محاكمة المستوطنات باعتبارها جريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية – اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين
اللغة الأصلية للنص: الإنجليزية
عنوان المقال بالإنجليزية:
ICC and Palestine Symposium: Prosecuting Settlements as War Crimes and Crimes against Humanity – The ICC’s Jurisdiction over the Occupied Palestinian Territory
رابط المقال الأصلي ومصدره بالإنجليزية: هنا
تاريخ نشر المقال الأصلي: 7 فبراير/شباط 2020
الكاتب: كاثرين غالاغر، وهي محامية أولى في مركز الحقوق الدستورية في نيويورك، تركز على محاسبة الأفراد والشركات على الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان والقانون الدولي.
ترجمه إلى العربية: هنادي صلاح
نشر موقع Opinio Juris بالتعاون مع لجنة الحقوقيين الدولية مقالاً كتبته كاثرين غالاغر، تناقش فيه محاكمة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية بوصفها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وتقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على الأرض الفلسطينية المحتلة.
وتشير الكاتبة في بداية مقالها لطلب المدعية العامة من المحكمة إصدار قرار بشأن مسألة الاختصاص القضائي لعمل لمحكمة الجنائية الدولية في فلسطين، وفقاً للمادة 19 (3) من نظام روما الأساسي، الأمر الذي يعجّل باستنتاجها بوجود أساس معقول لبدء التحقيق في فلسطين. كما أوضحت أن النشاط الإجرامي الذي حددته المدعية العامة يقع في نطاق التحقيق بناءً على المادة 53 (1) من الميثاق والذي يبدأ بموجبه المدعي العام في التحقيق، وذلك بعد تقييم المعلومات المتاحة له. وفيما يتعلق بإقامة المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خلص المدعي العام إلى أنه “يوجد أساس معقول للاعتقاد بأنه في سياق احتلال إسرائيل للضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، ارتكب أعضاء في السلطات الإسرائيلية جرائم حرب بموجب المادة 8 (2) (ب) (8) فيما يتعلق بجملة أمور، منها نقل المدنيين الإسرائيليين إلى الضفة الغربية منذ 13 يونيو 2014م”.
وأشارت الكاتبة إلى أن المدعي العام قرر أن “القضية المحتملة المتعلقة بالمستوطنات ستكون مقبولة عملاً بالمادة 17 (1) من نظام المحكمة. وأن هذا التحقيق ياتي في ضوء التصريح الأخير لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن السلطات الإسرائيلية ستشرع في ضم المستوطنات في الضفة الغربية دون تأخير، وبعيدًا عن التحقيق أو مقاضاة أي شخص لدوره في تخطيط أو طلب أو تسهيل المشروع الاستيطاني”.
بعض الاعتبارات القضائية التي تنشأ في سياق التحقيق في مؤسسة الاستيطان الإسرائيلية
وأوضحت الكاتبة أن هناك بعض الاعتبارات القضائية التي لابد من ذكرها لتوضيح سياق التحقيق في الاستيطان الاسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة. حيث تذهب الكاتبة أولاً إلى أنه يوجد حاليًا حوالي 620.000 مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وهناك 200.000 مواطن إسرائيلي يعيشون الآن في القدس الشرقية (مقارنة بنحو 300.000 فلسطيني)، ويعيش أولئك الاسرائيليون في حوالي 250 موقعًا استيطانيًا. هذه الأعداد الكبيرة لم تتحقق من خلال تصرفات الجهات الحكومية فقط، بل يعززها سلوك نابع من المستوطنين أنفسهم. وأشارت إلى أن استمرار ارتفاع هذه الأرقام وفق واقع توسيع المستوطنات الذي يتزايد، يتناقض بشكلٍ صارخ مع قرارات الهيئات الدولية التي أدانت إنشاء المستوطنات الإسرائيلية وخاصة في القدس الشرقية باعتبارها غير قانونية: على صعيد مجلس الأمن (انظر على سبيل المثال، قرارات مجلس الأمن رقم 446 (1979) و 465 (1980) و 2334 (2016)، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ولجان التحقيق و تقصي الحقائق والإجراءات الخاصة للأمم المتحدة و الهيئات المنشأة بموجب المعاهدات، وكذلك الهيئات الحكومية الدولية الإقليمية، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى فتوى محكمة العدل الدولية حول الجدار والتي أوضحت فيها أن “المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة (بما فيها القدس الشرقية) تم إنشاؤها في انتهاك للقانون الدولي” (الفقرة 120).
