القانون من أجل فلسطين تجمع خبراء قانونيين في حلقة نقاش حول جلسات استماع محكمة العدل الدولية في قضية الإبادة الجماعية (جنوب أفريقيا ضد إسرائيل)
في خطوة تاريخية، رفعت جنوب أفريقيا دعوى ضد إسرائيل أمام محكمة العدل للمرة الأولى في التاريخ، وبدأت معركة قانونية في المحكمة بشأن مزاعم الإبادة الجماعية في غزة. وعقدت المحكمة جلستي استماع للفريق الجنوب أفريقي والإسرائيلي من أجل البت في طلب جنوب افريقيا من المحكمة اتخاذ إجراءات مؤقتة بصورة عاجلة لمنع تفاقم الوضع. قاد ذلك إلى عقد حلقة نقاش حية استضافتها منظمة “القانون من أجل فلسطين” يوم الجمعة 12 يناير 2024، بعنوان “تحليل جلسة استماع محكمة العدل الدولية بشأن جنوب أفريقيا ضد إسرائيل: الحجج وآفاق القضية”.
وهدفت الجلسة، التي تم بثها مباشرة على يوتيوب وشاهدها 13 ألف شخص، إلى دراسة الآثار البعيدة المدى لهذه اللحظة التاريخية، والتعمق في الحجج الرئيسية المقدمة خلال جلسات الاستماع التي عقدتها محكمة العدل الدولية واستكشاف الآفاق المحتملة لأخذ المحكمة قرارا بخصوص التدابير المؤقتة والقضية الأوسع.
وأدارت الندوة دلال جابر، زميلة القانون من أجل فلسطين والمحامية الدولية، التي مهدت الطريق من خلال تسليط الضوء على أهمية الإجراءات القانونية التي اتخذتها جنوب أفريقيا. واستذكرت مداخلة وزير العدل في جنوب أفريقيا رونالد لاموة مستذكرة كلمات نيلسون مانديلا التي أكد فيها على الوحدة والتضامن مع شعب فلسطين.
استضافت اللجنة ثلاثة متحدثين بارزين: جون غويجلي (عالم قانوني، وأستاذ فخري في جامعة ولاية أوهايو)؛ ديانا بوتو (محامية فلسطينية كندية، ومحللة في معهد دراسات الشرق الأوسط)؛ ورالف وايلد (خبير في القانون الدولي – جامعة كلية لندن UCL). وقد قدم كل متحدث وجهة نظر للمناقشة، حيث سلط الضوء على التفاصيل القانونية المحيطة بمزاعم الإبادة الجماعية والتأثير المحتمل على الوضع في غزة.
جون غويجلي يحلل جلسة استماع محكمة العدل الدولية بشأن مزاعم الإبادة الجماعية في غزة
خلال مداخلته، قدم البروفيسور جون غويجلي رؤى أساسية حول جلسات الاستماع التي عقدتها المحكمة فيما يتعلق باتهامات جنوب أفريقيا بارتكاب إسرائيل جرائم إبادة جماعية في غزة. وانتقد غويجلي محاججة إسرائيل بشأن “تعليق” العمليات العسكرية، مشيرًا إلى أنها تغاضت عن الظروف الفريدة في غزة. وشدد على ضرورة “وقف” الأعمال العسكرية، كما طلبت جنوب أفريقيا، لإنهاء الإبادة الجماعية المستمرة بسبب عدم قدرة السكان الضعفاء على طلب المساعدة وسط القصف المستمر.
وفي معرض تناوله لمسألة النوايا، قال غويجلي إن الظروف المحيطة بأمر الإخلاء الإسرائيلي الصادر في 13 أكتوبر تشير بقوة إلى نية ارتكاب إبادة جماعية، على الرغم من محاولات تفسير تصريحات القادة الإسرائيليين بصورة مغايرة.
وأعرب غويجلي عن شكوكه، عندما يتعلق الأمر باجتهاد محكمة العدل الدولية، بشأن خروج المحكمة عن القواعد الراسخة، معتقدًا أنه من غير المرجح أن تفرض معيارًا أعلى من تلك التي شهدتها القضايا السابقة فيما يتعلق بالإبادة الجماعية.
وفيما يتعلق بخطر التحيز الذي لا يمكن إصلاحه، سلط كويجلي الضوء على تركيز المحكمة المحتمل على تصرفات إسرائيل بدلاً من التكهن بشأن حماس، مما يشير إلى أن المحكمة من المرجح أن تأذن بوقف العمليات الإسرائيلية دون الخوض في تصرفات محتملة من جانب حماس.
أخيرًا، فيما يتعلق بالجدول الزمني لأخذ قرار بشأن الإجراء المؤقت، أشار غويجلي إلى الإطار الزمني التقليدي الذي يمتد من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع. وشدد على ضرورة استعجال المحكمة لإصدار أمر قبل مغادرة أربعة قضاة في 6 فبراير/شباط المقبل، حيث سوف يحدث حينها تغيير في طاقم المحكمة.
ديانا بوتو تشير إلى القوة والاستراتيجية في صياغة جنوب أفريقيا للقضية
وفي مداخلتها، سلطت ديانا بوتو الضوء على تعقيدات جلسات الاستماع التي عقدتها محكمة العدل الدولية، مؤكدة على الأهمية العالمية للقضية وآثارها المحتملة على العدالة والمساءلة.
