من الإفلات من العقاب إلى المساءلة: منظمة القانون من أجل فلسطين تستضيف ندوة جانبية في المحكمة الجنائية الدولية يتناول دور الدول الأعضاء في دعم استجابة المحكمة للوضع في فلسطين
لاهاي ـ 6 ديسمبر/كانون أول 2024: استضافت منظمة القانون من أجل فلسطين، بالتعاون مع الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان – فلسطين، ودولة فلسطين، وجمهورية كولومبيا، ندوة جانبية خلال الدورة الثالثة والعشرين لجمعية الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية. وكان الهدف من الندوة، التي حملت عنوان “من الإفلات من العقاب إلى المساءلة: دور الدول الأعضاء في المحكمة الجنائية الدولية في دعم استجابة المحكمة للوضع في فلسطين”، تعزيز نداءات الضحايا الحاسمة من أجل العدالة، وتناول التحديات التي تواجهها المحكمة الجنائية الدولية، ومناقشة الخطوات التي يجب على الدول الأعضاء في جمعية الدول الأطراف اتخاذها لضمان المساءلة وتعزيز قدرة المحكمة الجنائية الدولية على معالجة انتهاكات القانون الدولي.
وقد بدأت الفعالية، التي حضرها جمع مهيب من الدوبلوماسيين والباحثين والحقوقيين، وأدارتها أنيشا باتيل (عضوة مجلس إدارة القانون من أجل فلسطين وباحثة دكتوراه)، بكلمات افتتاحية ألقاها السفير عمار حجازي (ممثل فلسطين لدى مملكة هولندا وسفير فلسطين لدى المنظمات الدولية في لاهاي)، والسفير خوان خوسيه كوينتانا (نائب الممثل الدائم لبعثة كولومبيا في نيويورك)، وعمار دويك (المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان). وشارك في الندوة خمسة متحدثين بارزين: د. أحمد مخللاتي (جراح فلسطيني ورئيس قسم الحروق والجراحة التجميلية في مستشفى الشفاء في غزة)، وشانتال ميلوني (الممثلة القانونية لضحايا غزة في المحكمة الجنائية الدولية)، وكينيث روث (أستاذ زائر في كلية برينستون للشؤون العامة والدولية والمدير التنفيذي السابق لمنظمة هيومن رايتس ووتش)، وحسان بن عمران (عضو مجلس إدارة القانون من أجل فلسطين وباحث دكتوراه)، وجوليا بينزاوتي (خبيرة في القانون الجنائي الدولي والمحاكم الدولية).
كلمة الافتتاح لعمار دويك
أكد عمار دويك على ضرورة التحرك الجماعي لتخفيف معاناة الضحايا الفلسطينيين. ووصف إصدار المحكمة الجنائية الدولية لمذكرات الاعتقال بأنها خطوة حاسمة ولكنها غير كافية نحو العدالة، وحث المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية على توسيع التحقيقات لتشمل جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتُكبت منذ فترة طويلة في فلسطين. ودعا دويك إلى إدراج الأحداث التي سبقت أكتوبر/تشرين أول 2023، والتي تعود إلى عام 2014، لضمان المساءلة الشاملة.
وتحدث دويك بالتفصيل عن الفظائع التي وثقتها الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، بما في ذلك التعذيب والتهجير القسري واستهداف المدنيين، والتي تم توثيقها من خلال أكثر من 1000 شهادة تم جمعها في ظروف خطيرة – شهادات كلفت بعض موظفي الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان سلامتهم. وشدد على دور المحكمة الجنائية الدولية كمنارة للأمل، ودعا إلى حشد الدعم السياسي والدبلوماسي لحماية مصداقيتها وتنفيذ أحكامها. وفي ختام كلمته، أكد دويك على أن التاريخ سيحكم على الأفعال، وليس الأقوال، في السعي لتحقيق العدالة.
التاريخ لن يحكم على الأقوال بل على الأفعال المتخذة في السعي إلى تحقيق العدالة
كلمة السفير عمار حجازي
أشار السفير عمار حجازي إلى هذه اللحظة باعتبارها اختباراً محورياً للعدالة الدولية، مسلطاً الضوء على الاختيار بين التمسك بسيادة القانون أو الخضوع لنظام عالمي مهيمن وتمييزي. وانتقد المعايير المزدوجة في المساءلة الدولية، مستشهداً باعتراف أحد أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي بأن دعم القوى الغربية لتأسيس المحكمة الجنائية الدولية لم يكن قط يهدف تطبيق القانون على القوى الغربية.
ورأى حجازي أن قضية فلسطين تمثل تحديا أخلاقيا وقانونيا للمجتمع الدولي، محذراً من أن الفشل في التصرف من شأنه أن يشجع الإفلات من العقاب على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية. ودعا إلى دعم ثابت لاستقلال المحكمة الجنائية الدولية ونزاهتها، ورفض الاستثناءات من المساءلة. وفي الختام، أكد حجازي على التزام فلسطين بالعدالة كواجب أخلاقي ومسؤولية تاريخية.
