ملخص تقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول إبادة غزة: جريمة جماعية
تواطؤ الدول الثالثة في تمكين واستمرار الإبادة الجماعية في غزة
إعداد: يمان مدني، بولونا فلوريانجيك، وهينرييت ويلبرغ
انقر/ي هنا لقراءة أو تحميل هذه المادة بصيغة PDF
نظرة عامة
في 20 أكتوبر/تشرين أول 2025، نشرت المقررة الخاصة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، فرانسيسكا ألبانيزي، تقريرها الأخير بعنوان: «إبادة غزة: جريمة جماعية». ويخلص التقرير إلى أن الإبادة المستمرة في غزة تشكل جريمة جماعية، يتم تمكينها واستمرارها عبر تواطؤ دول ثالثة مؤثرة دعمت إسرائيل وحمت انتهاكاتها المنهجية للقانون الدولي لفترة طويلة. مدفوعة بسرديات استعمارية، فإن تقديم هذه الدول لمساعدات عسكرية واقتصادية ودبلوماسية مستمرة ساعد على ارتكاب هذه الفظائع، مما أدى إلى اتساع الفجوة بين الحكومات وشعوبها.
ويحدد التقرير أربعة قطاعات رئيسية توفر فيها الدول الثالثة الدعم لإسرائيل لاحتلالها غير القانوني والإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني:
- الإجراءات الدبلوماسية والسياسية: لقد حمت الدول الثالثة إسرائيل من المساءلة الدولية، حيث أعادت إنتاج سردياتها، ودافعت عن سياساتها في المنتديات متعددة الأطراف، وفشلت في اتخاذ تدابير سياسية ملموسة تتجاوز الإيماءات الرمزية، والتي كانت مطلوبة لوضع حد لجرائم وانتهاكات إسرائيل.
- العلاقات العسكرية: واصلت الدول الثالثة تزويد إسرائيل بالأسلحة والمعلومات والدعم العملياتي الذي يوفر وسائل التدمير في حملتها الإبادية في غزة.
- تسليح المساعدات الإنسانية: ساعدت الدول الثالثة على تدهور ظروف الحياة في غزة، إما من خلال تمكين أو عدم منع تسليح المساعدات، والهجمات على البنية التحتية والجهات الإنسانية، وفرض الحصار الذي تسبب في المجاعة، والخسائر الجماعية، والنزوح القسري.
- العلاقات الاقتصادية والتجارية: حافظت الدول الثالثة، وفي بعض الحالات زادت، من العلاقات التجارية والاستثمارية والمالية مع إسرائيل، بما في ذلك تزويدها بالسلع المزدوجة الاستخدام، والتقنيات العسكرية، والوقود، والبنية التحتية الحيوية، مما يدعم اقتصادها واحتلالها وأعمال الإبادة المستمرة.
وتؤكد المقررة الخاصة أن مصداقية سيادة القانون الدولي تعتمد الآن على ما إذا كانت الدول ستواجه هذا التواطؤ، وتفي بالتزاماتها القانونية، وتضمن المساءلة والعدالة عن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي، بما في ذلك ارتكاب الإبادة والفشل في منعها. ويكشف الفشل المتكرر للدول الثالثة في محاسبة إسرائيل ما تسميه المقررة الخاصة «ازدواجية المعايير الصارخة للمجتمع الدولي» (الفقرة 4).
وتخلص المقررة الخاصة إلى أن الاحتلال غير القانوني لإسرائيل والإبادة الجماعية المستمرة في غزة يتم دعمهما من خلال فشل ذريع للدول الثالثة في الوفاء بالتزاماتها الطويلة الأمد، وغالبًا ما يكون ذلك مصحوبًا بدعم مباشر، مما يجعل هذه الفظائع «جريمة مُمكّنة دوليًا» (الفقرة 2 من التقرير). منذ أكتوبر/تشرين أول 2023، تصاعد العنف الإسرائيلي بشكل حاد، بينما واصلت الدول القوية تقديم الدعم الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي والإنساني الذي يشرعن، ويجهز، ويدعم ماليًا هذه الإبادة.
