ندوة في مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة حول الدمار الذي لحق ب النساء و الأطفال بسبب حرب إسرائيل على غزة ، والحث على اتخاذ إجراءات من أجل حقوق الفلسطينيين
في 28 آذار/مارس 2024، استضافت جمعية المعونة لحقوق الإنسان والهجرة، ومنظمة المحامين الدولية، والقانون من أجل فلسطين، والمنظمة الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، ومركز جنيف الدولي للعدالة، حدثًا جانبيًا ضمن الدورة الخامسة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. استضافت الندوة كلا من د. فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، والسيدة رولا شديد، المدافعة عن حقوق الإنسان والقادمة إلى جنيف من فلسطين. وتناولت المتحدثان الدمار الذي أحدثته الحرب الإسرائيلية على غزة، وخاصة فيما يتعلق بتأثيرها الرهيب على النساء والأطفال. أدار الحدث السيد غوتييه بويري، أحد كبار مسؤولي حقوق الإنسان في مركز جنيف الدولي للعدالة.
مداخلة رولا شديد: فضح الواقع المأساوي واستنكار الصمت على معاناة المرأة الفلسطينية
بدأت مداخلة السيدة شديد بالاعتراف بالوفيات المأساوية التي راح ضحيتها 14880 طفلاً و9340 امرأة ضمن الإبادة الجماعية حتى وقت انعقاد الندوة، وتلاها دقيقة صمت تكريماً لأرواحهم. وأشارت شديد إلى أن حوالي 32 ألف شخص في غزة فقدوا حياتهم على يد قوات الاحتلال – أي ما يعادل اختفاء مدينة بأكملها في سويسرا – بالإضافة إلى 7000 آخرين فقدوا تحت الأنقاض، ولا يزال مصيرهم مجهولاً. وفي سياق المجاعة التي هي من صنع الإنسان، أي إسرائيل، والتي دفعت عشرات الآلاف من الأطفال إلى حد المجاعة، أشارت السيدة شديد إلى أن “الموت الاجتماعي هو الخطوة الأولى نحو الإبادة الجسدية لمجموعة ما”. ومن وجهة نظرها، فإن التركيز على النساء على وجه الخصوص أمر بالغ الأهمية في هذه اللحظة الحرجة: “إنها هي التي تحمل الأسرة، ومنها تبدأ الأسرة، لذلك لا عجب في أي حالة استعمارية، أن يتعرض النساء والأطفال للهجوم بسبب دورهم في التوالد، ودورهم في أمومة الأطفال الفلسطينيين”.
وسلطت السيدة شديد الضوء على القصص المروعة لأكثر من 80 امرأة تعرضن للعنف والاعتداء الجنسي أثناء وجودهن في السجون العسكرية الإسرائيلية. إن الحجم المؤسف لهذه الانتهاكات دفعها وكثيرات غيرها إلى مساءلة دورة الحركة النسوية الغربية والغرض منها. في عام 2016، خرجت الحركة النسوية الغربية إلى الشوارع احتجاجًا على تصريحات ومواقف دونالد ترامب الكارهة للنساء، ولكن اليوم، عندما تعاني المرأة الفلسطينية من مستويات شديدة من سوء المعاملة والعنف القائم على النوع الاجتماعي، لم تقل نفس الحركة شيئًا. إن الصمت المميت لجميع الأطراف والمنظمات والدول في هذا الوقت هو انعكاس مؤسف ولكنه حقيقي لما يعتبرونه مهمتهم، وما هم ليسوا على استعداد للقيام به والتضحية به من أجل خلق عالم أفضل بكثير.
فرانشيسكا ألبانيز تحث على القيام بالأفعال لمواجهة الواقع المرير للأطفال في غزة
وواصلت المقررة الخاصة ألبانيز المناقشة بالحديث عن تجاربها في العمل مع الأطفال في غزة. وأشارت إلى أنه عند مشاهدة مقاطع فيديو لأطفال من جميع أنحاء العالم يعبرون فيها عن رغباتهم وتوقعاتهم للمستقبل، فإن هؤلاء الأطفال غالبا ما يعبرون عن رغبات مادية، بما في ذلك الرغبة في الحصول على هاتف آيفون أو تجربة أطعمة معينة. ولا يمكن قول الشيء نفسه بالنسبة لأطفال غزة، الذين كانت أحلامهم تتعلق إلى حد كبير ببقائهم على قيد الحياة الآن – أي البقاء على قيد الحياة وسط أعمال العنف، أو استعادة أشقائهم وأصدقائهم وعائلاتهم – وهو تذكير قاتم بالمآسي التي مروا بها في الأشهر الأخيرة. وبقدر ما إن مثل هذه الأمنيات، بكل أسف، لم تكن صادمة للسيدة ألبانيز، التي شهدت بنفسها وحشية هجمة الاحتلال، إلا أن هذه الأمنيات ينبغي أن تدفعوا المجتمع العالمي إلى ضمان تمكين هؤلاء الأطفال من تحقيق ما هو أكثر من مجرد البقاء على قيد الحياة، وهو المعيار المتدني الذي لم يتم الوفاء به حتى الآن.
