ندوة تستعرض الأدوات القانونية لكسر الإفلات من العقاب وتعزيز المساءلة عن الجرائم الإسرائيلية في فلسطين
في 22 يوليو/تموز 2025، استضافت منظمة “القانون من أجل فلسطين”، بالتعاون مع مركز الميزان لحقوق الإنسان، والشبكة العالمية للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية (ESCR-NET)، وتحالف ETO، والمركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين (ICJP)، ندوة بعنوان “إنهاء حالة الإفلات من العقاب: التقاضي الاستراتيجي والمساءلة من أجل فلسطين”. الندوة، التي يعد الأولى في سلسلة من جزئين، جمعت ممارسين قانونيين بارزين، ومدافعين عن حقوق الإنسان، وممثلين عن المجتمع المدني لمناقشة إمكانيات التقاضي الاستراتيجي، والولاية القضائية العالمية، ومسؤولية الشركات في مواجهة الإفلات من العقاب الإسرائيلي على الجرائم الدولية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
ركزت حلقة النقاش، وهي الخامسة ضمن الموسم الثالث من ملتقى “القانونيين من أجل فلسطين”، على دور الدول والمجتمع المدني والمهنيين القانونيين في إنهاء الإبادة الجماعية المستمرة في غزة والانتهاكات الإسرائيلية الأوسع من خلال الآليات القانونية المحلية والدولية. كما تناولت بشكل خاص كيفية تحميل الجهات الفاعلة من الشركات والدول الثالثة المتواطئة المسؤولية بموجب القانون الدولي.
وقد أدارت الحوار هانا بروينسما، منسقة وحدة الوصول إلى العدالة في منظمة “القانون من أجل فلسطين”، وشارك فيه أربعة متحدثين بارزين: عصام يونس، المدير العام لمركز الميزان لحقوق الإنسان؛ هايدي ديكسترا، محامية والقائمة بأعمال المستشار العام في المركز الدولي للعدالة من اجل الفلسطينيين؛ روبرت جابوش، محامٍ ألماني وخبير في حقوق الإنسان والأعمال؛ وجيري ليستون، محامي أول في منظمة GLAN، متخصص في التدفقات المالية غير المشروعة والمستوطنات غير القانونية.
افتتحت المناقشة بنقد تردد الدول الأوروبية في فرض عقوبات أو إعادة تقييم علاقاتها مع إسرائيل، على الرغم من الأدلة المتزايدة التي تقدمها المنظمات الفلسطينية والدولية حول الانتهاكات المستمرة. وأكدت مديرة الحوار على أن التركيز فقط على المساعدات الإنسانية، مع تجاهل السياق الأوسع للظلم المنهجي، يسمح للاحتلال بالاستمرار دون رادع.
كما أبرزت بروينسما الدور الحيوي للاستراتيجيات القانونية في تحميل الدول والشركات المسؤولية، مشيرة إلى اختراقات حديثة مثل أمر المحكمة الفلمنكية بوقف الشحنات العسكرية إلى إسرائيل، واعتقال الشرطة البلجيكية لشخصين إسرائيليين. بالإضافة إلى ذلك، أشارت إلى التزام الدول من الجنوب العالمي في مؤتمر مجموعة لاهاي حول فلسطين، والذي عقد في كولومبيا، حيث تعهدت هذه الدول باستخدام الولاية القضائية العالمية كأداة لتحميل الأفراد المسؤولية الجنائية عن انتهاكات القانون الدولي. وذكرت بروينسما أن هذا الزخم المتزايد يمثل مرحلة جديدة في النضال من أجل العدالة، حيث ينتقل من الخطاب إلى العمل الملموس والهادف.
عصام يونس حول دور المجتمع المدني الفلسطيني في السعي للعدالة والمساءلة
“تضييق المساحة على المجتمع المدني ليس مصادفة، بل هو مخطط لمنع الفلسطينيين من السعي للعدالة”
في مداخلته، تناول عصام يونس الدور الحاسم للمجتمع المدني الفلسطيني في السعي للمساءلة. ووصف الإبادة الجماعية المستمرة في غزة كإحدى تجليات الفشل المتأصل للنظام الدولي بعد الحرب العالمية الثانية. مشيرًا إلى تأسيس الأمم المتحدة في عام 1945، وتساءل يونس عن مصداقية نظام يفشل مرارًا في منع الإبادة الجماعية، بما في ذلك تلك التي تحدث في فلسطين.
كما انتقد يونس النظام القضائي الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن المجتمع المدني الفلسطيني حاول مرارًا التقاضي عبر المحاكم الإسرائيلية بشأن الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي والجرائم الدولية، ولكن دون جدوى، حيث لم تتم محاكمة أي جندي إسرائيلي أو مسؤول بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية. أدى هذا الفشل إلى تركيز الجماعات الفلسطينية على الآليات القانونية الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية، والأمم المتحدة، والمحاكم الوطنية باستخدام الولاية القضائية العالمية لمحاسبة إسرائيل. ومع ذلك، فإن هذه الجهود تأتي بتكلفة كبيرة، حيث تواجه منظمات المجتمع المدني الفلسطيني التهميش والقمع من الحكومة الإسرائيلية.