الإطار القانوني والسياق
يبدأ التقرير بتوضيح الإطار القانوني لمسؤولية الدول بموجب القانون الدولي (الفقرات 6-12 من التقرير). يفرض القانون الدولي التزامات ملزمة على جميع الدول لاحترام وحماية وتنفيذ القانون الدولي، ولمنع وإنهاء الانتهاكات الجسيمة له، بما في ذلك الإبادة الجماعية والفصل العنصري وإنكار حق تقرير المصير. ينظم التقرير هذه الالتزامات في أربع فئات رئيسية (الفقرة 6):
- الالتزامات المباشرة التي تدين بها جميع الدول للشعب الفلسطيني و/أو لدولة فلسطين؛
- الالتزامات العامة (Erga omnes) الناشئة عن خرق إسرائيل للمعايير الإلزامية، بما في ذلك الالتزام الإيجابي، سواء بشكل فردي أو جماعي، بإنهاء أي وضع غير قانوني؛ والواجبات السلبية بعدم الاعتراف بشرعية وضع ناتج عن انتهاكها أو تقديم المساعدة للحفاظ عليه؛
- التزامات العناية الواجبة لمنع انتهاكات محددة للقانون الدولي، بما في ذلك الالتزام بمنع الإبادة الجماعية عند ظهور “خطر جسيم”، وضمان احترام القانون الإنساني الدولي عند توقع حدوث انتهاكات، والتعاون لمنع الجرائم والهجمات على الأشخاص المحميين دوليًا؛
- الالتزامات بالامتناع عن المساعدة أو المشاركة المباشرة في الأعمال الدولية الخاطئة لدول أخرى.
يجب على الدول استخدام جميع الوسائل المتاحة للوفاء بهذه الواجبات، مع مراعاة الظروف وخطورة الانتهاكات ومستوى تأثيرها على الدولة المخالفة والوسائل المتاحة لممارسة هذا التأثير (الفقرة 7). ويقدّم النظر في الالتزامات والحقوق التقديرية المتاحة للدول في الصكوك القانونية ذات الصلة آليات واضحة ذات علاقة بهذا التقييم، بما في ذلك (الفقرة 8):
- الإجراءات القسرية بموجب ميثاق الأمم المتحدة ضد دولة تنتهك المادة 2(4) المتعلقة بحظر استخدام القوة، حيث يمكن للدول الثالثة التدخل واستخدام القوة بطلب من دولة تتصرف دفاعًا عن النفس، أو بموجب قرار من مجلس الأمن تحت الفصل السابع، أو بموجب قرار “الاتحاد من أجل السلم”؛
- تقييم المخاطر وحظر الأسلحة، بما في ذلك حظر العبور وإعادة الشحن وفقًا لمعاهدة تجارة الأسلحة؛
- الحظر التجاري، خاصة بموجب قوانين منظمة التجارة العالمية والاتفاقيات الثنائية للتجارة والاستثمار، التي تسمح للدول بالانحراف عن المبادئ الأساسية للتجارة للوفاء بالتزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة المتعلقة بالسلام والأمن؛
- منع المرور الآمن في إطار اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار لمنع “المرور غير البريء” ومواجهة مخاطر التواطؤ في الجرائم الدولية وانتهاكات التزامات ميثاق الأمم المتحدة أو المعايير الإلزامية؛
- مقاضاة ومعاقبة الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب والتعذيب، كواجب بموجب اتفاقيات جنيف والقانون العرفي.
قد تتطلب حالات “الانتهاكات المستمرة والمتقاطعة للمعايير الإلزامية”، في سياق واجب منع الإبادة الجماعية، من الدول الثالثة اتخاذ هذه الإجراءات للوفاء بالتزاماتها المباشرة، وErga omnes، والعناية الواجبة، ما لم تكن الإجراءات الأقل تأثيرًا كافية فعليًا (الفقرة 9). ويعد الفشل في القيام بذلك بمثابة مشاركة مباشرة أو تقديم مساعدة في الأعمال الدولية الخاطئة لدول أخرى.
