التاريخ: 27 نوفمبر/تشرين ثان 2023
نحن، منظمات: النهضة العربية للديمقراطية والتنمية، ومنظمة الحق، ومركز الميزان لحقوق الإنسان، ومركز العمل المجتمعي، جامعة القدس، ومنظمة الديمقراطية في العالم العربي الآن (DAWN)، ومنظمة القانون من أجل فلسطين، نعبر عن قلقنا الجدي بشأن التهجير القسري المستمر للفلسطينيين في غزة كجزء من نية القيادة الإسرائيلية المعلنة لارتكاب الإبادة الجماعية.
وكان عمر بارتوف، أحد كبار الباحثين في دراسات المحرقة والإبادة الجماعية، قد حذّر من أن التهجير القسري والتطهير العرقي عادة يسبقان الإبادة الجماعية. وبالمثل، أشار 36 خبيرًا مستقلاً من الأمم المتحدة إلى التهجير القسري للفلسطينيين في غزة باعتباره أحد المؤشرات الرئيسية على “الإبادة الجماعية التي تحدث” في غزة. صرح وليام شاباس، الباحث البارز في القانون الدولي في مجال جريمة الإبادة الجماعية، في رأي قانوني، أن هناك بالفعل خطرا جديا من أن إسرائيل تقوم بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ضد السكان الفلسطينيين في غزة. كما حذر 880 باحثًا دوليًا وخبراء من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان الفلسطينية من حدوث إبادة جماعية في غزة.
ووفقاً لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، اعتباراً من 23 تشرين الثاني/نوفمبر، أصبح أكثر من 1.7 مليون فلسطيني في غزة نازحين داخلياً، بما في ذلك أكثر من مليون نازح داخلي يقيمون في مختلف الملاجئ التي تديرها الأونروا. إن الإجراءات على الأرض، بالإضافة إلى الدعوات الصريحة للقيادة الإسرائيلية للتطهير العرقي في غزة والتصريح الأخير لوزير الدفاع غالانت بأنه بمجرد انتهاء “الهدنة الإنسانية”، فإن الجيش الإسرائيلي سيستأنف القتال المكثف لمدة شهرين آخرين على الأقل، يثير القلق من إما الترحيل الجماعي المحتمل للسكان المدنيين في غزة إلى مصر، أو النقل الدائم للمدنيين من شمال غزة إلى جنوبها، وكلاهما يشكلان انتهاكاً واضحاً للقانون الدولي.
منذ بداية حملته العسكرية الانتقامية على غزة، أصدر الجيش الإسرائيلي عدة “أوامر إخلاء” تطالب سكان غزة بالانتقال من شمال القطاع إلى جنوبه. وقد أدانت منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية بشكل قاطع “أوامر الإخلاء” هذه، ووصفتها بأنها غير فعالة وغير قانونية، وأنها في الأساس أداة للترحيل القسري. وقد أثارت جماعات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية مخاوف مماثلة. كما حذرت اللجنة الدولية للصليب الأحمر من أن أوامر الإخلاء الإسرائيلية في غزة تؤدي إلى “عواقب إنسانية كارثية”.
وحتى يوم 23 تشرين الثاني/نوفمبر، واصل الجيش الإسرائيلي الضغط على سكان شمال غزة للتحرك جنوبًا عبر “ممر” على طول طريق صلاح الدين، حيث أقامت القوات الإسرائيلية نقاط تفتيش مجهزة بأنظمة مراقبة. في الأيام الأخيرة، تم الإبلاغ عن العديد من حالات العنف التي ارتكبتها القوات الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين الذين كانوا يغادرون جنوبًا عبر طريق صلاح الدين بناءً على تعليمات إسرائيلية، بما في ذلك المعاملة اللاإنسانية المهينة، والاعتقالات التعسفية، والاحتجاز غير القانوني، والقتل.
