رأي قانوني بشأن استضافة لوكسمبورغ للسندات الإسرائيلية*
الملخص التنفيذي:
يخلص هذا الرأي القانوني إلى أن موافقة لوكسمبورغ على نشرة إصدار سندات إسرائيلية للتداول في سوق الاتحاد الأوروبي تُشكّل خطرًا كبيرًا بانتهاك التزاماتها الأساسية بموجب القانون الدولي. يستند هذا التحليل إلى النتائج الأخيرة الصادرة عن محكمة العدل الدولية، والتي خلصت إلى أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية غير قانوني وينتهك قواعد آمرة في القانون الدولي (jus cogens)، وأن هناك خطرًا معقولًا بأن إسرائيل تنتهك اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية في غزة. قانوني لوكسمبورغ سندات إسرائيلية
تستتبع هذه الاستنتاجات التزامين قانونيين أساسيين على جميع الدول:
- واجب الدول الثالثة في عدم المساعدة أو المعاونة في استمرار مثل هذه الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي.
- الواجب الإيجابي في منع جريمة الإبادة الجماعية.
تُعتبر الموافقة على هذه السندات الإسرائيلية بمثابة “معونة أو مساعدة” محظورة، لأن العائدات القابلة للتبديل تعزز الميزانية العامة لإسرائيل، مما يدعم بشكل مباشر أنشطتها غير القانونية. وعلاوة على ذلك، وبصفتها طرفًا في اتفاقية الإبادة الجماعية، فإن لوكسمبورغ مُلزَمة باستخدام جميع الوسائل المعقولة المتاحة لها لمنع وقوع الإبادة؛ ومنع وصول السندات إلى السوق يشكّل أداة اقتصادية واضحة وفعالة.
إن منح الموافقة رغم هذا السياق سيُظهر فشلًا واضحًا في أداء واجب العناية الواجبة. وبناءً عليه، يوصي هذا الرأي القانوني بشدة بأن ترفض لوكسمبورغ منح الترخيص، حفاظًا على التزاماتها القانونية الدولية.
مقدمة:
في ظل تصاعد الضغط السياسي والشعبي في أيرلندا نتيجة دورها في تسهيل بيع السندات الإسرائيلية خلال الحرب على غزة، قامت إسرائيل بنقل طلبها للحصول على موافقة الاتحاد الأوروبي على برنامج “سندات الشتات” من أيرلندا إلى لوكسمبورغ. وقد سبق أن عرض محامون في أيرلندا حُججًا قانونية قوية ضد استضافة سندات إسرائيلية. [1]
في شهر سبتمبر/أيلول، وافقَت لجنة الرقابة على القطاع المالي في لوكسمبورغ (CSSF) على نشرة الإصدار الأحدث للسندات الإسرائيلية. وبينما صرّح المسؤولون الإسرائيليون أن الخطوة تهدف إلى الحفاظ على إمكانية الوصول إلى المستثمرين الدوليين، أكدت السلطات في لوكسمبورغ على استقلالية اللجنة في اتخاذ القرار بشأن الموافقة أو الرفض.
لكن هذه الخطوة تتناقض بوضوح مع تزايد التدقيق الدولي في أنشطة تمويل إسرائيل، المرتبطة بحملتها العسكرية المستمرة في غزة، ومع التزامات لوكسمبورغ القانونية بموجب القانون الدولي.
الرأي القانوني التالي، الذي أعدّه خبراء في القانون الدولي*، يستعرض الإطار القانوني ذي الصلة ويفحص التداعيات القانونية المحتملة في حال قررت لوكسمبورغ المضي قدمًا في الموافقة على برنامج السندات.
يتناول هذا الرأي الجوانب القانونية لمراجعة حكومة لوكسمبورغ المرتقبة لقرار لجنة الرقابة المالية (CSSF) بالموافقة على نشرة إصدار سندات إسرائيلية للتداول في سوق الاتحاد الأوروبي. يستند هذا الرأي إلى مبادئ القانون الدولي العام وقانون الاتحاد الأوروبي، ذات الصلة بمراجعة سندات إسرائيل، في ضوء التزامات لوكسمبورغ بموجب القانون الدولي، استنادًا إلى مبدأ مسؤولية الدول الثالثة عن الأفعال غير المشروعة دوليًا، وواجب منع الإبادة الجماعية.
