بعد 10 سنوات من دراسة الإبادة الجماعية للروهينجا: ما يتكشف في فلسطين مشابه بشكل فظيع
ل: بيني جرين
أستاذة القانون والعولمة في جامعة كوين ماري في لندن
تويتر @pennyjgreen
عندما بدأت البحث عن الإبادة الجماعية للروهينجا مع زملائي في عام 2012، كان هناك ما بين 1.2 و1.4 مليون من الروهينجا يعيشون في ولاية راخين Rakhine في غرب ميانمار. هذا العدد الآن يقل عن 300 ألف، وأولئك الذين بقوا يعيشون في حالة من الخوف و”الحياة الجرداء”. في وسط راخين، يعاني 150 ألفًا من الروهينجا في معسكرات اعتقال مزرية، ويحتجز آلاف آخرون في الجيتوهات – الأحياء الفقيرة أو القرى التي على هيئة سجن بعد أعمال الإبادة الجماعية ضد مجتمعاتهم في عام 2012. وأصبحت ولاية راخين الشمالية مقبرة للمسلمين في عام 2017 عندما تم قتل الغالبية العظمى من الروهينجا الذين عاشوا هناك أو تم طردهم قسرياً. يعيش هؤلاء الروهينجا الذين فروا في أكبر مخيم للاجئين في العالم في بنغلاديش، ولا يزالون غير قادرين على العودة إلى قراهم المدمرة. والآن يعرّف العديد من العلماء والناشطين وممارسي حقوق الإنسان طبيعة الدولة الوحشية والعنف الاجتماعي الذي مورس على الروهينجا باعتباره إبادة جماعية. لكن في عام 2014، كانت فقط المبادرة الدولية لجرائم الدولة (ISCI 2015) والباحثان زارني وكولي (2015) حددوا وحذروا من أن الإبادة الجماعية كانت تتكشف، وأن مرحلة الإبادة الجماعية ستتبعها بالتأكيد. وفي الحقيقة، كانت منظمات حقوق الإنسان العالمية، المحاصرة ضمن نموذج قانوني دولي محدود، معادية لتسمية الإبادة الجماعية إلى حين اندلاع أعمال العنف الجماعي والإخلاء القسري في عام 2017.
بدأت الإبادة الجماعية للروهينجا فعليًا بعدد من المذابح في السبعينيات (بناءً على الانقسامات التي خلقتها القوة الاستعمارية البريطانية السابقة) وظلت في مراحلها الأولى حتى التسعينيات. وتصاعد حجم عملية الإبادة الجماعية في عام 2012، حيث تحركت الدولة لتنفيذ أشكال قانونية من التمييز والفصل العنصري والتجريد من الإنسانية. في عام 2015، أدخلت الدولة قوانين حماية العرق والدين سيئة السمعة، والتي تهدف إلى منع ووصم ثقافة وممارسات وأنماط حياة السكان المسلمين في ميانمار، ولكنها تستهدف الروهينجا على وجه التحديد. إلى جانب هذه القوانين التمييزية هيكليًا، كانت هناك حملة كراهية ترعاها الدولة ضد الروهينجا، والتي تم تفعيلها من قبل قطاعات قومية متطرفة من المجتمع المدني لإشراك السكان في حملتها القومية العرقية. اتخذ التجريد من الإنسانية شكل خطاب الإبادة الجماعية العنيف للغاية. تم وصف الروهينجا بأنهم دون البشر، وأناس “يأكلون أقاربهم”، و”قبيحين مثل الغيلان”، و”كلاب”، و”يرقات”، و”مغتصبين”، وإرهابيين، ومهاجرين غير شرعيين. ثم تم تبني هذه اللغة من قبل المجتمع المهيمن وأثّرت على من يجب أن يقع ضمن “نطاق الالتزام الأخلاقي” للدولة. ولجأ القوميون المتطرفون إلى وسائل التواصل الاجتماعي لاقتراح إطعام الروهينجا للخنازير، أو إطلاق النار عليهم، أو إبادتهم.
وكوني درست جرائم الدولة ضد كلا الفلسطينيين والروهينجا على حد سواء، فإن ما حدث في ولاية راخين في ميانمار يشبه بديهيًا ما يحدث في فلسطين اليوم.
