مؤتمر فلسطين والقانون الدولي: الفاعلية والأفق
الجلسة 3
فلسطين في الأمم المتحدة: الثابت و المتغير، الراهن و المستقبل
(تفريغ نصي للندوة)
المتحدثون:
البروفيسور جون دوغارد: المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة بشأن فلسطين (2001-2008)
البروفيسور ريتشارد فولك: المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة بشأن فلسطين (2008-2014)
البروفيسور مايكل لينك: المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة بشأن فلسطين (2016 – 2022)
أدار اللقاء: د. أرضي إمسيس: أستاذ القانون الدولي بجامعة كوينز ورئيس التحرير السابق لكتاب فلسطين السنوي للقانون الدولي (2008-2019)
* لحضور تسجيل اللقاء مع الترجمة الفورية إلى اللغة العربية: انقر/ي هنا
** لحضور تسجيل اللقاء باللغة الإنجليزية: انقر/ي هنا
*** لتحميل هذا التلخيص بنسخة pdf قابلة للطباعة انقر/ي هنا
**** عقدت هذه الجلسة الهامة والاستثنائية ضمن مؤتمر فلسطين والقانون الدولي: الفاعلية والأفق، بتاريخ 29 نوفمبر/تشرين ثاني 2021.
تم إعداد هذا الملخص بدعم من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان – فلسطين
مقدمة:
د. أرضي:
“إن ضلوع الأمم المتحدة في قضية فلسطين على مر السنين قد شوه صورة المنظمة وبعثر سمعتها ومكانتها كما لم يحدث في أي قضية أخرى”، وكيل الأمين العام السابق للأمم المتحدة، بريان أوركهارت، مذكرات عام 1987
عند استرجاعي للذكريات بصفتي مسؤولاً في الأمم المتحدة بشأن فلسطين، وانطلاقاً من رغبتي في انتقاد الطريقة التي تعاملت بها المنظمة والقانون الدولي مع القضية الفلسطينية وشعبها، أسعى في كتابي القادم عن الأمم المتحدة وقضية فلسطين إلى الوصول لإجابة عن التساؤل الناتج عن ملاحظات أوركهارت التي ما زال يتردد صداها معنا حتى اليوم.
لننظر في أطروحات الغرب بأن الأمم المتحدة هي الجهة الراعية لنظام القانوني الدولي، لكن هل تُرك القرار لها عندما يتعلق الأمر بفلسطين؟ وإلى أي مدى استطاعت أن تكون جزءًا من المشكلة بدلاً من أن تكون جزءًا من الحل؟ ما هي آليات الأمم المتحدة التي شكلت المعضلة، ولماذا؟ ما هي آليات الأمم المتحدة التي قد تقدم آفاقا للتغيير الإيجابي ولماذا؟ وأخيرًا، ما هي المسارات في كل من الجولات القانونية والسياسية التي بإمكانها أن تدلنا لأي وجهة نلجأ بالنسبة لقضية فلسطين في الأمم المتحدة؟
لمناقشة هذه الأسئلة وغيرها، معي اليوم في هذه الجلسة كلٌ من الأساتذة جون دوغارد وريتشارد فولك ومايكل لينك. وفي اعتقادي، هذه هي المرة الأولى التي يجتمع فيها الثلاثة معًا في حلقة نقاش عامة. ولعل تفرد هذا الحدث يكمن في حقيقة أن كل واحد منهم شغل منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة من قبل إسرائيل منذ عام 1967، وهذا يمثل في المحصلة ما مجموعه 20 عامًا من الخبرة، مع احتساب الأشهر المتبقية لانتهاء فترة المقرر الحالي بحلول شهر مارس من العام المقبل (2022).
بإمكاننا اعتبار عملهم معًا أكثر الأعمال اتساقاً واستنادًا إلى مبادئ القانون الدولي وقضية فلسطين المنصوص عليها في آلية الأمم المتحدة منذ انخراط المنظمة الفاشل مع المشكلة منذ عام 1947. يمثّل هؤلاء الرجال معًا شهودًا على محنة الشعب الفلسطيني وفلسطين منذ عام 1967 بطرق لم يشهدها سوى قلة، مما يمنحهم المكانة المتميزة التي يمكنهم من خلالها مشاركة آرائهم الهامة معنا اليوم. وبذلك، فهم يساعدون في إبقاء القصة الفلسطينية في مقدمة الأمم المتحدة وفي مركزها، مما يساعد على تحسين الفهم الجماعي للوضع وتطوره مع مرور الوقت، بقدر ما يساعد في تشكيل مسارات جديدة لنا لأخذها بعين الاعتبار لحل هذه المشكلة بشكل نهائي وحاسم.
مداخلات افتتاحية:
البروفيسور جون دوغارد:
اسمحوا لي أن أبدأ حديثي بالقول إن نهجي الذي اتبعته في الأمم المتحدة وقضية فلسطين مصبوغ بتجربتي كشخص من جنوب أفريقيا عارض الفصل العنصري في ذلك البلد. خلال حقبة الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ، كنا نلجأ إلى الأمم المتحدة بحثًا عن الأمل وإيجاد حل لمشكلة الفصل العنصري هناك. وعلى الرغم من أن الأمم المتحدة استغرقت سنوات عديدة لتوجيهنا إلى الاتجاه الصحيح إلا أنها ساهمت في نهاية المطاف في تفكيك وإسقاط الفصل العنصري. لذلك، بصفتي محاميًا وناشطًا في جنوب إفريقيا، كان ما قمت به -إلى حد كبير- مستلهماً من توجيهات الأمم المتحدة، وأعتقد أنه قد كان لذلك نتائج إيجابية، لأن الأمم المتحدة نجحت في نهاية المطاف في المساهمة في إنهاء الفصل العنصري.
الآن، عندما نقارنها بحالة فلسطين، لا يسعني إلّا أن أقر بأنّني أشعر بخيبة أمل كبيرة في النهج العام للأمم المتحدة. اسمحوا لي أن أعطي مراجعة سريعة عن كل المؤسسات التي تتناول قضية فلسطين في الأمم المتحدة. بدايةً، اسمحوا لي أن أبدأ باللجنة الرباعية ( اللجنة الرباعية المعنية بالشرق الأوسط)، التي أنشأها مجلس الأمن باعتبارها الهيئة المسؤولة عن تعزيز السلام في الشرق الأوسط. لا أعتقد أنه تبسيط مخلّ أن نقول أن اللجنة الرباعية كانت مؤسسة كارثية إلى حد كبير، ولم تساهم على الإطلاق، وبأي شكل، في إحلال السلام في الشرق الأوسط. لقد تم توجيهها وعرقلتها -في نفس الوقت- من قبل الولايات المتحدة ولم تحقق شيئًا على الإطلاق.
وبالنظر إلى مجلس الأمن، نجد أن مجلس الأمن قد تعرقل عمله إلى حد كبير من قبل الولايات المتحدة، لكن ما أجده مخيبًا للآمال هو أن الدول الأعضاء الأخرى في الأمم المتحدة لم تكن مستعدة لمواجهة ذلك وتسليط الضوء على مدى فشل مجلس الأمن بصفته المسؤول عن حفظ الأمن والسلم في الشرق الأوسط. أعتقد أنه كان من الممكن، بصفتهم أعضاء دائمين وأعضاء غير دائمين، أن يشيروا إلى أن الولايات المتحدة قد عرقلت ببساطة عملية السلام برمتها.
وفيما يتعلق بالجمعية العامة، نجد أن الجمعية العامة كانت مخيبة للآمال بنفس القدر لأنها تكرر نفس القرارات عاما تلو الآخر دون الاستجابة إلى أحدث المستجدات. عندما كنت مقررا خاصا، كثيرا ما اقترحت مواضيع يمكن أن تنظر فيها الجمعية العامة لكنها لم تفعل ذلك قط. أعتقد أنه من المهم أن تتناول الجمعية العامة مسألة الفصل العنصري. فعلى سبيل المثال، يرى المجتمع المدني -كجهة ضغط رئيسي- أن الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة يصل لمستوى نظام الفصل العنصري، وقد حان الوقت لكي تتناول الجمعية العامة هذا الأمر في قراراتها، لكنها لم تفعل ذلك حتى الآن. أعتقد أنه من المهم أن تبدأ الجمعية بدراسة الإجراءات التي كانت قد أوصت بها واعتمدتها سابقاً في جنوب إفريقيا بدءًا من فرض حظر الأسلحة على جنوب إفريقيا.
أخيرًا، لا أظن أنه ينبغي للمرء أن يتوانى عن ذكر أن الأمانة العامة للأمم المتحدة بشكل عام قد فشلت كذلك. عندما كنت مقررا خاصا، لطالما أذهلني عدد الطفيليات الذين وجدتهم في مناصب رفيعة في الأمانة العامة، ولا أعني الأمين العام نفسه، والذي كان في عهدي السيد كوفي عنان، ولكن الأمناء والمسؤولين المهمين في الأمانة العامة كان قد أظهروا الضغينة لي حيث أنهم كانوا يعتبرون أن إسرائيل دولة يجب معاملتها بلطف شديد.
