عن الصراع القانوني الذي تواجهه فلسطين في أمريكا: قرار المحكمة الاتحادية الأمريكية يبيّن حدود الحرب القانونية المناهضة للفلسطينيين
لغة المقال الأصلي: الإنجليزية.
عنوان المقال بالإنجليزية:
Federal court ruling demonstrates limits of anti-Palestinian lawfare
الكاتب: عبد عواد، محامي فلسطيني أمريكي وأستاذ القانون في كلية رتجرز للحقوق – الولايات المتحدة وكاتب ومعلق في العديد من المواقع الدولية، بما في ذلك نيويورك تايمز وBBC وCNN.
المصدر الأصلي للمقال بالإنجليزية: هنا
ترجمته للعربية: آلاء ماضي
تحرير: هبة بعيرات
يبدأ المحامي الأمريكي وأستاذ القانون في جامعة رتجرز، عبد عواد، مقاله بالإشارة إلى أنه في 6 كانون الثاني (يناير) 2022، رفض قاضٍ في محكمة محلية أمريكية دعوى قضائية ضد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية كانت قد رفعتها عائلة آري فولد، وهو مواطن أمريكي-إسرائيلي مزدوج الجنسية قُتل عام 2018 على يد فلسطيني مراهق خارج بيت لحم في الضفة الغربية المحتلة1. تم رفع الدعوى بموجب قانون مكافحة الإرهاب [18 USC § 2331 وما يليها]، وقد زعمت العائلة أنه من خلال توفير مدفوعات مالية للرعاية الاجتماعية لصالح “عائلات الإرهابيين المتوفين” أو الإرهابيين المسجونين” الذين قَتلوا أو جرحوا أمريكيين”2 فإن كلاً من منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية تعدّان مسؤولتين عن مقتل “فولد” وبالتالي عن دفع تعويضات مالية لأسرته.
يبين عواد أن القاضي الذي نظر القضية رأى أنه بالرغم من أن الدعوى كانت “مقنعة أخلاقياً”، إلا أن المحكمة لم يكن لها اختصاص شخصي على منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية. ويعتبر قرار القاضي جيسي م. فورمان، وفقاً لعواد، مهمًا للغاية من ناحية نزاهته القانونية وذلك من خلال تطبيق سابقة دستورية ملزمة للإجراءات القانونية الواجبة التي تحكم الولاية القضائية الشخصية على المتهم الأجنبي، مثل منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. علاوة على ذلك، يرى عواد أن الحكم يوضح الطبيعة السياسية البحتة للدعوى القضائية المرفوعة، حيث تستخدم الجهات ذات المصالح القوية وذات الإمكانات المالية الكبيرة التقاضي كوسيلة لاستهداف الحالة المالية للسلطة الفلسطينية، بما في ذلك المساعدات الخارجية، من أجل التعجيل بانهيارها، فضلاً عن توضيحه لحدود هذا النوع من “الحرب القانونية “ضد السلطة الفلسطينية.
ملخص تشريعي وقضائي للدعوى ضد منظمة التحرير الفلسطينية
يبين عواد أن قضية فولد ليست المحاولة الأولى لمقاضاة منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في المحاكم الأمريكية. ففي عام 2011، في قضية سوكولوف ضد منظمة التحرير الفلسطينية3، وجدت المحكمة المحلية الأمريكية أن لها اختصاصًا شخصيًا على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية بموجب قانون مكافحة الإرهاب، مما أدى إلى اتخاذ هيئة المحلفين لحكم تعويضي بقيمة 655 مليون دولار. عند الاستئناف، أبطلت الدائرة الثانية الحكم، وخلصت إلى أن ممارسة المحكمة المحلية للاختصاص الشخصي قد انتهكت بند الإجراءات القانونية في دستور الولايات المتحدة (Due Process)4.
ويضيف أنه كما هو الحال في سوكولوف، وصلت ثلاث قضايا أخرى ضد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية إلى الدائرة القضائية للعاصمة الأمريكية. قضت دائرة العاصمة أن المحكمة الاتحادية تفتقر إلى الولاية القضائية على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. هذه القضايا هي على التوالي: قضية شاتسكي ضد منظمة التحرير الفلسطينية5؛ قضية كليمان ضد السلطة الفلسطينية6؛ و قضية ليفنات ضد السلطة الفلسطينية7.