وفي حين أن “الهدنة الإنسانية” محدودة الوقت جارية حاليًا، فإن التهجير القسري للفلسطينيين في غزة مستمر بلا هوادة. وأسقطت القوات الإسرائيلية منشورات في جميع أنحاء جنوب غزة تحذر السكان من العودة إلى منازلهم في الشمال خلال فترة التهدئة. أفادت التقارير أنه في 24 تشرين الثاني/نوفمبر، قتل الجيش الإسرائيلي فلسطينيين اثنين كانا يحاولان العودة إلى منزليهما في شمال غزة، بينما أصيب عدد آخر بجروح. إن هذه السياسة، إلى جانب التدمير المنهجي والأضرار التي لحقت بالمساكن المدنية والبنية التحتية من قبل القوات الإسرائيلية، والتي جعلت المدن الشمالية في غزة، بما في ذلك مدينة غزة، غير صالحة للسكن، تشير إلى إمكانية التهجير الدائم للمدنيين من شمال قطاع غزة إلى جنوبه.
ومع استمرار “الهدنة الإنسانية” في غزة، يبدو أن إسرائيل لا تنوي السماح للفلسطينيين النازحين داخليًا بالعودة إلى منازلهم، وتستمر في تقييد وصول المساعدات الإنسانية إلى الأشخاص المتبقين في الشمال. وفي الواقع، فإن المساعدات التي وصلت أخيراً إلى شمال غزة خلال “الهدنة الإنسانية” غير كافية إلى حد كبير مقارنة بحجم الأضرار والدمار الذي أصاب البنية التحتية المدنية بسبب الهجمات الإسرائيلية، وخاصة للمستشفيات، والمحنة الإنسانية التي يعاني منها آلاف المدنيين الذين بقوا هناك.
بسبب القيود المفروضة على حرية التنقل من وإلى وداخل قطاع غزة، والتي تؤثر على الجميع، بما في ذلك الصحفيين، وعدم وجود تقارير شاملة عن أوضاع مئات الآلاف من المدنيين الذين ما زالوا في الشمال – بما في ذلك الأشخاص ذوي الإعاقة، والمرضى والجرحى والعاملين في المجال الطبي والنساء الحوامل والأطفال وكبار السن- أمر مثير للقلق بشكل خاص. وفي الوقت الذي نكتب فيه هذا البيان، لا يُسمح بدخول المساعدات إلى غزة إلا عبر معبر رفح في الجنوب. ولا يزال معبر كرم أبو سالم، وهو المعبر الأكبر والأفضل تجهيزًا بين غزة وإسرائيل بالقرب من الحدود المصرية، مغلقًا منذ 5 تشرين الأول/أكتوبر. وبحسب ما ورد، رفضت السلطات الإسرائيلية الدعوات لتشغيل معبر كرم أبو سالم لزيادة دخول المساعدات الإنسانية.
إن التهجير القسري والحرمان من العودة للنازحين يعد انتهاكًا للقانون الدولي يجب معالجته من خلال السماح للنازحين بالعودة الآمنة إلى ديارهم في الحال. ويُعد التهجير القسري أيضًا إحدى الجرائم الدولية العديدة التي ترتكبها حاليًا السلطات الإسرائيلية والقوات العسكرية في غزة. وفي الواقع، يمكن اعتبار التهجير القسري للأشخاص من منطقة إلى أخرى، عن طريق الطرد أو الأفعال القسرية، حتى داخل نفس البلد، جريمة ضد الإنسانية منصوص عليها في المادة 7 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
وكما ذكرنا أعلاه، قد تكون “أوامر الإخلاء” الإسرائيلية في حد ذاتها غير قانونية وتنتهك القانون الدولي الإنساني. إن الظروف المروعة لأماكن اللجوء في الجنوب، بما في ذلك الاكتظاظ، وانتشار الأمراض التي تفاقمت بسبب الافتقار إلى مرافق المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، والنقص الفادح في الغذاء ومياه الشرب والأدوية، والتهديد الشديد المستمر بالهجوم، لا تفي بشروط السلامة للنازحين.
