ما وراء التمييز: الفصل العنصري مشروع استعماري والصهيونية شكل من أشكال العنصرية
بقلم: نورا عريقات*
الفصل استعماري الصهيونية العنصرية
الأصل الإنجليزي هنا
ترجمة مي شاهين
ل: منظمة القانون من أجل فلسطين
في هذا المقال، تقول نورة عريقات إنه وبعد ثمانية وعشرين عامًا على اتفاقية أوسلو للسلام، قضت إسرائيل على احتمالية قيام دولة فلسطينية، مما أتاح لها مسارًا معتمدًا دوليًا للحفاظ على سيادتها الاستيطانية الإحلالية. وبذلك، تُظهر إسرائيل للعالم ما يعرفه الفلسطينيون منذ زمن طويل: أنها تريد الأرض بدون شعب وتسعى إلى أن تظل المصدر الوحيد للسلطة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط.
وترى عريقات أن تقرير هيومن رايتس ووتش الذي خلص إلى أن إسرائيل تقوم على نظام فصل عنصري هو بمثابة اعتراف بالواقع، أكثر من كونه كاشفاً لوجوده. ويحتوي التقرير على سلسلة غنية من المراجع بما في ذلك المراجع المتاحة من قبل بديل، والحق، وعدالة، ومجلس أبحاث العلوم الإنسانية في جنوب إفريقيا، واللجنة الوطنية الفلسطينية للمقاطعة، ومؤتمر ديربان الاستعراضي، ومحكمة راسل بشأن فلسطين، ومركز الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري، ولجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (الإسكوا)، وويش دين، وبتسيلم، وكذلك عقود من العمل الفكري الفلسطيني والمناصرة.
يعكس عنوان تقرير هيومن رايتس ووتش “تجاوزوا الحد”،بحسب عريقات، أن إسرائيل قد أزالت سياسة الإنكار لنواياها في أن تظل هي صاحبة السيادة الوحيدة، وفي أفضل الأحوال، تقدم للفلسطينيين الفرصة لحكم أنفسهم في مناطق الحكم الذاتي – بما يعادل المحميات [للسكان الأصليين] في أميركا الشمالية والجنوبية، وأوطان السود في جنوب أفريقيا، وقد أدينت الأخيرة لكونها أداه للحفاظ على “هيمنة الأقلية البيضاء وتجريد الشعب الأفريقي في جنوب إفريقيا من حقوقه غير القابلة للتصرف” في عام 1976.
وتضيف عريقات بأنه وعلى الرغم من هذا التقارب التحليلي الظاهري، لا يزال هناك خلاف كبير بين الأفراد والمنظمات الذين يتفقون على أن إسرائيل تشرف على نظام فصل عنصري. فمن ناحية، تجادل منظمات مثل هيومن رايتس ووتش بأن إسرائيل أصبحت نظام فصل عنصري فقط نتيجة لفشلها في الإنسحاب إلى حدود 1967 مع تعديلات طفيفة على الحدود والإعتراف بدولة فلسطينية ذات سيادة. في ظل هذه القراءة، تطورت إسرائيل إلى إنحراف وحشي، مثل فرانكشتاين، بعيدًا عن الرؤية الحقيقية للصهيونية. تُشرف إسرائيل الآن على نظام تمييزي يرقى إلى مستوى الفصل العنصري، نتيجة لتطور تاريخي. من ناحية أخرى، هناك فهم تقليديّ سائد بين المثقفين الفلسطينيين والمنظمات الفلسطينية الذين فهموا الصهيونية كمشروع استيطاني استعماري قائم على القضاء على الفلسطينيين، وبالتالي كهيكل عنصري منذ بدايتها. ضمن هذا الفهم التقليدي، لم يكن لإنشاء دولة فلسطينية القدرة على إعادة تأهيل الصهيونية من طابعها العنصري، لكنها بدلاً من ذلك قدمت للفلسطينيين طريقًا مُخففًا من تقرير المصير والذي كان من شأنه أن يوقف التهجير المستمر للفلسطينيين ونزع ملكيتهم. إن منع قيام دولة فلسطينية ليس نهاية لحلم وطني، بقدر ما هو استمرار لنضال وطني.