ويُقدّم هذا الرأي تحليلاً للالتزامات الدولية ذات الصلة المباشرة بالتزامات لجنة (CSSF) بموجب لائحة نشرات الإصدار الأوروبية (EU Prospectus Regulation). [2] وتشمل هذه الالتزامات تفسير وتطبيق اللائحة بما يتوافق مع الحقوق والمبادئ المنصوص عليها في ميثاق الحقوق الأساسية للاتحاد الأوروبي، ومراجعة المخاطر البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG) المترتبة على العروض المُتاحة في الأسواق المالية الأوروبية (الفقرة 54).
في الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في 19 يوليو 2024 بشأن الآثار القانونية الناشئة عن السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، خلصت المحكمة إلى أن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية غير قانوني بالكامل. ووجدت المحكمة أن إسرائيل انتهكت عددًا من قواعد القانون الدولي الآمرة، بما في ذلك حق تقرير المصير،[3] والقواعد الأساسية للقانون الدولي الإنساني، وحظر التمييز العنصري والفصل العنصري، وحظر الضم.
وتُشكّل هذه النتيجة تأكيدًا على أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة يمثل استخدامًا مستمرًا للقوة – ما يعني أنه عمل عدواني ذو طابع دائم.
هذا الإطار الطويل الأمد من عدم الشرعية تفاقم الآن بارتكاب أخطر الجرائم الدولية.
ففي الدعوى المنفصلة لعام 2024 بين جنوب أفريقيا وإسرائيل، رأت محكمة العدل الدولية (ICJ) أن هناك احتمالًا معقولًا بأن أفعال إسرائيل في غزة تنتهك اتفاقية الإبادة الجماعية، وأصدرت تدابير مؤقتة ملزمة تهدف إلى منع حدوث أضرار لا يمكن تداركها. وقد فعّلت هذه النتيجة التزامًا فوريًا ومميزًا لجميع الدول الأطراف في الاتفاقية (erga omnes partes) باستخدام جميع الوسائل المعقولة المتاحة لها لمنع الإبادة، استنادًا إلى وجود خطر جسيم بوقوعها.
وقد أصدرت المحكمة مجموعتين إضافيتين من التدابير المؤقتة، إلى جانب تصريحاتها التكميلية (obiter dicta) في قضية نيكاراغوا ضد ألمانيا بخصوص التزامات جميع الدول فيما يتعلق بنقل الأسلحة تحديدًا، مما يضع مسألة تفعيل واجب المنع خارج أي مجال للشك.
وقد أعادت هيئات شبه قضائية موثوقة ومنظمات حقوق الإنسان الرائدة التأكيد على هذه النتائج مرارًا، وكان آخرها لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية بالأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وإسرائيل، والتي خلصت إلى أن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية في غزة.
إن فشل الدول الثالثة في الالتزام بمسؤولياتها الدولية الناتجة عن الأفعال غير المشروعة لإسرائيل، وقربها المباشر من هذه الانتهاكات، يُشكل تحديًا خطيرًا لشرعية النظام القانوني الدولي، بما في ذلك المعايير التي تنظم مصالح المستثمرين ومسؤولياتهم، وهي معايير من المفترض أن تحميها لجنة الرقابة المالية في لوكسمبورغ (CSSF).
إن تجاهل هذه القواعد يُقوّض بشكل جوهري الثقة العامة والدولية في النظام القانوني الدولي، وهو النظام الذي استثمرت فيه الدول – ومنها لوكسمبورغ – على مدار عقود. [4]
ملخص المبادئ القانونية الرئيسية
أ. مسؤولية الدول الثالثة
تقع على عاتق الدول الثالثة التزامات إيجابية بالتعاون لإنهاء الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، إلى جانب التزامات بعدم الاعتراف بشرعية تلك الانتهاكات أو تقديم أي دعم أو مساعدة تُكرّس الوضع غير القانوني للاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، أو الأفعال الأخرى المخالفة للقانون الدولي والناجمة عنها.