البروفيسور ريتشارد فولك:
اسمحوا لي أولاً أن أشكر منظمي هذا الحدث، ولا سيما إحسان عادل، على جمعنا معًا اليوم. إنه لمن دواعي سروري أن انضم إلى جون ومايكل في مثل هذه المناسبة. اليوم، بالطبع، هو يوم التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني، وهو إلى حد ما حدث مهم للغاية ليتم فيه التأكيد على الدور الاستراتيجي للتضامن غير الحكومي، والتضامن الشعبي بين الناس. لأنه ولأسباب عدة، لخصها جون جيدًا، أثبتت الهياكل الحكومية الدولية للدبلوماسية، من خلال الأمم المتحدة، أنها كانت خيبة أمل كبيرة في حالة فلسطين. ولكن كان لها دور في نهاية المطاف في تأدية دور مهم في تفكيك الفصل العنصري في جنوب إفريقيا. ومن وجهة نظري، فإن التحدي الأكبر هو مضاعفة التضامن وأن يتم ممارسة الضغط على الأمم المتحدة بحيث يتم إجبارها من خلال قواعد القانون الدولي على تأدية دورها في حل النضال الفلسطيني.
بعد قولي هذا، أعتقد أنه من المهم إدراك أن الأمم المتحدة قد صُمّمت لإعطاء الأولوية للاعتبارات الجيوسياسية. وإلا، فلا يوجد سبب آخر لمنح حق النقض (الفيتو) لأخطر وأقوى الفاعلين السياسيين في العالم. في الواقع، كان هؤلاء الفاعلون هم الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن، وقد مُنحوا إعفاءً من الالتزام باحترام القانون الدولي، على الأقل في إطار الأمم المتحدة. ليس من المستغرب أنه عندما تكون قضية ما ذات أهمية جيوسياسية لأحد الأعضاء الخمسة، ولا سيما في الولايات المتحدة، فإنه سيتم منع الأمم المتحدة من تنفيذ القانون الدولي. وأدى ذلك لإصابة العديد من المهتمين بالدور التقدمي للأمم المتحدة بخيبة أمل وامتناع عن مدح دور الأمم المتحدة في السياسة العالمية.
في هذا الصدد، لدي وجهة نظر مختلفة بعض الشيء؛ أعتقد أن الأمم المتحدة أظهرت عدم قدرتها على تنفيذ القانون الدولي عندما تصطدم بالمصالح الجيوسياسية. في الوقت نفسه، هناك مستوى مهم للغاية من المشاركة السياسية، ما أسميه حرب الشرعية، وهي منظومة مرجعية للحقوق القانونية والأخلاقية. وقد لعبت الأمم المتحدة دورًا فعالاً في السياسات الرمزية التي كانت مهمة للغاية في تشكيل تاريخ العالم منذ عام 1945. لقد كانت مهمة بشكل خاص فيما يتعلق بالحروب ضد الاستعمار، والتي انتصر بها الجانب الأضعف عسكريًا. وحدث ذلك بشكل أساسي لأنهم انتصروا في حرب الشرعية واقترن ذلك بتجنيد المقاومة الوطنية التي كانت عاملاً حاسماً لدفع أي ثمن مقابل نيل حقوقهم.
هناك مستوى مهم للغاية من المشاركة السياسية، ما أسميه حرب الشرعية، وهي منظومة مرجعية للحقوق القانونية والأخلاقية
القصة الفلسطينية افتُقدت في ظل هذا التغير التاريخي ضد الاستعمار. بمعنى أن فلسطين كانت ضحية الاستعمار الاستيطاني، وفي الوقت الذي كان الاستعمار ينهار في جميع أنحاء العالم، كان وضع فلسطين يسير عكس تيار التاريخ. ولأنه كان مخالفًا لتدفق التاريخ، فقد كان هناك مقاومة قوية لفرض هذا الهيكل الاستعماري من جهة، ومن جهة أخرى دفع إسرائيل إلى انشاء، منذ البداية، نظام فصل عنصري للحفاظ على ما يسمونه بـ”الأمن”. بعبارة أخرى ، تجسّد الفصل العنصري منذ انشاء الدولة الاستعمارية الاستيطانية في وجه الهجوم الدولي والقوى الإقليمية ومقاومة الأشخاص الذين شردوا من بلادهم، ومن وطنهم. في نظري، الخطيئة الصهيونية من الأساس كانت في إقامة دولة يهودية في مجتمع غير يهودي بالأساس.
في هذا السياق، أعتقد أن الاعتراف بالفصل العنصري كجريمة أساسية للاحتلال الإسرائيلي وعقبة رئيسية أمام تحقيق السلام بين هذين الشعبين، خلق بصيص من الأمل من خلال تغير طريقة فهم العلاقة القمعية بين الفلسطينيين والاحتلال على المستوى العالمي وليس فقط على مستوى الفكر الفلسطيني.
أود أن أضيف في الختام أن لجوء إسرائيل إلى وصف انتقاداها بأنها معادية للسامية وتسمية المؤسسات الستة الشجاعة في الدفاع عن حقوق الإنسان والذين يحظون باحترام واسع في الأراضي الفلسطينية المحتلة بأنها منظمات إرهابية، هذا في رأيي يُظهر ذعرهم الأخلاقي. إنها علامة ضعف وليست علامة قوة. وهو يظهر إقرارا إسرائيليا بأن المسار الذي قاد إلى تحرير جنوب إفريقيا وانهاء الفصل العنصري، أصبح نهجاً بدأه الفلسطينيون بطريقة هددت أسس نظام الفصل العنصري التي اعتمدت عليها إسرائيل، وأضعفت الدعم الجيوسياسي غير المشروط حتى في الولايات المتحدة التي هي من حلفاء إسرائيل.
عندما تتفق منظمات مثل هيومن رايتس ووتش في الولايات المتحدة وبتسليم في إسرائيل على أساس حقيقة الفصل العنصري، يصبح أمراً لا يمكن التغاضي عنه عند النظر في هذه القضية. وهكذا، أجد الأمل في الوضع الحالي، لكن التحدي المطلوب من بقية العالم هو إظهار التضامن النضالي أكثر مما كان عليه في الماضي.
البروفيسور مايكل لينك:
اسمحوا لي أولاً وقبل كل شيء أن أشكر منظمي هذا المؤتمر الرائع من ملتقى القانونيين من أجل فلسطين والمتحدثين الذين يشاركون في هذا الحدث الذي يستمر طوال اليوم، ويشرفني أن أكون جزءًا صغيرًا من هذا التنظيم.
لقـد أصغيت باهتمام شديد إلى ما قاله جون وريتشارد وأنا أتفق مع كل ما طرحوه في ملاحظاتهم. أريد هنا فقط اضافة بعض الأشياء من واقع خبرتي، عندما قامت الأمم المتحدة بقصارى جهدها، استطاعت أن تلعب دورا مهما للغاية ولا غنى عنه فيما يتعلق بقضية فلسطين. اسمحوا لي أن أذكر ثلاثة أمور تجسد ذلك:
أولاً، من المهم أن الأمم المتحدة كانت قد أنشأت إطارًا واقعيا متينًا ومناسبا، ومتأصلًا في القانون الدولي، للإشراف على فترة الاحتلال هذه، وإرساء الحقوق التي يحق للفلسطينيين الحصول عليها، ابتداءا من حق تقرير المصير.
ثانيًا، نشرت الأمم المتحدة العديد من الوثائق الحقوقية البارزة للعديد من الانتهاكات التي ارتكبتها إسرائيل خلال 54 عامًا من الاحتلال. هذا أمر بالغ الأهمية، في رأيي، لأن الأمم المتحدة لديها المصداقية والموارد لإبقاء تركيز الاهتمام الدولي على المظالم التي يعاني منها الفلسطينيون.
وثالثًا، على مر السنين، وفّرت الأمم المتحدة إطاراً سياسيًا دوليًا حيويًا، وفي الآونة الأخيرة أصبح تقريبًا الإطار الدولي الوحيد لقضية فلسطين الذي يُطرح بشكل منتظم. وكانت الجمعية العامة قد صرحت أن الأمم المتحدة تتحمل مسؤولية دائمة بشأن هذه المسألة حتى يتم حلها بشكل مرضٍ من جميع مناحيها. ويجب أن نأخذ هذه الأمور في عين الاعتبار عندما نقوم بتقييم دور الأمم المتحدة بطريقة موضوعية.
لكن يجب أن أضيف أنه، من وجهة نظري، لم تبذل الأمم المتحدة في كثير من الأحيان قصارى جهدها فيما يتعلق بالنهوض بمسؤوليات اسرائيل الأساسية تجاه القضية فلسطين.
