سلسلة إعادة النظر في القانون الدولي بعد غزة:
الاحتلال غير المشروع كعدوان مستمر: إعادة النظر في الاستجابات القانونية في سياق فلسطين*
كتابة: إحسان عادل، مؤسس ورئيس منظمة القانون من أجل فلسطين ومحام دولي في طريقه للحصول على درجة الدكتوراه في ألمانيا
ترجمة: وداد حسين.
لفترة طويلة، اختبر الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين حدود القانون الدولي وفعاليته. ومع ذلك، فإن التطورات القانونية الأخيرة، وخاصة الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، عززت الدعوة إلى الاعتراف بأن هذا الاحتلال ليس فقط غير قانوني، وإنما أيضاً يمثل شكلا صريحا من أشكال العدوان. ويمثل هذا نقطة تحول مهمة. إن حظر العدوان يكمن في صميم النظام القانوني الدولي الذي تأسس بعد الحربين العالميتين؛ وارتكابه يشكل أحد أفظع الانتهاكات للنظام العالمي، ويهدد السلم والأمن الدوليين، ويجلب معه المسؤولية الجنائية الفردية. وباعتباره كذلك، يطالب القانون الدولي برد فوري وجماعي وحاسم. ومع ذلك، وعلى الرغم من الأدلة الساحقة على العدوان الإسرائيلي، كان المجتمع القانوني الدولي بطيئًا -بشكل خطير- في الاعتراف بحقيقة ممارسة إسرائيل لهذه الجريمة والتصرف بناءً عليها. الاحتلال غير المشروع غزة القانون الدولي
ولقد كان لهذا التأخير عواقب كارثية. فالاحتلال المستمر، الذي يمتد الآن لعقود من الزمن، لم يُحدث معاناة هائلة فحسب، بل إنه أدى أيضاً الى تقويض السلم والأمن الدوليين مراراً وتكراراً. والواقع أن الحريق الهائل الأخير في غزة والذي امتد الى المنطقة الأوسع نطاقاً، كان نتيجة مباشرة لهذا الفشل. ولو تحرك المجتمع الدولي بحزم، وطبق القانون الدولي بفعالية وبسرعة، لكان من الممكن منع الكثير من إراقة الدماء. ولكن المؤسف أن هذا الفشل لا يزال قائماً، حتى بعد شهرين من صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، وهو ما دفع 39 خبيراً في الأمم المتحدة للتحذير من أن “صرح القانون الدولي يقف على شفا الهاوية”. وفي الواقع، لا بد من أن يكون إحياء القانون الدولي ــ وإعادة التفكير النقدي في تطبيقه ــ في صميم خطابنا. ولابد أن يمتد هذا التفكير إلى ما هو أبعد من مجرد التفسير القانوني ليشمل الآليات والسبل المستخدمة لإنفاذ القانون الدولي.
العلاقة بين الاحتلال الإسرائيلي غير المشروع والعدوان: إعادة النظر في استخلاصات محكمة العدل الدولية
إن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن عدم قانونية الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يقدم أساسا قويا للاعتراف بأن هذا الاحتلال هو عمل عدواني. حيث أكدت المحكمة أن الاحتلال ينطوي بطبيعته على الاستخدام المستمر للقوة في أراضٍ أجنبية، وهو ما تحكمه قواعد قانون اللجوء إلى القوة –مجموعة القوانين الدولية التي تحكم شرعية استخدام القوة. وهذا الاستنتاج للمحكمة بالغ الأهمية؛ فبموجب تعريف الجمعية العامة للأمم المتحدة للعدوان والمادة 8 مكرر من نظام روما الأساسي، فإن أي استخدام غير قانوني للقوة، بما في ذلك الاحتلال والضم غير القانونيين، يشكل عدوانًا.
وقد أكدت محكمة العدل الدولية بشكل لا لبس فيه على أن أية ممارسة للسيطرة الفعلية من قبل قوة احتلال على الأرض يجب أن تلتزم بالحظر المفروض على استخدام القوة أو التهديد باستخدامها. ويُعدُّ انتهاك هذا المبدأ عملاً عدوانيًا. ووفقًا للمحكمة، فإن ضم إسرائيل المستمر للأراضي الفلسطينية، وتأكيدها على السيطرة الدائمة، وإعاقتها لتقرير المصير الفلسطيني، ينتهك المبادئ الأساسية للقانون الدولي، ويتجاوز حدود حالة الاحتلال المجرد، مما يجعل وجود إسرائيل في فلسطين غير قانوني. كما خلصت محكمة العدل الدولية إلى أن هذه الإجراءات تتعارض مع حظر استخدام القوة في العلاقات الدولية، ومبدأ عدم الاستيلاء على الأراضي بالقوة. وتشكل مثل هذه الانتهاكات خرقاً مباشرًا للمادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تحظر بشكل واضح التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد سلامة أراضي أي دولة أو استقلالها السياسي. وعلى الرغم من امتناع المحكمة عن وصف الاحتلال الإسرائيلي صراحةً بأنه عدوان، فإن استنتاجاتها بشأن الاحتلال غير القانوني تتوافق تماما مع التعريف القانوني للعدوان بموجب القانون الدولي.