يرتكز ذلك على ما يلي:
- المادتان 40 و41 من مشروع مسودة لجنة القانون الدولي حول مسؤولية الدول (ARISWA):
- بالنظر إلى الطابع غير القابل للانتقاص (non-derogable) والملزم للجميع (erga omnes) للانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، فإن جسامتها وطابعها المنهجي يُفعّلان ثلاث واجبات على جميع الدول:
- واجب التعاون: العمل على إنهاء الانتهاك، وهو التزام إيجابي بتحقيق نتيجة.
- واجب عدم الاعتراف: عدم الاعتراف بشرعية الوضع الناجم عن الفعل غير المشروع.
- واجب عدم المعونة والمساعدة: عدم تقديم أي دعم يساهم في الحفاظ على الوضع الناجم عن الانتهاك. [5]
- بالنظر إلى الطابع غير القابل للانتقاص (non-derogable) والملزم للجميع (erga omnes) للانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني، فإن جسامتها وطابعها المنهجي يُفعّلان ثلاث واجبات على جميع الدول:
- المادة 16 من مشروع مسودة لجنة القانون الدولي حول مسؤولية الدول:
- الدولة التي “تساعد أو تعين” دولة أخرى في ارتكاب فعل غير مشروع دوليًا تُعد مسؤولة دوليًا إذا كانت على علم بظروف الفعل، وكان الفعل ذاته غير مشروع.
- يمتد هذا الواجب ليشمل عدم المساعدة في الحفاظ على الوضع الناتج عن الفعل غير المشروع.
- عندما تكون الدول على علم بأن تصرفاتها قد تُساهم في ارتكاب فعل غير قانوني دوليًا أو في الحفاظ عليه، وتستمر في تلك التصرفات رغم ذلك، فهي تخرق بوضوح التزاماتها بموجب القانون الدولي العرفي.
- المادة 41: القانون الدولي العرفي والالتزامات الجماعية (erga omnes):
- يحظر القانون الدولي الانتهاكات الجسيمة للقواعد العرفية (مثل الاحتلال، الفصل العنصري، انتهاك حق تقرير المصير)، ويُلزم جميع الدول بعدم الاعتراف بشرعية تلك الأوضاع أو المساهمة في استمرارها، والتعاون في إنهائها.
وفي هذا الصدد، أشارت محكمة العدل الدولية إلى أن على الدول واجبًا في:
“الامتناع عن الدخول في علاقات اقتصادية أو تجارية مع إسرائيل فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة أو أجزاء منها والتي قد تُرسخ وجودها غير القانوني في الأراضي المحتلة… واتخاذ خطوات لمنع العلاقات التجارية أو الاستثمارية التي تُساعد في الحفاظ على الوضع غير القانوني الذي أنشأته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة”.[6]
كما كانت لوكسمبورغ واحدة من 124 دولة صوّتت لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم ES-10/24، إلى جانب 13 دولة أخرى من دول الاتحاد الأوروبي،[7] والذي رحّب برأي المحكمة الاستشاري الصادر في يوليو 2024. وقد جاء في القرار دعوة لجميع الدول إلى الالتزام بواجباتها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك:
“الامتناع عن الدخول في علاقات اقتصادية أو تجارية مع إسرائيل فيما يتعلق بالأراضي الفلسطينية المحتلة… واتخاذ خطوات لمنع العلاقات التجارية أو الاستثمارية التي تُساعد في الحفاظ على الوضع غير القانوني… واتخاذ تدابير لضمان أن لا يقوم مواطنوهم، أو الشركات والكيانات الخاضعة لولايتهم، أو سلطاتهم، بأي أعمال تُعتبر اعترافًا أو دعمًا أو مساعدة في الحفاظ على الوضع الذي أنشأته إسرائيل بشكل غير قانوني”.[8]
إذا وافقت السلطات المختصة في لوكسمبورغ على نشرة إصدار السندات مع العلم الكامل بأن هذا الفعل سيمكن إسرائيل من الوصول إلى أسواق رأس المال الأوروبية لتعزيز ميزانيتها -وهي ميزانية تموّل انتهاكات جسيمة للقانون الدولي- فإن مسؤولية لوكسمبورغ الدولية ستُفعّل.
