عرض كتاب | بريطانيا وانتدابها على فلسطين : خدعة قانونية على المسرح العالمي
جون كويجلي (انثيم بريس، 2022)
إعداد: هانا بروينسما – باحثة قانونية في منظمة القانون من أجل فلسطين (Linkedin)
تحرير: حسان بن عمران.
أعدّت الترجمة إلى العربية: فردوس عبد الحميد.
لتحميل هذه المقالة بصيغة pdf قابلة للطباعة، انقر/ي هنا
معلومات عن الكتاب:العنوان: بريطانيا وانتدابها على فلسطين – خدعة قانونية على المسرح العالمي (رابط للكتاب هنا) الكاتب: جون كويجلي، أستاذ فخري، كلية موريتز للقانون، جامعة ولاية أوهايو لغة الكتاب الاصلية: الإنجليزية الناشر: آنثيم بريس سنة النشر: 2022 عدد الصفحات: 220 صفحة |
مقدمة:
يعد هذا الكتاب إسهاماً قيماً جديراً بالذكر في التحليل التاريخي والقانوني لشرعية الانتداب البريطاني في فلسطين، والذي تم سرده عبر فصوله العشرين الموجزة. يتحدى الكاتب وجهات النظر السائدة حول دور بريطانيا في فلسطين من خلال إخضاعه للتدقيق القانوني الحثيث، موضحًا أن بريطانيا ليس لديها أساس قانوني لانتدابها في فلسطين منذ البداية، وأن المجتمع الدولي لم يعترف بحق الشعب اليهودي في تقرير المصير، وأن وثيقة الانتداب لم تكن صالحة من الناحية القانونية. يستند الكتاب على وثائق تم التغاضي عنها سابقًا لإثبات أن وجهات النظر الصهيونية والعربية تفشل في التشكيك في الأساس القانوني لأفعال بريطانيا. يسلط المؤلف الضوء على اكتشاف بالغ الأهمية، وهو اعتراف الحكومة البريطانية بأن وجودها في فلسطين كان بسبب الغزو العسكري ويفتقر إلى أساس قانوني، وهي حقيقة كانت مهملة على مدار قرن من الزمان. يقدم الكاتب الرواية التاريخية الشاملة والحجج الجديدة التي تجعل هذا الكتاب مرجعاً يجب قراءته لأي شخص يرغب في الحصول على فهم أفضل وصورة أوسع للانتداب البريطاني في فلسطين وتأثيره الدائم.
وعد بلفور – الفصل (1-4)
تناول الكاتب في فصوله الأربعة الأولى ثلاثة أسئلة مرتبطة بتأثير وعد بلفور؛ (1) ما إذا كان لوعد بلفور أي أساس في القانون، (2) ما إذا كان “الوطن القومي للشعب اليهودي” يعني دولة ذات اقليم، و(3) ما إذا كان وعد بلفور قد صدر لتعزيز حقوق يهود العالم، أو ما إذا كان هدفه أمراً آخر. يرى الكاتب أن المكانة القانونية لوعد بلفور مهمة لأنها كانت أساس المطالبة بإقامة دولة إسرائيل عام 1948. استندت المطالبة على افتراض أن وعد بلفور كان له قوة معيارية. ومع ذلك، رأت الحكومة البريطانية ذلك الوعد بمثابة بيان سياسي يمكن التراجع عنه. في القانون الدولي، يمكن أن يكون لإعلان من جانب واحد من قبل دولة ما تأثير ملزم بموجب القانون الدولي، ولكن فقط إذا تم توجيهه إلى دولة أخرى، وكانت صياغته بطريقة تظهر النية في تحمل التزام قانوني، وتم إصداره بمستوى معين من الإجراءات الشكلية. لكن وعد بلفور (أو إعلان بلفور بصيغة أدق) فشل في تلبية هذه المعايير، حيث لم يتم إصداره لدولة، ولم يحتوِ على التزام واضح، وكان غير رسمي informal، ولم يُنشر على الملأ.