ينشأ التواطؤ عندما تسهّل المساعدة بشكل مادي الأفعال غير القانونية وتُقدّم مع المعرفة الكاملة بالظروف ونيّة الجاني الخاصة، إذا كانت ذات صلة (الفقرة 10). ويمكن استنتاج نية الدولة الثالثة لتسهيل الفعل الخاطئ بشكل معقول من “العواقب المتوقعة” لأفعال تلك الدولة (الفقرة 11).
قد تشمل هذه المساعدة تقديم الأموال أو الأسلحة أو الحماية الدبلوماسية أو الوقود أو المعلومات الاستخباراتية أو، من ناحية أخرى، من خلال الضغط الدبلوماسي أو العقوبات، أو تنفيذ الأوامر ومذكرات الاعتقال.
يشير التقرير إلى أنه حيث يكون سلوك الدول الثالثة «مباشرًا، وضروريًا، ومكوّنًا جوهريًا»، فمن الضروري النظر فيما إذا كان تورط الدولة يتجاوز مجرد المساعدة والمساندة ليشكل مشاركة في فعل دولي غير مشروع (الفقرة 12). وترسم المقررة الخاصة تشابهًا مع مفهوم “المشروع الجنائي المشترك” بموجب المسؤولية الجنائية الفردية، ملاحظةً أنه بتطبيق ذلك على الدولة، يكفي أن تكون مساهمة الدولة عنصرًا مكوّنًا للجريمة. في حالة الإبادة الجماعية، قد تنشأ المسؤولية المباشرة للدولة عندما يكون السلوك المنسوب إليها “جزءًا أساسيًا من ارتكاب فعل أو أكثر من أفعال الإبادة”، وعندما تكون الدولة قد شكلت نية إبادة جماعية “استنادًا إلى مجموع السلوك المنسوب إليها” (الفقرة 12).
وتحدد المقررة الخاصة في تقريرها عدة مؤشرات رئيسية لمسؤولية الدول الثالثة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. أولًا، فيما يتعلق بواجب منع الإبادة الجماعية، حيث تلاحظ أن انتهاكات إسرائيل لعقود (بما في ذلك الاحتلال والفصل العنصري والحصار والعنف المنهجي) تم الاعتراف بها رسميًا من قبل محكمة العدل الدولية وهيئات الأمم المتحدة، وحتى في 6 أكتوبر/تشرين أول، كان الوضع “مهيأ للإبادة الجماعية” (الفقرة 13). بعد 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، تصاعدت جرائم إسرائيل، وتم إصدار العديد من التحذيرات من الإبادة الجماعية، بما في ذلك الإجراءات المستعجلة الاحتياطية من محكمة العدل الدولية في يناير/كانون ثاني 2024، ما أكّد وجود خطر جسيم للإبادة في غزة وأكد واجب الدول بالمنع.
المؤشر الثاني يحدد مرحلة التواطؤ في الإبادة الجماعية، ويظهر ذلك في التطورات القضائية اللاحقة، بما في ذلك مزيد من الإجراءات المستعجلة الاحتياطية في قضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، والتعليق القضائي لمحكمة العدل الدولية في قضية نيكاراغوا ضد ألمانيا، وقرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بطلب مذكرات اعتقال. ترى المقررة الخاصة أن هذه التطورات مجتمعةً وفرت للدول الثالثة “معرفة فعلية أو افتراضية” بالجرائم الدولية المستمرة (الفقرة 14)، وهي معرفة أوجدت مسؤولية متزايدة على الدول للتصرف وأثارت المخاوف بشأن تواطؤ الدول الثالثة.
بعد ذلك، عزز تطوران إضافيان الإطار القانوني الذي يجب أن تعمل ضمنه الدول الثالثة. الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في يوليو/تموز 2024 قضى بأن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني ويجب إنهاؤه في أسرع وقت ممكن. وخلصت لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2025 إلى أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة، ما أكد مرة أخرى التزامات الدول بمنع الإبادة، والتوقف عن المساعدة أو التواطؤ فيها، ومعاقبة مرتكبيها (الفقرة 16).