وبدأت ديانا بوتو كلمتها بالتعبير عن التأثير العميق لمشاهدة جلسة الاستماع في جنوب أفريقيا، مشيرة إلى إشارة المتحدثة إلى النكبة والحقائق القاسية التي يواجهها الفلسطينيون على مدى السنوات الخمس والسبعين الماضية، مع ربط هذه التجارب بـ 56 عامًا من الاحتلال العسكري وفي نهاية المطاف ب 17 عاماً من الحصار على قطاع غزة.
وفي معرض حديثها عن القرار الاستراتيجي بتأطير القضية على أنها إبادة جماعية، أقرت بوتو بذكاء القرار لعدة أسباب. أولاً، أكدت أن إلحاح طلب التدابير المؤقتة يصبح أكثر وضوحاً عندما يتم تصنيف القضية على أنها إبادة جماعية. ثانيا، أشارت إلى أن منع الإبادة الجماعية هو مسؤولية جماعية لجميع الدول، مما يجعل من الصعب على إسرائيل التهرب من هذه القضية.
وأبدت بوتو تفاؤلا بشأن التداعيات المحتملة التي قد تواجهها إسرائيل على الساحة الدولية. وناقشت احتمال أن تحاول إسرائيل التهرب من الحكم، مما قد يؤدي إلى تدخل مجلس الأمن. وعلى الرغم من التحديات المحتملة، فقد شددت على التكلفة البشرية المأساوية المدفوعة والقوة الإضافية المحتملة لحركة المقاطعة كرد فعل على عدم امتثال إسرائيل لقرارات محكمة العدل الدولية.
وعندما يتعلق الأمر بالآثار الأوسع على القانون الدولي، شددت بوتو على أهمية حماية الفئات الأكثر ضعفا. لقد صيغت القضية ليس كمحاولة لوقف إسرائيل فقط ولكن كفرصة لتدقيق وإصلاح الأنظمة القانونية والسياسية الدولية.
وفي معرض حديثها عن دفاع إسرائيل متذرعة بالتكامل، انتقدت بوتو الطبيعة الانتقائية للإجراءات القانونية الإسرائيلية. وأشارت إلى غياب المساءلة عن تصريحات الإبادة الجماعية والإفلات من العقاب الذي يعمل في ظله الجنود الإسرائيليون.
رالف وايلد يشرح الغموض في الدفاع الإسرائيلي
وتطرق رالف وايلد في مناقشته إلى الجوانب القانونية لقضية جنوب أفريقيا ضد إسرائيل. وتجاوز النطاق الضيق للقضية المتعلقة بغزة والإبادة الجماعية، وشدد على أهمية اتخاذ منظور أوسع، ومعالجة الأسئلة الأساسية التي تكمن في جذور القضية. ودقق في رد فعل إسرائيل، وخاصة تجنبها معالجة احتلال غزة والغموض المتعمد الذي يحيط بالدفاع عن النفس.
وفي مناقشة حق إسرائيل في استخدام القوة دفاعاً عن النفس ضد غزة، أشار وايلد إلى وجود خطأ مشترك. يميل الكثير من الناس إلى فصل الاستخدام الأولي للقوة عن الاحتلال العسكري اللاحق الذي يتيحه. وشدد على أن تحليل الشرعية غالبًا ما يركز فقط على الاستيلاء الأولي على الأراضي، دون الاعتراف بأن الاحتلال هو استمرار لهذا الاستخدام للقوة. ووفقاً لوايلد، إذا لم يكن احتلال عام 1967 قانونياً منذ البداية، أو أصبح غير قانوني بمجرد تحييد التهديد الذي أسس له، فلا يمكن لإسرائيل أن تدعي الحق في الدفاع عن نفسها ضد التهديد الناشئ من الأراضي التي هي تستخدم فيها القوة أساسا بشكل غير قانوني، من خلال احتلالها.
وفي تعليقه على استراتيجية الدفاع الإسرائيلية، أشار وايلد إلى الإشارات الواسعة والغامضة للدفاع عن النفس، مع إبقاء الخيارات مفتوحة وتجنب التحديد. وأشار إلى ضرورة أن تشرح إسرائيل الجوانب الأساسية التي تعمدت إبقاءها غامضة إذا ما تم عرض القضية في جلسة استماع كاملة.
وأثار الخبير القانوني مخاوف بشأن تأكيد إسرائيل على مصطلح الأراضي المتنازع عليها. وتطرق إلى أهمية وعد بلفور والانتداب على فلسطين، متحديا الحجج المؤيدة لشرعية إسرائيل المستندة إلى هذه الوثائق التاريخية.
وقام وايلد بتحليل نقدي لرفض إسرائيل تصنيف الصراع ووضع غزة، مشيرا إلى غياب ذكر احتلال غزة والتجنب المتعمد للمصطلحات القانونية. وقال إن الاحتلال المستمر منذ عام 1967 يثير تساؤلات حول شرعية استخدام إسرائيل للقوة في غزة.
وأخيراً، أكد وايلد على القيود المتأصلة في القانون الدولي، مشيراً إلى أن الإطار القانوني يدور حول دولة إسرائيل. وسلط الضوء على معضلة تأطير تقرير المصير الفلسطيني في سياق القيود المفروضة على مسألة الدولانية. وفيما تستند الإجراءات القانونية في محكمة العدل الدولية إلى وضع إسرائيل كدولة، يعترف وايلد بالتعقيدات المرتبطة بتحدي تصرفات إسرائيل ضمن الهيكل القانوني القائم.
- لملخص كامل لملف جنوب افريقيا أمام المحكمة، انقر/ي هنا
- التسجيل الكامل للندوة مع الترجمة العربية، انقر/ي هنا