ثم تبحث عريقات في الفهم التقليديّ الفلسطيني السائد، أولاً من خلال تسليط الضوء على فكر النخبة الفلسطينيّة حول الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري. وتراجع أيضًا التحليل القانوني الذي يقوم عليه نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، والذي يعكس أيديولوجيته الصهيونية بدلاً من نتيجة مشروع سياسي فاشل لإقامة دولة فلسطينية. بعد ذلك تستعرض كيف تُفهم الصهيونية بشكل أفضل على أنها نظير سياسي وفكري للفصل العنصري من أجل التأكيد على أن إسرائيل لم تصبح نظامًا تمييزيًا، ولكن تم تعريفها أساساً بمثل هذا التمييز. ومن ثم يختم المقال بأفكار حول المسؤولية الدولية لإنهاء الفصل العنصري في عصرنا هذا.
النظرية العرقية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني
تشير عريقات إلى أن الباحث الفلسطيني فايز صايغ طوّر في عام 1965 نظرية عرقية عن الإستعمار الاستيطاني الصهيوني. وتشير هذه النظرية إلى أن العنصرية تستخدم كأداه لبناء دولة تقوم على الإزالة والمحو القانوني للشعب الفلسطيني، ويوضح صايغ أنه يجب فهم الإستعمار الصهيوني على أنه “تصفية عنصرية” وبالتالي يختلف عن تلك المشاريع الاستعمارية الأوروبية المحددة بالهيمنة العرقية في المقام الأول.
يتابع صايغ أن الاعتقاد بأن اليهود يشكلون عرقًا وشعبًا منفردًا، بغض النظر عن التقوى الدينية أو الهوية الدينية، ينتج “ثلاث نتائج طبيعية: الفصل العنصري الذاتي، التفرد العنصري، التفوق العنصري“. يعلق صايغ قائلاً “المستوطن الصهيوني تعلم كل الدروس التي يمكن أن يتعلمها من الأنظمة التمييزية المختلفة للدول الاستيطانية البيضاء في آسيا وإفريقيا”، مما يدل على قدرته على تجاوز أساتذته “لأنه، في حين أن رسل الفصل العنصري الأفريكانيين في جنوب أفريقيا يعلنون بوقاحة خطيئتهم، يحتج الصهاينة الممارسون للفصل العنصري في فلسطين بشكل خادع على براءتهم!”.
في غضون عقد من الزمن، قاد صايغ جهود الأمم المتحدة لتعديل “عقد منهاضة العنصرية” لإدخال كلمة “الصهيونية” حيثما ظهر الفصل العنصري والاستعمار والتمييز العنصري في النص. وتوجت جهوده بصدور قرار الجمعية العامة للأم المتحددة رقم 3379 الذي يدين الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري في عام 1975م. وافقت منظمة التحرير الفلسطينية عام 1991 على عملية لإلغاء القرار [رقم 3379] داخل الجمعية العامة للأمم المتحدة كشرط لدخول في محادثات مدريد وأوسلو للسلام. وتُفهم إتفاقيات أوسلو التي نتجت عن تلك المحادثات بشكل أفضل على أنها نموذج للسيادة المعزولة التي تدعم الادعاءات المعاصرة للفصل العنصري الإسرائيلي، بدلا من خارطة الطريق للدولة الفلسطينية.