وترى المقررة الخاصة أن هذا الموقف القانوني المترابط له نتيجتان مهمتان لفهم مسؤولية الدول الثالثة (الفقرة 17):
- يجب تقييم واجبات الدول المتقاطعة بشكل شامل، مما يفرض على جميع الدول اتخاذ تدابير للوفاء بالتزاماتها؛
- من المستحيل قانونيًا وعمليًا التمييز بين إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. وبما أن إسرائيل نفسها غير راغبة أو غير قادرة على إجراء هذا التمييز، يجب على الدول الثالثة “افتراض عدم التمييز”، أي فرض مقاطعة شاملة لإسرائيل.
لا يمكن للدول بعد الآن الادعاء بعدم معرفة العدوان الإسرائيلي، والجرائم الدولية، وإنكار حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير. وتقر المقررة الخاصة بدور الدول الثالثة، حيث أن فشلها في الوفاء بالتزاماتها خلق “الشروط لتواطؤها في الجرائم الإسرائيلية المستمرة” (الفقرة 18).
المكونات المتقاطعة لإبادة غزة:
أ. الإبادة الجماعية تحت ستار الأعمال الدبلوماسية والسياسية
في هذا القسم، تفحص المقررة الخاصة العلاقة بين إبادة إسرائيل في غزة وسلوك الدول الثالثة لتقييم نطاق ومدى انتهاكاتها بشكل شامل.
لقد مكّن الدعم الدبلوماسي المطول من قبل دول ثالثة قوية، وإعادة تكرارها لادعاءات إسرائيل الملفقة، إسرائيل من شن هجماتها على الشعب الفلسطيني، واضطهاده، وسيطرته، ومحو وجوده، كما خفف من الدعوات العاجلة للتحرك، في حين كشف المصالح السياسية والمالية والعسكرية القائمة (الفقرة 19). منذ 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، تبنت العديد من الحكومات الغربية الروايات الإسرائيلية، استنادًا إلى ادعاءات مفندة، مقدمة تصرفات إسرائيل ضمن الإبادة الجماعية كعمل دفاعي، وماحيةً التمييز بين المدنيين الفلسطينيين والمقاتلين (الفقرة 20).
تسجل المقررة الخاصة كيف أن الجهود الدبلوماسية بعد 7 أكتوبر/تشرين أول تجنبت الدعوات لوقف دائم لإطلاق النار، بل سعَت إلى “إدارة” الأزمة الإنسانية، وترويج تدابير مؤقتة سمحت باستمرار العنف، مع حماية إسرائيل من المساءلة الدولية (الفقرة 21). وقد وفّر سلوك الدول في الأمم المتحدة “غطاءً دبلوماسيا” للإبادة الجماعية الإسرائيلية، بدءًا من استخدام الولايات المتحدة للفيتو في مجلس الأمن، وصولاً إلى الامتناع عن التصويت، والتأخيرات، والخطاب المخفَّف، مما أعاق التحرك وخلق “وهم التقدم” (الفقرة 22 من التقرير). كما أدى استخدام العقوبات المستهدفة والمحدودة إلى نفس النتيجة، بتخفيف وتحويل القلق إلى أعمال معزولة، تستهدف الأفراد والمستوطنين والمنظمات بدلًا من مواجهة النظام الإسرائيلي ككل (الفقرة 23).
وعلى الرغم من اتخاذ بعض الإجراءات من قبل الدول العربية والإسلامية، إلا أنها لم تكن حاسمة، حيث تحافظ دول مثل قطر ومصر على علاقات كبيرة مع الولايات المتحدة وإسرائيل (الفقرة 24).
وعلى الرغم من أن بعض الدول غير الغربية سعت لمحاسبة إسرائيل من خلال المحاكم الدولية، لا سيما محكمة العدل الدولية في قضايا جنوب أفريقيا ونيكاراغوا، فإن معظم الدول الغربية أنكرت مزاعم الإبادة الجماعية، وتجنبت دعم القضايا ذات الصلة، وأضعفت مذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، واتخذت خطوات لتقويض أو التهرب من الآليات القانونية الدولية (الفقرة 25). وقد تمكنت إسرائيل من غسل سمعتها من خلال السماح لها بالمشاركة في الأحداث الرياضية والثقافية (الفقرة 26).
