مقال مترجَم: لا تُضَلل بتلاعبها على القانون : إسرائيل تضم الضفة الغربية
لغة المقال الأصلي: الإنجليزية.
عنوان المقال بالإنجليزية:
Israel is Annexing the West Bank. Don’t be Misled by its Gaslighting
بقلم كل من: تمار مجيدو، رونيت ليفين شنور، و ياعيل بيردا
المصدر الأصلي للمقال بالإنجليزية: هنا
ترجمته للعربية: مي شاهين
مراجعة: إحسان عادل
حدث في ديسمبر الماضي تطوران متوازريان ويبدوا أنهما محكومان بالتصادم في المستقبل القريب. التطور الأول كان قد حدث في 29 ديسمبر\ كانون الأول 2022، وهو تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، والتي تنص وثائق تأسيسها بشكل صريح على أن للشعب اليهودي “حقًا حصريًا لا جدال فيه في جميع أجزاء أرض إسرائيل” (والتي ووفقًا للتقاليد اليهودية هي ]أرض إسرائيل[ وعد الله للشعب اليهودي، وتشمل “يهودا والسامرة”، أو الضفة الغربية). كما وأعلنوا كذلك أن السيادة الإسرائيلية ستطبق على الضفة الغربية والتي تسيطر عليها إسرائيل منذ عام 1967، لكنهم يؤجلون توقيت هذا التطبيق إلى لحظة تتوافق مع “المصالح الوطنية والدولية لدولة إسرائيل” (إطلع باللغة العبرية هنا و هنا). وبأثر فوري وفي ذات الوقت، قررت الحكومة إجراء تغييرات على إدارتها وتنظيمها في الضفة الغربية، والتي وفقًا لتحليلنا، تعكس الضم بالكامل ما عدا الإسم. وبحسب الأخبار في إسرائيل، فإن هذا هو تحليل حكومة الولايات المتحدة أيضا.
أما التطور الثاني والذي حدث بتاريخ 30 ديسمبر\ كانون الأول 2022، فقد قررت الجمعية العامة للأمم المتحدة إحالة طلب إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي إستشاري بشأن الوضع القانوني وعواقب سيطرة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية. لطالما اتُهمت إسرائيل بضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع، كما بُيّن في المخاوف التي أثارتها محكمة العدل الدولية في رأيها الإستشاري لعام 2004 بشأن العواقب القانونية للجدار الذي أقامته إسرائيل في الأراضي الفلسطينية (إطلع، على سبيل المثال، إلى الفقرة 121). بالإضافة إلى ذلك، اقترح باحثون (إطلع هنا وهنا) وأيضًا مؤخرًا لجنة تحقيق دولية مستقلة عينتها الأمم المتحدة أن الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية أصبح غير قانوني. كلتا المحاججتين تعانيان من نقطة ضعف مشترك. حيث تهدفان إلى إثارة العواقب القانونية المرتبطة بالضم دون النجاح في إثبات أنه تم تنفيذه قانونيًا.
ومع ذلك، فإن الضم بحكم القانون Annexation de jure يتطلب إعلانًا رسميًا من الدولة التي تقوم به، كما اقتُرح منذ فترة طويلة. وعلى حد تعبير لجنة التحقيق المستقلة: “الضم بحكم القانون هو الامتداد الرسمي لسيادة دولة ما إلى إقليم معترف به بموجب قانونها المحلي …” (إطلع هنا، الفقرة 12) المشكلة مع هذا المعيار هو أنه يمنح إسرائيل غايتها. الضم هو شكل من أشكال العدوان، وانتهاك لحظر يمثل قاعدة آمرة، ويصنف على أنه جريمة دولية، ويؤدي إلى نشوء مسؤولية دولية، وليس هناك استحواذ على الأراضي أو أي ميزة خاصة ناتجة عن العدوان “معترف بها قانونيًا أو يجب الاعتراف بها على أنها قانونية”. لذلك نادرًا ما تتطوع الدول لتحريك عواقب تؤدي لتصنيفها على أنها معتدية.