لماذا تجنبت محكمة العدل الدولية استخدام مصطلح “العدوان” إذن؟
إن الإشارة الضمنية إلى أن تصرفات إسرائيل تشكل عدوانًا هي تسمية كانت المحكمة وغيرها من هيئات الأمم المتحدة مترددة منذ فترة طويلة في تبنيها، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى التداعيات السياسية الهامة. ومع ذلك، فقد حاججت العديد من الدول والمنظمات – بما في ذلك ناميبيا وجامعة الدول العربية ولبنان والجزائر وفلسطين – في مذكراتها المقدمة إلى المحكمة أن الاحتلال الإسرائيلي المستمر يعتبر شكلاً من أشكال العدوان. بالإضافة إلى ذلك، دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانسيسكا ألبانيزي إلى “تحول نموذجي”، مؤكدة أن الاحتلال الإسرائيلي هو مشروع “استحواذي متعمد”، ينطوي على استخدام غير قانوني للقوة، وبالتالي يمكن اعتباره عملاً من أعمال العدوان.
دعت المقررة الخاصة للأمم المتحدة فرانسيسكا ألبانيزي إلى “تحول نموذجي”، مؤكدة أن الاحتلال الإسرائيلي هو مشروع “استحواذي متعمد”، ينطوي على استخدام غير قانوني للقوة، وبالتالي يمكن اعتباره عملاً من أعمال العدوان.
ومما يجدر ذكره هنا، أن النهج الحذر الذي تتبناه محكمة العدل الدولية ليس غير مسبوق. فعلى الرغم من أوجه التشابه الواضحة بين الاحتلال غير القانوني والعدوان، فقد كانت المحكمة حذرة باستمرار في استخدام مصطلح “العدوان” في أحكامها. وحتى يومنا هذا، لم تستخدم المحكمة المصطلح صراحةً لوصف تصرفات أي دولة. ومن المرجح أن هذا التردد ينبع من الدور التقليدي للمحكمة في الفصل في النزاعات بين الدول، وبالتالي تجنب الحاجة إلى التعامل مع تعريف ومعايير العدوان، والذي يقود في نهاية المطاف إلى المسؤولية الجنائية الفردية. وعلاوة على ذلك، فقد يعكس هذا مبدأ الاقتصاد القضائي، حيث أن الإطار القانوني الذي يحكم استخدام القوة – المنصوص عليه في المادة 2 (4) والمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة – وقواعد القانون الدولي الآمرة، يعتبر أكثر رسوخًا.
ومع ذلك، كثيراً ما استشهدت محكمة العدل الدولية بمفهومي “الاستخدام غير المشروع للقوة” و”العدوان” بالتبادل في آرائها، مشيرة في كثير من الأحيان إلى قرار الجمعية العامة رقم 3314 بشأن تعريف العدوان وغيره من الأدوات القانونية الرئيسية لتوجيه أحكامها. فعلى سبيل المثال، في قضية احتلال أوغندا لأجزاء من جمهورية الكونغو الديمقراطية، تجنبت محكمة العدل الدولية وصف تصرفات أوغندا بشكل مباشر بالعدوان. ومع ذلك، استشهدت على نطاق واسع بتعريف العدوان لوصف انتهاك أوغندا للقانون الدولي، وخاصة انتهاكها لسلامة أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية واستخدامها غير القانوني للقوة أثناء احتلال إيتوري. وكذلك وصف العديد من القضاة، في آرائهم المنفصلة، تصرفات أوغندا صراحةً بأنها عدوان، مؤكدين على الصلة القانونية بين الاحتلال غير المشروع والعدوان. الاحتلال غير المشروع غزة القانون الدولي
وتميل محكمة العدل الدولية إلى تأطير انتهاكات السيادة والاستخدام غير القانوني للقوة في إطار أوسع، وتجنب الإشارة المباشرة إلى جريمة العدوان. ومع ذلك، فإن هذا النهج الحذر أصبح غير قابل للاستمرار على نحو متزايد في ضوء الوضع في فلسطين، حيث يهدد فشل النظام القانوني الدولي في التصرف بشكل حاسم بجعل مبادئه بلا معنى.