تشير المقررة الخاصة إلى أنه على الرغم من الرأي الاستشاري التاريخي لمحكمة العدل الدولية الذي أعلن أن وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة غير قانوني، لم يتم اتخاذ أي إجراء (الفقرة 27). وعلى الرغم من أن الجمعية العامة للأمم المتحدة صدقت على الرأي في القرار ES-10/24 وحددت خطوات لإسرائيل والدول الأخرى لإنهاء الاحتلال، إلا أن هذه التدابير لم تُنفذ. وكانت اعترافات بعض الدول بدولة فلسطين غالبًا مشروطة بطريقة تقوّض حق تقرير المصير، وخدمت أهدافًا رمزية دون تغيير الوضع على الأرض (الفقرة 28). وقلّت الدول التي قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل (الفقرة 29)، بينما دعم العديد من الدول خطة “ترامب” لعام 2025، رغم فشلها في معالجة الاحتلال غير القانوني، وضمان المساءلة، أو توفير العدالة. بل إن الخطة تعزز السيطرة الخارجية على غزة، مما يقوض أكثر حق الفلسطينيين في تقرير المصير والسيادة (الفقرة 31). ووفقًا لذلك، يعكس السلوك الدبلوماسي بعد أكتوبر/تشرين أول 2023 التواطؤ العالمي المنهجي، ما يحافظ على الإبادة ويعيق الحلول السياسية القانونية بموجب القانون الدولي.
ب. العلاقات العسكرية: توفير وسائل التدمير
على الرغم من دعوات الأمم المتحدة لعقود لفرض حظر على الأسلحة تجاه إسرائيل، تستمر العديد من الدول في تزويدها بالأسلحة، والتكنولوجيا العسكرية، والدعم اللوجستي، مما يمكّن إسرائيل بشكل مباشر من استخدام القوة بشكل غير قانوني وارتكاب الفظائع الجماعية (الفقرة 31). وتعتمد الهيمنة العسكرية الإسرائيلية بشكل كبير على واردات الأسلحة الأجنبية، التي استمرت رغم الأدلة المتزايدة على الإبادة الجماعية (الفقرة 32). تعد الولايات المتحدة وألمانيا وإيطاليا المساهمين الرئيسيين، في حين تسهّل دول أخرى عمليات نقل غير مباشرة وذات استخدام مزدوج تعزز القدرة العسكرية الإسرائيلية في غزة (الفقرات 32-39).
تكرّس المقررة الخاصة عدة فقرات من التقرير لدراسة الدعم المالي والتشغيلي والعسكري الذي قدمته الولايات المتحدة على مدى عقود من اتفاقيات التعاون والمساعدات العسكرية والاقتصادية والوصول المفضل لمبيعات الأسلحة الأمريكية (الفقرة 33). ومنذ 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، ازداد هذا الدعم بشكل كبير، بما في ذلك الموافقة على حزمة دفاعية بقيمة 26.4 مليار دولار وتسليم مئات شحنات الأسلحة (الفقرات 34-35).
كانت ألمانيا ثاني أكبر مصدر للأسلحة لإسرائيل خلال الإبادة الجماعية، إذ وافقت على تراخيص تصدير بقيمة 489 مليون يورو بين أكتوبر 2023 ويوليو 2025، وقد برّرت هذا الدعم بالالتزامات بعد الهولوكوست تجاه إسرائيل (الفقرة 37). وسهّلت المملكة المتحدة خطوط الإمداد الأمريكية من قواعدها العسكرية في قبرص، ونفّذت أكثر من 600 مهمة مراقبة فوق غزة، وشاركت المعلومات الاستخباراتية التي يبدو أنها تجاوزت الغرض المعلن بـ”إنقاذ الرهائن” (الفقرة 38).
