اسضاف مقررة الأمم المتحدة الخاصة بفلسطين وخبراء دوليين: ملتقى القانونيين من أجل فلسطين يناقش التغير الدولي المطلوب ل تفكيك الاستعمار و إعمال تقرير المصير
نظمت منظمة القانون من أجل فلسطين وبالشراكة مع منظمة النهضة العربية للديمقراطية والتنمية (ARDD)، حلقة نقاشية بعنوان “تقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول حق الفلسطينيين بتقرير المصير: خطوة استثنائية نحو تصويب المسار؟ وماذا بعد؟“.
وجاءت الحلقة كجزء من الندوات الشهرية التي يعقدها “ملتقى القانونيين من أجل فلسطين” عبر الإنترنت، وهي السادسة ضمن الموسم الثاني للملتقى، لدراسة التقرير الهام الذي أعدته مقررة الأمم المتحدة حول فلسطين والبحث في تداعياته المأمولة بما في ذلك على مستوى الفلسطينيين وفي الولايات المتحدة والمجتمع المدني العالمي والمجتمع الدولي ككل.
عُقدت الندوة يوم الإثنين 7 تشرين الثاني (نوفمبر) واستضافت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بفلسطين، فرانشيسكا ألبانيز، إلى جانب أربعة خبراء دوليين بشأن قضية فلسطين، وهم إيتاي إبشتين، المستشار الخاص في المجلس النرويجي للاجئين؛ و هديل أبو حسين، محامية وزميلة باحثة بجامعة إيراسموس، و وسام أحمد رئيس مركز الحق التطبيقي للقانون الدولي، وجوش روبنر، مؤلف وخبير في السياسة الأمريكية (فلسطين-إسرائيل).
وأدارت الندوة ديانا الزير، نائبة رئيس الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان ورئيسة التواصل الاستراتيجي في منظمة الحق، فيما حضرها عبر الزووم 80 من الباحثين والنشطاء والسياسيين، بمن فيهم ريتشارد فولك، المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة للأراضي الفلسطينية، ولويزا مورغانتيني نائب رئيس البرلمان الأوروبي السابق لوفد فلسطين، و د. عمار دويك رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، من بين آخرين.
إعمال حق تقرير المصير يجب أن يكون شرطًا مسبقًا للتفاوض بين الإسرائيليين والفلسطينيين
في مداخلتها، شددت المقررة الخاصة للأمم المتحدة بشأن فلسطين فرانشيسكا ألبانيز على ضرورة الفهم الصحيح لحق الفلسطينيين غير القابل للتصرف في تقرير المصير والعمل من خلال هذا الحق، لافتة إلى “أنه [أي الحق في تقرير المصير للفلسطينيين] ليس فقط غير متحقق، ولكن أيضًا أسيء فهمه بشدة” على الرغم من كونه حقًا أساسيًا والحق الذي يتم من خلاله إعمال جميع الحقوق. مشيرة إلى أن ذلك هو ما دفعها لتناول هذا الحق في بداية ولايتها.
وجادلت ألبانيز بأن “انتهاك هذا الحق متأصل في حالة الاحتلال الإسرائيلي وهو ما يمنحه العلامة الكاملة للاستعمار الاستيطاني”. كما انتقدت المنهج الدولي في التعاطي مع القضية الفلسطينية والمبني على التركيز على مظاهر الاحتلال بدلاً من التركيز على عدم شرعيته، ما أدى إلى إغفال الصورة الأكبر.
واختتمت المقررة الخاصة بشرح مغالطة افتراض أن على الفلسطينيين انتظار نهاية المفاوضات للحصول على حقهم في تقرير المصير، وهو “عكس ما يجب أن يحدث” وفقًا لألبانيز، منوهة إلى أن “الحرية ستحقق السلام، ولكن أولاً وقبل كل شيء يجب تفكيك الاحتلال واحترام حق تقرير المصير”.
فلسطين هي صورة مصغرة للظلم العالمي
من جانبه، تناول وسام أحمد التقرير من منظور المجتمع المدني الفلسطيني قائلاً إنه لقي استحسانًا كبيرًا باعتباره تصحيحًا طال انتظاره لوصف معاناة الفلسطينيين منذ عقود. وشدد وسام على أن “فكرة أن الاستعمار انتهى هو أمر نحتاج للتغلب عليه ومعالجة حقيقة أن الممارسات الاستعمارية ما زالت مستمرة في عدة مظاهر، ونرى أنها تحدث في سياق فلسطين في صورة الاستعمار الاستيطاني الكلاسيكي”.