ربما كان دور الأمم المتحدة في مناسبات عديدة أكثر بروزًا مما كان عليه في أحداث أخرى، لا سيما فيما يتعلق بقضايا مثل إبرام المعاهدات لتحديد المشاكل الدولية، وإظهار قيادة القانون الدولي لإيجاد حلول لهذه المشاكل الكبيرة التي يمكن مواجهتها باعتبارها مجتمعا دوليا. لكن كان دور الأمم المتحدة في قضايا أخرى أقل بروزا بكثير. على سبيل المثال، أعرب واحد أو أكثر من الفاعلين الدوليين المؤثرين عن معارضتهم الشديدة لتعطيل دور الأمم المتحدة عن معالجة وحل القضايا العالمية أو الإقليمية المهمة، فلسطين هي إحدى هذه القضايا.
لماذا هذه السلبية من مجلس الأمن تجاه هذه القضية؟ لماذا تواصل الجمعية العامة للأمم المتحدة بشكل سلبي مراقبة اختفاء فلسطين دون اتخاذ موقف؟ وكيف يمكننا تقييم هذه المشكلة بشكل مختلف، والتي قد تسببت في استمرار هذه القضية دون حل لمدة 74 عامًا، والتي تعد قديمة كقدم الأمم المتحدة نفسها، دون أي نهاية تلوح في الأفق على الإطلاق؟
تعليق الدكتور أرضي:
يبدو أن إحدى المسائل لتي يمكن أن نستنبطها من مداخلاتكم هي أن الأمم المتحدة مكان قد يكون إشكاليًا من حيث الخيارات المتاحة، مثل مجلس الأمن، نظرًا لأسبقية الاعتبارات الجيوسياسية، التي تحدث عنها ريتشارد، والتي تتجسد في منظومة ميثاق الأمم المتحدة. في الوقت نفسه، أوجدت الأمم المتحدة مجالاً محتملاً للعمل من خلاله، ذكره ريتشارد ومايكل على أنه “حرب الشرعية”.
فقرة المناقشة:
السؤال الأول:
ما هي الإجراءات المحددة، برأيكم، التي يمكن اتخاذها في الأمم المتحدة للنهوض بحقوق الشعب الفلسطيني وإنهاء حالة الحرب بشكل نهائي؟ على سبيل المثال، ذكر مايكل في تقاريره ضرورة العودة إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي استشاري ثانٍ حول شرعية استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ذكر جون، على سبيل المثال، مقارنة الوضع وما حدث في جنوب إفريقيا بالوضع في فلسطين. ما هي الاحتمالات المتاحة أمام الجمعية العامة لإنشاء لجنة خاصة جديدة بشأن مسألة الفصل العنصري، لتسلط الضوء هذه المرة على نظام الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل؟
البروفيسور دوغارد: إن إنشاء لجنة خاصة حول نظام الفصل العنصري بداية جيدة. ولكن يجب على المرء أن يتذكر أن الأمر يعود إلى الهيئات السياسية للأمم المتحدة لاتخاذ مثل هذه الإجراءات. بينما مجلس الأمن ممنوع تماما من اتخاذ اي إجراء بالفيتو الأمريكي. أعتقد أنه من المهم أن تبدأ الجمعية العامة في استعراض عضلاتها. لا أستطيع أن أفهم سبب عدم استخدام وسيلة التوصيات الخاصة بها بشكل فعال. لماذا لا توصي بفرض حظر السلاح على إسرائيل؟ منذ حوالي 15 عامًا، أوصيتُ باتخاذ مثل هذا الإجراء. لم يتم النظر فيه بعد.
لا أستطيع أن أفهم سبب عدم استخدام [الجمعية العامة للأمم المتحدة] وسيلة التوصيات الخاصة بها بشكل فعال. لماذا لا توصي بفرض حظر السلاح على إسرائيل؟ منذ حوالي 15 عامًا، أوصيتُ باتخاذ مثل هذا الإجراء. لم يتم النظر فيه بعد
جذر المشكلة هو أن إسرائيل مسلحة من قبل القوى الغربية وقادرة على ارتكاب الأعمال العدوانية في غزة، على وجه الخصوص، وأيضًا في الأراضي الفلسطينية المحتلة الأخرى. وأعتقد أنه من المهم أن تنظر الجمعية العامة في توصيتي بفرض حظر على الأسلحة. أعتقد أنه يجب أيضًا تعريف السياسات الإسرائيلية على أنها تشكل نظام فصل عنصري. أعلم أن هذا سيشكل أزمة للعديد من الدول الغربية، لكنني أعتقد أنه ربما توجد أغلبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة من شأنها أن تدعم تصنيف إسرائيل كدولة فصل عنصري.
البروفيسور فولك: أتفق تمامًا مع ما قاله جون للتو. أعتقد أن تخويل الجمعية العامة أمر مطلوب ليس فقط فيما يتعلق بفلسطين ولكن أيضًا فيما يتعلق بالقضايا العالمية الأخرى، بما في ذلك السيطرة على الأسلحة النووية، على سبيل المثال. لكني أعتقد أن العقبة الأساسية تكمن في الإرادة السياسية. وهذا هو السبب وراء أنني أؤكد كثيرًا على التضامن العالمي الذي يجب أن يكون في صورة تزايد الوعي وأكثر نشاطًا من الناحية العملية حتى يتم توليد الإرادة السياسية في العالم غير الغربي ليكون بمثابة تحدٍ فعال.
يبدو لي أن هناك طرقًا مبتكرة من الناحية النظرية لتحقيق هذا التحدي، بما في ذلك أداة الاتحاد من أجل السلم الذي تم الإعلان عنه بعد تجربة الحرب الكورية. حيث أنه عندما لا يستطيع مجلس الأمن التصرف بشكل فعال لفرض الميثاق، فإن هناك مسؤولية عملية على الجمعية العامة لاتخاذ إجراء من خلال أداة الاتحاد من أجل السلم. أعتقد أن تفعيل هذه الأدة يمكن أن يحدث فرقًا كبيرًا ويمكن أن يقود الدول غير الغربية إلى الشعور بأنها يمكن أن تلعب دورًا في تحدي التجاوازات الجيوسياسية وترويض انتهاكات ميثاق الأمم المتحدة.
البروفيسور لينك: أرى ثلاثة احتمالات يمكن من خلالها أن تلعب الأمم المتحدة دورًا، ولا سيما في الجمعية العامة للأمم المتحدة. أولاً، ما أشار إليه ريتشارد وجون، وهو من خلال “الاتحاد من أجل السلام”، الذي تم تطويره في عام 1950 لتجاوز العقبة عندما يقوم مجلس الأمن بعرقلة المسار من خلال استخدام حق النقض. لا أفهم لماذا لا تستطيع الجمعية العامة اتخاذ إجراء لفرض حظر السلاح على إسرائيل من خلال قرار الاتحاد من أجل السلام، بينما مجلس الأمن مشلول ومقيد عن اتخاذ مثل هذا الإجراء بسبب قدرة الولايات المتحدة على استخدام حق النقض.
يجب أن نتذكر أن هذا الاحتلال بالنسبة لإسرائيل هو احتلال منخفض التكلفة بشكل استثنائي، فقد قررت إسرائيل أنها تستطيع تحمل الانتقادات التي تتلقاها أحيانًا من الأمم المتحدة طالما أن هذا الانتقاد ليس له عواقب. وطالما أن الحال مستمر على ما هو عليه، فإن إسرائيل ستعتبره وسيلة للقول إن لدينا الحرية في فعل ما نريد فيما يتعلق بالأراضي المحتلة. ولكن فقط عندما تبدأ إسرائيل بالشعور بلسعة العقوبات الدولية، سيكون هناك أمل في تغيير الرأي العام في إسرائيل وفي التوجه السياسي في إسرائيل أيضًا.
الخيار الثاني هو في اعتقادي إمكانية الذهاب إلى محكمة العدل الدولية في لاهاي للحصول على رأي استشاري ثانٍ. أعتقد أن هذا يجب أن يتم فيما يتعلق بمسألة فيما إذا كان الاحتلال طويل الأمد قد أصبح غير قانوني.
حالياً، ينظر المجتمع الدولي، وخاصة الغرب، إلى بعض جوانب الاحتلال الإسرائيلي على أنها غير شرعية، مثل المستوطنات، وضم القدس الشرقية، أو موقع الجدار في الضفة الغربية، لكنه بخلاف ذلك يفترض ان الاحتلال بشكل عام شرعي. ولكن أنا أعتقد أن إسرائيل قد تجاوزت كل المعايير التي وضعها القانون الإنساني الدولي وقوانين الاحتلال، وأعتقد أن رأي المحكمة سيكون بمثابة إعلانًا سياسيًا وقانونيًا مهمًا يأتي بناء على طلب من الجمعية العامة إلى محكمة العدل الدولية تطالب فيه بالتصريح عن رأيها حول ما إذا كان هذا الاحتلال قد أصبح غير قانوني.