كما زوّدت دول أخرى أجزاء ومكونات وأسلحة، غالبًا ضمن نظام نقل عسكري يُخفّي التحويلات، بما في ذلك التحويلات ذات الاستخدام المزدوج أو غير المباشر (الفقرة 39). وتشير المقررة الخاصة إلى برنامج مقاتلات F-35، الذي تشارك فيه 19 دولة، كمثال على هذا النظام العسكري الغامض الذي زوّد إسرائيل بأجزاء استخدمت بكثافة في التدمير الإبادي لغزة (الفقرة 40). وتعتبر الحجج التي تصف هذه الأسلحة بأنها “دفاعية” أو “غير فتاكة” فروقات غير معترف بها بموجب معاهدة تجارة الأسلحة، التي تتطلب تقييمًا شاملاً لكيفية استخدام جميع الأسلحة والأجزاء والمكونات في النهاية. وبما أن الاحتلال نفسه غير قانوني، فلا يمكن فهم أي عمل إسرائيلي في الأراضي المحتلة على أنه “دفاعي” (الفقرة 41).
وعلى الرغم من الاعتراف بالمخاوف، استمرت الدول في تفويض صادرات الأسلحة وعبورها إلى إسرائيل، مع الحفاظ على الاتفاقيات القائمة وتسهيل التحويلات بطريقة توحي بالتواطؤ في الجرائم الإسرائيلية (الفقرة 42). كما تمثل الدعم في شكل شراكات عسكرية ومناورات دفاعية مشتركة (الفقرة 43)، وغياب التحقيقات والملاحقات بحق المواطنين الذين خدموا في الجيش الإسرائيلي منذ أكتوبر/تشرين أول 2023 (الفقرة 44)، وشراء تقنيات عسكرية ومراقبة إسرائيلية “مجربة في القتال” (الفقرات 45-46).
ج. تسليح المساعدات: خلق ظروف معيشية تؤدي للإبادة
في هذا القسم من التقرير، تفحص المقررة الخاصة كيف أن الدول الثالثة ساعدت في “تسهيل” تدهور ظروف حياة السكان الفلسطينيين في غزة، لا سيما في سياق تقديم المساعدات، عبر:
- تعليق التمويل لوكالة الأونروا؛
- إنشاء مؤسسة غزة الإنسانية القاتلة، التي سهّلت التهجير؛
- المشاركة في عروض إعلامية تهدف إلى تهدئة القلق العام بينما تفاقمت المجاعة، مثل إسقاط المساعدات بالمظلات في غزة؛
- صمتها وعدم تحركها عندما تم اعتراض النشطاء ومنظمات المجتمع المدني التي حاولت كسر الحصار غير القانوني من قبل إسرائيل في المياه الدولية (الفقرات 51–54).
وبذلك، تورطت هذه الدول في الضرر الجسيم الذي لحق بالمدنيين (الفقرة 55).
قبل 7 أكتوبر/تشرين أول 2023، أدى الحصار الإسرائيلي والمصري إلى اعتماد 80٪ من سكان غزة على المساعدات، مع 1.1 مليون يعتمدون على الأونروا، التي توزع المساعدات عبر أكثر من 400 موقع محلي (الفقرة 48). منذ أكتوبر/تشرين أول 2023، سلّحت إسرائيل المساعدات الإنسانية في غزة، فارضة حصارًا كاملًا خفّض عمليات التسليم إلى أقل من ثلث مستويات ما قبل الحرب، ما ساهم في المجاعة ومئات حالات الوفاة المرتبطة بسوء التغذية (الفقرة 49).
وقد ساعدت الدول إسرائيل وهي تنتهك بشكل صارخ التزاماتها لضمان أن السكان الفلسطينيين في غزة لديهم وسائل البقاء الكافية من خلال حملة إبادة جماعية تستهدف النظام الإنساني عمدًا، بما في ذلك الهجمات على مرافق الأونروا والعاملين فيها، وتشويه سمعة الوكالة، والترويج لوكالات “إنسانية” زائفة (الفقرات 50، 53–54).