إذاً كيف يمكن التعرف على الضم بحكم القانون؟ في “نظرية الضم” نقول إن التغييرات في الهيكل البيروقراطي والإداري يمكن أن تكون بمثابة دليل لتحديد السيادة والتغيرات في السيادة. في الواقع هذه الإستراتيجية لتحليل أوضاع السيادة المتنازع عليها أو الاستقلال المشكوك فيه ليست جديدة – فقد تم استخدامها في وقت مبكر من القرن التاسع عشر. حيث كان هذا هو الحال بشكل خاص في السياقات الاستعمارية، كما جادلت هانا أرندت في كتابها “حول العنف”، أن الحكم الاستعماري استخدم “البيروقراطية بدلاً من الحكومة”. أحد الأمثلة التي كانت فيها القدرات الإدارية والتنظيمية لإقليم ما مهمة هو الجهود المبذولة لتحديد ما إذا كانت منطقة ما مؤهلة باعتبار أنها “شبه سيادة quasi sovereign” وما يترتب على ذلك من تحديد مدى شرعية تدخّل إمبراطورية ما فيها. في هذا السياق، كما توضح لورين بنتون، اعتمد المسؤولون البريطانيون الذين احتاجوا إلى تحديد مستوى السيادة في بعض الأقاليم، على التغييرات التنظيمية والإدارية، من أجل القيام بمثل هذا التحديد.
وبالتالي، فإننا نجادل بأن ثلاثة مؤشرات يمكن أن تظهر تغييرًا في الوضع القانوني للأراضي، مما يدل على الضم بحكم القانون، حتى بدون إعلان رسمي: (1) التغييرات التي تم إجراؤها على الإطار المعياري التنظيمي الذي تدير به الدولة منطقة معينة (على سبيل المثال الانتقال من مجموعة من القوانين المعمول بها إلى أخرى)؛ (2) تغييرات في الهيكل التنظيمي للبيروقراطية؛ و (3) التحولات فيما يتعلق بالأداء الرمزي للسلطة. وتنطبق نظريتنا على المناطق الأخرى المتنازع عليها، وأولاً وقبل كل شيء، على أجزاء من أوكرانيا تحتلها روسيا.
في ضوء التطورات الأخيرة في السياق إلاسرائيلي والفلسطيني، تُظهر المؤشرات الثلاثة أن الضم يحدث بالفعل، حتى لو كانت إسرائيل تحاول التهرب من تداعياته من خلال تأجيل الإعلان عنه إلى لحظة أكثر ملاءمة. أولاً، تشير الوثائق التأسيسية للحكومة الجديدة إلى محور واضح ودراماتيكي في الإطار المعياري التنظيمي الذي تدير من خلاله المناطق: من تطبيق قانون الاحتلال إلى تطبيق القانون المحلي الإسرائيلي. أحد الأمثلة الواضحة على هذا التحول هو تغيير متفق عليه في قانون ملكية العدو والذي من شأنه أن “يفرج” عن ممتلكات في الضفة الغربية كانت تحت سيطرة الإسرائيليين قبل عام 1948 وإعادتها إلى أيديهم. يعكس هذا التغيير في السياسة القانونية تحركًا مماثلًا تم إجراؤه عند ضم القدس الشرقية في عام 1967 ويشير إلى عزم على انتهاء حالة الاحتلال المؤقتة واستيعاب المنطقة في النظام القانوني الإسرائيلي.
ثانيًا، وافقت الحكومة الجديدة على تنفيذ العديد من التغييرات الهيكلية المهمة. حيث سهّل التغيير الدستوري الذي تم إجراؤه تعيين وزير دفاع ثانٍ تولى مسؤولية الوحدات العسكرية التي تدير الحياة المدنية في الضفة الغربية: ما يشمل تنسيق أنشطة الحكومة في أراضي الضفة الغربية، والإدارة المدنية، وكذلك سلطة تعيين رؤسائهم. والأهم من ذلك، أن الوزير الجديد يعتبر نفسه ملتزمًا أولاً وقبل كل شيء بالنهوض بمصالح المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية، بدلاً من رفاهية السكان الفلسطينيين.
علاوة على ذلك، وافقت الحكومة على نقل صلاحيات المستشارين القانونيين لهذه الهيئات من الجيش – القيادة المركزية للجيش الإسرائيلي – إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية المدنية. الأهم من ذلك، طوال عقود من الحكم الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، كان هؤلاء المستشارون القانونيون مسؤولين عن ضمان أن إدارة الأراضي المحتلة تتم وفقًا للقانون الدولي للاحتلال.