ثالثا، من المهم أن تظهر الجمعية العامة دعمها لعمل المحكمة الجنائية الدولية من خلال قراراتها المتعلقة بمسألة التحقيقات التي أجريت من قبل المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية. هذه هي الوسيلة الوحيدة الأكثر أهمية لدينا اليوم لمحاولة محاسبة إسرائيل. أعتقد أن ريتشارد قال إن الذعر الذي أظهرته إسرائيل في رغبتها في تصنيف المنظمات الإنسانية والحقوقية الفلسطينية الست على أنها منظمات إرهابية وبالتالي غير قانونية، هو جزئياً نابع من حقيقة أن العديد منها كان له دور فعال في تقديم الشكاوي والأدلة إلى المحكمة الجنائية الدولية والتي صرحت أن إسرائيل تنتهك نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية.
هذه هي جميع الأوراق المهمة التي يجب استخدامها، وأعتقد أنه بينما أثني على عمل الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدارها قرارات بأغلبية ساحقة بشأن الوضع في فلسطين كل عام، يتعين علينا تجاوز القرارات وما وراء النقد ومحاولة إيجاد بعض الإجراءات الهادفة العملية لكي تنهي الاحتلال.
السؤال الثاني:
من الواضح أن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات هادفة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ، لكنني أعتقد أنكم جميعًا توافقون على أننا لا نعيش في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي حيث كانت هناك أرضية واسعة للحركة ضمن عصر مناهضة الاستعمار وما بعد الاستعمار، والتي ولّدت حشداً كبيراً لدعم الشعب الفلسطيني وقضيته، مثل الاعتراف من قبل الأمم المتحدة في فترة السبعينيات بأن الشعب الفلسطيني هو شعب له خصائصه الخاصة، وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثلهم الشرعي الوحيد، وأن لهم الحق في تقرير المصير، وأن تقرير المصير هذا يجب أن يتحقق في الأراضي الفلسطينية المحتلة. كل هذه القرارات صدرت عن الجمعية العامة خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، والتي كانت داعمة سياسيًا للفلسطينيين. الآن، هل يتمتع الفلسطينيون بنفس المستوى من الدعم السياسي في الجمعية العامة، والذي يتجاوز القرارات التي أصدرتها، ببساطة بسبب حالة القصور الذاتي؟
وإذا لم يكن كذلك فما هو دور المجتمع المدني؟ ريتشارد ، لقد ذكرت الحاجة إلى مجتمع مدني أكثر كفاحاً، هل يمكنك أن تطلعنا على ماذا تقصد؟ هل تقصد حركة المقاطعة BDS؟ و كيف يمكن ذلك؟
ثم مايكل أريد ان أسألك، إذا كان بإمكاني ذلك، بشأن الرأي الاستشاري الثاني لمحكمة العدل الدولية الذي ذكرته من خلال حجتك، لماذا يعتبر الاحتلال الإسرائيلي أو استمرار وجوده في الأراضي الفلسطينية المحتلة قانونيًا؟ ما هو جوهر ذلك؟
البروفيسور فولك: أعتقد أن حركة المقاطعة BDS هي التعبير الأكثر وضوحا عما أسميته النشاط الفعال لصالح النضال الفلسطيني. إذا ربط المرء ذلك بالأمم المتحدة، فهناك تناقض مثير للاهتمام ذكرته الأمم المتحدة في أحد قراراتها، على ما أعتقد في السبعينيات، أن الصهيونية هي شكل من أشكال العنصرية. وهو القرار الذي تعرض لقوة الضغط الجيوسياسي الذي أدى إلى سحب غير عقلاني له تمثل بالتصريح بأن القرار السابق قد تم إلغاؤه.
الآن، صدر تقرير من الجهات الأكثر موثوقية لاسرائيل تقول بأن اسرائيل ليست فقط عنصرية بل مذنبة بارتكاب جريمة الفصل العنصري الدولية. فهذه الجهات ليست جهات سياسية فاعلة بل منظمات غير حكومية لحقوق الإنسان لديها سمعة بأنها تعمل ضمن الموافقة على شرعية اسرائيل، على الأقل بشكل مبدئي. فمنظمة بتسيلم، حتى لو كانت تنتقد العديد من الممارسات الاسرائيلية فإنها تعمل ضمن إطار شرعية الدولة الإسرائيلية، والأمر سيان بالنسبة لهيومن رايتس ووتش التي ارتبطت بالصهيونية المنافسة. لتحقيق هذا الأمر، يبدو لي أن التقرير الشامل الموسع الذي صدر من هذه المنظمات ويصادق على مزاعم الفصل العنصري يمثل تحديًا للأمم المتحدة والجمعية العامة والناس في جميع أنحاء العالم لأخذ فداحة معاناة الشعب الفلسطيني على محمل الجد.
وهنا، أود أن أشير إلى كتابات جون المفيدة للغاية مؤخرًا، أنه في رأيه كشخص نشأ كمعارض للفصل العنصري في جنوب إفريقيا، فإن الحالة في إسرائيل أسوأ في بعض الجوانب الواضحة مما تتعرض له غالبية السكان في جنوب أفريقيا. وبالتالي، فهي أزمة أخلاقية للمجتمع المدني الدولي والأمم المتحدة والقانون الدولي بشكل عام.
البروفيسور لينك: أنا أؤيد أهمية اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي استشاري ثاني. هذه المرة التركيز على سؤال حول ما إذا كان الاحتلال الإسرائيلي قد أصبح غير شرعي. أنا أدافع عن ذلك وقلت ذلك في تقرير أصدرته كمقرر خاص منذ 4 سنوات في أكتوبر 2017. أعيد التأكيد على هذا الطلب اليوم، لأنني أعتقد اعتقادًا راسخًا أن قضية فلسطين هي في المقام الأول قضية عدالة، وكما لها سمات سياسة مهمة للغاية، فإن لها أيضاً سمات قانونية مهمة.
أعتقد أنه بسبب أن القانون الدولي يتماشى مع السعي الفلسطيني للمطالبة بالعدالة وإنهاء الاحتلال وتقرير المصير، فمن المهم أن نكون قادرين على استخدام هذا الإطار من القانون الدولي وحقوق الإنسان. في تقريري قلت أن هناك أربعة سمات مهمة في القانون يجب على أي محتل أن يتبعها حتى يكون احتلاله شرعياً. يجب أن نتذكر أننا في القرن الحادي والعشرين، حيث تعتبر حالة الاحتلال استثناءً ولا يمكن تبريرها إلا على أنها قصيرة ومؤقتة وفي ظروف استثنائية. ما أشرت إليه في تقريري هو أن هناك أربعة معايير نستخلصها من قوانين الاحتلال. أولاً، لا يمكن للاحتلال ضم أي جزء من الأراضي المحتلة. ثانياً، يجب أن يكون الاحتلال مؤقتاً، وعلى المحتل أن يحاول إنهاء ذلك الاحتلال وإعادة الأرض إلى صاحب السيادة الأصلي، أي الشعب الواقع تحت الاحتلال. المعيار الثالث فيما يتعلق بهذا هو أن على المحتل أن يعمل من أجل المصلحة العليا للشعب الواقع تحت الاحتلال. المعيار الرابع ، يجب على المحتل إدارة الأرض بحسن نية، بما في ذلك الامتثال للقانون الدولي وتوجيهات المجتمع الدولي والأمم المتحدة.
عندما ننظر إلى الاحتلال الإسرائيلي، 54 عامًا من الاحتلال، أطول احتلال في العالم الحديث، فإنه ينتهك كل جزء من هذه المعايير الأربعة. عندما نفكر في حالات الاحتلال الحديثة التي ربما احتفظت بقانونيتها. أفكر في الاحتلال الأمريكي لليابان بعد الحرب العالمية الثانية، منذ ما يقرب من 90 عامًا، واحتلال الحلفاء لألمانيا أيضاً منذ حوالي 90 عامًا. عندما أفكر فيما يتعلق باحتلال التحالف الأمريكي للعراق الذي استمر -على الأقل رسميًا- ما بين 9-10 سنوات، أعتقد أن الاحتلال الذي يستمر ل54 عامًا يتحول إلى شكل من أشكال الغزو. يمكن لأي شخص أن يسأل لماذا لا نلجأ إلى محكمة العدل الدولية بخصوص مسألة الفصل العنصري الذي أقامته إسرائيل. أعتقد أنها خطوة مهمة ولكنها ستحتاج إلى عدة سنوات للحصول على قرار، حيث توجد حاجة إلى دراسات أكاديمية وقانونية منسقة حول هذه المسألة قبل أن تقرر المحكمة. لذلك ، وفي هذا الاطار أؤيد بشدة إعادة إنشاء لجنة خاصة معنية بالفصل العنصري.
ولكن في الوقت الراهن، فإن المسألة التي يمكننا الحصول من خلالها على رد إيجابي داعم هي السؤال حول شرعية الاحتلال طويل الامد.