تحديدًا، ستُعتبر متورطة في المساعدة والمساهمة في أفعال غير مشروعة دوليًا.
نظرًا للطبيعة الآمرة لقواعد jus cogens، فإنه لا يمكن لأي مصلحة أخرى -بما في ذلك الامتثال للقانون المحلي أو التزامات دولية أخرى- أن تُبرر الأفعال التي تُساعد أو تُساهم في ارتكاب انتهاكات جسيمة.
لا يجوز أن تتفوق المصالح الاقتصادية أو الالتزامات التنظيمية على الواجب الأساسي في منع الانتهاكات الخطيرة وعدم تسهيلها مثل العدوان أو الفصل العنصري.
قبول مثل هذه التبريرات يُقوّض الطبيعة غير القابلة للانتقاص والملزمة للجميع للقواعد الآمرة في القانون الدولي.
ب. واجب منع جريمة الإبادة الجماعية
أكدت محكمة العدل الدولية، في قرارها الصادر في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، على واجب جميع الدول في منع الإبادة الجماعية.
وهذا الواجب هو واجب سلوك، وليس نتيجة.
ويستلزم من جميع الدول اتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لتجنب أو إيقاف الإبادة من اللحظة التي تُدرك فيها أو كان يجب أن تُدرك فيها بوجود “خطر جسيم” بارتكاب إبادة.
قد تتحمّل الدولة المسؤولية إذا اتخذت إجراءات تُساهم في وقوع إبادة جماعية، أو أهملت اتخاذ التدابير المتاحة في وسعها لمنعها.
أشارت محكمة العدل الدولية مرارًا إلى أن:
“هناك إلحاح، بمعنى وجود خطر حقيقي ووشيك بإلحاق ضرر لا يمكن إصلاحه بالحقوق” – وهي حق الفلسطينيين في غزة بالحماية من أفعال الإبادة الجماعية. [9]
وقد أصدرت المحكمة ثلاث مجموعات من التدابير المؤقتة الواسعة النطاق لمنع تحقق هذا الخطر.
ويُصبح الخطر أكثر خطورة حين لا تمتثل الدولة المعنية لهذه التدابير، مما يُعرّض حق الفلسطينيين للحماية من الإبادة لمزيد من الانتهاك.
النفوذ الاقتصادي كأداة تأثير
العلاقات الاقتصادية لدولة ما مع طرف في نزاع تُعتبر مصدرًا مباشرًا للقدرة على التأثير. فمن خلال الموافقة على نشر سندات الدولة في الأسواق الأوروبية، تكون الجهة التنظيمية قد شاركت بشكل مباشر في تعزيز قدرة مصدر السندات (إسرائيل) على تمويل أنشطته.
وحيث أن هذه الأنشطة الممولة تشمل أفعالًا يُحتمل أن تُشكّل إبادة جماعية، فإن الجهة الحكومية التي تُسهّل، عن علم، الوصول إلى الموارد الاقتصادية اللازمة لاستمرار الخطر الجسيم للإبادة، تكون قد أظهرت تقصيرًا واضحًا في أداء واجب العناية الواجبة، وفشلًا في استخدام كل الوسائل المعقولة لمنع تلك الإبادة من قبل سلطاتها.
تطبيق هذه المبادئ على نظر لجنة CSSF في سندات إسرائيل
إن مراجعة لجنة الرقابة المالية (CSSF) لسندات إسرائيل ليست إجراءً إداريًا محايدًا، بل هي قرار ذو أثر قانوني وسياسي مباشر بموجب القانون الدولي على لوكسمبورغ، نظرًا لأن له تأثيرًا مباشرًا على ميزانية إسرائيل، وبالتالي على سلوكها.
