“القانون من أجل فلسطين” تعقد ندوة مع الخبراء لتحليل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي والخطوات التالية المحتملة
استضافت منظمة قانون من أجل فلسطين، بالتعاون مع جدلية، يوم الإثنين 29 تموز/يوليو 2024 حلقة نقاشية بعنوان: تحويل الحِبر إلى عمل: مناقشة الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن فلسطين والخطوات التالية. وقد تناولت الندوة تحليل الرأي الاستشاري التاريخي لمحكمة العدل الدولية، والذي تناول الطابع غير القانوني للاحتلال الإسرائيلي المطول للأراضي الفلسطينية، وحدد التدابير المتوقعة لإنهاء الاحتلال، بما في ذلك مسؤولية الدول الثالثة وأجهزة الأمم المتحدة.
أدارت الحوار أنيشا باتيل، عضوة مجلس إدارة منظمة قانون من أجل فلسطين، وشارك فيه ثلاثة خبراء: أرضي إمسيس، أستاذ القانون الدولي بجامعة كوينز والمستشار القانوني لدولة فلسطين في الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية (2024)؛ ومايكل لينك، أستاذ مشارك في كلية الحقوق بجامعة ويسترن والمقرر الخاص السابق للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية المحتلة؛ وشهد الحموري، محاضرة في القانون الدولي بجامعة كينت ومستشارة قانونية في منظمة القانون من أجل فلسطين.
أرضي إمسيس: الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لحظة غير مسبوقة تُحدث تحولاً جذرياً في القانون الدولي
وصف أرضي إمسيس الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بأنه لحظة غير مسبوقة، حيث أحدث تحولاً جذرياً في القانون الدولي بشأن إسرائيل وفلسطين. وأوضح إمسيس أن محكمة العدل الدولية وصفت في هذا الرأي وجود الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة بأنه غير قانوني ككل، وليس مجرد الانتهاكات الفردية المنفصلة لقوانين الحرب أو قانون حقوق الإنسان، والتي تم توثيقها لعقود من الزمن؛ حيث يؤدي هذا الوجود غير القانوني للدولة المحتلة إلى عواقب والتزامات قانونية على إسرائيل والدول الثالثة والأمم المتحدة.
وبين إمسيس أن الالتزام الأول والأهم على إسرائيل، وفقاً لمحكمة العدل الدولية، هو إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية بأقصى سرعة ممكنة، وأوضح أن هذا الالتزام أحادي الجانب وغير مشروط ولا يمكن إخضاعه للمفاوضات. كما ذكرت المحكمة أن إسرائيل ملزمة بتقديم أشكال التعويضات المناسبة عن الأضرار التي لحقت بالأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين بسبب وجودها غير القانوني، ووفقاً لإمسيس، حددت محكمة العدل الدولية بعض التعويضات بما في ذلك إعادة الممتلكات وعودة لاجئي عام 1967. وأضاف أن محكمة العدل الدولية أشارت إلى أنه عندما تتعذر العودة مادياً، تكون الدولة المحتلة ملزمة بتقديم أشكال مناسبة من التعويضات.
وفي استحضاره لانتهاكات إسرائيل للقواعد الآمرة التي بموجبها تتحمل الدول الثالثة مسؤولية خاصة، بين إمسيس أن الدول الثالثة ملزمة بعدم الاعتراف بشرعية وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، التي تشمل الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة. وذكر إمسيس أن تقرير مصير الشعب الفلسطيني يقع في قلب هذه القضية، وأن الشيء الوحيد الذي يمنع الفلسطينيين من ممارسة السيادة الكاملة على أراضيهم ومواردهم الطبيعية هو أفعال القوة المحتلة المعتدية، إسرائيل، بتواجدها غير القانوني، حيث أن وجودها كقوة محتلة في الأراضي الفلسطينية غير قانوني، ما يعني أنها موجودة هناك كقوة معتدية، وبالتالي فإن الدول الثالثة ملزمة بعدم مساعدة أو دعم استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأوضح إمسيس أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية سيؤثر على العلاقات الثنائية بين إسرائيل والدول الثالثة، والتي يتعين عليها مراجعة علاقاتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدبلوماسية مع إسرائيل. وذكر أن حظر تجارة الأسلحة مطروح على الطاولة، خاصة وأن المجمع الصناعي العسكري الإسرائيلي استخدم الأرض الفلسطينية المحتلة، منذ أجيال، كأرض تدريب لقواته وتكنولوجياته العسكرية، قبل بيعها للعالم، باعتبار أنه تم اختبارها في المعارك.
أوضح إمسيس أن الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية سيؤثر على العلاقات الثنائية بين إسرائيل والدول الثالثة، والتي يتعين عليها مراجعة علاقاتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية والثقافية والدبلوماسية مع إسرائيل.