ومن أركان جريمة التهجير القسري كجريمة ضد الإنسانية أن تمثل جزء من “هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم”. إن التهجير القسري الذي نشهده حاليًا في غزة ليس عرضيًا ولا يقتصر على الأعمال العدائية المسلحة الحالية. صرح وزير الزراعة آفي ديختر أننا “نبدأ الآن في نكبة غزة”، في إشارة إلى التطهير العرقي الشامل والطرد الدائم للفلسطينيين ومصادرة ممتلكاتهم التي نفذتها الميليشيات الصهيونية والجيش الإسرائيلي بين عامي 1947 و1949، مما أدى إلى تهجير حوالي 750 ألف فلسطيني.
وبالاقتران مع سياق سياسة التهجير المتعمدة والحرمان من العودة، يمكن اعتبار أعمال النقل القسري هذه تنطوي على نية الإبادة الجماعية ووسيلة لتدمير المجموعة. في قضية المدعي العام ضد بوبوفيتش، أوضحت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أن “النقل القسري” هو “اعتبار ذو صلة عند تقييم نية الإبادة الجماعية”. وفي قضية المدعي العام ضد كرستيتش، اعتبرت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة أن “الترحيل القسري يمكن أن يكون وسيلة إضافية لضمان التدمير المادي للمجتمع المسلم البوسني في سربرينيتشا”.
ويجب التذكير بأن الفلسطينيين في الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، يتعرضون حاليًا للتهجير أيضًا: فمنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، تم تهجير ما لا يقل عن 143 أسرة فلسطينية تضم 1,014 فلسطينيًا وسط عنف غير مسبوق من جانب المستوطنين وزيادة القيود المفروضة على الوصول من قبل السلطات الإسرائيلية. وفي الواقع، لا يمكن عزل التهجير القسري المباشر وغير المباشر للفلسطينيين في جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة عن النظام الاستعماري الاستيطاني والفصل العنصري الشامل الذي تفرضه إسرائيل على الشعب الفلسطيني ككل.
ويشكل الفلسطينيون الذين أصبحوا لاجئين نتيجة نكبة 1948 الغالبية العظمى من سكان غزة الحاليين (77%)، فضلاً عن تشتيتهم حول العالم بسبب حرمان إسرائيل لهم من حقهم غير القابل للتصرف في العودة. لقد خلقت السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 بيئات قسرية لإجبار مئات الآلاف من الفلسطينيين على التهجير فيما يرقى إلى مستوى التطهير العرقي البطيء والمتعمد. إن الاحتلال العسكري الإسرائيلي غير القانوني المستمر والفصل العنصري والتهجير القسري في فلسطين متأصل في مشروعها الاستعماري الاستيطاني، الذي يهدف إلى تدمير الفلسطينيين كمجموعة، في انتهاك واضح لحق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير المصير وحقه في العودة.
وفي ضوء ذلك فإننا نحث المجتمع الدولي، وخاصة الدول التي تتوسط في الهدنة وهي قطر ومصر والولايات المتحدة الأمريكية، على:
– الدعوة إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار؛
– التدخل الفوري لحماية الشعب الفلسطيني من التهجير القسري الدائم والتدمير؛
– بذل كافة الجهود الدبلوماسية والسياسية لضمان عدم تنفيذ النقل القسري الجماعي للسكان المدنيين في غزة إلى مصر؛
– ضمان العودة الآمنة للاجئين والنازحين داخلياً في أقرب وقت ممكن، وخاصة إلى الشمال؛
– ضمان أنه خلال فترات الهدنة، سيتم السماح للفلسطينيين بالتنقل بحرية داخل قطاع غزة، بما في ذلك باتجاه منازلهم في شمال قطاع غزة؛
الموقعون:
منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية
منظمة الحق
مركز الميزان لحقوق الإنسان
مركز العمل المجتمعي، جامعة القدس
منظمة القانون من أجل فلسطين