فالهجمات العسكرية مكلفة ماليًا. والحصار، والإبادة الجماعية، والاحتلال غير القانوني تتطلب تمويلًا واسعًا.
توسيع المستوطنات غير القانونية، وتوفير السيطرة العسكرية والشرطية، وأعمال البنية التحتية، وبرامج الدعم والحوافز، يتطلب إنفاقًا ماليًا كبيرًا.
الحفاظ على نظام فصل عنصري قائم على القوة يتطلب دعمًا ماليًا وماديًا داخليًا وخارجيًا.
وغالبًا ما يتم تخصيص هذه المصاريف كجزء من الميزانية الوطنية للدولة، وقد يتم إصدار سندات حكومية لتمويل هذه النفقات، خاصة عندما تكون الإيرادات الحالية غير كافية.
في تصريحاتها العلنية، توضح إسرائيل بنفسها أن سندات إسرائيل تلعب دورًا مهمًا في الحفاظ على احتلالها غير القانوني بالقوة، وفي تمويل هجومها العسكري على غزة وارتكابها جريمة الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني؛ وكذلك في دعم نظامها القائم على التمييز العنصري والفصل العنصري، وأفعالها غير القانونية بموجب القانون الإنساني الدولي، وإنكارها لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
– يتضمن الموقعان العالمي والأوروبي لسندات إسرائيل رسالة من رئيس الدولة الإسرائيلي يدعو فيها إلى تقديم دعم ثابت للدولة اليهودية، ويؤكد على الدور الحاسم لسندات إسرائيل خلال هذه الفترة من الصراع والحرب. [10]
– وفي فبراير/شباط 2024، أوردت وكالة بلومبيرغ أن إسرائيل تستعد لـ”موجة إصدار سندات” لتمويل عمليتها العسكرية في غزة. [11]
– أما تقرير الدين السنوي لإسرائيل لعام 2024 فقد أشار إلى أن حرب “سيوف من حديد” أدّت إلى “استمرار زيادة الاحتياجات التمويلية”، نتيجة لتغيرات كبيرة في “أولويات الدولة الاقتصادية”، ما أدى إلى “زيادة في إصدار السندات وتعديلات مستمرة في إدارة الدين العام، بهدف ضمان الاستقرار المالي مع تمويل عمليات الحكومة بكفاءة”.[12]
– تم خلال عام 2024 جمع حوالي 9.3 مليار دولار من خلال “منظمة سندات إسرائيل”، أي ما يُعادل تقريبًا 3.3% من إجمالي إصدارات ديون الحكومة الإسرائيلية. [13]
سندات إسرائيل، كغيرها من الأدوات المالية، ذات طبيعة قابلة للاستبدال (fungible)، أي أن رأس المال الناتج عنها لا يمكن حصره أو تخصيصه لأغراض معينة. فهي تُموّل الميزانية العامة للدولة، بما في ذلك النفقات المخصصة لارتكاب ومواصلة انتهاكات جسيمة ومتكررة للقانون الدولي، والحفاظ على الأوضاع غير القانونية الناجمة عنها. [14]
وتشمل هذه الانتهاكات بالتحديد: الحفاظ على الاحتلال غير القانوني، ارتكاب جريمة الفصل العنصري، الانتهاكات المنهجية للقانون الإنساني الدولي (بما في ذلك توسيع المستوطنات وحصار غزة)، [15] وجريمة الإبادة الجماعية – وهي أفعال تتطلب مشاركة كافة أجهزة الدولة. استمرار هذه الانتهاكات يتطلب نفقات واسعة من وزارات مختصة (بما فيها، على سبيل المثال لا الحصر، وزارة الدفاع)، تُغطى من الميزانية العامة للدولة.
وبالتالي، أي مساهمة تُقدَّم في ميزانية الدولة، بالنظر إلى قابلية الأدوات المالية للاستبدال، تنطوي على خطر حتمي في تمويل الأفعال غير القانونية للدولة، والحفاظ على الأوضاع الناجمة عنها.