إلغاء القرار 3379، بالتزامن مع عملية أوسلو، نجحا في حجب بنية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني والتفوق اليهودي
وترى عريقات أن إلغاء القرار 3379، بالتزامن مع عملية أوسلو، نجحا في حجب بنية الاستعمار الاستيطاني الصهيوني والتفوق اليهودي. كما أن إطار عملية السلام خلق تكافؤًا زائفًا بين دولة تعمل بالطاقة النووية وأشخاص عديمي الجنسية بدون جيش رسمي أو حتى مطار، ويجب على رئيسهم الصوري الحصول على إذن من الحكومة الإسرائيلية للسفر إلى الخارج.
في حين أوضح القرار رقم 3379 أن الترياق المناسب للصراع الاستعماري كان تفكيك نظام إسرائيل العنصري، والذي يتميز بتكتيكات العزلة والعقوبات والضغوط من جانب دول طرف ثالث، فإن إطار أوسلو قد طالب بتسوية مماثلة من جانب طرفين غير متكافئين، وتجاهل عناصر القوة الفعلية واختلال توزيعها. علاوة عن ذلك، أضفت أوسلو الطابع الرسمي على الانقسامات الجغرافية والقانونية التي قسمت الشعب الفلسطيني إلى كيانات متباينة مثل المدنيين المحاصرين الذين يتعرضون للقصف في قطاع غزة، والشعب المُحتل في الضفة الغربية، والمواطنين من الدرجة الثانية داخل إسرائيل، ولاجئي المنفى القسري حول العالم. انتفاضة الوحدة التي اندلعت مؤخرًا تغلبت بقوة على الانقسامات التي فرضتها إسرائيل وأظهرت الطبيعة الشمولية للنضال الوطني الفلسطيني من أجل التحرير مرة أخرى.
وقد أدى هذا التشرذم أيضًا، بحسب عريقات، إلى تعتيم سلطة إسرائيل الحصرية على جميع الأراضي والشعوب الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، مما يدل على إشرافها على نظام قانوني واحد يرقى إلى الفصل العنصري. تنتهج إسرائيل، بحسب عريقات، مشروعًا إستعماريًا إستيطانيًا عبر هذه الجغرافيا وعلى حياة كل الفلسطينيين بغض النظر عن وضعهم القانوني. والغرض من هذا النهج هو الحصول على أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد من الفلسطينيين وتركيز أكبر عدد من الفلسطينيين على أقل مساحة من الأرض.
تحقق إسرائيل طموحاتها الإستيطانية من خلال القانون المدني في إسرائيل، والقانون العسكري في الضفة الغربية، والقانون الإداري في القدس الشرقية، والحرب الممنهجة ضد غزة. وينطبق هذا على بدو صحراء النقب، حيث تسعى الدولة الإسرائيلية إلى اقتلاع حوالي 70,000 مواطن بدوي فلسطيني في إسرائيل لنقلهم قسراً إلى بلدات حضرية مجزأة، كما هو الحال في الضفة الغربية، حيث تم إبعاد الفلسطينيين بشكل مطرد من المنطقة ج وتركيزهم في المنطقة أ – وهذه تقسيمات إدارية وقضائية أنشأتها اتفاقية أوسلو الثانية عام 1995 (تلميح غير سلس بأن أوسلو جزء من المشكلة). وعلى الرغم من التنوع في الأطر القانونية، لكن يمكن إجمالها بأن إسرائيل ترتكب “أعمالًا غير إنسانية… بغرض ترسيخ سيطرة [المواطنين اليهود] على [الفلسطينيين] والحفاظ على هذه السيطرة وقمع الفلسطينيين بشكل منهجي” باسم إقامة السيادة الصهيونية الاستيطانية المكانية والزمانية دون انقطاع. الفصل العنصري هو نتيجة لكل من الاستعمار الاستيطاني الصهيوني الذي يسهّل إزالة الفلسطينيين وتوطين المستوطنين، إضافة إلى النظام القانوني لتوطيد عمليات الاستيلاء على الأراضي.