يشير عواد إلى أنه ورداً على هذه القرارات، ضغط المدعون ومحاموهم بقوة على الكونغرس لتغيير القانون لتقنين الولاية القضائية الشخصية للولايات المتحدة على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. وقد تكلل هذا الضغط بالنجاح. ففي عام 2018، سن الكونغرس قانون توضيح مكافحة الإرهاب (ATCA)8، والذي بموجبه “يُعتبر المدعى عليه قد وافق على الاختصاص الشخصي. . . إذا قبل المدعى عليه أي شكل من أشكال المساعدة [من قِبل حكومة الولايات المتحدة]”؛ أو كان “يحتفظ” أو “يدير” “أي مكتب، أو مقر، أو أماكن عمل في الولايات المتحدة [باستثناء الأمم المتحدة].”
ويواصل أنه بعد فترة وجيزة من سن قانون توضيح مكافحة الإرهاب ATCA، طلب المدعون من الدائرة الثانية مراجعة الاختصاص في قضية سوكولوف على أساس أن قانون ATCA يوفر ولاية قضائية شخصية على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. رفضت الدائرة الثانية ودائرة العاصمة التماساتهم، ووجدتا أن المدعين قد أخفقوا في إثبات “أن محددات المسند الوقائعي للمادة 4 من ACTA قد تم استيفاؤها9.” رفع المدعون التماسًا إلى محكمة النقض العليا للمراجعة.
الكونغرس قام بسن قانون PSJTVA ليتناسب تماماً مع الحقائق الأساسية لجميع الدعاوى القضائية المرفوضة سابقًا ضد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية
يؤكد عواد أنه بينما كانت القضية معلقة، واصل المدعون ومحاموهم الضغط على الكونغرس لتعديل قانون مكافحة الإرهاب مرة أخرى، بهدف وضع استثناء للحصول على ولاية قضائية شخصية على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية. في 20 ديسمبر 2019، تدخّل الكونغرس مرة أخرى بإقرار قانون تعزيز الأمن والعدالة لضحايا الإرهاب (PSJVTA)10.
ويوضح أن الكونغرس قد قام بسن قانون PSJTVA ليتناسب تماماً مع الحقائق الأساسية لجميع الدعاوى القضائية المرفوضة سابقًا ضد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية11. وقد عدل تعريف “المدعى عليه” ليشمل صراحة السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية12 وتم تبني محددين واقعيين جديدين للسلوك الذي سيتم “اعتباره” موافقة على الاختصاص الشخصي: (الأول) إذا قام المدعى بالدفع، بشكل مباشر أو غير مباشر، لأي مستفيد (أو عائلة مستفيد) متورط في عمل إرهابي ضد أحد مواطني الولايات المتحدة؛ أو (الثاني) استمرار المدعى عليه في “الاحتفاظ” أو “تدبير” أي مكتب في الولايات المتحدة، أو “إجراء أي نشاط أثناء وجوده فعليًا في الولايات المتحدة نيابة عن منظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية”13.
يرى عواد أن القاضي فورمان، شدد في تحليله، على أن ما يشكل “موافقة” “من أجل استيفاء الإجراءات القانونية الواجبة Due Process، يجب أن يكون موافقة مُتَعمدة ومدروسة وعادلة”. بينما وضح أن “الموافقة الفعلية المنتزعة” و “الموافقة الضمنية غير الراغبة” ليستا من الإجراءات القانونية الواجبة.14 “وعلى هذا الأساس، خلصت المحكمة إلى أن “قانون PSJVTA لا ينص دستوريًا على اختصاص شخصي على المتهمين في هذه القضية”.
