بمشاركة خبراء دوليين: الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان والقانون من أجل فلسطين تنظمان ندوة حول “الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة: منظور قانوني لتحرك عالمي”
نظمت القانون من أجل فلسطين، وبالشراكة مع الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين، ندوة عبر الانترنت بعنوان “الإبادة الجماعية التي تتكشف في غزة: منظور قانوني لتحرك عالمي”، وذلك يوم الخميس في 7 ديسمبر 2023. وتناولت الندوة الجوانب القانونية المتعلقة بجريمة الإبادة الجماعية والالتزامات التي تقع على عاتق الدول الثالثة في ظل هذه الظروف، مع تركيز خاص على الوضع في قطاع غزة/فلسطين.
استضافت الندوة التي أدارها المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين، د. عمار دويك، ستة خبراء دوليين بارزين: البروفيسور معتز قفيشة (رئيس مجلس أمناء القانون من أجل فلسطين)، البروفيسورة بيني جرين (أستاذة القانون والعولمة في جامعة كوين ماري في لندن)، الدكتورة هالة شعيبي (محاضرة مساعدة في القانون الدولي في جامعة بيرزيت وعضوة مجلس مفوضي الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان)، البروفيسور جون كويغلي (أستاذ القانون في كلية موريتز للقانون في جامعة ولاية أوهايو)، الدكتورة جوليا بينازوتي (خبيرة في القانون الجنائي الدولي – جامعة لايدن)، والدكتورة فرانشيسكا ألبانيز (المقررة الخاصة الحالية للأمم المتحدة حول فلسطين).
الإبادة في غزة هي حالة استثنائية من حيث انتشار الفظائع الممارسة فيها مقابل الإهمال على مستوى رد الفعل
في مداخلته، عبّر البروفيسور معتز قفيشة عن تفرّد حالة الإبادة في غزة واستثنائيتها، مشيراً إلى صمت الأفراد والمنظمات الرئيسية في العالم، في الوقت الذي تُبث فيه الإبادة بثاً مباشراً لأول مرة في التاريخ، مما يجعلهم شركاء بالتقاعس عن الفعل.
ركز قفيشة على ربط الأحكام القانونية بالأحداث المتكشّفة في غزة. حيث أشار إلى مواد محددة من ميثاق روما واتفاقية الإبادة وكيف أن ثلاثة على الأقل من مكونات جريمة الإبادة الجماعية تنطبق على الوضع في غزة، بما في ذلك القتل العمد والمنهجي لفئات قومية أو عرقية أو دينية معينة؛ والتسبب بالأذى الجسدي أو النفسي الجسيم لأفراد المجموعة؛ والفرض المتعمد لظروف معيشية صعبة تهدف إلى تدمير المجموعة جسديًا أو نفسيا. وتتجسد الأخيرة على سبيل المثال في الحصار الكامل على غزة وقطع إمدادات الطعام والمياه والوقود والإمدادات الطبية لغزة.
أخيرًا، ناقش قفيشة الإجراءات المحتملة التي يمكن اتخاذها. ودفع بأهمية العمل الذي تقوم به مختلف الجهات، بما في ذلك منظمة القانون من أجل فلسطين. شدد قفيشة على بعض الأمثلة للنهج المتعدد الجوانب الذي ينبغي أن يؤدي إلى بناء أسس أدلة شاملة وقانونية لمعالجة الأزمة بشكل فعّال. وتشمل هذه المبادرات المشاركة في الجهود المؤسسية من خلال التواصل مع الكيانات الدولية؛ وإنشاء قاعدة بيانات لتوثيق وتحليل البيانات ذات الصلة بالإبادة بعدة لغات؛ وتنفيذ مبادرات أكاديمية واجتماعية؛ وتشكيل فرق عمل مخصصة للتصدي للأزمة؛ والتركيز على تطوير الأدلة القانونية من خلال الرجوع إلى السابقات القانونية لتعزيز التوثيق؛ ودعم الدعاوى المحتملة في هيئات قضائية دولية مثل محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية.
المجتمع المدني المنظم يعتبر أفضل السبل لمواجهة العنف على مستوى الدول
قدّمت البروفيسورة بيني جرين وجهة نظر مختلفة في تفسير ومواجهة أفعال إسرائيل في غزة، حيث ابتعدت عن التفسير القانوني البحت وتساءلت عن فعالية ومصداقية النظام القانوني الدولي، مُستشهِدة بانتهاكات إسرائيل المستمرة لقرارات الأمم المتحدة دون عواقب تتبع ذلك. أكدت جرين أن جرائم الدول يجب أن تُعالج كانتهاكات اجتماعية للأعراف، التي غالبًا ما تُغفَل أو تُتجاهَل من قبل المؤسسات القانونية بسبب تورُّط الدول في صياغة وتفسير القوانين. ودعت جرين إلى ضرورة تنظيم المجتمع المدني كأفضل وسيلة لمواجهة العنف الذي ترتكبه الدول. وأكدت على أن المجتمع المدني، الذي يعمل من المستوى المجتمعي، يمتلك قدرة أكبر على التعرُّف على مؤشرات ارتكاب الدول للجرائم منذ مراحلها المبكرة، والتي غالبًا ما تُتجاهَل من قبل الهيئات القانونية. كما شددت على دور المجتمع المدني في تحديد وتوثيق ومقاومة جرائم الدول، مُشيرة إلى فعاليته في تسليط الضوء على أفعال إسرائيل كإنشائها للمستوطنات، ونظام الفصل العنصري، والإبادة.