تتجسّد الإبادة الجماعية في كلتا نية ومحاولة إبادة مجموعة من الأشخاص، كليًا أو جزئيًا، على أساس دينهم أو جنسيتهم أو اثنيتهم أو عرقهم. ليست الإبادة الجماعية مجرد حادثة عنف جماعي مهولة (على الرغم من أن ذلك قد يكون حاصلا أيضًا)، ولكنها بالأحرى عملية تبدأ بالتجريد الأيديولوجي من الإنسانية وتنتهي بالمحو. وفي ما بينهما، وغالبًا ما تحدث بشكل متزامن، هناك أشكال اختبارية للعنف المتقطع، والعزلة الجسدية للمجموعة المستهدفة من خلال أشكال الفصل العنصري والإضعاف المنهجي لتلك المجموعة. قد تحدث الإبادة الجماعية على مدى سنوات عديدة، وكما هو الحال مع كل من الفلسطينيين والروهينجا قد تحدث على مدى عقود. ومن المؤسف أن منظمات حقوق الإنسان ومعظم العلماء لم يبدؤوا بالحديث عن إمكانية حصول الإبادة الجماعية إلا في مرحلة التدمير annihilation.
وفي إطار عمليات الإبادة الجماعية، تتيح هذه المساحات المعزولة ارتكاب أعمال العنف مع الإفلات من العقاب، والإضعاف الهيكلي للمجموعة المستهدفة. في ميانمار، جميع الموارد الأساسية لعيش حياة ذات معنى غير متاحة للروهينجا، بما في ذلك الوصول إلى الرعاية الصحية والغذاء والماء الكافي والمأوى المستقر. والغالبية العظمى منهم يعيشون الآن في المنفى القسري وغير قادرين على العودة إلى ديارهم.
وفي غزة، فرضت إسرائيل حصاراً كاملاً: لا ماء، ولا طعام، ولا إمدادات طبية، ولا وقود، ولا كهرباء، على حد تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي. يأتي هذا بعد 16 عامًا من الحصار الإسرائيلي غير القانوني على غزة، والذي يشمل السيطرة على جميع البضائع والأفراد الذين يدخلون ويخرجون من القطاع ويحدّ من ذلك، في حين يتم تنفيذ حملات قصف متكررة وفقًا لمبدأ “جز العشب” الإسرائيلي (الحرب الدائمة) فيما يتعلق بالمنطقة. وفي جميع أنحاء فلسطين التاريخية، تعمل إسرائيل الآن على زيادة مستوى القمع المرتفع أصلا ضد المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، في حين تكثّف بشكل كبير من عنف قوات الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين على السواء في الضفة الغربية.
وبمجرد إضعاف المجموعة المستهدفة بشكل منهجي، فإن المرحلة التالية هي الإبادة الجماعية. ويمكن أن يتم ذلك من خلال القتل الجماعي، كما يحدث في غزة، وكما حدث سابقًا في ميانمار. لكن مرحلة الإبادة هذه يمكن أن تتم أيضًا في شكل عمليات إخلاء قسري جماعية. ما يلفت النظر بالنسبة لي هو أن نكبة عام 1948 شهدت إجبار 750 ألف فلسطيني من أصل 1.4 مليون فلسطيني على الفرار من منازلهم وقتل 15 ألف فلسطيني، كجزء من خطة متعمدة (خطة داليت Plan Dalet) لتطهير الأرض عرقيًا. وفي ميانمار، بين عامي 2017 و2018، أُجبر نفس العدد تقريبًا على الفرار (800,000) وقُتل ما بين 10 و20 ألف شخص. واليوم، تم تهجير أكثر من 1.5 مليون فلسطيني بعنف منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول، في حين يدعو القادة السياسيون والعسكريون الإسرائيليون إلى تكرار أعمال العنف التي شهدها عام 1948 على نطاق يشابه النكبة.
لقد أوضح نظام ميانمار نيته ب “إكمال المهمة” ولكن مع دعاية عالمية ودعم دولي أقل بكثير مما تتمتع به إسرائيل. “كانت المشكلة البنغالية “مشكلة طويلة الأمد” وأصبحت مهمة غير مكتملة… وتولي الحكومة الحالية اهتمامًا كبيرًا بحل المشكلة الآن. [1]“
لكن الأمر الفريد في فلسطين هو أن الأصوات السياسية والعسكرية الرائدة داخل إسرائيل كانت صريحة وثابتة تمامًا بشأن نيتها ارتكاب مرحلة التدمير annihilation من الإبادة الجماعية.