السؤال الثالث إلى جون دوغارد: لقد ذكرت أن الأمم المتحدة لعبت دورًا ناجحًا في إنهاء الفصل العنصري في جنوب وجنوب غرب إفريقيا، لكن هذا استغرق عدة عقود وأربعة آراء استشارية من محكمة العدل الدولية ولم يسقط الفصل العنصري حتى التسعينيات. ما هي الدروس التي يمكن أن تستخلصها فلسطين من هذه التجربة؟
البروفيسور دوغارد: أتفق مع مايكل تمامًا في أن الرأي الاستشاري حول شرعية الاحتلال ومسألة الفصل العنصري في فلسطين المحتلة سيكون مفيدًا بشكل أساسي. أعتقد أن هدفه الأساسي سيكون نزع الشرعية من الاحتلال الإسرائيلي وجعل الأمر أصعب على القوى الغربية باستمرا دعمها لاسرائيل. أعتقد أنه من المهم في ظل هذا الهيكل القوي أن تميل القوى الغربية إلى تعزيز السياسات وفقًا لاعتبارات حقوق الإنسان، حتى لو لم تأخذ هذا الأمر بعين الاعتبار في الممارسة العملية. لكني أعتقد أن الرأي الاستشاري القوي سيكون مفيدًا للغاية.
اسمحوا لي أن أكرر أن المحكمة الجنائية الدولية تلعب دورًا محوريًا في هذه القضية برمتها وأن المحكمة الجنائية الدولية ليست هيئة تابعة للأمم المتحدة. لكني لا أرى أي ضرر إذا أعربت الجمعية العامة أو الأمم المتحدة عن رأي مفاده أن مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية يجب أن يتخذ خطوات مستعجلة لبدء محاكمة الإسرائيليين المسؤولين عن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية في فلسطين المحتلة.
لقد استغرقت النيابة وقتاً طويلاً للوصول إلى مرحلة البدء في فتح تحقيق حقيقي. والآن، تستغرق وقتا طويلا في مباشرة العمل والبدء في عملية الملاحقة القضائية. أعتقد أن الجمعية العامة يمكن أن تقر بأننا بحاجة ماسة إلى المحكمة الجنائية الدولية.
أرضي! هل بإمكاني أن أثير قضية أخرى تنبع من ذكر إنهاء الاستعمار من قبل ريتشارد. أعتقد أنه من المحزن للغاية أن الدول التي لعبت دورًا حاسمًا في عملية إنهاء الاستعمار، الدول الأفريقية والآسيوية، تخلت عن فلسطين التي هي في النهاية قضية استعمار. النظام في فلسطين المحتلة ليس نظام فصل عنصري فقط ولكنه نظام استعماري أيضًا. نيلسون مانديلا ، عندما أطلق سراحه قال إن جنوب إفريقيا لن تتحرر حتى تتحرر فلسطين أيضًا. أجد أنه من الغريب أنه لا توجد مبادرة من جانب الاتحاد الأفريقي لتعريف فلسطين على أنها قضية انهاء استعمار. على العكس من ذلك، أعطى الاتحاد الأفريقي مؤخرًا مكانة مراقب لإسرائيل. يحتاج المرء إلى مناقشة فشل الدول الأفريقية والآسيوية في اعتبار فلسطين قضية انهار استعمار ودعم تحرير فلسطين كما تم الفعل مع الدول المستعمرة خلال حقبة إنهاء الاستعمار.
السؤال الرابع:
ما هو الدور الذي يجب أن تقوم به الدول الأخرى تجاه سلطة الاحتلال وبخصوص دعم الشعب الفلسطيني بما يتماشى مع القانون الدولي؟ وحتى في الاطار المحلي؟
البروفيسور فولك: يتطرق هذا السؤال إلى ما يمكن أن يفعله العالم بالنظر إلى عدم قدرة الأمم المتحدة على القيام بدور كفيل بتغيير وضع الشعب الفلسطيني. أعتقد، على سبيل المثال، يمكن للولايات المتحدة أن تفرض بشكل أحادي حظر الأسلحة والذي يمكن أن يؤدي إلى أثر نفسي قوي على دول أخرى وسيكون مصدر ضغط من شأنه أن يدفع الإسرائيليين إلى إعادة النظر في خياراتهم السياسية. بعبارة أخرى، توفر تجربة الانتقال السياسي في جنوب إفريقيا نموذجاً مفيداً يستفاد منه في كيفية المضي قدمًا في سياق إسرائيل. كانت الحركات السياسية المحلية هي التي دفعت كلاً من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة للوقوف ضد مصالحهما الاستراتيجية، وفرض عقوبات على جنوب إفريقيا، ودعم فرض العقوبات.
في هذا الصدد، يمكن أن يكون النشاط الكفاحي المدني الذي يركز على حكومات البلدان الحساسة فعالًا للغاية في حد ذاته في دفع الأمم المتحدة أولاً إلى المعارضة، ومن ثم دفعها للاستجابة بطريقة أكثر فاعلية.
إذا كان بإمكاني أن طرح سؤالا على مايكل: كان هناك رأي استشاري حول جدار الفصل العنصري، وهو رأي قوي من جهة المحكمة، ولكن تجاهلته إسرائيل تمامًا دون أي عواقب، فهل هناك أي سبب آخر للاعتقاد بأن الرأي الاستشاري الثاني حول شرعية الاحتلال المطول لن يتم تجاهله بالمثل مع تأكيد الاجتهاد القضائي على أن هذا الأمر استشاري فقط ، وليس ملزم؟ لن أتوقع أن يغير ذلك السياسات التي تنتهجها إسرائيل. ولكن ستكون فقط مساهمة في اطار ما كنت أسميه بـ”حرب الشرعية”.
البروفيسور لينك: أعتقد أن السؤال بشكل أساسي هو فيما إذا وضعت السلطة الفلسطينية معظم ثقلها السياسي، وهو ما لا تملك منه، الكثير لدفع الجمعية العامة لطلب الحصول على رأي استشاري ثان، ما هو التغيير الذي سيجلبه هذا للفلسطينيين؟ دعني أجيب بهذه الطريقة، كان السؤال في الرأي الاستشاري الأول الذي طرح في شهر أبريل عام 2003 بشأن شرعية بناء الجدار حيث تم بناء 85٪ منه في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكان السؤال هنا شكلاً من أشكال القضايا الثانوية بالنظر الى قضية الاحتلال. ولكن سؤالي المقترح يمس جوهر وجود الاحتلال نفسه. أ) أعتقد أن هناك احتمالات عالية للحصول على الإجابة “لا”، فهو غير قانوني بموجب قانون الاحتلال، لكن ب) هذا السؤال، والأفضل أن هذه الإجابة، تدخل في صميم وجوهر قانونية الاحتلال ووجوده. أعتقد أنها ستكون خطوة كبيرة إلى الأمام فيما يتعلق بالضغط من أجل إنهاء الاحتلال وتقرير المصير للفلسطينيين.
بالعودة إلى سؤالك أراضي، أعتقد أنه يتم إعادة النظر مرات عديدة في مسألة شرعية الاحتلال، بغض النظر في حال كنت تؤمن في نهاية اليوم باحتمالية حل الدولتين أو تقول إن تاريخ حل الدولتين قد انقضى، وعلينا أن نعمل على حل ديمقراطي للدولة الواحدة، فإن عليك أن تجادل بأن الاحتلال يجب أن ينتهي. واذا تم الاقرار بأن الاحتلال غير شرعي فهنا ندخل في صلب الموضوع وعلينا وقتها مناقشة كل ما يتعلق بقضية الشرعية والمناظرات الشرعية بهذا الخصوص.
فيما يتعلق بمسألة استخدام الأطر الوطنية لدعم القضية المعنية، لا سيما لمحاكمة الشخصيات القيادية والسياسية والإدارية والعسكرية الإسرائيلية التي من المحتمل أن تكون قد ارتكبت جرائم الحرب بموجب نظام روما الأساسي. فهذه استراتيجية مهمة.
وكنقطة إيجابية في هذا الصدد، علينا أن نشير إلى أن عددًا من الدول قد أدرجت نظام روما الأساسي في قوانينها المحلية، بما في ذلك بلدي كندا. وفي صميم ما يمكن اعتباره جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي، هي المستوطنات التي أدرجت في كل من نظام روما الأساسي وفي تشريعاتها المحلية، واحتفظت بجميع تعريفات جرائم الحرب بما في ذلك المستوطنات في الأراضي المحتلة في تشريعاتها المحلية.
يكمن التحدي في أن الدول غالبًا ما تكون حذرة، وأنا أتحدث بشكل خاص عن كندا وأوروبا، في وضعها شروط تنقيح عندما دمجوا نظام روما الأساسي في تشريعاتهم المحلية لضمان عدم انفاذ إجراء ما لم يحصل أولاً على موافقة المدعي العام للبلاد، وكان ذلك دائمًا مشكلة. لأنها توفر وسيلة “تنقيح سياسية” لحماية إسرائيل من عواقب أفعالها. على الرغم من أنني أؤيد بشدة اللجوء إلى القوانين المحلية، إلا أنني أعتقد أن هذا يجب أن يتم بحذر شديد وبشكل استراتيجي للغاية.