الموافقة على نشرة الإصدار: دعم مباشر للسلوك غير القانوني
إن الموافقة على نشرة إصدار سندات إسرائيل يُعد إدخالًا رسميًا لإسرائيل إلى سوق الأوراق المالية الأوروبية، مما يُعزز قدرتها على جمع رأس المال. [16]
وعائدات هذه السندات، نظرًا لقابليتها للاستبدال، تُحرر موارد مالية حكومية أخرى، وبالتالي تُساهم في دعم وتمكين أنشطة إسرائيل غير القانونية دوليًا في الأرض الفلسطينية المحتلة، والحفاظ على الوضع غير القانوني الناجم عنها.
وبالنظر إلى استنتاج محكمة العدل الدولية بوجود خطر معقول من ارتكاب إبادة جماعية، والإجماع الدولي الواسع -بما في ذلك من قبل الأمم المتحدة والمحكمة ذاتها- على عدم قانونية الاستيطان والاحتلال الإسرائيلي، فإن لوكسمبورغ ستكون، في حال الموافقة، على علم كافٍ بظروف الفعل.
وبالتالي، فإن تسهيل هذا النشاط الاقتصادي ينطوي على خطر ملموس بأن تُعتبر لوكسمبورغ قد أخلّت بالتزامها بعدم تقديم “المساعدة أو العون” بموجب المادة 16 من مشروع مواد لجنة القانون الدولي، وكذلك المادة 40 و41 المتعلقة بعدم تقديم المساعدة في الحفاظ على الوضع الناتج عن الفعل غير المشروع.
احتمال الإخلال بواجب منع الإبادة الجماعية
إن التدابير المؤقتة التي أصدرتها محكمة العدل الدولية تُنشئ سياقًا قانونيًا مُلزمًا وقويًا. فلوكسمبورغ، بصفتها طرفًا في اتفاقية الإبادة الجماعية، ملزمة باستخدام جميع الوسائل المعقولة المتاحة لها لمنع الإبادة إلى أقصى حد ممكن.
وفي هذه الحالة، من الوسائل الواضحة المتاحة لها: رفض الموافقة على نشرة إصدار السندات – وهي نشرة تهدف إلى تمكين إسرائيل من جمع رأس المال من المستهلكين الأوروبيين.
ويُعتبر رفض الموافقة على إدراج السندات أداة اقتصادية واضحة ومتاحة وفعالة، تقع ضمن القدرة الفعلية للوكسمبورغ.
الاستمرار في منح الموافقة قد يُفسَّر كإخفاق في استخدام هذه الوسيلة المتاحة للضغط من أجل الوقاية، وبالتالي قد يُشكّل خرقًا لالتزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية.
الاستنتاجات والتوصيات
استنادًا إلى التحليل القانوني الوارد أعلاه:
- إن الموافقة على نشرة إصدار سندات إسرائيل في الوقت الراهن تُعرّض لوكسمبورغ لخطر حقيقي بانتهاك التزاماتها بموجب القانون الدولي.
- وقد يُعتبر أن لوكسمبورغ:
- قدمت “مساعدة أو دعمًا” في الحفاظ على الاحتلال غير القانوني وغيره من الانتهاكات المحتملة للقانون الدولي، في خرق لمبدأ مسؤولية الدول الثالثة؛
- فشلت في الوفاء بواجبها في منع الإبادة الجماعية بعدم استخدامها لوسائل الضغط الاقتصادي المتاحة لها؛
- ساهمت في تفاقم النزاع القائم أمام محكمة العدل الدولية.
كما تُجيز اتفاقية الإبادة الجماعية للدول الأخرى الطعن في امتثال لوكسمبورغ لهذا الواجب أمام محكمة العدل الدولية، كما هو موضح في قضية نيكاراغوا ضد ألمانيا.
علاوة على ذلك، فإن فشل هيئة CSSF في تقييم المخاطر الجوهرية، بما في ذلك مخاطر البيئة والحوكمة والمجتمع (ESG)، والعمل بما يتوافق مع حقوق الإنسان الأساسية المنصوص عليها في الاتفاقيات الأوروبية والدولية، قد يُعد إخلالًا بواجبها بموجب لائحة نشرة الإصدار الأوروبية (EU Prospectus Regulation)، ما قد يُعرّض المشاركين في السوق الأوروبي لمخاطر قانونية مستقبلية كمساهمين في انتهاكات إسرائيل.