التشريح القانوني للفصل العنصري الإسرائيلي
يقوم نظام الفصل العنصري في إسرائيل، بحسب ما تشير عريقات، على تشعب الجنسية اليهودية والمواطنة الإسرائيلية، إذ أنه لا يوجد شيء اسمه مواطن إسرائيلي. يعرّف قانون العودة (1950) المواطن اليهودي بأنه شخص مولود من أم يهودية أو تحول إلى اليهودية ولا ينتمي إلى أي دين آخر. قام قانون العودة الإسرائيلي بتدويل الجنسية الإسرائيلية مع حقوق حصرية لليهود لدخول إسرائيل والحصول على الجنسية والاستيطان في أي مكان داخل الولاية القضائية الإسرائيلية، بما في ذلك مستوطنات الضفة الغربية.
يمنح الإطار القانوني للجنسية اليهودية بشكل فعّال الأشخاص اليهود في أي مكان في العالم حقوقًا أكثر من الفلسطينيين الذين سبق وجودهم إنشاء إسرائيل، بما في ذلك أولئك الذين لم يتم نفيهم وأصبحوا مواطنين في الدولة. قانون الجنسية (1952)، والذي هو عبارة عن قانون مواطنة لأنه يمنح المواطنة التلقائية للمواطنين اليهود، بينما يحرم المواطنة وحقوق الإقامة للفلسطينيين الذين تم طردهم، وألغى أمر المواطنة الفلسطيني (1925) وأدى إلى تجريد جميع السكان الفلسطينيين من الجنسية بحكم الأمر الواقع. وقد أدى ذلك إلى جعل اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من منازلهم في حرب عام 1948 وكذلك أولئك المقيمين في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة بلا جنسية.
أنشأ كلا القانونين، قانون العودة وقانون الجنسية، معاً نظامًا متدرجًا يميز بين السكان اليهود في إسرائيل “الرعايا والمواطنين” وبين السكان الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين “المواطنين فقط”. سهّل هذ التمييز تدفق الامتيازات – من إقامة ومواطنة وملكية الأراضي وحرية التنقل والحق في مغادرة البلاد والعودة إليها – حصريًا للرعايا اليهود عبر منطقة جغرافية واحدة في جميع أنحاء فلسطين التاريخية.
قام مركز عدالة، المركز القانوني لحقوق الأقلية العرب في إسرائيل، بإنشاء قاعدة بيانات مُحدثة باستمرار للقوانين -ويبلغ مجموعها حاليًا 65 قانون- التي تميز ضد الفلسطينيين على أساس الإنتماء القومي. يمكّن النظام الثنائي لإسرائيل الدولة من تحقيق هدفها المعلن والمتمثل في الحفاظ على أغلبية يهودية كبيرة، حتى في مواجهة النمو السكاني الطبيعي. على وجه الخصوص، يسهّل هذا التشعب سياسة النقل القسري للسكان.وأبرز ركائز تلك السياسة هو إنكار إسرائيل حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة إلى ديارهم وأراضهيم، والذين يبلغ عددهم الإجمالي حوالي 5.7 مليون، لأنها تعتبره تهديدًا وجوديًا للبلاد. وتتضمن القوانين الأخرى: حظر لم شمل الأسرة (2003)، وقانون لجان القبول (2011)، وتعديل 2010 لسلطة تطوير النقب، وقانون إدارة الأراضي الإسرائيلية لعام 2009. النقل القسري للسكان، إلى جانب السياسات التمييزية الأخرى والمستندة إلى الحق الحصري في الجنسية اليهودية والذي ينتهك المادتين 2 (ج) و 2 (د) من اتفاقية الفصل العنصري.
في عام 2012، قدم مركز بديل لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين الفلسطينيين هذا التحليل القانوني إلى لجنة القضاء على جميع أشكال التمييز العنصري (CERD). خلصت لجنة القضاء على التمييز العنصري إلى أن إسرائيل تنتهك المادة 3 من الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي تدين “العزل العنصري والفصل العنصري”، على الرغم من أنها لم تسمِّها بدولة فصل عنصري “أبرتهايد”، مما يدل على أحد مواقع الانقسام بين مناصري القانون الفلسطينيين والمؤسسات المتعاطفة ولكن المتحفظة.