تم تناول السؤال الثاني -حول ما إذا كانت نية الحكومة البريطانية في وعد بلفور هي إقامة دولة يهودية- في الفصل الثالث. في عام 1918، رداً على القلق الذي أثاره الشريف حسين بن علي بشأن وعد بلفور، صرحت الحكومة البريطانية بأنها ستدعم تطلع اليهود للعودة إلى فلسطين، لكن هذه العودة لن تكون على حساب الحرية السياسية للسكان الموجودين حينئذ. وبالإضافة إلى ذلك، يجادل المؤلف بأن لجنة الحكومة البريطانية أكدت عام 1939 أن وعد بلفور لم يتصور قيام دولة يهودية، حيث جاء في رسالة بعثت بها إلى بن علي، أن العرب يجب أن “يشكلوا أمة”، إلى جانب توصيف دور اليهود في مختلف البلدان، مما يشير إلى أن “الوطن القومي” المذكور في وعد بلفور، لا يعني الدولة. ومع ذلك، تجاهلت لجنة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين، التي كُلفت بدراسة القضية الفلسطينية، هذا التفسير عندما أصدرت تقريرها لعام 1947. والسبب في ذلك يعود إلى جهود المنظمة الصهيونية التي كان لها نفوذ على اللجنة الخاصة من خلال الوكالة اليهودية لفلسطين، وهي كيان أنشأته المنظمة. وتبعاً لذلك، يرى الكاتب أن تقريرها قدم للجمعية العامة للأمم المتحدة صورة مضللة للوضع القانوني لفلسطين، يميل نحو التوصية بتقسيمها وتضمين قيام دولة يهودية.[1]
يحدد الفصل الرابع الهدف من وعد بلفور، حيث يُجادل الكاتب بأن وعد بلفور لعام 1917 صدر لتعزيز المجهود الحربي البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى وليس لإعلان الحقوق اليهودية في فلسطين. تستند الحجة إلى حقيقة أن الإعلان صدر استجابة لطلب قاضي المحكمة العليا الأمريكية لويس برانديز لطمأنة الرأي الأمريكي بشأن عودة اليهود إلى فلسطين، كهدف من أهداف السياسة البريطانية. رأى مجلس وزراء الحرب البريطاني في الإعلان أداة مفيدة للدعاية في كل من روسيا وأمريكا. تم تأكيد الدافع وراء وعد بلفور في مذكرة مكتب المستعمرات عام 1924 التي ذكرت أن لها “هدفاً حربياً محدداً” وتم تصميمها لتجنيد تعاطف اليهود المؤثرين والمنظمات اليهودية في جميع أنحاء العالم. لذلك، لم يكن المقصود من وعد بلفور مساعدة اليهود، بل مساعدة بريطانيا.
مؤتمر باريس للسلام وقرار سان رومو – الفصل (5-7)
يوجز الكاتب في الفصل الخامس والسادس والسابع نشأة التزام المجتمع الدولي بوعد بلفور في سياق عملية السلام مع تركيا. حيث يناقش الفصل الخامس مؤتمر باريس للسلام عام 1919، والذي وفر منبرًا للمنظمة الصهيونية لعرض قضيتها الخاصة بالوطن القومي اليهودي في فلسطين. قدمت المنظمة اقتراحًا مكتوبًا دعا إلى وضع فلسطين تحت السيطرة البريطانية كولاية لعصبة الأمم، من أجل إنشاء كومنولث يهودي مستقل في نهاية المطاف. خلال المؤتمر، لم يشر القادة الصهاينة إلى السكان العرب في فلسطين، وساعدهم في ذلك عدم وجود معارضة تذكر.
ويعزى غياب معارضة تذكر إلى منع بريطانيا الرابطة الإسلامية المسيحية في يافا من الانضمام إلى المؤتمر، وذلك لان السلطة البريطانية خشيت عدم استعداد الجمعية لقبول الإشراف البريطاني. علاوة على ذلك، لم يتبنّ الأمير فيصل بن الحسين بن علي الذي كان حاضراً في المؤتمر -والذي سبق له أن قاد القوات العربية بالاشتراك مع بريطانيا ضد تركيا- موقفًا مناهضًا للصهيونية بشدة، حيث كان ميّالاً للتعاون مع بريطانيا في نظام ما بعد الحرب. أعلنت الحكومة البريطانية في المؤتمر خطتها لحل الإمبراطورية التركية، وطُرحت “خطة للاستيطان”، تقوم على أساس أن بريطانيا ستتولى الانتداب على فلسطين وبلاد ما بين النهرين (العراق)، وفرنسا على سوريا، بناء على نتائج استطلاع للرأي كانت فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة قد خططت له.[2] أسفر المؤتمر عن معاهدة سلام مع ألمانيا لكنه فشل في إحراز تقدم بشأن معاهدة مع تركيا، ولم تتم مناقشة فلسطين. وافق المؤتمر على ميثاق لعصبة الأمم، وظلت تركيا تحتفظ بالسيادة بما أنه لم يتم توقيع معاهدة سلام معها.