وفيما يتعلق بتهمة الإبادة التي ترتكبها إسرائيل، أشارت جرين إلى تعريف رافائيل ليمكين للإبادة، مؤكدة أن الإبادة تشمل الأعمال القصدية التي تهدف إلى تدمير أسس الجماعات الوطنية. ومن خلال إشارتها إلى أفعال إسرائيل في غزة، قدّمت جرين دليلاً واضحًا على هذا القصد، مثل استخدام مذهب الضاحية (الذي يشمل استخدام قوة مفرطة وإلحاق أضرار هائلة وتدمير)، واستهداف الأبرياء بشكل متعمد.
وأوضحت جرين أن هناك مراحل مختلفة للإبادة، وأكدت أن جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين، الموثقة على مدى عقود، تتناسب مع مراحل الإبادة المعروفة. كما وضعت جرين الأزمة المستمرة في غزة ضمن سياق التهجير التاريخي للفلسطينيين، مُسلطة الضوء على التمييز المنظم والعنف الهيكلي الذي يواجهه الفلسطينيون منذ سنوات.
من المهم أن يتم وضع الإبادة الحالية في سياق “النكبة المستمرة”
استنادًا إلى رؤى جرين، وضحّت الدكتورة هالة شعيبي كيف أن المختصين القانونيين ينظرون إلى ‘الإبادة’ على أنها أحداث محددة، لكنها في الواقع نهج نظامي متواصل لتحقيق هدف معين. يقدم علماء الاجتماع والمؤرخون وعلماء الجريمة الدولية فهمًا أعمق للإبادة مقارنةً بوجهات النظر القانونية، حيث يحثون المحامين على النظر للقانون من منظور تاريخ التحرر. وبالتالي، قدمت شعيبي مصطلح ‘النكبة المستمرة’، مشيرة إلى بدايتها في عام 1948 وتأثيرها المتواصل من خلال وسائل عسكرية وسياسية واقتصادية وثقافية مختلفة تهدف إلى تدمير الشعب الفلسطيني. وقالت إن وضع ‘الإبادة’ ضمن هذا السياق يُعتبر أمرًا حاسمًا.
وفي سياق متصل، أشارت شعيبي إلى تدمير القرى الفلسطينية المستمر والاستيلاء على الأراضي ومحو الثقافة منذ عام 1948، مما أدى إلى خلق ملايين اللاجئين الفلسطينيين في جميع أنحاء العالم. وقدّمت أمثلة على الطبيعة المستمرة للنكبة، مُشيرةً إلى ما يمكن أن يُوصف بأنه ‘إبادة ببطء’، مُشيرةً إلى الحصار المطول على غزة والإنكار المتعمد للضروريات الأساسية الحياتية، وفرض القيود الاقتصادية وهدم المجتمعات الفلسطينية مع إقامة مستوطنات اسرائيلية جديدة، مما يهدد وجود الفلسطينيين.
من خلال استقراء التاريخ الاستعماري، أبرزت شعيبي كيف أن هناك ممارسات ذات صلة بالإبادة، يتم ممارستها لا سيما في الضفة الغربية والقدس الشرقية وهضبة الجولان. وأكدت على معدل الهدم المثير للقلق للمنشآت الفلسطينية، مُسلطة الضوء على مأساة المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل الذين يتعرضون لقوانين تمييزية ويُنظر إليهم على أنهم تهديد ديموغرافي.
ختمت شعيبي بالتأكيد على أن جهود إسرائيل على مدى 75 عامًا تُظهر الأذى المقصود الملحوظ على الفلسطينيين، مُشيرةً إلى أن ‘النكبة المستمرة’ والإبادة لم تبدأ في تاريخ محدد ولكنها استمرت منذ عام 1948.
ما يحدث في غزة يرقى لأن يكون جريمة إبادة جماعية
بدأ البروفيسور جون كويغلي بفحص وضع غزة فيما يتعلق باتفاقية الإبادة، مشيرًا إلى إمكانية تصنيف ما يحدث هناك كإبادة، وخاصة فيما يتعلق بأوامر الإخلاء. كما فحص مسؤولية الدول المشاركة في اتفاقية الإبادة، مؤكدًا أنها لا تنطبق فقط على الأفراد وإنما أيضًا على الدول، كما هو موضح في المادة 9 من الاتفاقية.
ومن خلال تحليل أقسام رئيسية في اتفاقية الإبادة، ركز كويغلي على المادة 2، الفقرة 3، التي تعني بالإجراءات المقصودة لتدمير جماعة سكانية، والمادة 3، التي تسلط الضوء على أن الإبادة تشمل ليس فقط الجاني الرئيسي ولكن أيضًا الشركاء الذين يساعدون في القيام بجريمة الإبادة.