الصهيونية والفصل العنصري: هذه ليست مقارنة
ترى عريقات بأن السيادة اليهودية ليست سمة غير مقصودة للسياسيين المتشددين – وإنما هي سمة تأسيسية للمشروع الصهيوني عبر الأطياف السياسية الإسرائيلية. كان أفضل من وصف هذا الوضع هو رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بينيامين نتنياهو، عندما أوضح أن إسرائيل هي “دولة قومية ليست لجميع مواطنيها، ولكن للشعب اليهودي فقط”. لا يوجد قانون إسرائيلي يضمن المساواة، وقد أوضح الكنيست الإسرائيلي ذلك بوضوح عام 2018 من خلال تمريره لقانون الدولة القومية الذي أعلن أن لليهود فقط الحق في تقرير المصير، وأعلن أن الاستيطان اليهودي في جميع أنحاء الأرض هو التزام دستوري. ومع ذلك، ينكر المعارضون انتشار الفصل العنصري الإسرائيلي من خلال التأكيد على تمييزه عن الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. وذلك من خلال تسليط الضوء على غياب الطبقة الحاكمة البيضاء، بالإضافة إلى الفهم الاستثنائي للسيادة اليهودية في إسرائيل على أنها مظهر من مظاهر نضال التحرير الوطني الناجح.
يوضح السياق التاريخي أن القضية ليست ما إذا كانت إسرائيل مثل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ولكن أن الصهيونية والفصل العنصري هما شريكان سياسيان وأيدولوجيان في بدايتهما
وبصرف النظر عن حقيقة أن أي مقارنة من هذا القبيل هي ليست ذات صلة فيما يتعلق بقابلية تطبيق إتفاقية الفصل العنصري – خلُصَت لجنة القضاء على التمييز العنصري إلى هذا عندما وجدت أن الفصل العنصري ليس خاصًا بجنوب إفريقيا ولكنه ينطبق على “جميع أشكال الفصل العنصري في جميع البلدان” – يوضح السياق التاريخي أن القضية ليست ما إذا كانت إسرائيل مثل نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا ولكن أن الصهيونية والفصل العنصري هما شريكان سياسيان وأيدولوجيان في بدايتهما، وكذلك في تحالفهما الاستراتيجي التاريخي.
وتؤكد عريقات على أن العلاقة بين الصهيونية والفصل العنصري تعكس، جزئيًا، أصولهما المشتركة داخل بوتقة الإمبراطورية البريطانية. يسلط ريتشارد ب. ستيفنز الضوء على أن مجموعة من السياسيين المسؤولين عن التبني الناجح لوعد بلفور الذي نص على فلسطين كموقع للاستيطان اليهودي عام 1917، وهُم اللورد بلفور، واللورد ميلنر، وجوزيف تشامبرلين، والجنرال جان سموتس، واللورد سيلبورن، وكانوا كذلك أيضًا يلعبون دوراً مركزيًا في إقرار قانون الإتحاد الجنوب أفريقي عام 1909. في صميم كلتا المبادرتين، كان النهوض بالمصالح الإمبريالية الغربية في القارة الأفريقية وكذلك في الشرق الأوسط.