نهج مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة في التعامل مع العدوان
ومن الجدير بالذكر أن مجلس الأمن كان متردداً أيضا في استخدام مصطلح “العدوان” في سياقات معينة. فعلى سبيل المثال، أثناء احتلال أوغندا لجمهورية الكونغو الديمقراطية، نسخ المجلس تعريف العدوان عندما أدان احتلال أوغندا غير القانوني واستخدامها غير القانوني للقوة، لكنه امتنع عن وصفه صراحةً بالعدوان. وعلى النقيض من ذلك، في غزو جنوب أفريقيا لأنغولا عام 1976، حدد مجلس الأمن بسرعة انتهاك السيادة والسلامة الإقليمية باعتباره عملاً من أعمال العدوان، وهو ما يسلط الضوء على العوامل السياسية التي تؤثر على استخدام هذا المصطلح في الخطاب الدولي.
وعلى النقيض من ذلك، كانت الجمعية العامة أكثر حزماً في تطبيقها لهذا المصطلح. فقد وصفت عدة احتلالات، بما في ذلك احتلال جنوب أفريقيا لناميبيا، واحتلال البرتغال لغينيا بيساو، والغزو الروسي لأوكرانيا، بأنها أعمال عدوانية. ومن الجدير بالذكر أنه خلال الثمانينيات، أدانت الجمعية العامة احتلال إسرائيل للأراضي العربية باعتباره عدواناً، وطالبت بانسحاب إسرائيل الفوري وغير المشروط (وهو التصنيف الذي لم يُستخدم في سياق فلسطين منذ ذلك الحين، وخاصة بعد بدء ما يسمى بعملية السلام، التي فشلت بشكل كبير).
وبناءً على قرارات الجمعية العامة السابقة، يمكن استنتاج ثلاثة شروط لتحديد متى يشكل الاحتلال عدوانًا:
- انتهاك سلامة الأراضي والسيادة: يجب أن ينتهك الاحتلال سلامة أراضي الدولة المحتلة واستقلالها السياسي وسيادتها.
- إنكار حق تقرير المصير: يجب أن ينكر الاحتلال حق تقرير المصير للشعب الواقع تحت الاحتلال أو يعيقه.
- الطبيعة العدائية وغير المبررة: إن نطاق وشدة الوجود المستمر في الأراضي المحتلة عدائي وغير مبرر، ويتسم على سبيل المثال بادعاءات السيادة الدائمة، أو الخسائر الواسعة النطاق في الأرواح، أو التدمير الواسع النطاق للممتلكات، أو تشريد أعداد هائلة من اللاجئين.
إن هذه الشروط مستوفاة بوضوح في حالة احتلال إسرائيل لفلسطين، منذ بدايته وربما الآن أكثر من أي وقت مضى. فقد اعترف الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بانتهاك السيادة الفلسطينية، وإنكار حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والضم المستمر للأراضي الفلسطينية – وهي أفعال تفي بمعايير العدوان بموجب تعريف الجمعية العامة (حتى لو افترضنا أن الاحتلال الأولي في عام 1967 كان مشروعًا كرد فعل على تهديد أمني، فإن استمراره، في انتهاك للقانون الدولي وتقرير المصير الفلسطيني، كما خلصت محكمة العدل الدولية، يشكل الآن استخدامًا غير قانوني للقوة، أي: عدوان).
الحاجة الماسة إلى اتخاذ إجراءات قانونية في الوقت المناسب
إن فشل النظام القانوني الدولي، وخاصة الدول في مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، في الاعتراف بهذا الوضع باعتباره عدوانًا مستمرًا، وفرض سيادة القانون، سمح للعدوان بالتفاقم. لقد سمحت عقود من تقاعس المجتمع الدولي لإسرائيل بترسيخ احتلالها، وتعزيز سيطرتها على الأراضي الفلسطينية، وانتهاك حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير بشكل منهجي. إن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن فلسطين، وإن كان بشكل غير مباشر، يشير إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يُعدّ شكلاً من أشكال العدوان، وهذا الوصف له آثار بعيدة المدى. بموجب القانون الدولي، فإن العدوان هو خرق للمبدأ الأساسي الذي يرتكز عليه النظام القانوني بعد الحرب العالمية الثانية، وبالتالي فإن القيام به لا يمكن تبريره بمخاوف أمنية. إنه يشكل استخدامًا غير مشروع وغير مبرر للقوة، ويجب على المجتمع الدولي أن يعترف بهذا الواقع القانوني ويتعامل وفقًا لذلك. وإذا استمر هذا الوضع، وخاصة في ضوء الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، فإنه يشكل تهديدًا ليس فقط للشعب الفلسطيني، ولكن أيضًا لأسس وسلامة النظام القانوني الدولي نفسه.