البروفيسور دوغارد: أود أن أوضح نقطتين. بدايةً، في السابع من ديسمبر، ستتخذ محكمة الاستئناف في لاهاي قرارًا هامًا في قضية رفعها السيد الفلسطيني زيادة ضد وزير الدفاع الإسرائيلي الحالي بيني غانتس. وهو يدعي ويجادل بأن بيني غانتس عندما كان مسؤولاً بشكل عام عن عملية الجرف الصامد،كان هو المسؤول عن قتل عائلته في غزة. السيد زيادة مواطن هولندي لذا فإن المحكمة لها الاختصاص. أثار السيد غانتس مسألة الحصانة وذلك بحجة أنه مسؤول إسرائيلي كبير ووزير دفاع الآن، يحق له التمتع بالحصانة. يتعين على المحكمة الفصل في هذه القضية بتاريخ 7 ديسمبر.
بالعودة إلى فكرة مايكل حول أهمية الرأي الاستشاري ، فإن الرأي الاستشاري لعام 2004 قد فشل ليس فقط لأن الدول فشلت في تنفيذ الرأي الاستشاري في النهاية وإعطائه الاهتمام اللازم، ولكن فشل كل من الامين العام للأمم المتحدة والأمانة العامة في توجيه الأمم المتحدة للسير في هذا الصدد. من المهم أيضًا التأكيد على أنه في عام 2004، أعطى نائب المستشار القانوني للشؤون القانونية في الأمم المتحدة رأيًا، أجده غير اعتيادي، حيث أبلغ الأمين العام بأنه غير ملزم بتنفيذ الرأي الاستشاري بأي حال من الأحوال.
لذلك، كان نائب مجلس الشؤون القانونية مسؤولاً أيضًا، إلى حد كبير، عن عدم التصرف وفق نتائج الرأي الاستشاري. تم تمرير هذا القرار من قبل مسؤولي الأمم المتحدة دون أن يلاحظه أحد. لذلك، أعتقد أنه من المهم إشراك الأمانة العامة في تحمل مسؤولية فشل الاستفادة من القرار.
السؤال الخامس:
لقد قرأت مؤخرًا مقالًا في المجلة الأوروبية للقانون الدولي تجادل بأنه إذا تم الحصول على رأي استشاري ثان وأقر أن وجود إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة غير قانوني في حد ذاته، فإن قانون مسؤولية الدولة يتطلب من إسرائيل إنهاء الاحتلال على الفور ودون قيد أو شرط. يؤدي هذا إلى تقويض ما أسميه بـ”شرط المفاوضات”. هناك موقف عالمي في الأمم المتحدة مفاده أن الطريقة الوحيدة لإنهاء الاحتلال هي من خلال مفاوضات ثنائية أو متعددة الأطراف بين القوى المحتلة، والهيئات القوية التي تعمل بسوء نية، والشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت أقدام سلطة الاحتلال ومن ليس له قوة على الإطلاق. لذا ، فإن توازن القوى بينهما على طاولة المفاوضات، حتى لو كانت هناك مفاوضات، لن يؤدي بالضرورة إلى نتيجة عملية. ما هي آراؤكم حول موضوع المفاوضات التي فرضتها الأمم المتحدة على هذا الصراع؟ هل يعد مشكلة؟
البروفيسور لينك: ما علمتنا إياه حقبة إنهاء الاستعمار منذ عام 1945 وما بعده هو أنه في كل حالة تقريبًا كانت الشعوب الواقعة تحت الاستعمار تفاوض من أجل إنهاء حالة التبعية، لم يكونوا يتفاوضون بشأن شروط محددة لتمديد الاحتلال فترة أطول أو حول القوى التي ستحافظ عليها سلطة الاحتلال الموجودة في بلادهم، لقد كانوا يتفاوضون ببساطة من أجل الإنهاء الكامل للاحتلال. كانت هناك استثناءات قليلة جدًا لهذا في العالم الحديث.
الاستثناءان الوحيدان اللذان يمكنني التفكير فيهما هما: أولاً، فيما يتعلق بأيرلندا: أدت المفاوضات إلى استمرار الحكم البريطاني على أيرلندا الشمالية، والتي استلهمت مفاوضاتها بشكل مثير للاهتمام من مفاوضات أوسلو التي بدأت في عام 1991 واستمرت حتى إعلان المبادئ في عام 1993.
في كل حالة تقريبًا كانت الشعوب الواقعة تحت الاستعمار تفاوض من أجل إنهاء حالة التبعية، لم يكونوا يتفاوضون بشأن شروط محددة لتمديد الاحتلال فترة أطول أو حول القوى التي ستحافظ عليها سلطة الاحتلال الموجودة في بلادهم
يقودني هذا إلى النقطة الثانية، وهي أن ما حدث فيما يتعلق بفلسطين على مدى الثلاثين عامًا الماضية في عملية مدريد التي بدأت قبل ثلاثين عامًا هو حول مدى قدرة إسرائيل على الاستمرار في ضم الأراضي، واستمرار ضم المستوطنات، واستمرارها في السيطرة على معظم مدينة القدس. كل هذا يخبرني أن الإطار الكامل للسياسة الواقعية (realpolitik) هو مستوحى ببساطة من تجارب الماضي. كانت هناك العديد من السجلات الحديثة الزاخرة بالمعلومات، والتي ستصدر مؤخرًا، أحدها على وجه الخصوص سيصدر أوائل هذا العام من مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي التي قالت إن السلوك الدبلوماسي القائم على السياسة الواقعية والقائم حتى الآن مع سلسلة كبيرة من الإخفاقات يجب أن يستبدل بإطار عمل قائم على الحقوق ومستند على إطار القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة. يجعلني هذا قادرًا على القول إنه عندما يبدأون المفاوضات مرة أخرى تحت إشراف المجتمع الدولي أولاً وقبل كل شيء، فسيكون عليهم إنهاء الاحتلال الإسرائيلي كلياً وليس التفاوض على المقدار الذي يمكن لإسرائيل الاحتفاظ به فيما يتعلق بذلك. يجب أن يكون ذلك متسقًا مع حقبة إنهاء الاستعمار بأكملها خلال الـ 75 عامًا الماضية.
البروفيسور فولك: أتذكر أنه في سياق دبلوماسية أوسلو، نصحت الحكومة الأمريكية الفلسطينيين بشكل غير رسمي بعدم إثارة قضايا القانون الدولي. على سبيل المثال، القضايا المتعلقة بعدم شرعية المستوطنات لأن ذلك من شأنه أن يعرقل عملية التفاوض.
بمعنى آخر، قيل للفلسطينيين: حسنًا، انتظروا حتى نصل المراحل النهائية من المفاوضات، ثم قدموا شكواكم بموجب القانون الدولي. لكن، بالطبع، لم يكن لدى إسرائيل أي نية للوصول إلى المراحل النهائية من المفاوضات واستخدمت عملية المفاوضات كوسيلة لكسب الوقت من أجل توسيع المستوطنات، وتمكنت بشكل أساسي من جعل الانسحاب -إن لم يكن مستحيلاً – أكثر إشكالية مع مئات الآلاف من المستوطنين لإقناعهم بمغادرة المستوطنات أو إجبارهم على مغادرة المستوطنات. لذلك، أعتقد أنه من المهم للغاية أن نفهم أن إطار العمل القائم على الحقوق للدبلوماسية هو شرط مسبق لمفاوضات هادفة تؤدي إلى سلام مستدام. لكن حتى هذا يمثل مشكلة إلى حد ما دون تحول جيوسياسي بعيدًا عن الدعم غير المشروط لإسرائيل كدولة يهودية تعمل ضمن هيكل الفصل العنصري. يمكن أن يحدث مرة أخرى بأن المفاوضات قد تحتاج إلى بعض الاستنتاجات المؤقتة والتي ستتجاهلها إسرائيل -المدعومة بحكم الأمر الواقع من قبل الولايات المتحدة وربما الاتحاد الأوروبي- تمامًا. لذا، فإن الأمر يتطلب أكثر من القانون الدولي والإطار القائم على الحقوق لتغيير المعادلة السياسية، من وجهة نظري. لهذا السبب أعود إلى النشاط المكافح كمكمل أساسي للتأكيد على تمكين الجمعية العامة أو البحث عن حلول قائمة على القانون سواء محليًا أو دوليًا.