لقد فهم القادة الصهاينة الأوروبيون، مثل حاييم وايزمان وثيودور هرتزل، هذا جيدًا، حيث ناشدوا القادة الأتراك والبريطانيين والألمان من أجل الحق في الاستقرار في فلسطين بحجة أن الاستيطان في فلسطين “… سيشكل جزءاً من حصن أوروبا ضد آسيا، بؤرة حضارية في مقابل البربرية“. ناشد هرتزل في نقاشه مع سيسيل رودس، سيئ السمعة لاستعماره لأراضي جنوب غرب أفريقيا والذي حلم بتحقيق “أفريقيا بيضاء بالكامل“، ما يلي:
“أنت مدعو للمساعدة في صنع تاريخ.. لا يشمل أفريقيا، بل جزء من آسيا الصغرى؛ ليس الإنجليز، ولكن اليهود. كيف، إذن، اتوجه إليك لأن هذا الأمر بعيد المنال بالنسبة لك؟ كيف حقًا؟ لأنه شيء إستعماري”.
علاوة على ذلك، كما أوضح روبن دي جي كيلي من بين عدة نقاط أخرى، كان الفصل العنصري في جنوب إفريقيا في الأساس مشروعًا استعماريًا إستيطانيًا عازمًا على إزالة الأفارقة السود، وإن كان داخِليًا على عكس التهجير الخارجي الذي تميّز بتهجير الفلسطينيين، ومصادرة أراضيهم، وتركيزهم في مناطق صغيرة والمعروفة بإسم البانتوستانات، وإستبدال سيادتهم الأصلية بالسيادة الأفريكانية.
كان الفصل العنصري الأفريقي أكثر بكثير من مجرد مشروع التفوق الأبيض الذي نتذكره من أجله، كما أن مؤيديه فهموه أيضًا على انه حركة لتقرير المصير الأفريكاني ضد الاضطهاد البريطاني على أرض بلا شعب – وهذا يعني أنه لا يوجد شعب قانوني معترف به يتمتع بالحق في تقرير المصير.
يجادل الصهاينة، بحسب عريقات، بأن الصهيونية هي أيضًا مشروع قومي لتقرير المصير اليهودي. ومع ذلك، وكما أوضح عابدين جبارة 1979، لا يوجد سوى قاعدة واحدة غير مشروطة مرتبطة بحق التحرر الوطني، وهي أنه لا يجوز لأي إنسان أو شعب أن يحقق التحرر الوطني على حساب شعب آخر. وبالنظر إلى هذه الحقيقة، فإن أي حركة تسعى إلى حل المشكلة القومية لشعب على حساب شعب آخر، بما في ذلك الحركة الصهيونية، لا يجوز تسميتها على أنها حركة تحرر وطني.
عندما ثار العالم الثالث ضد الهيمنة الإمبريالية خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، رفضت الشعوب المحررة حديثًا وحركات التحرر الوطني الحجج الإسرائيلية بأن سيادة المستوطنين الصهيونيين تمثل حق تقرير المصير لليهود. وينطبق هذا بشكل خاص في أعقاب حرب عام 1967 عندما سيطرت إسرائيل على سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية والضفة الغربية وقطاع غزة مما جعلها قوة إمبريالية. في هذا السياق، إنحازت إسرائيل إلى الأنظمة العنصرية والقوى الاستعمارية ضد حركات التحرر في العالم الثالث، والتي كان النضال من أجر تحرير فلسطين محوريًا فيها.
وتضيف عريقات بأنه وبينما تحرك المجتمع الدولي (ببطء وبشكل متأخر) لعزل نظام جنوب إفريقيا، حافظت إسرائيل على اقتصاد الفصل العنصري من خلال تطوير صناعة أسلحة قوية. إعتبرت حكومة جنوب إفريقيا إسرائيل كدولة شقيقة تحت الحصار “تقع في عالم يغلب عليه الطابع العدائي وتسكنه شعوب مظلمة“.