كلمة السفير خوان خوسيه كوينتانا
من جهته، أدان السفير خوان خوسيه كوينتانا الإبادة الجماعية وجرائم الحرب المستمرة في غزة، معربًا عن إحباطه إزاء التقاعس العالمي وشلل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وانتقد عرقلة القرارات التي تعالج الأزمة من خلال الذهاب إلى مناقشات حول الدلالات والمعاني، مما قوض من أهميتها.
وأشاد كوينتانا بتفسير جنوب إفريقيا لاتفاقية الإبادة الجماعية، التي تضع واجب منع الإبادة الجماعية كالتزام قابل للتنفيذ على جميع الدول الأطراف. وحث الدول على اتخاذ إجراءات حاسمة لدعم العدالة الدولية ومنع المزيد من الفظائع.
شهادة الدكتور أحمد مخللاتي
بصفته جراح تجميل وترميم، روى الدكتور أحمد مخللاتي التأثير الكارثي للإبادة الجماعية الأخيرة على نظام الرعاية الصحية في غزة. ووصف مخللاتي إصابات الحروق غير المسبوقة الناجمة عن أسلحة غير تقليدية عالية الحرارة. وقال إنه في غضون ثلاثة أسابيع، استقبل مستشفى الشفاء أكثر من 90 مريضًا مصابًا بالحروق، وكان العديد منهم مصابين بجروح تغطي أكثر من 30٪ من أجسادهم، فيما واجه الأطباء نقصًا حادًا في الموارد أدى إلى معدل وفيات بلغ 80٪ بين ضحايا الحروق.
وسلط مخللاتي الضوء على الظروف المزرية أثناء الاحتلال الإسرائيلي لمستشفى الشفاء، حيث تم تدمير المرافق الحيوية، وإجلاء المرضى والموظفين قسراً، مما أدى إلى وفيات كان من الممكن منعها. ودعا مخللاتي إلى المساءلة الدولية عن الاستهداف المنهجي للبنية التحتية الطبية والعاملين.
كلمة شانتال ميلوني
تحدثت شانتال ميلوني، الممثلة القانونية لضحايا غزة لدى المحكمة الجنائية الدولية، عن النضال القانوني المطول لمعالجة الانتهاكات في فلسطين. وسلطت الضوء على معالم بارزة مثل محاولة فلسطين في عام 2009 الانضمام للمحكمة الجنائية الدولية، والتصديق على نظام روما في عام 2015، والتحقيقات اللاحقة للمحكمة الجنائية الدولية.
شددت ميلوني على ضرورة توسيع التهم أمام المحكمة لتشمل الجرائم ضد الإنسانية، مثل الاضطهاد والفصل العنصري، إلى جانب جرائم الحرب. وقد دافعت عن أهمية المساءلة لتشمل نطاقا أوسع من الجناة، وأكدت على الحاجة إلى خطاب قائم على الحقوق لضمان العدالة للأجيال القادمة.
مداخلة كينيث روث
تناول كينيث روث محاولات خلق “استثناء إسرائيلي” لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وركز على التحديات التي تواجه أوامر الاعتقال، والتهديدات التي تعيق تنفيذها، والتدابير الانتقامية ضد مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية. وانتقد روث دولاً مثل ألمانيا وإسرائيل لتقويضها لدولانية فلسطين وإثارتها لمزاعم التكامل لعرقلة إجراءات المحكمة الجنائية الدولية.
كما أدان روث العقوبات والتهديدات ضد مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، وحث الدول على مقاومة التدخل السياسي، وإنفاذ الأحكام القانونية ضد محاولات العرقلة، ومحاسبة مرتكبي جرائم الحرب. واستعان روث بقضايا تاريخية مثل محاكمة تشارلز تايلور، وأكد على أهمية الحفاظ على نزاهة المحكمة الجنائية الدولية.
أدان روث العقوبات والتهديدات ضد مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، وحث الدول على مقاومة التدخل السياسي
كلمة حسان بن عمران
ركز حسان بن عمران على التداعيات القانونية الدولية للإبادة الجماعية المستمرة في غزة. واستشهد بتصريحات وأفعال المسؤولين الإسرائيليين، وجادل بأن سلوكهم يفي بالمعايير القانونية للإبادة الجماعية بموجب القانون الدولي، مشيرًا إلى سوابق مثل قضية البشير.
وحث بن عمران المحكمة الجنائية الدولية على تضمين تهم الإبادة الجماعية في مذكرات الاعتقال، ودعا إلى اتخاذ إجراءات دولية حاسمة لمواجهة ممارسات الإبادة الجماعية. وانتقد تقاعس المجتمع الدولي وأكد على الحاجة الملحة إلى دعم حقوق الإنسان ومبادئ القانون الدولي.
كلمة جوليا بينزاوتي
أكدت جوليا بينزاوتي على التزام الدول بالامتثال الكامل للقرارات القضائية، وخاصة فيما يتعلق بتنفيذ مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية. وأكدت على أن الالتزام يجب أن يكون غير مشروط وخاليًا من الاعتبارات السياسية.
وسلطت بينزاوتي الضوء على دور الدول في صياغة القانون الدولي، مشيرة إلى تأثير ذلك على المعايير القانونية. واختتمت كلمتها بحث الدول الأطراف في نظام روما على الوفاء بالتزاماتها، محذرة من أن عدم الامتثال يقوض نزاهة ومصداقية نظام العدالة الدولي.