يلخص الفصلان السادس والسابع الاهتمام الذي تم اظهاره من قبل مختلف الدول الحاضرة في اجتماع سان ريمو ودور الاجتماع في توجيه الخطاب نحو وعد بلفور باعتباره مشروعاً يدعمه المجتمع الدولي ككل. اجتمعت قوى الحلفاء في سان ريمو بإيطاليا في عام 1920 بغرض التفاوض على معاهدة سلام مع تركيا والسيطرة على أقاليم تركيا العربية. حضر الاجتماع ممثلون عن بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان، وحرصت كل من فرنسا وبريطانيا بشكل خاص على الاستحواذ على الأراضي العربية. كان تمثيل المجتمع الدولي ضئيلاً، حيث لم تشارك عصبة الأمم في الاجتماع، وكان المشاركون الفاعلون هم فقط بريطانيا وفرنسا. تمت مناقشة وعد بلفور، لكن دول الحلفاء[3] لم تقبل تفسيراً يتضمن حقوقا قانونية لليهود لفلسطين. وبالتالي، ما تم الاتفاق عليه في اجتماع سان ريمو لم يكن أكثر من موقف تفاوضي مشترك لاقتراحه على تركيا. كان مفهوماً، بعبارة أخرى، أن بريطانيا لا يمكنها الاحتفاظ بفلسطين إلا إذا حصلت على السيادة. وافق الحلفاء في اجتماع سان ريمو على إدراج وعد بلفور في معاهدة السلام مع تركيا على أساس أنه لن يتم المساس بالحقوق السياسية للسكان الفلسطينيين.
ويوضح المؤلف في الفصل السابع أن الاتفاق على إدراج وعد بلفور في معاهدة السلام مع تركيا لا يعكس الموافقة على الحقوق اليهودية من حيث الأراضي. إن إحجام الحكومات عن تأييد الحقوق الإقليمية لليهود نابع من الرغبة في الحفاظ على الحقوق المدنية والسياسية للسكان الفلسطينيين، فضلاً عن المخاوف المفترضة حول طغيان حقوق اليهود على حقوق المسلمين والمسيحيين. كما طلب كل من الوفدين الفرنسي والإيطالي الإشارة إلى الحقوق السياسية الفلسطينية في مسودة وعد بلفور. ومع ذلك، أثناء مناقشة معاهدة السلام، أصبح وعد بلفور رصيدًا دبلوماسيًا للتفاوض بشأن المطالب الأخرى التي أثارتها الدول الموجودة في سان ريمو، والتي تعكس مصالحها الاجتماعية والاقتصادية مثل النفط العراقي، والوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس للروم الكاثوليك، والسيطرة على الأراضي السورية.
دور عصبة الأمم – الفصل (8-9)
يكرر المؤلف في الفصل الثامن ما ذكره في الفصل السادس والسابع حول الاستنتاج الذي مفاده أن عصبة الأمم لم يكن لها دور في تحديد مصير فلسطين، وأن التحليل المقبول عموماً بأن عصبة الأمم أعطت فلسطين لبريطانيا غير صحيح تاريخيًا. لقد أوصى ميثاق العصبة فقط بضرورة إدارة المقاطعات العربية في تركيا على أنها انتداب وليس مستعمرات، لكنه لم يمنح أي سلطة لعصبة الأمم لفرض نظام الانتداب. كما لم تحدد العصبة الدول التي ستتولى الانتداب، ولم يكن لدى الحلفاء صفة “لوضع” فلسطين تحت السيطرة البريطانية. وهكذا، فإن المادة 22 من الميثاق لم تمنح مجلس العصبة سلطة توزيع الأراضي. وتبعا لذلك فإنه لم يستطع منح السيادة لبريطانيا. وبحسب رأي الكاتب، كان للمنظمة الصهيونية والمفوضية الصهيونية دور واضح في حث بريطانيا على إعلان بقائها في فلسطين. ومن خلال إدخال تشريعات جديدة مثل سياسات الهجرة التي فضلت الهجرة اليهودية تم تنفيذ تولي بريطانيا للسلطة من جانب واحد. هذه الإجراءات انحرفت عن القانون التركي وانتهكت قانون الاحتلال العسكري الذي يطالب بالحفاظ على الوضع الراهن.