وفي تلخيص تحليل القاضي فورمان والذي يصفه عواد بال “صريح” يقول:
“في التحليل النهائي، لا تستطيع المحكمة الإذعان لخدعة الكونغرس التشريعية وممارسة الولاية القضائية على المدعى عليهم هنا وفقًا لقانون PSVJTA. إن علم المدعى عليه وموافقته الطوعية هي الأساس السليم لإخضاعه لسلطة المحكمة، ولكن لا يمكن للكونغرس أن يعلن ببساطة عن أي محددات يريدها لتعدّ موافقة. إن التمسك بغير ذلك من شأنه أن يسمح للخيال بالتفوق على الحقيقة ويمثل سخرية من بند الإجراءات القانونية الواجبة15.”
على الرغم مما ورد أعلاه، يرى عواد أن القاضي فورمان ترك الباب مفتوحًا لمزيد من التقاضي، مشيرًا إلى أن الدعاوي القضائية قد تدعي أن سلوكًا مستقبليًا معينًا لمنظمة التحرير الفلسطينية أو السلطة الفلسطينية قد يستوفي في الواقع شروط الاختصاص القضائي لـ PSVJTA. كما أن رفض قضية فولد كان بشكل غير نهائي، مما يعني أن للمدعين الحق في إعادة رفع دعواهم القضائية في المستقبل، بناءً على حقائق جديدة قد استجدت.
تعليق على القرار:
يلاحظ عواد أنه في 27 أبريل 2020، قامت محكمة النقض العليا بقبول الدعوى وألغت قرار سوكولوف وأعادته إلى الدائرة الثانية، لمزيد من الدراسة في ضوء قانونPSJVTA16. في مايو 2021 تقاعد قاضي المحكمة المحلية الأمريكية جورج بي دانيلز الذي نظر القضية سابقاً، والذي سبق أن وجد اختصاصًا شخصيًا بشأن منظمة التحرير الفلسطينية. ومع قرارات محاكم الدائرة المتعاقبة التي لم تجد أي ولاية قضائية على السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية، من غير المرجح أن يتغير هذا الاستنتاج في ضوء قانون PSVJTA. يعتبر رد القاضي فورمان لقضية فولد مؤشراً قويًا لهذا التوقع. مهما كان الأمر، فإن الكلمة الأخيرة لم تُقَل بعد فيما إذا كان بند “الموافقة التقديرية” الخاص بـ PSVJTA دستوريًا.
ويرى عواد أن الأساس القانوني وراء نجاح منظمة التحرير الفلسطينية برد الدعوى المرفوعة ضدها، والذي يتكئ على بند الإجراءات القانونية في دستور الولايات المتحدة، واضح وملزم قانونًا. ومع ذلك، اعتبر أعضاء الكونغرس وجماعات الضغط أن هذه القرارات مجرد ثغرات سمحت لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية بالإفلات من المساءلة عن دعمهما المزعوم للإرهابيين17. إذا نجح المدعون في المستقبل في تنحية عقود من فقه الاختصاص الشخصي الدستوري جانباً في سبيل ممارسة الولاية القضائية على منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية، فلا يزال يتعين على المدعين أن ينجحوا باثبات فحوى دعاواهم.
أما بشأن الأسس الموضوعية، فيشير عواد أنه يجب على المدعين إثبات السبب المباشر للوفاة. على سبيل المثال، قضت المحكمة المحلية في شاتسكي بأنه “لا يمكن لأي هيئة محلفين رشيدة أن تستنتج أن السلطة الفلسطينية تسببت بشكل مباشر في التفجير من خلال دفع [. . . ] راتب [إلى نقيب في قوات الأمن الفلسطينية قام بتجنيد انتحاري].18“
التقاضي ضد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية في أمريكا مدفوع بدوافع سياسية وممول تمويلًا جيدًا
ويتساءل عواد عما إذا كانت هيئة محلفين متعقلة ستخلص مستقبلاً إلى أن منظمة التحرير الفلسطينية تسببت في طعن فولد لأنها تقدم دعمًا اجتماعيًا مبنياً على الاحتياجات لعائلات الشهداء الفلسطينيين أو السجناء السياسيين؟ من الصعب التنبؤ بذلك لأن هيئات المحلفين معروفة بعدم تقيدها بتطبيق القانون بصرامة – وحكم هيئة محلفين سوكولوف هو خير مثال على ذلك.