وواصل رئيس مركز الحق التطبيقي للقانون الدولي مداخلته عبر شرح أهمية دعوة التقرير إلى تحول نموذجي (paradigm shift) لتغيير الطريقة التي يتعامل بها المجتمع الدولي والناشطون مع قضية فلسطين باتجاه أنها قضية فصل عنصري واستعمار.
وأكد أحمد كذلك على أهمية التعاون بين جميع النشطاء والهيئات الدولية من أجل القضاء على الاستعمار، منوها إلى أن “فلسطين هي صورة مصغرة للظلم العالمي، وهذا جزئيًا يحتاج إلى القيام بدورنا كفلسطينيين، ولكن أيضًا نشطاء حقوق الإنسان ككل بحاجة إلى الربط بين التحديات التي نواجهها جميعًا معًا ومعالجة قضية الاستعمار ومظاهرها القائمة حاليا في عدة صور”.
التقرير يوسّع المجال للباحثين لتحدي قيود القانون الدولي وإعادة حياة الفلسطينيين إلى المركز
من جهتها، قدمت الباحثة الدولية هديل أبو حسين تحليلاً شاملاً للتقرير وأثره على الأكاديميا، خاصة في دول جنوب الكرة الأرضية (آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية)، معتبرة أن التقرير يمثل علامة فارقة في الطريقة التي تعمق بها في جذور القضية الفلسطينية وأصول الحركة الصهيونية.
وشددت أبو حسين على أنه على الرغم من استبعاد الفلسطينيين الذين يعيشون في إسرائيل والشتات من نطاق التقرير بسبب القيود القانونية لولاية المقررة الخاصة، فإن الأسس التي انبنى عليها التقرير تتعلق بجميع الفلسطينيين بغض النظر عن موقعهم الجغرافي أو وضعهم القانوني، لأنه يتناول مسألة تقرير المصير والتي تتتعلق بجميع الفلسطينيين كشعب، ومن ثم ، فإن “له تأثيرا على كل الشعب الفلسطيني الذي يعيش تحت أو يتأثر بالنظام الاستعماري الاستيطاني”.
تكمن أهمية التقرير أيضًا، بحسب أبو حسين، في الطريقة التي يؤكد بها على صلاحية وأهمية استخدام إطار الفصل العنصري جنبًا إلى جنب مع الاحتلال غير القانوني، وهو أمر حاسم لفهم وبالتالي إنهاء الهيمنة الإسرائيلية على فلسطين.
وفي السياق الأكاديمي، تعتقد أبو حسين بأن التقرير قدّم إطار عمل متكامل وأوسع لفهم قضية فلسطين وطرح قضية الاستعمار على الطاولة، كما أنه فتح بابًا جديدًا للأكاديمييم لعرض المسألة من منظور حركة مناهضة الاستعمار (anti-colonial movement). وهو بالتالي يساعد على إعادة حياة الفلسطينيين ومعاناتهم إلى قلب النقاش الأكاديمي وتحدي ديناميات القوة التي تؤثر على فعالية القانون الدولي.
تقرير المقررة الخاصة يلعب دورًا مهمًا في تغيير عقلية الجمهور الأمريكي تجاه قضية فلسطين
تحدث الخبير في السياسة الأمريكية، جوش روبنر، عن التأثير المحتمل لتقرير فرانشيسكا ألبانيز على سياسات الولايات المتحدة، وأشار إلى المقاربة والهدف الرئيسي لسياسة الولايات المتحدة تجاه فلسطين قائلاً: “من كلينتون إلى بوش إلى أوباما كانت الفكرة دائمًا كيانًا فلسطينيًا غير سيادي… يكون تحت سيطرة وهيمنة إسرائيل”. وفيما كان النهج مختلفًا قليلاً في ظل إدارتي ترامب وبايدن، لكن النتيجة ظلت كما هي (كيان غير سيادي تهيمن عليه إسرائيل).
وجادل رويبنر بأنه من غير المرجح على الإطلاق أن يغير التقرير من نهج إدارة بايدن تجاه إسرائيل-فلسطين، ومع ذلك، يمكن للتقرير أن يخلق نقلة نوعية في الخطاب العام الأمريكي وخاصة في الكونجرس.