يتناول المؤلف في الفصل التاسع قدرة عصبة الأمم في أن تمنع بريطانيا من السيطرة على فلسطين. ويوضح المؤلف أن عصبة الأمم كانت تتمتع بسلطة تشغيلية قليلة للغاية بموجب المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم فيما يتعلق بالانتدابات. وبالتالي، لم يكن للعصبة سيطرة على بريطانيا، لأنها كانت قادرة فقط على تقديم رأيها. انكشف افتقار عصبة الأمم إلى القوة من خلال حقيقة أنها لم تكن قادرة على التدخل عندما سلمت بريطانيا الإدارة بأكملها إلى المنظمة الصهيونية.
معاهدة السلام مع تركيا – الفصل (10-12)
في الفصل العاشر، يوجز المؤلف السرد التاريخي للمساومة الدبلوماسية في الوقت الذي لم يتم فيه التصديق على معاهدة سيڤر التي تم توقيعها لاحقاً عام 1920 من قبل الإمبراطورية العثمانية وحلفاء الحرب العالمية الأولى. أسفرت المعاهدة عن التخلي عن أجزاء كبيرة من الأراضي العثمانية لفرنسا واليونان وإيطاليا والمملكة المتحدة، بالإضافة إلى إنشاء مناطق احتلال واسعة داخل الإمبراطورية العثمانية. رفضت إيطاليا، إلى جانب اليابان وفرنسا في البداية الموافقة على شروط الانتداب حتى تم التوصل إلى معاهدة سلام مع تركيا في الفترة التي سبقت التصديق على المعاهدة. ومع ذلك، تم حل المأزق خلف الكواليس من خلال المساومات السياسية. يحدد الفصل 11 الظهور التاريخي لمعاهدة لوزان. في خريف عام 1922، كان من الواضح أن تركيا لن تصدق على معاهدة سيڤر التي كان لها عدد من الشروط التي اعتبرتها تركيا مرهقة للغاية. بدأت مفاوضات جديدة جرت بين بريطانيا وفرنسا وإيطاليا. أسفرت مفاوضات لوزان عن التوقيع على معاهدة سلام جديدة، في 24 يوليو 1923، وتم التصديق عليها في 6 أغسطس 1924.
في الفصل 12، يفكك الكاتب السردية القائلة بأن بريطانيا حصلت على انتداب بموجب معاهدة لوزان. يمكن العثور على السبب الرئيسي الذي يقدمه الكاتب في لغة المعاهدة التي أشارت إلى الأراضي التي انفصلت عن تركيا على اعتبار أنها “دول” مشكلة حديثا، وليست أقاليم منتدبة. ولذلك، تم ارجاع أراضي فلسطين إلى فلسطين على أن تحكم قوانينها الدولة الفلسطينية نفسها. إن التشكيك في الأساس القانوني للانتداب البريطاني في فلسطين تدعمه قضية امتيازات مافروماتيس في فلسطين في محكمة العدل الدولية الدائمة. في هذه الحالة، اعترفت الحكومة البريطانية “بأنه لم تكن هناك حالة خلافة للدول بين تركيا وبريطانيا العظمى فيما يتعلق بفلسطين”. ووفقا للمؤلف، كان هذا اعترافا في غاية الأهمية من الحكومة البريطانية لأنها أقرت بأن بريطانيا ليس لها وضع قانوني في فلسطين، لأنها مجرد محتل عسكري.
