عقد حلقة نقاشية ناقشت الدروس المستفادة من تجربتيّ سوريا و ميانمار لتحقيق المساءلة الدولية في فلسطين
نظمت منظمة القانون من أجل فلسطين وبالشراكة مع منظمة النهضة العربية للحقوق والتنمية (ARDD) لقاء نقاشيا عبر الإنترنت بعنوان “السعي الفلسطيني من أجل المساءلة: نظرة في تجربة سوريا و ميانمار”. وهذه الندوة هي الخامسة في الموسم الثاني من ملتقى القانونيين من أجل فلسطين وشارك فيها 30 باحثاً وقانونياً وتابعها ما يزيد على 1200 عضواً في ملتقى القانونيين من جميع أنحاء العالم.
وقد ناقشت الندوة آليات المساءلة القانونية الدولية التي تستخدمها ميانمار وسوريا، وما الدروس التي يمكن أن يمكن الاستفادة منها من تجربة النشطاء في البلدين من أجل قضية فلسطين، وكيفية المضي قدمًا في محاسبة إسرائيل على الانتهاكات المرتكبة بحق الفلسطينيين.
وقد عقدت الندوة عبر الإنترنت في 26 سبتمبر/أيلول عبر تقنية زوم واستضافت ثلاثة محاميين دوليين مختصين بقضايا سوريا وميانمار بالإضافة إلى اثنين من المعلقيّن. المتحدثون هم كريس جونيس (مؤسس ومدير مشروع مساءلة ميانمار (MAP) والمدير السابق للاتصالات الاستراتيجية والمناصرة في الشرق الأوسط ومتحدث سابق باسم الأونروا)، وفضل عبد الغني (مؤسس ورئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان) وكينجسلي أبوت (مدير المساءلة العالمية والعدالة الدولية في لجنة الحقوقيين الدولية ومسؤول قانوني أول سابق ومستشار محاكمة في مكتب المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان).
فيما تضمن المعلقون كلا من رانية ماضي (مستشارة قانونية أولى لمنظمة القانون من أجل فلسطين) وكياو وين (مؤسس ومدير شبكة بورما لحقوق الإنسان (BHRN). وأدارت الندوة، الباحثة القانونية والناشطة في مجال حقوق الإنسان مها عبد الله.
كريس جونيس: الولاية القضائية العالمية هي أداة قوية استخدمت في ميانمار ويمكن استخدامها لمساعدة الفلسطينيين في تحقيق العدالة والمساءلة
خلال مداخلته، ناقش كريس جونيس مدى امكانية تطبيق الدروس التي استنتجها من عمله في مشروع مساءلة ميانمار على السياق الفلسطيني. ويرى جونيس أن تطبيق نموذج ميانمار على فلسطين سيكون له قيمة كبيرة، وذلك لأن الأنظمة القانونية الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية تفشل في اتخاذ خطوات فعالة نحو تحقيق العدالة للفلسطينيين، بالتالي سيكون لاستخدام مبدأ الولاية القضائية العالمية أهمية كبيرة في محاسبة مجرمي الحرب.
ويقول جونيس أنه في فترة عمله مع الأونروا كان دائماً يتساءل مستنكراً عن سبب عدم استخدام الأشخاص الذين يعملون مع الأونروا أو الفروع الأخرى للأمم المتحدة الأدلة البينّة بين أيديهم، مثل سياسات الاستيطان ورسائل البريد الإلكتروني من مكتب تنسيق الحكومة في المناطق حول حصار غزة من أجل رفع قضية باستخدام أداة الولاية القضائية العالمية.
وشدد جونيس على أهمية تجاهل كل الضوضاء السياسية التي تعترض طريق العدالة الفعالة للفلسطينيين. بدلاً من ذلك، يقول جونيس “نحتاج إلى التركيز على جمع الأدلة وتوثيقها، وإيجاد سلطة قضائية ودودة تجاه فلسطين، ورفع قضية هناك، ثم استخدام هذه القضية لتعزيز جهود المناصرة”.
فضل عبد الغني: يجب الاعتدال في التوقعات من نظام المساءلة العالمي
من جانبه، قدّم فضل عبد الغني درسًا مهمًا يمكن الاستفادة منه من التجربة السورية مع نظام المساءلة الدولي والولاية القضائية العالمية وهو: إبقاء التوقعات واقعية ولكن دون فقدان الاهتمام بالنظام الدولي وعدم التقليل من تأثيره.
أشار عبد الغني إلى أن السوريين قد عانوا من تيارين متطرفين هيمنا على وجهات النظر حول المساءلة الدولية في سوريا، وكلاهما يمثل إشكالية. من ناحية، رفع التيار المتفائل للغاية توقعات الضحايا بدرجة عالية لدرجة أن أي نجاح صغير في طريق المساءلة اعتُبر عديم القيمة.
ومن ناحية أخرى، تسبب التيار المتشائم للغاية في فقدان الاهتمام بالمساءلة الدولية برمتها معتبراً إياها عديمة الجدوى ومضيعة للوقت والجهود. وهذا الرأي خطير أيضًا بالنسبة لعبد الغني، لأن كل إنجاز صغير هو خطوة أقرب إلى الاتجاه الصحيح، وهو أفضل من لا شئ على الإطلاق، بحسب قوله.