إن فشل المجتمع الدولي، بما في ذلك دول الجنوب العالمي، في التحرك بسرعة وبشكل حاسم ضد الاحتلال سمح للنزاع بالتطور إلى أزمة إقليمية أوسع نطاقاً. ويمكن إرجاع العنف المستمر في مختلف أنحاء الشرق الأوسط بشكل مباشر إلى هذا الفشل الأولي في مواجهة العدوان الإسرائيلي بالرد الذي يتطلبه وفقاً للقانون الدولي. وعلاوة على ذلك، أدى تقاعس الدول إلى تآكل القيم الديمقراطية، حيث أصبح الانقسام المتزايد بين الرأي العام والسياسات الحكومية، إلى جانب قمع الأصوات المعارضة، أكثر وضوحاً في الشوارع والجامعات في أوروبا والولايات المتحدة. ولو تحرك المجتمع القانوني الدولي في الوقت المناسب، لكان من الممكن منع الكثير من العنف، بما في ذلك الإبادة الجماعية الأخيرة في غزة. وهذا لا يمثل فشلاً نظرياً للقانون الدولي فحسب، بل إنه فشل عملي في تطبيق القانون بشكل فعال وفي الوقت المناسب.
عندما أقرت الجمعية العامة بهذه الحقيقة القانونية والواقعية في ثمانينيات القرن العشرين، معتبرة الاحتلال الإسرائيلي عملاً عدوانياً، كان لذلك تداعيات كبيرة ـ وإن كانت نظرية إلى حد كبير في ذلك الوقت
وعندما أقرت الجمعية العامة بهذه الحقيقة القانونية والواقعية في ثمانينيات القرن العشرين، معتبرة الاحتلال الإسرائيلي عملاً عدوانياً، كان لذلك تداعيات كبيرة ـ وإن كانت نظرية إلى حد كبير في ذلك الوقت ـ عندما أعقبت هذا التصنيف بدعوة إلى العمل. ففي القرار 38/180أ (1983)، أدانت الجمعية العامة أي دعم سياسي أو اقتصادي أو عسكري يمكّن إسرائيل من إدامة احتلالها وأعمالها العدوانية. ودعا القرار إلى تعليق المساعدات العسكرية لإسرائيل وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية والتكنولوجية معها.
واليوم، وبعد مرور أربعين عاما، وفي ضوء الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية، كرر المجتمع الدولي هذه التوصيات من خلال قرار جديد للجمعية العامة للأمم المتحدة، يطالب باتخاذ التدابير اللازمة لوقف الاحتلال غير القانوني، والذي هو في جوهره عمل عدواني، وإن لم يتم تسميته صراحة بهذا الاسم في القرار. ولا ينبغي تكرار خطأ عدم الامتثال، ولا ينبغي السماح للجمود الذي استمر منذ ثمانينيات القرن الماضي، في ظل العدوان المستمر، بالحدوث مرة أخرى. الاحتلال غير المشروع غزة القانون الدولي
إعادة النظر في القانون الدولي: دعوة للعمل
يقودنا هذا إلى منعطف حاسم، وهو: الحاجة الملحة إلى إعادة النظر في تطبيق القانون الدولي في حالات العدوان والاحتلال غير القانوني. لا ينبغي أن يتطلب الأمر عقودًا أو خسائر فادحة في الأرواح للاعتراف بأعمال العدوان ومعالجتها. لقد استمر الاحتلال الإسرائيلي لفترة أطول مما ينبغي، محميًا بإطار قانوني بطيء متعمد في التصرف ومتردد في مواجهة الجهات الفاعلة القوية.
ولمعالجة هذه المشكلة، يتعين على المجتمع الدولي أن يطور آليات تضمن استجابة أسرع وأكثر حسماً للعدوان. أولاً، يتعين على المجتمع القانوني أن يتبنى موقفاً استباقياً، فيعترف بأن الاحتلال المطول هو عدوان، وخاصة عندما ينطوي على انتهاكات منهجية للسيادة وتقرير المصير. ثانياً، يتعين على الهيئات الدولية مثل الجمعية العامة ــ مع الاعتراف بالقيود المفروضة على مجلس الأمن بسبب حق النقض الذي فرضه على نفسه ــ أن تتخذ إجراءات سريعة وحاسمة في مثل هذه الظروف، وأن تحاسب الدول المعتدية دون تأخير غير مبرر، بما في ذلك من خلال محكمة العدل الدولية، كما حصل مh خلال رأيها الاستشاري الأخير. ولا ينبغي أن تعيق المخاوف الجيوسياسية الإجراءات القانونية الدولية بعد الآن.