وفي سياق ذي صلة، تجدر الإشارة إلى أنه في عام 2022، نشر خبير القانون الدولي د. رالف وايلد مقالاً حول مسؤولية المملكة المتحدة تبعاً لفشلها في تمكين ما كان شكلاً من أشكال تقرير المصير للشعب الفلسطيني خلال فترة انتدابها، وحين انسحابها عام 1948.[4] يقدّم وايلد أطروحة في مقاله -لم يتناولها البروفيسور جون كويغلي في كتابه هذا- مفادها أن مجلس عصبة الأمم تجاوز صلاحياته بموجب العهد (Covenant) عبر إدراجه وعد بلفور في اتفاقية الانتداب (the Mandate Agreement) دون اختصاص قانوني. أدى ذلك الإدراج إلى خروج المجلس عن صلاحياته وتعديه على الاعتراف المقنن باستقلال الشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره -والذي كان منتظراً من المملكة المتحدة أن تقوم بإنفاذه. وبناء على ذلك، كانت أفعال المملكة المتحدة عبر الاستناد على هذا الأساس القانوني الباطل مخالفة لمعاهدة فيرساي، التي يعد العهد جزءا منها. ومع ذلك، وفقا لحجة غويغلي، فإن أحكام المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم ليست ملزِمة فيما يتعلق بفلسطين، بما أن المادّة لم تعطِ المجلس الصلاحية لتوزيع الأراضي وبهذا لم يكن للمجلس أن يمنح السيادة لبريطانيا على فلسطين.
“وصلت بعض المجتمعات التي كانت تنتمي سابقًا إلى الإمبراطورية التركية إلى مرحلة من التطور حيث يمكن الاعتراف مؤقتًا بوجودها كدول مستقلة تخضع لتقديم المشورة والمساعدة الإدارية من قبل الدولة المنتدبة حتى يحين الوقت الذي تصبح فيه قادرة على الوقوف بمفردها. يجب أن تكون رغبات هذه المجتمعات الاعتبار الرئيسي في اختيار الدولة المنتدبة.”
المادة 22 – ميثاق عصبة الأمم
وضّح وايلد في مقالته التي نشرت قبل صدور كتاب غويغلي بفترة قصيرة، حجة تتحدى هذه الفكرة التي يطرحها غويغلي. يجادل وايلد بأنه على الرغم من أي مخالفات للقانون الدولي، تبقى فلسطين مدمجة في نطاق نظام الانتداب، وأنه، على الرغم من بطلان اتفاقية الانتداب من الناحية الفنية، إلا أنها لا تزال ملزمة. وعليه، جادل بأن اتفاق الانتداب لم يغير أحكام المادة 22 من الناحية القانونية، وبقدر ما ترمي أحكامه إلى القيام بذلك، لم يكن لذلك أثر قانوني. وهذا يحافظ على ما كان فعليا شكلا من أشكال تقرير المصير للشعب الفلسطيني الذي نصت عليه المادة 22 من العهد كسكان ضمن ما يسمى بالانتداب من الفئة “أ”، وبالتالي القدرة الآن على اتخاذ إجراءات قانونية ضد المملكة المتحدة أمام محكمة العدل الدولية وفقا لأحكام حل النزاع في اتفاق الانتداب. يبدو وكأن مقال وايلد يشير إلى أن البروفيسور كويجلي يمكن أن يشرح تداعيات الموقف القائل بأن فلسطين ليست مدمجة بشكل قانوني في نظام الانتداب وبالتالي الحديث حول التعويضات.
ويمكن أن ينطوي هذا التفصيل على دراسة آثار هذا الواقع على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير على النحو المنصوص عليه في المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم، فضلا عن قدرته على المطالبة بالعدالة في محكمة العدل الدولية.