وأشارت السيدة ألبانيز إلى أن معيار الإثبات الذي تعتمده محكمة العدل الدولية في تمييز نية الإبادة الجماعية لدولة ما مرتفع للغاية، وأنه لم يتم تحميل أي دولة المسؤولية الكاملة عن الإبادة الجماعية حتى الآن. وأوضحت أنه للتأكد من ذلك، لا بد من النظر إلى أنماط سلوك الدولة المهاجمة وحجمها. وفي حين اتفق زملاؤها الممارسون في مجال القانون الدولي على نطاق واسع على أن الإجراءات الوحشية التي اتخذتها دولة إسرائيل ترقى إلى مستوى جرائم حرب، فقد دفعت السيدة ألبانيز المجتمع الدولي إلى النظر في طبيعة تلك الأفعال المتسمة بأنها إبادة جماعية أيضًا. فالانتهاكات ليست منهجية وحسب، بل تُرتكب أيضًا بنية واضحة للإبادة الجماعية على مستويات متعددة في الجهاز العسكري الإسرائيلي، وهو أمر يتجاوز مجرد الفشل في منع الإبادة الجماعية، وهو -أي منع الإبادة- التزام يقع على عاتق جميع الدول الأطراف الموقعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية لعام 1948، بما في ذلك إسرائيل. وقالت في ختام كلمتها “كان ينبغي منع الإبادة الجماعية من الأساس، لكنها ارتكبت”.
فقرة الأسئلة والأجوبة
بعد المداخلات، طرح الحضور أسئلة على المتحدثين، بما في ذلك استفسارات حول الإجراءات التي يمكن للمجتمع الدولي اتخاذها الآن، مثل قطع جميع العلاقات التجارية والدبلوماسية مع إسرائيل، والمخاوف بشأن قيام الحكومة السويسرية بسحب تمويلها من المنظمات غير الحكومية، والطريق إلى الأمام من أجل حل واقعي وعادل لفلسطين.
وكانت السيدة شديد أول من رد، مؤكدة على أهمية الوقف الفوري والدائم لإطلاق النار الآن، فضلا عن فرض حظر عسكري على إسرائيل. ودعت إلى ممارسة ضغوط دولية على إسرائيل لإطلاق سراح ما يقرب من 10 آلاف سجين سياسي محتجزين منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول. وسلطت السيدة شديد الضوء أيضًا على أهمية إلغاء جميع اتفاقيات التجارة الحرة مع إسرائيل، ودعم الدول الرسمي لقضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل، ومساعدة المحكمة الجنائية الدولية في جمع الأدلة لتحقيقاتها، واستخدام الآليات القضائية داخل البلدان المختلفة لمحاسبة مرتكبي الحرب. وأخيراً، دعت إلى تعطيل أو إلغاء عضوية إسرائيل في الأنشطة الدولية مثل يوروفيجن، والفيفا، ودورة الألعاب الأولمبية المقبلة عام 2024.
وعلى صعيد آخر، أشارت شديد إلى أن “ما يحدث في فلسطين أصبح فجأة له تأثير فوري على حريات الأوروبيين”. حيث أن الحظر الذي تفرضه إسرائيل على الأشخاص الذين يتظاهرون أو يستخدمون ألوانًا أو شعارات معينة يجب أن يثير القلق في جميع أنحاء العالم الغربي، وأن يكون له آثار مباشرة على حق الناس في حرية التعبير في جميع أنحاء العالم. علاوة على ذلك، في حين أنها اعترفت بأنها لا تستطيع التحدث نيابة عن الشعب الفلسطيني في المطالبة بالنتيجة المأمولة، سواء كان ذلك حل الدولة الواحدة أو الدولتين أو حل الدول المتعددة، فإن أكثر ما تهتم به السيدة شديد هو نيل الفلسطينيين لاستقلالهم الذاتي وحقهم في تقرير المصير. لقد حُرم الفلسطينيون من الحياة السياسية الصحية التي يستحقونها منذ 75 عامًا. وينبغي منحهم حقوقهم في إجراء الانتخابات وتحديد هياكلهم السياسية، وهي حقوق حرمهم منها الاحتلال بشكل منهجي.