التوصيات
في ضوء هذه المخاطر القانونية الجسيمة، ووفقًا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي، يُوصى بشدة بأن:
- يرفض المجلس الحكومي في لوكسمبورغ الموافقة على نشرة إصدار سندات إسرائيل؛
- ويمتنع عن إدراج هذه السندات في السوق الأوروبية.
إن قرار رفض الموافقة سيكون ممارسة حكيمة ومشروعة لواجبات لوكسمبورغ كعضو مسؤول في المجتمع الدولي، ويُعزز التناسق بين سياستها المالية والتزاماتها القانونية الدولية، وكذلك مع المواقف والتعهدات التي التزمت بها لوكسمبورغ بشأن:
- عدم الاعتراف بسيادة إسرائيل على الأراضي المحتلة عام 1967؛
- انطباق قانون الاحتلال على تصرفات إسرائيل، والتزاماتها بموجب قانون النزاعات المسلحة (jus in bello)؛
- عدم مشروعية الاحتلال الإسرائيلي بموجب قانون استخدام القوة (jus ad bellum)، وما يترتب عليه من التزامات على الدول الثالثة؛
- الالتزامات الجماعية (erga omnes) للدول الثالثة فيما يتعلق بحق الفلسطينيين في تقرير المصير؛
- إضافةً إلى احترام القانون الدولي، كما فسرته محكمة العدل الدولية في آراءها الاستشارية لعام 2004 و2015،[17] وبيانات لوكسمبورغ المكتوبة في:
أ. الإجراءات الاستشارية المتعلقة بالآثار القانونية الناشئة عن السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية؛[18]
ب. والإجراءات الاستشارية بشأن التزامات إسرائيل في ما يتعلق بوجود ونشاطات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والدول الثالثة في الأرض الفلسطينية المحتلة. [19]
* تم إعداد هذا الرأي القانوني من قبل: الدكتورة شهد حموري، محاضرة في القانون الدولي بجامعة كِنت؛ السيدة هيلينا فان روسبروك، مستشارة قانونية دولية؛ الأستاذة تينداي أتشيومي، أستاذة القانون بجامعة ستانفورد والمقررة الخاصة السابقة للأمم المتحدة المعنية بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب؛ والدكتور جون رينولدز، أستاذ مساعد في جامعة ماينوث.
[1] مداخلات أكاديمية قانونية تطالب البنك المركزي الإيرلندي بوقف بيع سندات إسرائيل:
https://academicsforpalestine.org/2025/08/28/legal-academics-call-on-the-central-bank-of-ireland-to-block-sale-of-israel-bonds/; https://data.oireachtas.ie/ie/oireachtas/committee/dail/34/joint_committee_on_finance_public_expenditure_public_service_reform_and_digitalisation_and_taoiseach/reports/2025/2025-08-05_report-on-the-israeli-bond-programme_en.pdf ; and https://academicsforpalestine.org/2025/08/28/legal-academics-call-on-the-central-bank-of-ireland-to-block-sale-of-israel-bonds/ https://data.oireachtas.ie/ie/oireachtas/committee/dail/34/joint_committee_on_finance_public_expenditure_public_service_reform_and_digitalisation_and_taoiseach/reports/2025/2025-08-05_report-on-the-israeli-bond-programme_en.pdf
[2] لائحة الاتحاد الأوروبي رقم 2017/1129 الصادرة عن البرلمان الأوروبي ومجلس الاتحاد الأوروبي بتاريخ 14 يونيو 2017 بشأن نشر نشرة الإصدار عند عرض الأوراق المالية للعامة أو إدراجها في سوق منظم، والتي ألغت التوجيه 2003/71/EC.