وثيقة الانتداب الفلسطيني – الفصول (13-16)
يوضح الكاتب بأن وثيقة الانتداب على فلسطين تفتقر إلى السمات المميزة للمعاهدة، حيث لم يتم قراءتها كمعاهدة، ولم يتم تسجيلها كمعاهدة، وكانت قابلة للإنهاء من قبل بريطانيا. علاوة على ذلك، عندما تم حل عصبة الأمم في عام 1946، لم تعلن بريطانيا أن وثيقة الانتداب لن تكون ذات تأثير. ولو كانت معاهدة، لكان اختفاء ذلك الطرف يعني فقدان القوة القانونية. في الفصل الرابع عشر، يتناول المؤلف الحجة القائلة بأن الانتداب تضمن صراحة وعد بلفور وكلف الدولة المنتدَبة بوضعه موضع التنفيذ. ويخلص إلى أنه لا أساس لذلك في الحقائق التاريخية. قررت بريطانيا من جانب واحد تنفيذ إعلان بلفور ولم تطلب منها عصبة الأمم القيام بذلك. في الفصل الخامس عشر، حدد المؤلف الدور الصهيوني في صياغة وثيقة الانتداب. واشار الكاتب بأن تقديم هذا المشروع كان انتهاكا كبيرا للبروتوكول الدولي. إن اقتراح منظمة خاصة وثيقة تصدرها منظمة دولية، وتؤثر على حكم إقليم معين، هو أمر غير مسبوق وغير مجاز، لا سيما لأنه انتهاك واضح للمادة 22 من ميثاق عصبة الأمم، حيث أن الانتداب تجاهل رغبات السكان. وفي الفصل السادس عشر يتناول المؤلف مسألة أن “شعبا” واحدا فقط له الحق في تقرير المصير. ويشير المؤلف بأن المطالبة بحق للشعب اليهودي تثير إشكالية خاصة لأنه لم يسكن أرض فلسطين، وأن الشعب الذي يطالب بإقليم ما يسكن عادة تلك الأرض. بالإضافة إلى ذلك، لم ينظر مجلس العصبة أبدا في مسألة كيفية وصف اليهود، وبالتالي لم يتم تحديد ما إذا كانت هوية اليهود تتميز بالدين أو الشعب أو سلسلة من مجموعات الأقليات أو أي شيء آخر.
النقد الذي واجهته بريطانيا بشأن الانتداب – الفصل (17-19)
بعد انتقادات وطنية ودولية، في عام 1923 اعترفت الحكومة البريطانية بعدم قدرتها على تنفيذ وعد بلفور. نظرت الحكومة في خيار إعادة الانتداب إلى أيدي عصبة الأمم، لكنها افترضت أنه سيتعين عليها إخلاء فلسطين وأن ذلك سيؤثر بشكل خطير على سيطرتها على قناة السويس. لذلك، قررت عدم مغادرة فلسطين واستمرت في الانتداب.
يصف الفصل التاسع عشر الوضع في عام 1932 وعدم منح بريطانيا أفضلية التعريفة الجمركية لفلسطين، حيث لم يعترف شركاء المعاهدة الرئيسيون الآخرون بأن بريطانيا تتمتع بوضع قانوني في فلسطين. اعتبر شركاء بريطانيا في المعاهدة أن فلسطين “دولة أجنبية” وبالتالي لم يقبلوا منح بريطانيا لها أفضلية جمركية. ويوضح المؤلف بأن هذه الحقائق تكرر النقطة التي أثيرت بأن بريطانيا تفتقر إلى وضع قانوني في فلسطين. تنتهي نظرة المؤلف التاريخية للانتداب البريطاني في فلسطين بحل عصبة الأمم في عام 1946. يلقي هذا الحدث بظلال من عدم اليقين على دور بريطانيا في فلسطين، حيث أن تفويض العصبة لبريطانيا لحكم فلسطين ربما فقد قوته القانونية مع انقراض العصبة. وقد طُلِب من القوى القائمة بالانتداب مواصلة الإدارة حتى يتم الوصول لترتيبات أخرى كما فعلت بريطانيا حتى عام 1948.
توصيات المؤلف
يختتم المؤلف الكتاب بملخص يمكن القول إنه الجزء الأفضل في الكتاب، حيث يدرس المؤلف الآثار المترتبة على عدم وجود أساس قانوني للانتداب البريطاني في فلسطين. أهم ما يذكره المؤلف هو أن افتقار بريطانيا إلى سلطة تشريعية شرعية خلال سيطرتها على فلسطين يقوض شرعية تطبيق إسرائيل الحالي للقوانين التشريعية والتنظيمية التي اعتمدتها بريطانيا. بالإضافة إلى ذلك، يطرح المؤلف عدم اعتراف الحكومة البريطانية بأنها حكمت دون انتداب قانوني على فلسطين. يقترح المؤلف أن تتخذ بريطانيا تدابير دبلوماسية من أجل تصحيح الوضع. وتشمل هذه التدابير اعتذارا رسميا من جانب الحكومة البريطانية ودعم الملاحقة القضائية في المحكمة الجنائية الدولية على الأفعال التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. ويختتم المؤلف بحجة أن نهج المجتمع الدولي تجاه الصراع العربي الإسرائيلي يمكن أن يكون مختلفا جذريا إذا اعترف قادة العالم بأن بريطانيا حكمت فلسطين دون أساس قانوني وأن عصبة الأمم لم تصادق أبدا على الحقوق الإقليمية اليهودية. ويبدو أن التدابير التي اقترحها الكاتب تقتصر على مسارات العمل المحتملة التي يمكن أن تتخذها الحكومة البريطانية لتصحيح أخطائها السابقة. ومع ذلك، لم يتطرق الكتاب إلى أي سبل قانونية يمكن أن يتبعها الشعب الفلسطيني من أجل التماس الانتصاف من افتقار الحكومة البريطانية إلى السلطة الشرعية خلال فترة ولايتها.