وانتقلت الكاتبة غالاغر للحديث عن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في جريمة الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وقالت أنها تتفق تمامًا مع مكتب المدعي العام -ومع دولة فلسطين في إحالة الدولة الطرف – على أن المحكمة الجنائية الدولية يمكنها ممارسة اختصاصها بموجب المادة 12 (2) على الجرائم الناشئة عن مشروع الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وراء “الخط الأخضر”، أي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية وغزة. وقسّمت غالاغر اختصاصات المحكمة الى الاختصاص الموضوعي والزماني والشخصي.
فمن حيث الاختصاص الموضوعي، نوهت إلى تصريح المدعية العامة بأنها ستحقق في “أمور من بينها نقل المدنيين الإسرائيليين إلى الضفة الغربية كجرائم حرب”، وأكدت على أن الأحداث المذكورة في طلب المدعي العام “توضيحية فقط” ولا تعكس ولا يمكن أن تعكس النطاق الكامل للجرائم التي يمكن تضمينها في أي حالات لاحقة. وأوضحت أنه يجب إجراء تحقيق كامل في النقل القسري للفلسطينيين من الأراضي الفلسطينية المحتلة أو داخلها، كما ينبغي التحقيق في الجرائم التي وقعت في حالات نزوح الفلسطينيين مثل التدمير الشامل أو الاستيلاء على الممتلكات التي لا تبررها الضرورة العسكرية والنهب. حيث أنه بموجب نظام روما الأساسي، يعتبر “قيام دولة الاحتلال، بشكل مباشر أو غير مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها، “بمثابة انتهاك خطير لقوانين وأعراف الحرب المطبقة في نزاع مسلح دولي. ويشكل جريمة حرب بموجب المادة 8 (2) (ب) (8). وينطبق الشيء نفسه على حالة “ترحيل ونقل جميع سكان الأراضي المحتلة أو جزء منهم داخل هذه المنطقة أو خارجها”. حيث تم إدراج النقل -القسري والطوعي- في نظام روما الأساسي، وهو من المحظورات الواردة في المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة.
وأوضحت انه بحسب تعليقات اللجنة الدولية للصليب الأحمر لعام 1958، يكون الغرض من حظر نقل سكان القوة المحتلة هو منع النقل “لأسباب سياسية وعرقية… لاستعمار تلك الأراضي”. غالبًا ما يُفهم هذا النقل على أنه خطوة نحو تحقيق الهدف النهائي المتمثل في الضم، وبموجب تعليقات Triffterer الخاصة بنظام روما: “إن غرس المستوطنات والمستوطنين يمكن أن يشكل وسيلة قوية للتطهير العرقي”.
لقد حظر نظام روما النقل الذي يتم بوسائل مباشرة أو غير مباشرة، وفي حالة نقل المواطنين الإسرائيليين إلى الأرض الفلسطينية المحتلة، يمكن أن تشمل الوسائل غير المباشرة، على سبيل المثال، الحوافز المالية والإعانات والإعفاءات الضريبية، إلى جانب خطوات مباشرة أكثر من قبل الدولة مثل وضع خطط الاستيطان أو بناء المساكن. أما النقل القسري للفلسطينيين من الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، فتشمل الوسائل هدم المنازل، وعمليات الإخلاء القسري، ومصادرة الأراضي، وخلق بيئة قسرية.
كما أشارت إلى أنه صحيح أن المدعية العامة لم تحدد ضمن التحقيق المتعلق بالمستوطنات على أنها جرائم ضد الإنسانية، إلا أن التشريد الجماعي للمدنيين الفلسطينيين من الضفة الغربية وداخلها، بما في ذلك القدس الشرقية، يفي في الواقع بمتطلبات الجرائم ضد الإنسانية وبالتحديد الترحيل والنقل القسري.
