برلمانيون وخبراء قانونيون يدعون الدول الى الوفاء بواجباتها القانونية ودعم القافلة الدبلوماسية إلى غزة في ظل التجويع المتعمد
في 29 مايو/أيار 2025، استضافت منظمة “القانون من أجل فلسطين“، بالشراكة مع مؤسسة الحق و Human Rights Watch، ندوة هامة عبر الإنترنت بعنوان “التجويع كسلاح حرب: المسؤوليات القانونية الدولية، والقافلة الدبلوماسية لمواجهة المجاعة المتعمّدة في غزة”. جمعت الندوة نخبة من المجتمع المدني من غزة والخبراء الطبيين والقانونيين لمناقشة المجاعة المتعمدة في غزة، الناتجة عن استخدام التجويع كسلاح، والمسؤوليات القانونية للدول لمواجهتها، بما في ذلك من خلال القافلة الإنسانية الدبلوماسية.
تجاوز النقاش المخاوف الإنسانية – فبعد 600 يوم من الإبادة الجماعية، التي تُمثل المرحلة الأكثر دموية في النكبة الممتدة منذ 77 عامًا، استمرت مجاعة غزة لما يقرب من ثلاثة أشهر وسط تقاعس دولي وإفلات من العقاب. بمشاركة أكثر من 150 مشاركًا حول العالم، دعت الندوة إلى اتخاذ إجراءات ملموسة لإنهاء التجويع المتعمد.
أدارت الجلسة أنيشا باتيل (عضوة مجلس الإدارة في منظمة القانون من أجل فلسطين)، وشارك فيها سبعة خبراء بارزين: الدكتور مروان الهمص (مدير المستشفيات الميدانية في غزة)، والبروفيسور مايكل فخري (المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء)، ولين بويلان (عضوة البرلمان الأوروبي ورئيسة وفد العلاقات مع فلسطين في البرلمان الأوروبي)، والدكتور رالف وايلد (خبير القانون الدولي، كلية لندن الجامعية)، وعدنان أبو حسنة (المتحدث باسم الأونروا)، وأمجد الشوا (مدير شبكة المنظمات غير الحكومية الفلسطينية في غزة)، ومارك بوتينغا (عضو البرلمان الأوروبي، عضو لجنة الشؤون الخارجية).
د. مروان الهمص يتحدث عن الأزمة الطبية الكارثية والحاجة العاجلة للمساعدة الطبية
وصف الدكتور مروان الهمص الأوضاع الكارثية في غزة بعد أكثر من 600 يوم من حملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، مشيرًا إلى أن المستشفيات ممتلئة بالمرضى والجرحى، وخاصة في العناية المركزة والوحدات المتخصصة، حيث لا تتوفر أسِرَّة شاغرة إلا إذا توفي شخص ما.
سوء التغذية يؤثر على جميع الأعمار، حيث يعاني المواليد الجدد والنساء الحوامل والأطفال أكثر من غيرهم من نقص حاد في الغذاء والحليب، كما انتشر فقر الدم على نطاق واسع بشكل مقلق.
وشارك د. الهمص إحصائيات مروعة: قتل 54,250 شخصا، وهم ليسوا مجرد أرقام، بل حياة بها أحلام وقصص، ومن بين 124,000 جريح يوجد مبتورو الأطراف، وأشخاص ذوو إعاقات دائمة، ومن فقدوا بصرهم، 73% منهم نساء وأطفال.
وأشار إلى أن 16,854 من الضحايا هم أطفال، يشكلون 31% من إجمالي من قُتلوا خلال الحرب، منهم 931 دون سن عام واحد. وللأسف، فقد وُلد 356 مولودًا جديدا وقُتلوا أثناء الإبادة الجماعية، ومات 60 طفلًا جوعًا.
“إذا استمرت الحرب بهذه الوتيرة، فلن يبقى أحد في غزة على قيد الحياة”
البنية التحتية الطبية في غزة في حالة انهيار تام، فمن بين 38 مستشفى في غزة، دُمّر 22 منها بالكامل، بينما تعمل 12 منها بأقل بكثير من الحد الأدنى من طاقتها الاستيعابية.
بعد ثلاثة أشهر من الحصار، وصلت نسبة إشغال أسرّة المستشفيات إلى 106%، حيث فُقد الكثير منها نتيجة القصف أو الإخلاء القسري. وأشار إلى انه بالأمس فقط، أُجبر 160 مريضًا وموظفًا في مستشفى العودة على الإخلاء بأوامر إسرائيلية، دون أي ضمانات للسلامة.
واختتم الدكتور الهمص تصريحاته بالدعوة العاجلة إلى اتخاذ أربع خطوات فورية: 1) إنهاء الإبادة الجماعية، 2) إدخال الغذاء والمساعدات الطبية والمياه النظيفة، 3) نشر الطواقم الطبية، 4) إنشاء مستشفيات ميدانية في جميع أنحاء غزة، حيث لم يبقَ أي منها قيد التشغيل.