الخاتمة
إن كتاب بريطانيا وانتدابها على فلسطين هو سرد تاريخي كُلّي يصف بدقة التدخل السياسي البريطاني في فلسطين، وهو ما لم يحدث من قبل. كويجلي استطاع تقديم حجة مقنعة لعدم شرعية الانتداب البريطاني وإثبات أن الادعاء -المقبول على نطاق واسع حالياً- بأن بريطانيا فُوّضت على فلسطين من قبل عصبة الأمم أو أن عصبة الأمم قد كلفت بريطانيا بإنشاء وطن يهودي غير صحيح تاريخيًا. يكشف المؤلف أن الوجود البريطاني في فلسطين لم يكن على أساس أي استحقاق قانوني، بل كان نتيجة غزو عسكري لم يعترف به المجتمع الدولي. كما يؤكد الكتاب أن عصبة الأمم لم تمنح أي حقوق لبريطانيا أو للشعب اليهودي وأن وثيقة الانتداب التي صاغتها بريطانيا كانت باطلة. يُظهر المؤلف خلال عرضه لهذه الحقائق قدرة رائعة على تفسير المصالح الكامنة للسلطات البريطانية، مدعومة بالأدلة والاثباتات. يضفي هذا على الكتاب جودة فريدة من نوعها، حيث انه لا يقدم سردًا للبحث التاريخي فحسب، بل أيضًا استكشافًا ثاقبًا للدوافع البريطانية لانتدابها. يقدم التذييل الملحق بالكتاب بعداً بالغ الأهمية لمحاججته، حيث يستكشف الآثار المعاصرة للانتداب البريطاني “المتنازع عليه” في فلسطين. علاوة على ذلك، يُثري الملحق عمل المؤلف من خلال تقديم توصيات ذات نظرة ثاقبة للحكومة البريطانية لمتابعة ذلك كوسيلة لتصحيح تجاوزاتها السابقة.
يمكن للقارئ أن يجادل بأن الكتاب كان بإمكانه أن يقدّم ارتباطاً أكبر بآثار الانتداب من أجل تعزيز علاقته بالوضع الحالي في فلسطين. على وجه التحديد، كان بإمكانه أن يشرح بتفصيل أكبر العواقب المحتملة لتأكيده على أنه لم تكن هناك خلافة للدول بين تركيا وبريطانيا العظمى فيما يتعلق بفلسطين. كان بإمكانه أيضاً أن يلقي من خلال هذا التفصيل الضوء على كيفية تأثير هذه النتيجة على قدرة الفلسطينيين على الانتصاف القانوني في محكمة العدل الدولية. بالرغم من ذلك، فإن هذا الكتاب يوفر تحولاً مهماً في السرد التاريخي القانوني الذي كان مصبوغاً بالحسابات البريطانية ويعيد كتابة التاريخ حول دور بريطانيا في فلسطين.
[1] أشار المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة البروفيسور مايكل لينك في مقال له إلى انحياز وعشوائية اللجنة في التعامل مع مسألة التقسيم. بالإمكان قراءة المقال عبر الرابط: https://dawnmena.org/prelude-to-partition-75-years-ago-a-u-n-committee-determined-palestines-fate/
[2] Memorandum Submitted to the Council by Mr. Lloyd George, Scheme for settlement in the Turkish Empire, 21 May 1919, Foreign Relations of the United States: Paris Peace Conference 1919, vol. 5, at 770.
[3] كانت قوى الحلفاء “الرئيسية” تتألف من بريطانيا وفرنسا واليابان وإيطاليا.
[4] مؤخرًا، نشر رالف وايلد، بالتعاون مع شعوان جبارين، تدوينة على موقع Opinio Juris والتي يبدو أنها بمثابة ملخص لمقالة وايلد. رابط للمدونة متاح هنا