يختم عواد مقاله بالتأكيد أنه لا جدال في أن التعديلات التي تم إجراؤها على ATA قد تم تصورها وصياغتها وتمريرها لتصبح قانونًا من أجل الالتفاف، وكما قال القاضي فورمان بتبصر، “للاستهزاء بـ” بند الإجراءات القانونية – والذي يعد جزءا من الركيزة الأساسية للدستور الأمريكي. مبيناً أنه حتى الآن انتصر الدستور؛ لكن إلى متى، سنرى ذلك في الفصل التالي من التقاضي المدفوع بدوافع سياسية والممول تمويلًا جيدًا ضد منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الفلسطينية.
________
الحواشي
- فولد ضد منظمة التحرير الفلسطينية 20-CV-3374 (JMF) (2022)
- المرجع السابق القسم 3 (رأي الأغلبية المنشور)
- 2011 WL 1345086، (D.N.Y. 30 مارس 2011)
- سوكولوف ضد منظمة التحرير الفلسطينية ، 2011 WL 1345086 ، (D.N.Y. 30 مارس 2011) ، الاسم الفرعي الذي تم استبداله: والدمان ضد منظمة التحرير الفلسطينية ، 835 F.3d 317 (2d Cir. 2016) (والدمان الأول).
- 955 3d 1016، 1036-37 (دائرة واشنطن دي سي عام 2020)
- 923 3d 1115، 1123-24 (دائرة واشنطن دي سي عام 2019)، تم قبول الدعوى
- 851 3d 45، 56-57 (دائرة واشنطن دي سي عام 2017)
- L. No. 115-253, § 4, 132 Stat. 3183, 3184 (adding 18 U.S.C. § 2334(e)).
- 923 F.3d at 1128.
- L. No. 116-94, div. J, tit. IX, § 903, 133 Stat. 3082
- على سبيل المثال، رأت المحكمة في شاتسكي أن “مدفوعات الشهداء” لا تمنح اختصاصًا محددًا على المدعى عليهم. بمعنى آخر، لا يمكن لـ PSJTVA التصريح بأن مثل هذا السلوك “يُعتبر” بمثابة موافقة. 955 3d في 1022-23، 1037
- 18 USCA § 2334(e)
- استبعد PSJVTA بعض الأنشطة والمواقع مثل أي مكتب يستخدم حصريًا لغرض إجراء الأعمال الرسمية للأمم المتحدة.
- نقلاً عن ليونارد ضد شركة نفط الولايات المتحدة.، 829 Supp. 882، 889 (S.D. Tex. 1993).
- فولد ضد منظمة التحرير الفلسطينية 20-CV-3374 (JMF) (2022)
- والدمان ضد منظمة التحرير الفلسطينية، 925 3d 570، 574 (2d Cir. 2019) (رأي بالإجماع) (“Waldman II”)، تم قبول الدعوى، الاسم الفرعي المبطل، سوكولوف ضد منظمة تحرير فلسطين 140 S. Ct. 2714 (2020).
- لورا كيلي، الكونغرس عازم على تمرير مشروع قانون لمساعدة ضحايا الإرهاب في الحصول على تعويض من السلطة الفلسطينية، الكونجرس (17 ديسمبر 2019) (“لقد عمل المشرعون في كل من مجلسي النواب والشيوخ لأكثر من عام لصياغة نص، وهو تعديل لقانون توضيح مكافحة الإرهاب (ATCA) … يهدف إلى سد الثغرات التي سمحت للسلطة الفلسطينية بتجنب دفع 655 مليون دولار لضحايا الأمريكيين للهجمات الإرهابية الفلسطينية.”).
- القضية المدنية رقم 02-2280 (RJL)، ص. 190؛ شاتسكي، 2017 WL 2666111، في * 6-10. “رائد نزال، نقيب في جهاز الأمن الوقائي الفلسطيني، أثناء ممارسته لوظيفته التي لا يحتاج فيها للحضور بطريقة تركته حراً في التخطيط لتفجير كارني شومرون وتجنيد الانتحاري”.
المحكمة الأمريكية الحرب للفلسطينيين