وبالإضافة إلى الاعتراف بوضع المحتل غير الشرعي باعتباره معتدياً، من الضروري الاعتراف بأن نضال ومقاومة الشعب الواقع تحت هذا الاحتلال، بقدر ما تلتزم بقواعد القانون الدولي المعمول بها، هو نضال مشروع. ويجب رفض اضطهاد مثل هذه المقاومة من قبل قوات الاحتلال بشكل لا لبس فيه – وفقاً لما أكدته الجمعية العامة في السبعينيات والثمانينيات. وعلاوة على ذلك، فإن إصدار دعوات وهمية للمفاوضات بين الطرفين لا يخدم إلا إضفاء الشرعية على العدوان غير الشرعي. وبدلاً من ذلك، يجب أن ينصب التركيز على الدعوة للانسحاب الفوري والإنهاء الواضح للعدوان والاحتلال غير الشرعي.
وبموجب الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (الفقرة 274) وقواعد مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً، فإن الاستخدام غير القانوني للقوة يشكل انتهاكاً في مواجهة الكافة، مما يعني أن الدول تتحمل التزاماً بالعمل، ويشمل ذلك التصرف على المستوى الفردي للدول وكذلك من خلال المجموعات والمنظمات الإقليمية، لمنع استمرار العدوان. وهذا يستلزم اتخاذ تدابير ملموسة، مثل فرض العقوبات المستهدفة، وقطع العلاقات الدبلوماسية، والاستعانة بالولاية القضائية العالمية لمحاسبة جرائم العدوان، وضمان عدم تمكن الدول من التهرب من المساءلة من خلال النفوذ السياسي، من بين أمور أخرى. وعلاوة على ذلك، يجب على الدول ضمان المساءلة على المستوى الوطني، وتحميل مواطنيها وشركاتها المسؤولية عن مساعدة العدوان، سواء من خلال الخدمة في جيش الاحتلال أو الانخراط في أنشطة تمكّن الاحتلال غير القانوني من الاستمرار. ويتماشى هذا الالتزام مع القرار الأخير للجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن فلسطين، والذي يوصي، بحق، باتخاذ مثل هذه التدابير لوقف العدوان المستمر.
تتحمل الدول التزاماً بالعمل، ويشمل ذلك التصرف على المستوى الفردي للدول وكذلك من خلال المجموعات والمنظمات الإقليمية، لمنع استمرار العدوان. وهذا يستلزم اتخاذ تدابير ملموسة، مثل فرض العقوبات المستهدفة، وقطع العلاقات الدبلوماسية
وينبغي التنويه هنا بالدور الحيوي الذي يمكن أن تلعبه منظمات المجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية المحلية والإقليمية والدولية في هذا الصدد. وكما وصف ريتشارد فولك على نحو بليغ، فإن هناك حاجة إلى “شكل من أشكال التضامن النضالي” أو “النشاط النضالي” لتشكيل إرادة سياسية بين الشعوب من أجل إحداث تحدٍ حقيقي للسياسات القائمة.
الخاتمة
إن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين يمثل أحد أكثر الأمثلة فظاعة للعدوان المطول في التاريخ الحديث. إن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يقربنا من الاعتراف بهذا الاحتلال على حقيقته، باعتباره عملا عدوانيا مستمرا، ولكن المجتمع القانوني الدولي يجب أن يذهب إلى أبعد من ذلك. فنحن بحاجة إلى إعادة التفكير في القانون الدولي لكي يعطي الأولوية للاستجابة في الوقت المناسب للعدوان، وضمان عدم تمكن أي دولة، مهما كانت قوتها، من ارتكاب أعمال عدوانية دون مواجهة عواقب قانونية. الاحتلال غير المشروع غزة القانون الدولي
إن الدرس المستفاد من غزة والمنطقة بأسرها واضح: إن تأخير تحقيق العدالة ليس عدالة على الإطلاق. إن الفشل في وقف العدوان الإسرائيلي على فلسطين لم يُطِل من معاناة الشعب الفلسطيني فحسب، بل زرع بذور الدمار للنظام القانوني الدولي برمّته. والآن هو الوقت المناسب لإعادة التفكير، بل والتحرك الحاسم.
* تم نشر هذا المقال أولا بالإنجليزية في مدونة Opinio Juris.
قامت بإعداد هذه الترجمة للغة العربية: وداد حسين، لصالح القانون من أجل فلسطين. الاحتلال غير المشروع غزة القانون الدولي