في عام 1973، أدانت الجمعية العامة للأمم المتحدة “التحالف غير المقدس بين الاستعمار البرتغالي والعنصرية في جنوب إفريقيا والصهيونية والإمبريالية الإسرائيلية“. بعد ذلك بعامين، أدانت الأمم المتحدة الصهيونية كشكل من أشكال العنصرية والتمييز العنصري في القرار رقم 3379 والذي وضعها بشكل مباشر في جدول أعمال عقد مناهضة العنصرية الذي تم تصميمه في الأصل لتفكيك الفصل العنصري الأفريقي. وقد حقق المجتمع الدولي هذا التفويض في غضون عقدين من الزمن في القارة الأفريقية. وفي تلك اللحظة بالذات من تحرير جنوب أفريقيا وناميبيا، وجد الاستعمار الاستيطاني الصهيوني والفصل العنصري شريان حياة جديد في “عملية السلام” في أوسلو.
المسؤولية الدولية لإنهاء الفصل العنصري الإسرائيلي: مسألة وقت
تشير عريقات هنا إلى أن إسرائيل نجحت في استخدام القشرة الليبرالية أو صنع السلام لتوسيع وترسيخ مشروعها الاستيطاني الاستعماري. وزاد عدد سكانها من المستوطنين من 200,000 إلى ما يقارب 600,000 في الضفة الغربية. يقسم مشروعها الاستيطاني الضفة الغربية إلى أكثر من عشرين منطقة غير متجاورة. وقد أقامت إسرائيل جدار ضم يمتد بشكل أساسي عبر الضفة الغربية ويصادر ثلاثة عشر بالمائة أخرى من أراضي الضفة الغربية. كما وتشرف على الضم الفعلي للمنطقة (ج) – أو 60% من الضفة الغربية – وقد ذكرت نوايا صريحة للضم بحكم القانون.
أعلنت إسرائيل سيادتها على القدس الشرقية، وحظرت سفر الفلسطينيين ووجودهم بين الضفة الغربية وغزة، وحاصرت 2 مليون شخص في غزة، وتواصل سياسة التهجير القسري للسكان لإضعاف التمساك الوطني الفلسطيني والحفاظ على الأغلبية القومية اليهودية. في حين أن الفلسطينيين لطالما نظّروا، وعلّموا، وأظهروا هذه النتيجة على انها النهاية المنطقية للصهيونية السياسية، وجدت الآن هذه الظروف التي تجعلها واضحة بشكل لا يمكن إنكاره.
وترى عريقات أن الخلاف في عام 2021 ليس إذا ما كانت إسرائيل تشرف على نظام فصل عنصري ولكن ما إذا كان المجتمع الدولي على استعداد للاعتراف بذلك وتحمل المسؤولية وتفكيكه. ويعكس الرفض العنيد للاعتراف بأن إسرائيل تشرف على نظام فصل عنصري التزامًا بالسيادة الصهيونية الإحلالية كحل أمثل لمكافحة كره اليهود، وكذلك توقعًا صريحًا في الغالب بأن حياة الفلسطينيين قابلة للاستهلاك وأنه لا بأس بأن تكون كلفة لذلك المسعى. بينما واصل الفلسطينييون إثبات أن مستقبلاً خالياً من الاستعمار تكون فلسطين به دولة لجميع مواطنيها يعزز بشكل متبادل الحياة اليهودية ويؤكد الانتماء اليهودي في فلسطين التاريخية – فقط ليس كأسيادهم. حتى هذه الرؤى التقدمية تم تشهريها باعتبراها معادية للسامية مما يدل على التسليح المنحرف لمعاداه السامية لحماية إسرائيل من المساءلة بدلاً من حماية اليهود من العنف والتمييز العنصري.
الخلاف في عام 2021 ليس إذا ما كانت إسرائيل تشرف على نظام فصل عنصري ولكن ما إذا كان المجتمع الدولي على استعداد للاعتراف بذلك وتحمل المسؤولية وتفكيكه
مع ذلك، تضيف عريقات، بدأت علامات الفشل بالظهور في الولايات المتحدة الأمريكية، التي لا تزال الراعي الأساسي لإسرائيل للدعم الإقتصادي والعسكري والدبلوماسي، وأصبحت الحرية الفلسطينية محور للسياسة التقدمية على نحو متزايد. وأدت التجديدات المعاصرة للتضامن الأسود-الفلسطيني إلى تسريع هذا الاتجاه مؤخرًا.