وأشار يونس إلى القضايا القانونية المستمرة في المحاكم الأوروبية، مثل القضايا في ألمانيا وفرنسا وهولندا، التي تتحدى انتهاكات إسرائيل وتواطؤ الدول الثالثة، خصوصًا فيما يتعلق بتصدير الأسلحة. وأوضح أن التقاضي الاستراتيجي ليس حلاً شاملاً ولا يمكن أن يحل محل العمل السياسي، لكنه يعد أداة أساسية في السعي للعدالة وبناء سجل قانوني لحقوق الفلسطينيين بموجب القانون الدولي.
هايدي ديكسترا: التقاضي الاستراتيجي ومشروع العالم 195
تناولت المحامية الدولية هايدي ديكسترا مشروع العالم 195، أو “Global 195″، الذي يقوده المركز الدولي للعدالة من أجل الفلسطينيين. يهدف هذا المشروع إلى بناء تحالف قانوني عالمي للتحقيق في الجرائم المرتكبة في غزة، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، وملاحقة المسؤولين عنها باستخدام مبدأ الولاية القضائية العالمية. وأوضحت ديكسترا أن الولاية القضائية العالمية تتيح للدول محاكمة الجرائم الجسيمة بغض النظر عن مكان وقوعها أو من ارتكبها، ما يعد حلاً لتجاوز قيود الآليات القانونية التقليدية مثل المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية. واستشهدت ديكسترا بقضية حديثة في ناميبيا، حيث ساعد مركزها في تقديم شكوى في أبريل/نيسان 2023 ضد مسؤولين إسرائيليين بسبب جرائم الحرب، بما في ذلك استخدام التجويع كسلاح. وتعتبر هذه القضية سابقة تاريخية في ناميبيا.
روبرت جابوش: تواطؤ الشركات والنظام القانوني الألماني
قدم المحامي الألماني روبرت جابوش دراسة حالة حول تواطؤ الشركات في الجرائم الإسرائيلية، مع التركيز على شركة “أكسل سبرينغر” وذراعها “يد 2” (Yad2)، وهي منصة عقارية تروج لبيع العقارات في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. وأوضح جابوش كيف أن هذه الممارسات تخالف قانون “الامتثال لسلسلة التوريد” الألماني لعام 2023، الذي يتطلب من الشركات تجنب التورط في انتهاكات حقوق الإنسان. تم تقديم شكوى قانونية ضد أكسل سبرينغر إلى الهيئة الرقابية الألمانية BAFA، التي لم تقدم رداً في البداية ولكنها أبدت استعدادها لفحص القضية في وقت لاحق. ومع ذلك، تم رفض الشكوى في مارس/آذار 2025، مما يعكس، بحسب جابوش، تقاعس الحكومة الألمانية في محاسبة إسرائيل أو شركاتها.
وأشار جابوش إلى أن هناك آليات قانونية موجودة بالفعل لمحاسبة الشركات، مثل حظر الواردات في الاتحاد الأوروبي، وقانون المسؤولية المدنية الفرنسي لعام 2017. الإفلات من العقاب المساءلة الجرائم الإسرائيلية فلسطين
جيري ليستون: تطبيق قوانين مكافحة غسيل الأموال على المستوطنات
ناقش جيري ليستون من GLAN تطبيق قوانين مكافحة غسيل الأموال على الأنشطة التجارية المرتبطة بالجرائم الإسرائيلية، مع التركيز على دور Airbnb في تسهيل الإقامة في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية. وأوضح كيف يمكن اعتبار الأموال الناتجة عن هذه الأنشطة غسيل أموال لأنها تأتي من جرائم مثل جرائم الحرب. قدمت GLAN شكاوى في كل من إيرلندا والمملكة المتحدة ضد شركات Airbnb، معتبرة أن هذه الشركات تشارك في غسيل الأموال من خلال تسهيل تأجير الممتلكات في هذه المناطق. ورغم الشكوى المطولة، رفضت السلطات الإيرلندية التحقيق، مما دفع المحامين إلى تقديم طلب مراجعة قضائية للطعن في القرار، وهو حاليا قيد النظر.
وأوضح ليستون أن هذه الجهود القانونية قد تساهم في ايجاد سابقة قانونية هامة حول تطبيق قوانين غسيل الأموال على الشركات المستفيدة من المستوطنات غير القانونية.
الخلاصة: المساءلة من الأساس الإفلات من العقاب المساءلة الجرائم الإسرائيلية فلسطين
أبرزت الندوة أنه بينما غالبًا ما تفشل الدول في اتخاذ الإجراءات اللازمة، فإن المجتمع المدني والمحامون والنشطاء لهم دور أساسي في السعي للعدالة من خلال الآليات القانونية البديلة. سواء عبر التقاضي الاستراتيجي، أو قوانين المسؤولية المتعلقة بالشركات، أو الولاية القضائية العالمية، هناك العديد من السبل لكسر حلقة الإفلات من العقاب. كما أكد عصام يونس: “إما أن تكون مع العدالة، أو تكون جزءًا من التواطؤ.”
واختتمت الجلسة بالتأكيد على ضرورة الاستمرار في استخدام هذه الآليات القانونية لتحقيق المساءلة وتعزيز الالتزام المستمر من قبل المدافعين القانونيين والمنظمات حتى تحقيق العدالة لفلسطين.