من ناحيتها، شددت المقررة الخاص ألبانيز على أن التأخير في الآليات القضائية الدولية، وخاصة المحكمة الجنائية الدولية، لا ينبغي أن يمنع الدول من اتخاذ إجراءات مستقلة. وذكرت أن المحاكم المحلية هي سبل فعالة وممكنة لبدء الإجراءات، خاصة ضد العديد من الإسرائيليين الذين يحملون جنسيات مزدوجة والمعروف أنهم يخدمون في الجيش الإسرائيلي. كما أكدت على ضرورة تقديم الدعم للجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة، والتي ساهمت في عملية استصدار الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية.
وأشارت السيدة ألبانيز أيضًا إلى أنه خلال المفاوضات الرامية إلى حل الدولتين، قبل الفلسطينيون بالفصل بينهم كشعب في بحثهم عن حل سلمي لمحنتهم. ومع ذلك، واصلت إسرائيل فرض نظام القمع عليهم، الذي يكرّس تفوق مواطنيها، وهو أمر غير مقبول. ولا ينبغي أن يكون من المستغرب أن تنشأ المقاومة من هذه الظروف. وشددت السيدة ألبانيز على أن الفلسطينيين اتبعوا وسائل المقاومة السلمية لعقود من الزمن، ولكن بعد أن عانوا من العنف والتمييز لفترة طويلة، لا ينبغي للمرء أن يتوقع منهم أن يقبلوا ببساطة اضطهادهم. ومثل أي شعب، يحق للفلسطينيين التمتع بحق المقاومة بموجب القانون الدولي. وحقيقة أن بعض الأفعال المرتكبة ضمن المقاومة كانت غير قانونية، لا تبطل هذا الحق. وفيما يتعلق بما يخبئه المستقبل لهم، فمن المهم التأكيد على أنه من مسؤولية المجتمع الدولي عدم التحدث نيابة عن الشعب الفلسطيني بشأن الدولة التي يعتبرونها مقبولة. وبدلا من ذلك، يجب أن ترتفع أصواتهم خلال تلك العملية، بحيث أن حقوق كل شخص على تلك الأرض يجب أن تكون مقبولة.
وقبل اختتام الجلسة، شاركت السيدة هبة، وهي لاجئة فلسطينية وصلت مؤخرًا إلى جنيف بعد خروجها من غزة عبر مصر، محنتها. وتحدثت عن إصاباتها الخطيرة، وروت كيف أنها أثناء وجودها في المستشفى تم إجبارها فجأة على المغادرة من قبل قوات الاحتلال. وعلى الرغم من إصابتها في العمود الفقري، اضطرت إلى السير لعدة كيلومترات وسط الجثث المتناثرة حولها، وكان الجنود يضحكون بقسوة على الوضع المزري.
وأعربت السيدة هبة عن خيبة أملها إزاء المنظمات غير الحكومية التي زعمت أنها تقدم الدعم لكنها فشلت في توفير الضروريات الأساسية التي تحتاجها هي وآخرون في ظروف مماثلة بشدة. وعلى مدى ثمانية أيام، بحثت عن الماء أو الحليب لابنتها، ولجأت إلى شرب ما تجده من “سائل داكن”، مع توفير المياه النظيفة لطفلتها.
وفي الختام، شدد المتحدثون على ضرورة قيام المجتمع الدولي باتخاذ إجراءات حاسمة لإنهاء المعاناة المستمرة. ويشمل ذلك المطالبة بوقف دائم لإطلاق النار وإجبار إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، على الامتثال للتدابير المؤقتة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية وإنهاء الاحتلال غير القانوني لفلسطين.
المصدر: مركز جنيف الدولي للعدالة Geneva International Centre for Justice
النساء الأطفال غزة إسرائيل النساء الأطفال غزة إسرائيل النساء الأطفال غزة إسرائيل