على سبيل المثال، في قضية كوبلنز، التي بموجبها تم محاكمة شخصين تابعين للنظام السوري، اعترفت المحكمة بوضوح بالجرائم ضد الإنسانية التي تم ارتكابها في سوريا. على الرغم من أن المحكمة حكمت على الأفراد وليس النظام، إلا أن الحكم هو بمثابة تذكير مهم للعالم بشكل غير مباشر بأنهم يتعاملون مع نظام همجي يرتكب جرائم ضد الإنسانية. وأكد عبد الغني أن مثل هذه القرارات لها تأثيرات مهمة على الواقع، مثل عرقلة استئناف أي علاقات دبلوماسية مع النظام.
كينغسلي أبوت: منظمات المجتمع المدني هي عنصر قوة لا يستهان به
ناقش كينغسلي أبوت في مداخلته المناهج المختلفة والمبادرات المتاحة للفلسطينيين لتحقيق المساءلة. يصف أبوت العدالة الجنائية الدولية بأنها مفهوم وأداة جديدة وغير كاملة، وهنا يكمن الأمل. وهو في تطور هذه المنظومة بشكل أكبر لإيجاد حلول إبداعية للحالات التي تبدو ميؤوسا منها كما كان الحال في ميانمار.
يجادل أبوت بأنه: “بينما لا نزال اليوم نحارب الإفلات من العقاب على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم، لا يزال هناك سبب للأمل. حالة ميانمار هي مثال جيد على هذا الأمل والذي يمكن أن يجعلنا متفائلين بتحقيق العدالة لفلسطين في المستقبل”.
حالة ميانمار هي مثال جيد على هذا الأمل والذي يمكن أن يجعلنا متفائلين بتحقيق العدالة لفلسطين في المستقبل
في ميانمار، في عامي 2016 و 2017، خلال المراحل الأولى من العنف كان هناك ثغرات كبيرة في نظام العدالة الجنائية الدولية تجعل باب المساءلة بعيد المنال. والأمثلة على هذه الثغرات -وفق ما ذكره أبوت-هي: (1) عدم البدء بتحقيقات من جهات موثوق بها، (2) ميانمار لم تصادق على نظام روما الأساسي، بالتالي لم يكن هناك تحقيق للمحكمة الجنائية الدولية، (3) كان مجلس الأمن الدولي مسيسًا لدرجة أنه لم يتم إحالة وضع ميانمار إلى المحكمة الجنائية الدولية، و (4) لم يكن هناك أمل بأن يتم رفع قضايا باستخدام مبدأ الولاية القضائية العالمية.
ولكن رغم كل ذلك، وفي غضون سنوات قليلة فقط، تغير كل هذا. وتم توفير قدر هائل من آليات المساءلة في جميع أنحاء العالم، وبدأت هناك خطوات كبيرة نحو العدالة وما زالت جارية.
يقول أبوت “اليوم، نشهد جيلًا جديدًا من الآليات التابعة للأمم المتحدة وغير التابعة لها، مثل المنظمات غير الحكومية للمجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان، الذين يقومون بإجراء التحقيقات وجمع الأدلة لاستخدامها في عمليات المساءلة”. هذا بالإضافة إلى بدء استخدام الولاية القضائية العالمية والابتكار القانوني في هذه االنوع من القضايا.
وفي هذا السياق، تبرز أهمية و قوة منظمات المجتمع المدني والمحامين في دفع عجلة المساءلة المتعرقلة وأهمية دورها في جمع وحفظ الأدلة التي يمكن استخدامها لاحقًا في إجراءات المساءلة.
يختتم أبوت بالتأكيد على أهمية الحفاظ على الأمل في تحقيق العدالة والمساءلة في نهاية المطاف، مع الحفاظ على الواقعية بشأن الوقت الذي يمكن أن يستغرقه ذلك.
من المهم الحفاظ على الأمل مع الاعتدال في التوقعات
واتفق المتحدثون، إلى جانب كلا المعلقين، رانية ماضي وكياو وين، على أن هناك الكثير من الأسباب التي تجعلنا متفائلين رغم كل الانتكاسات القانونية والسياسية التي مرت بها فلسطين. بالإضافة إلى التطور الإيجابي الأخير في القانون الدولي والولاية القضائية العالمية. وخلص المتحدثون بأن هناك العديد من الحالات بما في ذلك ميانمار وسوريا حيث كان لتوثيق الأدلة قيمة كبيرة في تحقيق المساءلة. وبالتالي، فإن جمع وتوثيق الأدلة حول كل الانتهاكات مهم للغاية في الوقت الحالي.
وتوافق المتحدثون على أهمية الاعتدال والواقعية في توقع النتائج والوقت الذي ستستغرقه، والبعد عن التأثر بالضوضاء السياسية المحيطة بهذا الأمر. وبدلاً من ذلك، يجب التركيز على الخطوات العملية والمتابعة مع الأليات الدولية.
يشار إلى أن هذه الندوة عبر الإنترنت تأتي ضمن سلسلة الندوات الشهرية لملتقى القانونيين من أجل فلسطين، التابع لمنظمة القانون من أجل فلسطين. يعقد الملتقى هذه الندوات التي تجمع الخبراء والباحثين الدوليين والطلاب والحقوقيين والمهتمين بفلسطين من مختلف دول العالم لمناقشة الموضوعات والتطورات المتعلقة بالقانون الدولي وفلسطين، بالإضافة إلى تحقيق التواصل الفعال بين الحقوقيين المهتمين بفلسطين من جميع أنحاء العالم.
** لحضور الندوات الشهرية القادمة لملتقى القانونيين من أجل فلسطين، يمكنك التسجيل عبر الرابط التالي “هنا”