وأشار كويغلي إلى أن هناك مسؤولية على الدول بموجب اتفاقية الإبادة، مُفصلًا في العناصر المادية والمعنوية للجريمة، مشيرًا إلى مسودة المواد المتعلقة بمسؤولية الدول لعام 2001، موضحًا المسؤولية التي تقع على عاتق الدول المقدمة للمساعدة والتي تكون على علم بالظروف التي تشكل فعلا دوليا مخالفا.
وفي الختام، شدد كويغلي على تصنيف منظمة الصحة العالمية لأمر الإخلاء في غزة كجريمة محتملة للإعدام، مشيرًا إلى كيفية أن الدول الأخرى، خصوصًا الولايات المتحدة، حذرت إسرائيل من ذلك، ليدل ذلك على وعيهم بالوضع. واختتم كويغلي بأن تفسير أفعال إسرائيل يمكن أن يكون يقع في إطار اتفاقية الإبادة الجماعية.
يمكن أن تشكل محكمة العدل الدولية أداة وقائية لدفع إسرائيل لوقف العمليات العسكرية والمطالبة بامتناعها عن أعمال الإبادة
ناقشت الدكتورة جوليا بينازوتي المسارات القانونية عبر محكمة العدل الدولية لمحاسبة إسرائيل على تهم ارتكابها الإبادة في غزة. بدايةً، أكدت إمكانية فلسطين لتقديم قضية ضد إسرائيل بموجب اتفاقية الإبادة، حتى وإن لم تكن عضوًا فلسطين في الأمم المتحدة. وأوضحت أن أي دولة طرف في الاتفاقية يمكنها بدء القضية، مشددة على اعتراف المحكمة الدولية بأن جميع الدول الأعضاء لديها مصلحة في الالتزام بالاتفاقية، على الرغم من أن بعض الدول قد تمتنع بسبب تحفظاتها على المادة 9.
فيما يتعلق بقدرة المحكمة الدولية على فرض اجراءات وقائية، أكدت جوليا أنه إذا تم تأكيد اختصاص المحكمة، ويمكن للدولة المقدمة للشكوى السعي للحصول على إجراءات وقائية مؤقتة. هذه الإجراءات، التي تركز على الإجراءات العاجلة في انتظار قرار بالقضية، قد تتضمن توجيه إسرائيل لوقف العمليات العسكرية والامتناع عن أعمال الإبادة والحفاظ على الأدلة المرتبطة بالاتهامات. وعلى الرغم من أن قرارات المحكمة الدولية بشأن الجوانب الأساسية قد تستغرق سنوات، فإن هذه الإجراءات المؤقتة تُعتبر عاجلة، مما يقدم طريقًا محتملاً للعمل الوقائي.
أكدت بينازوتي أنه على الرغم من عدم ضمان الامتثال، يمكن أن يؤثر القرار على الدول الأخرى ويضغط على إسرائيل، وخاصة من الدول الغربية. هذه الإجراءات، على الرغم من عدم ضمان الامتثال، تحمل إمكانيات لممارسة تأثير دولي كبير.
المحاكم المحلية ذات أهمية كبيرة في مواجهة الجرائم الدولية الحالية
من جهتها، أكدت الدكتورة فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة لدى الأمم المتحدة، أهمية المحاكم المحلية في إطار الولاية القضائية العالمية، حيث شددت على سلطتها في التحقيق ومحاكمة جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة. وأشارت إلى ضرورة التحرك بعيدًا عن الإدانات اللفظية لاتخاذ إجراءات ملموسة، مستشهدة بخطوات الأمين العام للأمم المتحدة الأخيرة استنادًا إلى المادة 99 من ميثاق الأمم المتحدة. واعتبرت أن هذا الأمر حاسم نظرًا لفشل مجلس الأمن والجمعية العامة في منع الفظائع في حالات متعددة في الماضي.
وأشارت ألبانير إلى وضوح الإبادة المستمرة في غزة في الوقت الحالي، حيث انتقدت الدكتورة ألبانيز عدم تحمل الدول الغربية لمسؤولياتها على الرغم من طبيعة الأحداث المتلفزة الجارية. مع مقتل أكثر من 16000 فلسطيني، نرى بشكل واضح استمرار تجاهل إسرائيل للقانون الدولي، وفق ألبانيز.
أكدت ألبانيز على ضرورة وقف إطلاق النار وتقديم المساعدات الإنسانية بإشراف وكالات الأمم المتحدة، وإنهاء سلطة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المحتلة. واقترحت ألبانيز وجودًا دوليًا يتفق عليه لضمان السلام والاستقرار وإطلاق سراح الرهائن. واختمت ألبانيز مداخلتها بالتأكيد على ضرورة الحلول السياسية المبنية على السلام والقانون الدولي وحقوق الإنسان كمسار نحو سلام دائم.
—
* يمكنك مشاهدة الندوة كاملة من هنا