البروفيسور دوغارد: بالطبع، إصرار الدول الأوروبية أو الولايات المتحدة على أن مستقبل فلسطين لا يمكن حله إلا من خلال المفاوضات بين الدولتين، فلسطين وإسرائيل، أمر سخيف تمامًا. أعتقد أن عملية أوسلو تستدعي ما أشار إليه ريتشارد، وهو أن الفلسطينيين تم إقناعهم بالذهاب إلى المفاوضات دون مشورة قانونية مناسبة، ودون أي محامين دوليين حقيقيين لتقديم المشورة لهم. في حين أن حكومة إسرائيل قد تم نصحها وقيادتها من قبل فريقها القانوني بشكل كامل. لذلك، أعتقد أنه يجب على المرء أن يدرك أنه لا يمكنك إجراء مفاوضات بين قوة مهيمنة من ناحية وأخرى ضعيفة من ناحية أخرى. يجب إجراء المفاوضات مع وسيط نزيه. وأعتقد أنه من المتفق عليه عمومًا أن الولايات المتحدة ليست الوسيط النزيه في هذه العملية. لذلك، يتعين على الأمم المتحدة تعيين هيئة أخرى لضمان عدالة المفاوضات. وفي الوقت نفسه، يجب أن تقوم المفاوضات على أساس التفاهم والاحترام الواجب للقانون الدولي. على سبيل المثال، تحظر اتفاقية جنيف الرابعة ضم الأراضي المحتلة وتسليمها إلى دولة الاحتلال. وبالتالي، فإن فكرة تبادل الأراضي هذه ليست شيئًا يجب أن يكون مطروحًا على الطاولة في أي مفاوضات. على المرء أن يصر على مفاوضات عادلة تقوم على احترام القانون الدولي.
فقرة الأسئلة والأجوبة من الحضور:
سؤال من فرانشيسكا ألبانيز:
– هل هناك أي من الدول الأعضاء في الجمعية العامة تعتقدون انها متحمسة لاقتراح وفرض عقوبات على إسرائيل؟ وما هي نصيحتك للمنظمات غير الحكومية وغيرها من المنظمات المجتمعية لمحاولتهم دفع أجندة المساءلة إلى الأمام؟
البروفيسور دوغارد: قد تكون جنوب إفريقيا واحدة من الدول التي يمكنها أن تواصل في دعم هذه القضية. كانت جنوب إفريقيا واحدة من الدول التي أدانت تصنيف المنظمات الست على أنها منظمات إرهابية. بالطبع، عانت جنوب إفريقيا من الفصل العنصري، وهي تعرف جيدا ما هو الفصل العنصري. لكن دولة واحدة لا تكفي، وهنا أعتقد أنه من المهم أن تنضم الدول المستعمرة السابقة إلى جنوب إفريقيا في إصرارها على تحرك الأمم المتحدة.
البروفيسور لينك: ربما يتطلب ذلك قرارات استراتيجية من السلطة الفلسطينية نفسها. أعتقد أن العديد من الدول ابتداءاً من جنوب إفريقيا إلى الدول الآسيوية المستعمرة سابقًا، فضلاً عن المنظمات غير الحكومية والحركات والمجتمع المدني، ربما تكون متعطشة من نواح كثيرة إلى الحصول على توجيه واضح من القيادة الفلسطينية إلى أي طريق ينبغي لها أن تسلك.
هل لا يزال حل الدولتين تطلُّعاً قوياًّ للتطبيق بالنسبة للفلسطينيين ليتبعوه؟ نعم ، يجب على الفلسطينيين ولهم الحق في المطالبة بذلك تحت الاحتلال. لكن ما إذا كان ذلك سيؤدي إلى حل حقيقي للدولتين في الظروف الحالية والمتوقعة هو شيء آخر. وأعتقد أنه في بعض النواحي لم يكن هناك نوع من الرؤية الاستراتيجية التي يمكن للمجتمع المدني الالتفاف حولها وأن العديد من الدول الأعضاء والحلفاء الدوليين للفلسطينيين يمكنهم الالتفاف حولها.
لذلك، كل ما يمكن أن نطلبه من المجتمع الدولي المتعاطف مع قضية فلسطين، يجب أن يكون هناك اتجاه جديد للفلسطينيين يطرح سبلاً للمضي قدما بنفس الطريقة التي قدم بها حزب المؤتمر الوطني الأفريقي خلال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي اتجاه استراتيجي واضح للعالم بشأن عزل جنوب إفريقيا. كان هناك أيضًا رؤية لما ستكون عليه جنوب افريقيا بعد القضاء على الفصل العنصري. هذا – على ما أعتقد – ألهم الكثيرين للرغبة في أن يكونوا جزءًا من النضال من أجل إنهاء الفصل العنصري. هل تستطيع القيادة الفلسطينية أن تجلب هذا النوع من الطموح الاستراتيجي أيضًا؟
البروفيسور فولك: من أسباب الفشل وخيبة الأمل في النضال الفلسطيني غياب القيادة الموحدة والفاعلة. إلى حد ما، تم احتواء قيادة السلطة الفلسطينية من قبل إسرائيل والولايات المتحدة من أجل لعب دور تعاوني والاعتماد على التدفقات المالية التي تخضع لسيطرة إسرائيل والولايات المتحدة. جزئياً، ما ساهم في تفكك القيادة الفلسطينية هو الترهيب من حركة حماس، حتى بعد دخولها العملية السياسية، كمنظمة إرهابية، مما يجعل من الصعب على الدول الأخرى أن تتبعها.
أعتقد أن النقطة المهمة فيما يتعلق بتجربتي في الأمم المتحدة هي أن معظم الوفود الحكومية لن يتم تحريكها للعمل بشكل خاص في المجالات المثيرة للجدل، ما لم تقم السلطة السياسية المتأثرة بالضغط بشدّة. والقيادة الفلسطينية لم تقم بذلك.
في الواقع ، لقد اتخذوا -في بعض السياقات- مواقف كانت تتعمّد التخفيف من ما كان يمكن أن يكون مجموعة من المبادرات الأكثر تحديًا. وأنا أشير بشكل خاص إلى الطريقة التي ساعدت بها السلطة الفلسطينية في تهميش تقرير غولدستون في عملية الرصاص المصبوب. وكذلك الطريقة التي أضعفت بها السلطة الفلسطينية العديد من قرارات الجمعية العامة خلال فترة ولايتي. بصفتي مقررًا خاصًا، كان علي أن أكون ودي للغاية مع رئيس الجمعية العامة خلال تلك الفترة، وزير خارجية نيكاراغوا السابق، الذي كان متعاطفًا مع القضية الفلسطينية، وكان عليه دائمًا الدفاع عن مواقفه القوية أمام السلطة الفلسطينية والتي كانت تخشى من إزعاج الأوروبيين وعدم إرضاء واشنطن. لذا، فإن مشكلة القيادة الفلسطينية مركزية للغاية فيما كنا نتحدث عنه.
سؤال من سوزان أكرم:
في جميع تجاربكم كمقررين خاصين في الأرض الفلسطينية المحتلة، هل يمكنكم مشاركة ملاحظاتكم حول المدى الذي تعتقدون فيه أن تقاريركم إلى الأمم المتحدة قد أسهمت في الضغط على الدول لإعادة تقييم قبولها لما يحدث على الأرض، ودعمهم لإسرائيل؟
البروفيسور دوغارد: لقد حققت نجاحًا كبيرًا وكان ذلك بخصوص جدار الفصل العنصري. في عام2003، بدأت في تقديم تقارير حول بناء الجدار (جدار الفصل العنصري) الذي استعملته الدول والجمعية العامة والسفير الفلسطيني، وفي النهاية تم طلب الرأي الاستشاري. لكنها المناسبة الوحيدة التي شعرت فيها أنني حققت شيئاً. في مناسبات أخرى، وصفني العديد من المندوبين الأوروبيين بأنني جزء من المشكلة وليس جزءًا من الحل، وأعتقد أنها مشكلة واجهها ريتشارد ومايكل أيضًا.
البروفيسور فولك: نعم، لقد واجهت بالتأكيد نفس المشكلة، وأود أن أقول على الرغم من أن نجاح التقارير في فترتي سأقيس بشكل أساسي من خلال التأثير قليلاً على الخطاب الذي كان في الأمم المتحدة، والذي أصبح مقبولاً إلى حد ما للحديث عن الاستعمار والفصل العنصري في سياق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. بدأ جون هذه العملية في تقريره النهائي، وواصلت التأكيد على هذه القضايا وأعتقد أن الخطاب مؤثر بشكل أساسي في المنظمات غير الحكومية المنشأة ومجموعات المجتمع المدني. لقد وجدت عددًا من منظمات المجتمع المدني المهمة تعتمد على هذه التقارير في أساسها المعلوماتي والمعياري لاتخاذ الإجراءات. لديّ تجربتان، واحدة مع الحكومة البرازيلية، أخبرني فيها رئيس الوزراء أنهم اعتمدوا كثيرًا على تقاريرنا من أجل تشكيل سياستهم تجاه فلسطين. وقد حدث ذلك مرتين إلى ثلاث مرات خلال السنوات الست التي أمضيتها.
البروفيسور لينك: فيما يتعلق بتقاريري، حصلت على اعتراف بأنني بستاني رائع وكنت أؤمن دائمًا بفكرة أن ما تزرعه سيزهر لاحقًا.