د. العلاقات الاقتصادية والتجارية: وقود وأرباح الإبادة
في هذا القسم، تستعرض المقررة الخاصة كيف أن التجارة الدولية والتعاون الاقتصادي يدعمان ويشرعنّان نظام الفصل العنصري الإسرائيلي واحتلاله غير القانوني.
توفر الواردات الإسرائيلية، بما في ذلك السلع ذات الاستخدام المزدوج، المواد الضرورية لدعم الاحتلال غير القانوني والسياسات غير القانونية لإسرائيل (الفقرة 57). وتغذي الصادرات الإسرائيلية، التي بلغت 474 مليار دولار أمريكي بين 2022 و2024، الاقتصاد الإسرائيلي وتعزز قدرة تصنيع الأسلحة عبر تصدير سلع ذات استخدام مزدوج مثل الدوائر المتكاملة الضرورية للأنظمة العسكرية الإسرائيلية التي “تراقب وتسيطر وتقتل” الفلسطينيين (الفقرة 58).
يتجاوز التعاون الاقتصادي مع إسرائيل حدود التجارة، حيث يزود الاتحاد الأوروبي بمساعدات ومنح بقيمة 2.1 مليار يورو للكيانات العلمية والابتكارية الإسرائيلية، التي يقوم كثير منها بتطوير تقنيات ذات استخدام مزدوج وعسكرية؛ كما يموّل البنك الأوروبي للاستثمار كيانات إسرائيلية بمبلغ 2.7 مليار يورو؛ ويشمل التعاون الاقتصادي عدة اتفاقيات أخرى (الفقرات 60–61).
وبدلاً من تعليق الاتفاقيات التجارية والاقتصادية للوفاء بالتزاماتها القانونية، زادت العديد من الدول تجارتها مع إسرائيل خلال فترة الإبادة الجماعية (الفقرة 62). وذلك على الرغم من أن الالتزامات بالتحرك ضد انتهاكات القانون الدولي غالبًا ما تكون مدمجة في المعاهدات الثنائية، مثل اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل (الفقرة 63). كما ينبغي أن يشمل التعليق تجارة المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، التي شكّلت 38٪ من التجارة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل في 2024 (17.5 مليار دولار أمريكي) (الفقرة 64).
ولا تزال معظم الدول تزود إسرائيل بالوقود والمواد الخام، أو تتيح الوصول إلى الموانئ الرئيسية، بينما يستورد الاتحاد الأوروبي ومصر الغاز عبر خط أنابيب شرق المتوسط الذي يمر بشكل غير قانوني عبر المياه الفلسطينية. كما وسّعت مصر هذه الروابط عبر صفقة غاز طبيعية بقيمة 35 مليار دولار في أغسطس/آب 2025، في ظل المجاعة في غزة (الفقرة 65). وتتيح البنية التحتية للنقل في الدول الثالثة لإسرائيل التجارة وتوريد المواد والأسلحة، بما في ذلك أجزاء الطائرات F-35، والوقود، وسلع أخرى، عبر موانئ في تركيا، وفرنسا، وإيطاليا، وبلجيكا، وهولندا، واليونان، والمغرب، والولايات المتحدة، وكذلك المطارات في أيرلندا وبلجيكا والولايات المتحدة. وبينما قام عمال الموانئ في عدة دول بمنع شحنات غير قانونية، غالبًا ما تخفي إسرائيل التحويلات عن طريق تعطيل أجهزة الإرسال، أو إعادة توجيه الشحنات، أو استخدام تجار من دول ثالثة، مع تسهيل بعض الدول مثل بلجيكا وإسبانيا عبور الشحنات (الفقرة 66).
الخاتمة
تخلص المقررة الخاصة إلى أن الإبادة الجماعية في غزة هي نتيجة لنظام من التواطؤ العالمي، حيث تستمر العديد من الدول، لا سيما في الغرب، في ممارسة السياسات الاستعمارية والرأسمالية العرقية، وتقديم الدعم العسكري والدبلوماسي والاقتصادي والإيديولوجي لإسرائيل، حتى في الوقت الذي قامت فيه إسرائيل بتسليح المجاعة والمساعدات الإنسانية (الفقرة 67).