وانتقالاً إلى التزامات الأمم المتحدة الناشئة عن هذا الرأي الاستشاري، أكد إمسيس أن الجمعية العامة للأمم المتحدة على وجه الخصوص، ومجلس الأمن أيضاً، يجب أن يحددا الطرق لإنهاء الوجود الإسرائيلي غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة، وجادل إمسيس أن الرأي الاستشاري يحمل وزناً جوهرياً بسبب اعتماده على القانون الدولي العرفي، والسلطة التي تمتلكها محكمة العدل الدولية، فهي محكمة أنشئت للحكم في مسائل القانون الدولي، ووافق المجتمع الدولي على الالتزام بأحكامها.
واختتم إمسيس مداخلته بقوله أن هذا الرأي الاستشاري قد يكون أكثر تأثيراً من سابقه في عام 2004 نظراً لنطاقه الواسع، وأنه بمجرد مراجعة الدول للرأي المذكور، يمكننا أن نتوقع تغييرات جوهرية في كيفية التعامل مع إسرائيل، التي أصبحت الآن دولة تمييز وفصل عنصري وأبارتهايد، على المستوى الدولي. وأكد على إمكانية أن يكون هذا الرأي الاستشاري بمثابة الريح التي تحرك أشرعة حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) والدور الحاسم الذي سيلعبه المجتمع المدني في الحفاظ على الضغط وفرض التكلفة على إسرائيل، لقيامها بممارسة الفصل العنصري والأبارتهايد في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
مايكل لينك: الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية أداة حاسمة لإنفاذ القانون الدولي وتعزيز العدالة
أعرب لينك عن تشكيكه في امتثال إسرائيل للرأي الاستشاري، وناقش التداعيات المحتملة على إسرائيل إذا استمرت في تجاهل توجيهات محكمة العدل الدولية، بما في ذلك العزلة الدولية المتزايدة والضغوط من مختلف الجهات الفاعلة العالمية، مثل الدول ومنظمات المجتمع المدني، وقد يتجلى هذا الضغط في العقوبات الاقتصادية والتوبيخ الدبلوماسي وغيرها من التدابير الهادفة إلى إجبار إسرائيل على الالتزام بالمعايير القانونية الدولية. وأقر لينك بشمولية الرأي الاستشاري، كما وضعَه في سياق العدوان المستمر على غزة، وتوقع أن تتخذ الدول في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وخاصة دول الجنوب العالمي، إجراءات فيما يتعلق بإسرائيل.
ورسم لينك أوجه تشابه بين الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 2024 بشأن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية، ورأي المحكمة ذاتها لعام 2019 بشأن إنهاء الاستعمار غير المكتمل للمملكة المتحدة لأرخبيل تشاغوس. ففي رأيها بشأن تشاغوس، استخدمت محكمة العدل الدولية نفس المفردات القانونية التي استخدمتها فيما يتعلق باحتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية المحتلة، حيث قررت أن إسرائيل يجب أن تنسحب “بأقصى سرعة ممكنة”، وأوضح مايكل أن الجمعية العامة للأمم المتحدة تتعامل مع المواقف على أساس كل حالة على حدة، ولكنها بتحديدها مهلة ستة أشهر للمملكة المتحدة للانسحاب من أرخبيل تشاغوس، أنشأت سابقة لما يُفهم على أنه انسحاب “سريع” استجابة لرأي استشاري. ويتوقع لينك أن أحد الأشياء التي قد نراها من الجمعية العامة هو تحديد تاريخ محدد يتعين على إسرائيل بحلوله إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية المحتلة، والعواقب التي قد تترتب على عدم امتثال إسرائيل لذلك.
وفيما يتعلق بدور مجلس الأمن، أشار مايكل لينك إلى المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة، التي تسمح لمجلس الأمن بسحب عضوية دولة في الأمم المتحدة، وأوضح أن مجلس الأمن هو الوحيد الذي يمكنه طرد دولة عضو من الأمم المتحدة. لكن الجمعية العامة لديها القدرة على فرض قيود على الدولة لعدم امتثالها لقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة وغيرها من الانتهاكات. وأشار إلى أننا قد نرى الدول تلجأ إلى هذا الإجراء إذا استمرت إسرائيل في ادعاء أن ممارساتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة قانونية وتحدي قرارات مجلس الأمن بشأن الضم، وعدم شرعية المستوطنات، وتطبيق اتفاقية جنيف الرابعة.
وصرح مايكل بأن تفسيره لرأي محكمة العدل الدولية هو أن التشريعات التمييزية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة تشكل فصلاً عنصرياً وأبارتهايد، لأنها تمارس “تمييزًا منهجيًا على أساس العرق أو الدين أو الأصل العرقي” في انتهاك للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وكذلك المادة 3 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.
سلّط لينك الضوء على الدعوات الأخيرة من المجتمع المدني لإعادة تشكيل اللجنة الخاصة للأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري، ويتوقع لينك أن تتمكن الجمعية العامة من مناقشة هذا الأمر في ضوء الرأي الاستشاري.