أرى ذلك فيما يتعلق بتقاريري. لا سيما تقريري الصادر في أكتوبر 2017 الذي دعا إلى رأي استشاري ثان، وأعتقد أن هناك قوى حاشدة تولي اهتمامًا أكبر لفكرة أن البحث عن رأي استشاري ثان له الكثير من المعنى الاستراتيجي والقانوني. لكنني أقول أيضًا، أعتقد أن تقاريرنا لها أهمية كبيرة في حد ذاتها. لأنني أعتقد أنها تعكس بعضًا من أفضل أفكار الأمم المتحدة. لقد تحدثت إلى عدد من موظفي الأمم المتحدة الذين يعملون عن كثب بشأن قضية إسرائيل وفلسطين، حيث أنهم يقولون لي أشياء لم يصرحوا بها في تقاريرهم من باب الحذر، لكنهم كانوا فخورين برؤية أن هناك منفذ داخل منظومة الأمم المتحدة حيث يمكن قول هذه الأشياء. بالإضافة إلى ذلك ، كثيرًا ما أعتمد على المجتمع المدني في مناصرته ولجودة تقاريرهم الخاصة والتي اختلست بعض أفكاري وكتاباتي. لذا أعتقد أنهم ممتنون لذلك. لأنهم يجدون هذه التعبيرات الرائعة عن المواقف التي يريدون اتخاذها ويجدون صوتًا من خلال المقرر الخاص للأمم المتحدة. لذلك، أرى الكثير من المعنى والكثير من القيمة في أنواع التقارير التي قمت بها وبالتأكيد أنا أقف على أكتاف العمالقة فيما يتعلق بالتقارير التي قام بها جون وريتشارد قبلي.
سؤال بخصوص دولة فلسطين:
هناك من يعتقد أن الوجود القانوني لدولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة هو مجرد أمر رمزي. وأن هذه الدولة، لأنها تحت الاحتلال وليست حرة حقًا، تسبب استدامة المشكلة أكثر من جلبها لشكل من أشكال الحل. أتساءل عن رأيكم في قيمة دولانية فلسطين في المنظومة القانونية الدولية. وعلى وجه الخصوص أهمية الخطوات التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية في هذا الصدد، وربما أيضا تعاطي محكمة العدل الدولية مع هذه الأحداث هناك؟
البروفيسور دوغارد: أنا من أنصار الدولة الفلسطينية. أعتقد أن هذا الشيء يجب أن يكون له مزايا مميزة معينة ويسعدني أن المحكمة الجنائية الدولية قد اعترفت بوجود دولة فلسطينية، سواء كان ذلك فقط في سياق المحكمة الجنائية الدولية. لا يزال الأمر معروضًا على محكمة العدل الدولية. أعتقد أنه من المهم الاعتراف بالدولة الفلسطينية لأنه فيما عدا ذلك، لن تؤخذ فلسطين على محمل الجد.
البروفيسور فولك: القدرة على المشاركة في المجتمع الدولي تعتمد على تحقيق كيان الدولة. لذا، فإن الوصول إلى المحكمة الجنائية الدولية أمر بالغ الأهمية والقدرة على المشاركة في أطر صنع المعاهدات والمؤسسات الثانوية للأمم المتحدة نفسها مثل اليونسكو، والحصول على مكانة أكبر فيما يتعلق بالجمعية العامة أمر مهم من الناحية الرمزية والموضوعية.
أعتقد أن هناك بعض العيوب المتعلقة بالمسألة. لا شك في أنها لا تبدو كدولة فيما يتعلق بواقعها الداخلي. لأنها تتصرف بشكل مستقل إلى حد ما دوليًا لكنها مشلولة تمامًا فيما يتعلق بواقعها الداخلي.
البروفيسور لينك: أعلن تأييدي كليًا لما قاله ريتشارد وجون في هذا الصدد.
سؤال:
يتساءل بعض المشاركين عن تأثير اتفاقيات إبراهام. ما هي الآراء حول تحرك إسرائيل وأعضاء آخرين في العالم العربي لنوع معين من إنشاء العلاقات؟ وما هو تأثير تلك الأنواع من التقارير على تطور الموقف؟
البروفيسور فولك: أعتقد أنه يجب النظر إلى اتفاقيات إبراهام أولاً على أنها ترتيبات انتهازية أعطت حوافز لتطبيع العلاقات مع إسرائيل خلال عهد ترامب وما بعده، ومع بايدن أيضًا. وهي جزء من محاولة المنطقة لتشكيل تحالف مناهض لإيران. وهي أعطت عدة دول أسلحة، تجهيزات مسبقة كانت ترغب فيها. في دولة المغرب، نتج عن ذلك إعلان من جانب واحد من قبل حكومة الولايات المتحدة بأنها تدعم المطالبات المغربية بالسيادة الإقليمية للصحراء الغربية، والتي – بالطبع – غير ذات صلة من الناحية القانونية، ولكنها ذات أهمية جيوسياسية.
وعموماً، يجب أن يكون مفهوماً أن هذه الأنظمة في المنطقة لا تتحدث باسم الشعوب. ترتبط هذه الأنظمة الاستبدادية بشكل انتهازي بمصالحها السياسية في البقاء وتشكيل المنطقة وفقًا لمصالحها الخاصة. لذا، أعتقد أنه أمر رديء للغاية من وجهة نظر إسرائيل. كما أشارت الإمارات مؤخرًا إلى تباين عما توقعته إسرائيل من انقلابها ضد تركيا، على سبيل المثال. لذا، فهي قصة معقدة، وهي جزء من رؤية ترامب الأحادية للمنطقة وهي ركوب هذه الحكومات موجة التطبيع.
البروفيسور لينك: أعتقد أن الاختبار هو في إمكانية قيام شيء مثل اتفاقات إبراهام بوضع نهاية للاحتلال وتقريب تقرير المصير للفلسطينيين أو دفعه بعيداً. هذا هو السؤال التقييمي لدورها، وأعتقد أنه لا جدال في أن الطريقة التي تتعامل بها إسرائيل مع اتفاقيات إبراهام هي تضفي من خلالها شرعية وجودها في الأراضي المحتلة. لا أرى أي دليل خلال العام ونصف العام الماضيين على أن اتفاقيات إبراهام فعلت شيئاً أخر سوى مساعدة إسرائيل في تعزيز ضمها الفعلي للأراضي المحتلة.
البروفيسور دوغارد: أطّر ريتشارد لاتفاقيات أبراهام كجزء من إرث ترامب، لكن من المهم أن نتذكر أن جزءًا من إرث ترامب هو نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس. ومن المحزن أن نلاحظ أن إدارة بايدن أبقت على هذه القرارات من جانب إدارة ترامب. إلى حد كبير، هذا يذكّر ببساطة بآرائي بأن الولايات المتحدة لا يمكن اعتبارها قادرة على أن تصبح وسيطًا نزيهًا في أي عملية سلام.
ملاحظات ختامية:
الدكتور أرضي:
كتب إدوارد سعيد ، في كتابه عام 1993، أن فلسطين قضية:”أدى الخوف فيها من التحدث علنًا عن أحد أعظم أشكال الظلم في التاريخ الحديث إلى إعاقة وتضييق الأفق وتكميم أفواه الكثيرين ممن يعرفون الحقيقة وهم في وضع يمكّنهم من خدمتها. وعلى الرغم من الإساءة والسب الذي يكسبه أي مؤيد صريح لحقوق الفلسطينيين وتقرير المصير لنفسه، فإن الحقيقة تستحق أن تقال، وأن يمثلها مثقف غير خائف ومتعاطف”.
أعتقد أنكم تتفقون معي في أن أعضاء الحلقة النقاشية الثلاثة يمثلون تجسيدًا مثاليًا للمثقفين غير الخائفين والمتعاطفين الذين تحدث عنهم الأستاذ سعيد.
نشكر كل واحد منكم، جون، وريتشارد، ومايكل لتقديمكم أمثلة لما يعنيه أن تكون باحثًا متفاعلاً مع هذا العالم، وتسعى جاهدا لقول الحقيقة للسلطة ووضع مسارات ليتبعها الجميع من أجل خلق واقع أكثر عدلاً وسلامًا، بما في ذلك لشعب فلسطين.
أيا كان النقد الذي قد تتعرض له الأمم المتحدة بشكل معقول، فإن العمل الجماعي للخبراء المستقلين للأمم المتحدة يشهد على قيمته وأهميته المستمرة.
وبنفس القدر من الصحة أيضًا، فإن هذه القيمة لن تتحقق بالكامل إلا إذا تجرأ الرجال والنساء بقناعاتهم ورزانتهم على خوض التحدي الذي يتركه لنا إرثكم الفردي والجماعي. لدي ثقة تامة في أنه سيتم خوض هذا التحدي.
وبهذا أعتقد أن منظمي هذا المؤتمر لديهم عرض تكريمي خاص لتقديمه، لذلك انتقل إلى مايكل لإضافة بعض الكلمات حول المكرمّين جون وريتشارد، بعدها ننتقل إلى إحسان عادل.