البروفيسور مايكل فخري يتحدث عن التجويع كأداة للإبادة الجماعية ومسؤوليات الدول
وصف البروفيسور مايكل فخري المرحلة الحالية من حملة التجويع الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بأنها الأكثر فظاعة ووحشية حتى الآن. ووضع الثمانين يومًا الماضية في سياق حصار غزة المستمر منذ 25 عامًا، والذي يعود تاريخه إلى عام 2000. وأشار إلى أنه منذ 9 أكتوبر 2023، استُخدم التجويع عمدًا لتهجير وإضعاف الفلسطينيين في غزة.
وبحلول أوائل مارس 2025، فرضت إسرائيل حصارًا شاملاً على الغذاء والدواء والمياه – على الرغم من أوامر الاعتقال التي أصدرتها المحكمة الجنائية الدولية ضد نتنياهو، والتي تتضمن جريمة استخدام التجويع كجريمة حرب.
وأكد فخري أن التجويع هو أداة إبادة جماعية تهدف إلى القضاء على الفلسطينيين، مما يجعل إسرائيل مسؤولة بموجب القانون الدولي. كما سلط الضوء على الخطط الإسرائيلية للاحتلال غير المحدود وضم غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية، مشيرًا إلى خطاب نتنياهو في الأمم المتحدة الذي عرض فيه خريطة لإسرائيل تم فيها محو الأراضي الفلسطينية بالكامل.
وأدان فخري “مؤسسة غزة الإنسانية”، وهي كيان خاص متحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل ويتحكم في تدفق المساعدات، منتقدًا إسرائيل والولايات المتحدة لاستخدامهما العلني للمساعدات كوسيلة ضغط و”تكتيكًا تفاوضيًا”، وهو ما اعترفتا به. وأشار فخري إلى إدانة اليونيسف النادرة لخطة إسرائيل الإنسانية، التي وصفتها بأنها “طُعم” لمن هم في حاجة إلى المساعدة.
“إذا خاطر المدنيون بحياتهم، فإن الحد الأدنى هو أن يتحرك الدبلوماسيون.”
وقال فخري إنه يجب على جميع الدول إنهاء الإبادة الجماعية والتجويع والاحتلال غير الشرعي، وهو ما أكدته محكمة العدل الدولية التي طالبت بانسحاب إسرائيل الفوري من الأراضي المحتلة ودفع تعويضات من أجل العدالة، بالإضافة إلى حق الفلسطينيين في تقرير المصير والعودة.
وأشار فخري إلى أن أكثر من 800 منظمة تدعم الدعوة إلى تسيير قافلة دبلوماسية. وتعرضت جهود مدنية، مثل أسطول الحرية، لهجمات عنيفة، وعليه، “إذا خاطر المدنيون بحياتهم، فإن الحد الأدنى هو أن يتحرك الدبلوماسيون”. داعيا إلى إدخال المساعدات إلى غزة بأي وسيلة ضرورية.
عضو البرلمان الأوروبي لين بويلان: الانضمام إلى القافلة الدبلوماسية إلى غزة هو “الحد الأدنى“
نددت لين بويلان، عضوة البرلمان الأوروبي، باستخدام إسرائيل للتجويع كسلاح، مشيرةً إلى أنه تطور من أسلوب سيطرة راسخ إلى استراتيجية متعمدة للتطهير العرقي في غزة. ووصفت بويلان أجندة الحكومة الإسرائيلية بأنها تهدف إلى تفكيك القانون الدولي والآليات الإنسانية القائمة، بالإضافة إلى نزع الشرعية عن وجود الأونروا.
وأكدت لين أن العالم يشهد إبادة جماعية مدعومة بالصمت والتواطؤ، داعية إلى اتخاذ إجراءات ملموسة، وذلك عبر التعليق الفوري لاتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وفرض حظر شامل على الأسلحة، وفرض عقوبات. كما دعت الاتحاد الأوروبي إلى رفض شرعية آليات المساعدة البديلة التي تخدم أجندات سياسية لها عواقب وخيمة على شعب غزة.
وأكدت بويلان أن على كل دولة عضو في الاتحاد الأوروبي التزامًا قانونيًا وأخلاقيًا بالرد، وأن تقاعس الاتحاد الأوروبي يُعدّ شكلًا من أشكال التأييد لانتهاكات إسرائيل.
“إذا أراد الاتحاد الأوروبي حقًا أن يرى نهاية لهذه الإبادة الجماعية، فعليه التصرف بحزم، ليس فقط بالتصريحات، بل بإجراءات جريئة وموحدة“.