إن إعلان إسرائيل عن وضع غزة تحت “حصار كامل”، وقطع المياه والغذاء والكهرباء والإمدادات الطبية، كان بمثابة إعلان واضح عن نية ارتكاب إبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني من خلال “إخضاع الجماعة، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرها المادي كلياً أو جزئياً” (اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، المادة 2). تتجسد نية الدولة الإسرائيلية في الإبادة الجماعية أيضًا في تصريحات قادتها: أعلن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي دانييل هاغاري أن “التركيز ينصب على الضرر وليس على الدقة” عند الإشارة إلى القصف الجوي الإسرائيلي، بينما هدد نتنياهو بـ “تسوية” غزة مما يقلل من حجمها “إلى جزيرة الأنقاض”. وكشف عضو الكنيست، أريال كالنر، أن هناك هدف واحد فقط: النكبة! نكبة من شأنها أن تشابه نكبة 1948. وعندما أمر وزير الدفاع يوآف غالانت بفرض حصار كامل على غزة، وصف الفلسطينيين بأنهم “حيوانات بشرية”، وصرح الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بأنه لا يوجد مدنيون أبرياء في غزة. كانت نوايا إسرائيل المعلنة مرة أخرى واضحة وصريحة بشأن الإبادة الجماعية.
إن الإبادة الجماعية ليست مصطلحا ينبغي استخدامه باستخفاف. لكن في فلسطين، كما في ميانمار، أنا واثقة من تسمية الحوداث التي نشهدها بالإبادة الجماعية.
عندما تقترن تصريحات العزم هذه بالكثافة الكارثية للقصف الإسرائيلي لغزة، وتاريخها الممتد لـ 75 عامًا من العنف الاستعماري الاستيطاني والتمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني، أعتقد أن لدينا أدلة كافية لإثبات نية إسرائيل “التدمير كليًا أو جزئيا’.
إن الإبادة الجماعية ليست مصطلحا ينبغي استخدامه باستخفاف. لكن في فلسطين، كما في ميانمار، أنا واثقة من تسمية الحوداث التي نشهدها بالإبادة الجماعية.
الدرس المستفاد من جميع عمليات الإبادة الجماعية هو أن المجتمع الدولي، لأسباب جيوسياسية استراتيجية، لن يتحرك أبدًا لمنع الإبادة الجماعية؛ وسيتحرك النظام القانوني الدولي بحذر وبوتيرة تتعارض تماما مع المنع. ومما يثير العار أن العديد من الحكومات والمؤسسات العالمية تظل في صمت غير مبرر. لا ينبغي أن يفاجئنا هذا ولكنه يعني أن أي تأثير على مستقبل هذه الإبادة الجماعية سيأتي بالضرورة من المجتمع المدني المنظم.
ولذلك، يتعين علينا أن نضخم مطالبنا بوقف فوري لإطلاق النار، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية، وإنهاء التواطؤ الدولي، ودعم حركة المقاطعة الفلسطينية. وبهذه الطريقة، فإن القوة الحقيقية في المجتمع، أي المجتمع المدني المنظم، وهو الذي لديه فرصة لمنع الإبادة الكاملة لفلسطين والفلسطينيين.
[1] الجنرال مين أونغ هلاينغ، القائد الأعلى للقوات المسلحة الميانمارية، 1 سبتمبر 2017، ناي بي تاو. 1 سبتمبر 2017
* بيني جرين عالمة إجرام بريطانية/أسترالية. عملت كأستاذة للقانون والعولمة (بما في ذلك 4 سنوات كرئيسة لكلية الحقوق) في جامعة كوين ماري في لندن منذ سبتمبر 2014. وتشتهر البروفيسورة غرين باستكشافاتها المكثفة للإبادة الجماعية في ميانمار، وقضية فلسطين وجرائم دولة إسرائيل، من بين مواضيع أخرى. وهي المؤسسة والمديرة المشاركة للمبادرة الدولية لجرائم الدولة.
** الآراء والرؤى الواردة في هذا المقال تخص المؤلف/المؤلفين ولا تعكس بالضرورة السياسة الرسمية أو الموقف الرسمي للمنظمة.