ووفقًا لروبنر، يمكن حدوث ذلك بثلاث طرق: أولاً، قد يخلق التقرير ضغطًا عامًا لوقف المساعدة الأمريكية لما يشكل احتلالًا غير قانوني. ثانيًا، إن وضع القضية في سياق الاستعمار الاستيطاني يعيد تأطيرها باعتبارها استمرارًا لما بدأته إسرائيل عام 1948 والبدء في استحضار النكبة وما حدث حينها بدلاً من ما التركيز فقط على عام 1967، وهو أمر لا ينظر إليه على أنه مأساوي أو ذو أثر كبير في العقلية الأمريكية. ثالثًا، كان حق تقرير المصير بعيدًا تمامًا عن تفكير وسياسة الولايات المتحدة لعقود. ومن ثم، يساعد هذا التقرير في إعادة صياغة القضية على أنها صراع بين المضطهدين ومن يقوم باضطهادهم بدلاً من النظرة السائدة على أنهما دولتين متساويتين، مما يغذي ويعزز البعد الأخلاقي للقضية لدى الجمهور الأمريكي.
المجتمع المدني العالمي يلعب دورًا مهمًا في تعزيز إعمال حق تقرير المصير للفلسطينيين
عندما طُلب منه مناقشة التأثير الذي يمكن أن يلعبه المجتمع المدني العالمي لتحقيق النتائج والتوصيات التي خرج بها تقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة، ذكر المستشار الخاص للمجلس النرويجي لللاجئين، إتاي إيبشتين، أن المجتمع المدني العالمي يجب أن يعمل بشكل جماعي مع الشعور بالإلحاح نحو إعمال الحق في تقرير المصير باعتباره حجر الزاوية في أي حل سياسي.
ومن خلال التركيز على ثلاثة عناصر، جادل إبشتان أولاً بأن المجتمع المدني العالمي لا يزال لديه مهمة حيوية في حماية الفلسطينيين الذين يزداد ضعفهم بمرور الوقت، على سبيل المثال: من خلال توفير الإغاثة الإنسانية والدعم القانوني والمناصرة وتوثيق انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي.
وقال إيبشتين “التقرير ركز على حقيقة غير قابلة للتصرف في القانون الدولي وهي أن الحق في تقرير المصير لا يمكن الانتقاص منه تحت أي ظرف من الظروف، وأنه يفرض التزامات تجاه الكافة على المجتمع الدولي ككل”. مشيرا إلى أن ذلك يقودنا إلى الدور الثاني للمجتمع المدني العالمي، وهو لفت انتباه الأطراف الثالثة إلى هذا الأمر والضغط عليهم للوفاء بالتزاماتهم في هذا الصدد.
أخيرًا، يعتقد إيبشتين أن الوقت قد حان لمحكمة العدل الدولية لإعادة النظر في رأيها الاستشاري لعام 2004 وتصحيح الأخطاء القانونية التي ارتكبت في ذلك الوقت. وهو ما يتطلب ضغوطاً من المجتمع المدني العالمي على بلدانهم وعلى الجمعية العامة لإحالة القضية أخيرا إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي استشاري جديد يعترف بالحق غير القابل للتقييد في تقرير المصير للفلسطينيين دون أن يكون خاضعا للمفاوضات.
وأعقبت مداخلات المتحدثين الرئيسية مناقشة قانونية شاملة حيث قدم الباحثون والخبراء الدوليون رؤاهم وأسئلتهم إلى المقررة الخاصة للأمم المتحدة والمتحدثين الآخري، بما في ذلك مداخلة من المقرر الخاص السابق للأمم المتحدة، البروفيسور ريتشارد فولك، الذي تحدث عن أهمية الحفاظ على فكرة أن العملية الاستعمارية الاستيطانية لإسرائيل لا تزال غير مكتملة لأن الفلسطينيين لا يزالون هناك ولا يزالون يقاومون استكمال تنفيذ هذا المشروع الاستعماري الاستيطاني بالكامل.
يشار إلى أن هذه الندوة عبر الإنترنت تأتي ضمن سلسلة الندوات الشهرية لملتقى القانونيين من أجل فلسطين، التابع لمنظمة القانون من أجل فلسطين. يعقد الملتقى هذه الندوات التي تجمع الخبراء والباحثين الدوليين والطلاب والحقوقيين والمهتمين بفلسطين من مختلف دول العالم لمناقشة الموضوعات والتطورات المتعلقة بالقانون الدولي وفلسطين، بالإضافة إلى تحقيق التواصل الفعال بين الحقوقيين المهتمين بفلسطين من جميع أنحاء العالم.
** لحضور الندوات الشهرية القادمة لملتقى القانونيين من أجل فلسطين، يمكنك التسجيل عبر الرابط التالي “هنا”