كما فَصّل لينك جوانب الرأي التي تُفَصِلُ الإجراءات المحددة التي اتخذتها إسرائيل، والتي أسست لرأي المحكمة بشأن قضية الفصل العنصري، بما في ذلك التفتيت المادي للقدس الشرقية والضفة الغربية، والأنظمة القانونية المختلفة وغير المتكافئة التي تحكم المستوطنين والشعب الفلسطيني في الأراضي الفلسطينية المحتلة، مسلطاً الضوء على الدعوات الأخيرة من المجتمع المدني لإعادة تشكيل اللجنة الخاصة للأمم المتحدة لمناهضة الفصل العنصري، ويتوقع لينك أن تتمكن الجمعية العامة من مناقشة هذا الأمر في ضوء الرأي الاستشاري.
واختتم لينك قوله بالتأكيد على أهمية الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية كأداة حاسمة لإنفاذ القانون الدولي وتعزيز العدالة للشعب الفلسطيني، وذكر أنه يجب أن تكون هناك تكلفة على إسرائيل وتدابير للمساءلة لإنهاء احتلالها غير القانوني المطول، ودعا لينك المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤوليته بجدية لضمان الامتثال لأحكام المحكمة، مسلطاً الضوء على الآثار الأوسع نطاقاً على الحوكمة العالمية وسيادة القانون.
شهد الحموري: الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يؤكد على خطورة ومنهجية وطول أمد والطبيعة الهيكلية للانتهاكات التي ارتكبتها دولة إسرائيل
أبرزت الحموري خطورة ومنهجية وطول أمد والطبيعة الهيكلية للانتهاكات التي ارتكبتها دولة إسرائيل، وذكرت أن الرأي أكد على عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي ودعا الدول الثالثة إلى الامتناع عن التعاملات الاقتصادية مثل العلاقات التجارية أو الاستثمارية التي قد ترسّخ الوجود غير القانوني لإسرائيل في المنطقة. ورأت الحموري أن هذا يشير إلى أن المحكمة تتصور مسؤولية الدول الثالثة على أنها أكبر مما كان يُعتقد سابقاً، بما في ذلك الامتناع عن المساهمة في اقتصاد الحرب الإسرائيلي ككل، وليس فقط جوانب معينة منه.
وأوضحت الحموري أن هذه الخطوات يجب أن تتخذها الدول الثالثة، بالإضافة إلى الاستجابة لدعوات حظر الأسلحة والعقوبات الاقتصادية، حيث أن لدى الدول واجباً نشطاً لتقييم وقياس نفوذها للتأثير على اقتصاد الحرب الإسرائيلي واستدامة هذه الانتهاكات الجسيمة. وانتقدت الحوري التمييز الذي تمارسه ألمانيا بين الأسلحة والأجزاء العسكرية الأخرى، بحجة أن هذا التكتيك يستخدم لإخفاء مساهمات الدول في اقتصاد الحرب الإسرائيلي واستمرار الانتهاكات. وأكدت الحموري أن المحكمة أكدت بوضوح أن المخاوف الأمنية لا يمكن فهمها على أنها تتجاوز الالتزامات القانونية الدولية، ودعت الحموري الدول إلى معالجة تورطها في أعمال إبادة جماعية محتملة كمسألة امتثال للقانون الدولي.
وعلاوة على ذلك، ذكرت الحموري أن مجموعات المجتمع المدني في هذه الدول تلعب دوراً مهماً في هذه العملية، وحثت منظمات المجتمع المدني على المطالبة بالشفافية من الدول، ودعوة الدول إلى إعادة تقييم مساهماتها في اقتصاد الحرب الإسرائيلي ووقف دعمها، وأكدت أن هذا أمر ضروري لمحاسبة الدول وتعزيز الالتزام بالقانون الدولي.
بموجب القانون الجنائي الدولي، ليس من المستبعد محاكمة شركات مثل مصنّعي الأسلحة بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية
وأكدت الحموري على حقيقة أن الشركات أيضا تتحمل واجبات بموجب القانون الدولي، حتى عندما لا تمتثل الدول. وأشارت إلى أن مجموعة العمل المعنية بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان أرسلت مؤخراً رسائل تحذيرية إلى بعض أكبر منتجي الأسلحة في العالم، وأنه بموجب القانون الجنائي الدولي، ليس من المستبعد محاكمة شركات مثل مصنّعي الأسلحة بتهمة التواطؤ في الإبادة الجماعية
وفي النهاية، أكدت شهد الحموري على أنه من الضروري ضمان تنفيذ هذه الالتزامات بالفعل وضمان تأثير لغة القانون الدولي ليس فقط من خلال عمل الدول، ولكن أيضا من خلال حركة الشارع.
واختتمت حلقة النقاش بالتركيز على الرأي الاستشاري كأداة لبناء المسار نحو العدالة وتعزيز بنية هيكلية تعترف بالعدالة بدلاً من الركوع أمام القوة. وأكد المتحدثون على أهمية التضامن الدولي والحاجة إلى جهد منسق لدعم القانون الدولي، بما في ذلك من قبل الدول الثالثة والأمم المتحدة والمجتمع المدني، لضمان الوفاء بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.