوناً، وأثر ذلك على نشاطاتها وتوسعها مستقبلا.
أبعاد القرار
- بداية، يشكل القرار سابقة تاريخية، تؤكد على شرعية حركة المقاطعة العالمية وبما تقوم به في ارجاء العالم. ويعطي القرار ضوء أخضراً -بشكل غير مباشر- لكل الافراد المنتسبين لحركة المقاطعة للاستمرار في انشطتهم وتوسعتها ونشرها حول العالم، ولا سيما في أوروبا.
- ثانياً، يشكل القرار ضربة لجهود دولة الاحتلال المندرجة تحت عنوان “نزع الشرعية عن نازعي الشرعية” -والمقصود بهم النشطاء المناصرين لحقوق الانسان وحقوق الفلسطينيين. وهذا القرار أتى عكس التيار الذي تضغط باتجاهه اسرائيل.
- ثالثاً، يدعم القرار الإصرار على انتزاع الحقوق بالسبل القانونية والقضائية، من أجل تثبيتها. ففي سبل الانتصاف القضائي -في القارة الاوروبية تحديداً- العديد من المساحات التي قليلاً ما تستغل بالشكل الصحيح.
- رابعاً، بشكل غير مباشر، اعتبر القرار أن الدعوة إلى المقاطعة -عموماً- هي جزء من الحقوق التي يتمتع بها مواطنو الاتحاد الاوروبي والتي تندرج تحت حق “حرية التعبير”.
—————-
مصادر:
- نص قرار المحكمة ورقمه ECHR 169 (2020)
- نصوص الاتفاقية الاوروبية لحقوق الانسان
- ميثاق الامم المتحدة
- وكالات اعلامية
- مواقع الكترونية مشار اليها:
[i] قرار المحكمة الاوروبية لحقوق الانسان، انظر:
https://hudoc.echr.coe.int/eng-press#{%22itemid%22:[%22003-6718555-8953654%22]}
قرار المحكمة الفرنسية:
https://forward.com/news/breaking-news/323207/france-court-upholds-bds-is-discrimination-ruling/
[ii] https://bdsmovement.net/ar/what-is-bds