ويقترن هذا التغيير بحقيقة أن الموقف القانوني لوزارة الدفاع بشأن القضايا التي يتم إثارتها أمام المحكمة العليا يتطلب موافقة الوزير، مما يقلل من السلطة التقديرية المهنية المستقلة لمحامي الحكومة. كما يجب تقييم هذا التغيير على ضوء خطة التحول الجذرية للحكومة لتقويض إلزامية آراء المستشارين القانونيين الحكوميين، وإلغاء المراجعة القضائية، والقضاء على الأساس الدستوري لحقوق الإنسان وتأكيد السلطة غير المقيدة التي ستسمح لها بترسيخ نفسها.
تنقل هذه التغييرات التنظيمية السلطة من القائد العسكري، المكلف بموجب قانون الاحتلال بحكم الأراضي المحتلة، إلى أيدي الحكومة المدنية لدولة الاحتلال. ومن ثم فهو بمثابة دليل قوي على التغيير في الوضع القانوني للضفة الغربية: من احتلال إلى ضم.
أخيرًا، يعكس نقل السلطة أيضًا تغييرًا في الأداء الرمزي للسلطة: من مستشارين قانونيين عسكريين يرتدون الزي العسكري ويجلسون في الضفة الغربية إلى محامين مدنيين يفترض أن يجلسوا في تل أبيب. من الانفتاح التاريخي على حل الدولتين، حيث تتعايش الدولة الفلسطينية جنبًا إلى جنب مع إسرائيل، وتخضع لمفاوضات الوضع النهائي – إلى الإعلان بأن الأرض بأكملها هي موضوع “حق حصري لا جدال فيه” لإسرائيل.
لذلك نستنتج أن إسرائيل تقوم حاليًا بإحداث تغييرات تعتبر ضمًا قانونيًا للضفة الغربية. ولا يمكن أن يؤدي اختلافه عن الإعلان الرسمي للضم إلى دحض هذا الاستنتاج؛ إنها محاولة بسيطة للتضليل والتلاعب على القانون.
ليس للضم أي أثر قانوني بموجب القانون الدولي، الذي يقرر أنه لاغ وباطل. وبالتالي، لا تزال المنطقة المضمومة تعتبر محتلة، ولا يزال المحتل مطالبًا قانونًا بدعم قانون الاحتلال والالتزام به. ومع ذلك، وفيما يتعلق بالمنظور الداخلي لإسرائيل، فإن إحدى نتائج الضم هي أنه لم يعد هناك مبرر لتطبيق أنظمة قانونية مختلفة على الإسرائيليين والفلسطينيين في الضفة الغربية. في حين أن قانون الاحتلال يتطلب من إسرائيل التمسك بالقانون الذي كان ساري المفعول سابقاً في المناطق، ” إلا في حالات الضرورة القصوى”، فإن الابتعاد عن هذا الإطار القانوني يلغي شرعية تطبيق قوانين مختلفة على مناطق وشعوب مختلفة. وبالتالي، يمكن القول إن عملية الضم تشكل فرضًا لنظام مؤسسي للقمع المنهجي والسيطرة من قبل مجموعة عرقية على أخرى، بهدف الحفاظ على هذا النظام، المعروف أيضًا باسم الفصل العنصري.
كما يشير الغزو الروسي للأراضي الأوكرانية منذ عام 2014، فإن الدول مترددة في الإعلان رسميًا عن قيامها بضم أراضي – أو حتى أنها تخوض حربًا، وذلك لأسباب دبلوماسية واستراتيجية متنوعة. فضلت روسيا توصيف عدوانها على أنه دفاع جماعي عن النفس، وضمها على أنه تحقيق للأفضليات المحلية كما تم التعبير عنها في الاستفتاءات. كانت إحدى الخطوات الحاسمة لميثاق الأمم المتحدة نحو السلام والأمن الدوليين هي التخلي عن مطلب إعلان رسمي للحرب والتحول إلى النظر في الحقائق على الأرض: ما إذا كانت الدولة تستخدم القوة في علاقاتها الدولية. لكي يأخذ فاعليته، فإن تعريف الضم يجب أن يتخذ خطوة مماثلة: من شرط الإعلان الرسمي للضم إلى النظر في الحقائق على الأرض: ما إذا كانت الدولة قد غيرت الإطار المعياري الذي تدير به الإقليم، وما إذا كانت قد أجرت تغييرات تنظيمية لهذا الغرض، وما إذا كان أداؤها الرمزي للسلطة قد تغير.