تشير إستطلاعات الرأي إلى أن دعم إسرائيل سيصبح بشكل متزايد جزءاً من الخطاب المحافظ فقط. ووفقًا لاستطلاع بيو للأبحاث (Pew Research) لعام 2016، تضاعفت حصة الديموقراطيين الليبراليين الذين يتعاطفون مع الفلسطينيين منذ عام 2014. هذه هي المرة الأولى التي يتعاطف الديمقراطيون الليبراليون مع الفلسطينيين أكثر من تعاطفهم مع إسرائيل. والدعم لإسرائيل هو الأقل بين جيل الألفية الذي يظهر وجود فجوة بين الأجيال. وكذلك حقيقة أن السفير الإسرائيلي السابق في الولايات المتحدة الأمريكية، رون ديرمير، شجع إسرائيل مؤخرًا على التركيز على المسيحيين الإنجيليين الذين، في تقديره، هم أكثر تعاطفًا مع إسرائيل من اليهود الأمريكيين.
تختم عريقات بالقول بأنه يمكننا الاستمرار في مناقشة الأسئلة القانونية في أروقة الأكاديميا وإنتاج المزيد من التقارير المرقمة في مئات الصفحات التي تثبت التمييز المنهجي الذي يهدف إلى الحفاظ على تفوق فئة عرقية واحدة على أخرى في الأمم المتحدة. لكن الحقائق على الأرض وقوة الرواية الفلسطينية هي التي ستفرض في النهاية تحولًا نموذجيًا. أدت انتفاضة الوحدة الأخيرة والمستمرة إلى تقدم كبير في هذا الجهد، كما يتضح من أعضاء الكونجرس الأمريكي الذين أدانوا الفصل العنصري في مجلس النواب واعترضوا على تحويل 750 مليون دولار من الدعم العسكري لإسرائيل بالإضافة إلى “أكثر من 300 قسم وبرنامج، ومركز ونقابة وجمعية أكاديمية عالمية الذين يؤيدون الحقوق الفلسطينية.
إن تحمل المسؤولية الدولية لإنهاء الفصل العنصري الإسرائيلي يعني ممارسة الضغط اللازم لتفكيكه. في غضون ذلك، سيستمر الفلسطينيون في النضال من أجل حريتهم كما فعلوا لأكثر من مائة عام على أمل وإيمان بأن بإمكانهم تمهيد الطريق لمستقبل أفضل بكثير للتحرر المشترك من تلك التي قدمتها برامج السيادة الحصرية والسيطرة الدائمة.
* لا تتحمل القانون من أجل فلسطين أية مسؤولية عن محتوى المقالات المنشورة في موقعها. تعبر المقالات عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء المنظمة. تتعهد القانون من أجل فلسطين بإتاحة المجال، دائما، لكل الكتّاب ولتبادل وجهات النظر وإثراء النقاش من كافة الأطراف على قاعدة الاحترام المتبادل.
** هذا المقال هو جزء من سلسلة مقالات كانت نشرتها مدونة المجلة الأوروبية للقانون الدولي EJIL TALK باللغة الإنجليزية، حول تقرير “هيومن رايتس ووتش” بخصوص اتهامات الفصل العنصري الموجهة إلى إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ( فلسطين ) وضمن حدودها. قمنا في منظمة القانون من أجل فلسطين بترجمة أهم الأفكار التي وردت في السلسلة كاملة، ويسعدنا تقديمها للقرّاء العرب لما تحتويه من حجج قانونية مساندة وأخرى معارضة للتقرير، إلى جانب رد منظمة هيومن رايتس ووتش نفسها على هذه الحجج. للاطلاع على المقالات الآخرى المترجَمة ضمن هذه السلسلة، انظر أدناه