وتجد المقررة الخاصة أن “الأفعال، والإغفالات، والخطاب” للدول الثالثة التي تدعم النظام الإبادي والفصل العنصري الإسرائيلي هي أفعال تجعلها في موضع “من يمكن ويجب أن يتحمل المسؤولية عن المساعدة أو المشاركة المشتركة في الأفعال الدولية غير القانونية”، أي أنها تشكل تواطؤًا في مثل هذه الأفعال (الفقرة 68 من التقرير). ويجب على الدول تعليق ومراجعة “جميع العلاقات العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل فورًا”، حيث أن هذا الدعم قد يشكل مساعدة أو مشاركة مباشرة في جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، والإبادة الجماعية (الفقرة 68).
وتجد المقررة الخاصة أن العديد من الدول الثالثة تصرفت على أساس الإفلات من العقاب. وأن تجاهلها للقانون الدولي يهدد أسس النظام متعدد الأطراف وفكرة الإنسانية المشتركة (الفقرة 69). ويجب أن تمتد المساءلة إلى ما بعد الملاحقات الجنائية لتشمل التعويضات، بما في ذلك إعادة الحقوق، والتعويض المالي، وإعادة التأهيل، وتحقيق الرضا، وضمان عدم التكرار، والتي يجب أن تتحملها ليس فقط إسرائيل بل أيضًا الدول التي مكنت جرائمها (الفقرة 69).
استنتاجات المقررة الخاصة حاسمة: يجب تفكيك الهياكل القسرية العالمية، وتعليق الدعم العسكري والسياسي، وإنهاء التواطؤ في الإبادة الجماعية (الفقرة 70).
التوصيات
تذكّر المقررة الخاصة الدول بالتزاماتها القانونية “بعدم المشاركة أو التواطؤ في الانتهاكات الإسرائيلية” ومنع ومعالجة الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي (الفقرة 71). وتحث الدول على عدم التسبب بأي ضرر إضافي للشعب الفلسطيني، وأن:
- تمارس الضغط من أجل وقف كامل ودائم لإطلاق النار وسحب كامل للقوات الإسرائيلية؛
- تتخذ خطوات فورية لإنهاء الحصار في غزة، بما في ذلك نشر قوافل بحرية وبرية لضمان وصول المساعدات الإنسانية الآمنة وتوفير المأوى المتنقل قبل الشتاء؛
- تدعم إعادة فتح مطار وميناء غزة الدوليين لتسهيل تسليم المساعدات.
كما تشدد المقررة الخاصة على أن على الدول واجب دعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم وتحقيق العدالة، باعتبار ذلك أساسيًا لتحقيق السلام والأمن الدائمين، ولذلك يجب عليها:
- تعليق جميع العلاقات العسكرية والتجارية والدبلوماسية مع إسرائيل؛
- التحقيق ومقاضاة جميع المسؤولين، والشركات، والأفراد المشاركين أو المساعدين في الإبادة الجماعية، والتحريض، والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب، وغيرها من الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنساني الدولي؛
- تأمين التعويضات، بما في ذلك إعادة البناء الكاملة والعودة؛
- التعاون الكامل مع المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية؛
- تأكيد وتعزيز الدعم لوكالة الأونروا ونظام الأمم المتحدة ككل؛
- تعليق عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة وفقًا للمادة 6 من ميثاق الأمم المتحدة؛
- العمل بموجب آلية “الاتحاد من أجل السلم”، وفقًا لقرار الجمعية العامة 377(V)، لضمان تفكيك إسرائيل لاحتلالها.
وأخيرًا، تدعو المقررة الخاصة النقابات، والمحامين، ومنظمات المجتمع المدني، والمواطنين، إلى محاسبة الدول والمؤسسات والشركات من خلال الدعوة إلى المقاطعة، والتخلص من الاستثمارات، وفرض العقوبات، حتى تنهي إسرائيل احتلالها غير القانوني وجرائمها ذات الصلة.