[3] بيان لوكسمبورغ الشفوي في الرأي الاستشاري لـ”الأونروا” بشأن حق تقرير المصير، يعترف بالطبيعة الإلزامية الجماعية (erga omnes) لهذا الحق (الفقرتان 9–15): https://www.icj-cij.org/sites/default/files/case-related/186/186-20240222-ora-02-00-bi.pdf
[4] https://www.ohchr.org/en/statements-and-speeches/2024/09/un-experts-warn-international-order-knifes-edge-urge-states-comply
[5] https://legal.un.org/ilc/texts/instruments/english/commentaries/9_6_2001.pdf, p. 115, para. 11].
[6] انظر الفقرة 278. https://www.icj-cij.org/sites/default/files/case-related/186/186-20240719-adv-01-00-en.pdf
[7] https://documents.un.org/doc/undoc/gen/n24/270/46/pdf/n2427046.pdf
[8] المرجع السابق
[9] أوامر التدابير المؤقتة لمحكمة العدل الدولية: يناير (الفقرتان 74 و54)، مارس (الفقرة 40)، مايو (الفقرة 47)
[10] https://www.israelbonds.com/ ; https://israelbondsintl.com/].
[11]تقرير بلومبيرغ عن خطط إسرائيل لإصدار سندات لتمويل الحرب على غزة:
Galit Altstein, “Israel, Just Downgraded, Readies Bond Spree to Pay for War Against Hamas”, Bloomberg (11 February 2024), https://www.bloomberg.com/news/articles/2024-02-11/israel-just-downgraded-readies-bond-spree-to-pay-for-war-in-gaza-against-hamas].
[12] تقرير الدين السنوي لعام 2024 – وزارة المالية الإسرائيلية – وحدة إدارة الدين الحكومي:
https://www.gov.il/BlobFolder/dynamiccollectorresultitem/annual-debt-report-2024/en/files-eng_Annual-Debt-Reports_annual-debt-report-2024-accessible-version-en.pdf, (ص. 8 و28) وكذلك مذكرة المعلومات الخاصة ببرنامج إصدار السندات:
https://israelbondsintl.com/pdf/2024InformationMemorandum.pdf, ص 55
[13] المرجع نفسه، ص. 28
[14]المفوضية الأوروبية، إرشادات بشأن أهلية الكيانات الإسرائيلية وأنشطتها في الأراضي المحتلة للحصول على تمويل من الاتحاد الأوروبي:
https://eur-lex.europa.eu/LexUriServ/LexUriServ.do?uri=OJ:C:2013:205:0009:0011:EN:PDF,
نظرًا للطبيعة القابلة للاستبدال (“القابلية للتبادل”) الكامنة في أي “أداة مالية” — وهي خاصية تسببت في مشكلات محددة عند تقييم القيود التي ينبغي فرضها ضمن برنامج تمويل الأبحاث “Horizon 2020″، وذلك لضمان عدم تقديم دعم أو مساعدة في استمرار الأفعال غير المشروعة التي ترتكبها إسرائيل بموجب قانون النزاعات المسلحة (ius in bello) — لم يكن أمام المفوضية الأوروبية خيار سوى حصر أهلية الاستفادة من الأدوات المالية في “الكيانات الإسرائيلية” التي “لا تعمل في الأراضي المشار إليها في النقطة 2 [أي الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ يونيو/حزيران 1967، وتشمل مرتفعات الجولان وقطاع غزة والضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية].
[15] بيان لوكسمبورغ الشفوي في الرأي الاستشاري “الآثار القانونية الناجمة عن السياسات والممارسات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية”، ص. 45–46، الفقرات 23–25.
[16] لائحة الاتحاد الأوروبي رقم 2017/1129
[17] ] تصويت لوكسمبورغ لصالح القرار ES-10/24:
(https://documents.un.org/doc/undoc/gen/n24/270/46/pdf/n2427046.pdf)
[18] https://www.icj-cij.org/sites/default/files/case-related/186/186-20230721-wri-02-00-en.pdf, para. 24
[19] https://www.icj-cij.org/sites/default/files/case-related/196/196-20250228-wri-13-00-en.pdf, paras. 5-7, 17