وأوصت أنه ينبغي أن تحقق المدعية العامة في المستوطنات من منظور الاضطهاد، وأن نظام الاستيطان هو تمييزي بطبيعته، ويتمثل ذلك في: السياسات الإسرائيلية المتعلقة بالاستيطان، كسلطة احتلال تفيد المواطنين الإسرائيليين اليهود في التخطيط وتقسيم المناطق وتخصيص الأراضي والموارد الطبيعية والحوافز المالية والحصول على المرافق والبنية التحتية، مع تقييد الحقوق الأساسية للفلسطينيين في جملة أمور منها حرية الحركة والتملك والتمتع باستخدام الموارد الطبيعية والتحرر من النهب.
أما الاختصاص الشخصي فأشارت الكاتبة إلى أن المدعية العامة لم تحدد أي متّهمين محتملين في الطلب، بل تمت الإشارة بشكل عام إلى “أعضاء في السلطات الإسرائيلية”. والتركيز على القيادة العسكرية والمدنية الإسرائيلية هو نقطة البداية المناسبة لأي تحقيق -والهدف المحتمل لأي ملاحقة قضائية-، وذكرت أن حركة 600.000 مواطن إسرائيلي يهودي إلى الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، لم تتحقق من خلال تصرفات الجهات الحكومية فقط بل عززه المستوطنون أنفسهم الذين يعملون بهدف مشترك وهو الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية المحتلة و استيطانها وتشريد الفلسطينيين.
وأشارت الكاتبة إلى أن الجهة الاستيطانية مدعومة من قبل الشركات الفاعلة وتتلقى المساعدة منها، وأن تلك الشركات لديها التزاماتها الخاصة بموجب القانون الدولي، كما هو الحال في المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان. وتشمل هذه الشركات البنوك، شركات الاتصالات السلكية واللاسلكية، ووكالات عقارية وشركات السياحة. وقد تكون هذه هي الحالة المناسبة للمدعي العام للتخلص من ورقة السياسة الخاصة بها لعام 2016 بشأن اختيار القضايا وتحديد الأولويات التي يبدو أنها تفتح الباب أمام المسؤولية المتعلقة بالأعمال والتحقيق في تواطؤ الشركات في جرائم النقل (الترانسفير).
فيما بتعلق بالاختصاص الزمني في الوضع في فلسطين، أشارت الكاتبة إلى أن فلسطين قبلت اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على الجرائم التي ارتكبت منذ 13 يونيو/ حزيران 2014م. ولا ينبغي أن يُفهم من هذا على أنه قصر التحقيق على تلك المستوطنات المكتملة فعليًا بعد هذا التاريخ. فقد وضحت أنه يجب استخدام مفهوم الجرائم المستمرة هنا، والذي يعني أن السلوك الإجرامي لا يبدأ ببناء مستوطنة جديدة أو بنقل مواطن إسرائيلي فردي إلى الأرض الفلسطينية المحتلة. و قد تتضمن العملية تعدد المراحل التالية: تشريد الفلسطينيين ونزوحهم، الاستيلاء على الممتلكات من قبل الدولة، غالبًا باسم الجيش، إقامة بؤر استيطانية، تشييد البنية التحتية، وإنشاء مجتمع استيطاني جديد.
ولكن ما ينبغي الإشارة إليه، أن السلوك الإجرامي مستمر في كل مرحلة وعبرها. أما النقل القسري للفلسطينيين من الأراضي المحتلة أو داخلها، فيجب فهمه أيضًا على أنه جريمة تم تحقيقها نتيجة لعملية قسرية متعددة الأوجه نفذت بمرور الوقت من قبل كل من إسرائيل والمستوطنين.
ولفتت الكاتبة في ختام مقالها إلى أن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م ذكر في تقريره لعام 2018، بأن “الغزو والضم غير المشروعين يعتبران من الآفات المضرة التي لا تطاق، وتؤدي دائما الى حروبًا مدمرة وسياسة عدم استقرار وخراب اقتصادي وتمييز منهجي ومعاناة للإنسانية على مدى واسع النطاق”. وإن تلك العبارة تنطبق على مشروع الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.
وأوصت غالاغر في ختام مقالها بالتسريع في تحقيق المحكمة الجنائية الذي تأخر منذ وقت طويل وهو مطلوب بشدة لوضع حد للجرائم المتزايدة والمتعددة الأوجه المتعلقة بالاستيطان.