وأكدت بويلان أن الانضمام إلى القافلة الدبلوماسية إلى غزة هو “الحد الأدنى”، واختتمت حديثها قائلةً إنه إذا كان الاتحاد الأوروبي يريد حقًا أن يرى نهاية لهذه الإبادة الجماعية، فعليه التصرف بحزم، ليس فقط بالتصريحات، بل بإجراءات جريئة وموحدة. وأشارت إلى المبادرات الحالية، بما في ذلك دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لإرسال قوات حفظ سلام، ومحاولة وقف بيع القنابل الحربية لإسرائيل، وغيرها.
د. رالف وايلد: إسرائيل تفتقر إلى السلطة السيادية حول من يحق له دخول الأراضي الفلسطينية المحتلة
أكد الدكتور رالف على أهمية الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية لعام 2024، الذي أكد نهجًا أساسيًا في كيفية نظر القانون الدولي إلى الوضع في الأراضي الفلسطينية المحتلة. وأوضح أن وجود إسرائيل في الأراضي المحتلة – وليس فقط أفعالها – غير قانوني، وأنها لا تملك أي حق في العمل في الأراضي الفلسطينية المحتلة تحت أي ظرف.
ووفقا لمحكمة العدل الدولية، فإن جميع أفعال إسرائيل في الأراضي المحتلة غير قانونية، بغض النظر عما إذا كانت مصحوبة بالعنف أو انتهاكات للقانون الإنساني. وبالتالي، فإن الدول ملزمة قانونيًا بشكل واضح بالعمل على إنهاء وجود إسرائيل، ورفض الاعتراف بشرعيتها، والامتناع عن أي شكل من أشكال المساعدة.
وشدد الدكتور رالف على أن هذا يشمل فرض حظر شامل وكامل، يتجاوز مجرد تجنب الدعم الذي قد يساهم في جرائم الحرب. وأوضح أنه، حتى لو كانت أفعال إسرائيل إنسانية تمامًا، فإن استمرار وجودها في الأراضي المحتلة سيظل يشكل خرقًا للقانون الدولي الأساسي، وستظل الدول ملزمة بالتحرك.
“بما أن إسرائيل لا تملك أي سلطة سيادية في الأرض الفلسطينية المحتلة، فليس لها صلاحية قانونية لتحديد من يحق له دخولها.”
وحث وايلد الدول على مواجهة طبيعة الانتهاكات الاستثنائية التي تقوم بها إسرائيل والتوقف عن إنكار مسؤولياتها القانونية. وبما أن إسرائيل لا تملك أي سلطة سيادية في الأرض الفلسطينية المحتلة، فليس لها صفة قانونية لتحديد من يحق له دخولها. لذلك، وفق وايلد، ينبغي على الدول التنسيق مع ممثلي الشعب الفلسطيني لإرسال بعثات وتواجد دولي لحماية المنطقة وتسهيل دخول الأونروا وغيرها من وكالات الأمم المتحدة لتقديم الإغاثة الإنسانية العاجلة.
عدنان أبو حسنة يتحدث عن التحديات التشغيلية والأزمة الإنسانية في غزة
قدم عدنان أبو حسنة تحديثًا عن الوضع المأساوي في غزة، مسلطًا الضوء على العقبات الكبيرة التي يواجهها العاملون في المجال الإنساني. وأوضح أن الأونروا، التي تعمل في غزة منذ عام 1950 ويعمل بها 13,000 موظف، و شبكة لوجستية واسعة، يتم تدميرها عمدًا الآن.
وقال إن إسرائيل تسيطر على جميع أشكال الحركة والوصول إلى غزة، ومع ذلك هي تقاطع عمليات الأونروا. وحذر أبو حسنة من استراتيجية إسرائيلية تهدف إلى تفكيك العمود الفقري للمساعدات الإنسانية في غزة، حيث يربط نتنياهو علنًا بين تدمير الأونروا ومحو قضية اللاجئين الفلسطينيين وانهيار أي احتمالات لحل الدولتين.
ومنذ الثاني من مارس/آذار، تسعى إسرائيل إلى استبدال الأونروا بما يسمى “مؤسسة غزة الإنسانية”، وهو ما وصفه أبو حسنة بأنه تطور خطير من شأنه أن يزيد من خطر تعرض حياة الناس للخطر وتعقيد جهود الإغاثة. كما حذر من أن حتى خبرة الأونروا الممتدة لعقود قد لا تكون كافية لإدارة توزيع المساعدات في ظل الأوضاع الحالية في غزة، مشددًا على الحاجة الماسة إلى الوصول الإنساني المستدام وغير المقيد.
أمجد الشوا يتحدث عن الحاجة الملحة والكرامة وراء القافلة الدبلوماسية المقترحة
سلط أمجد الشوا الضوء على الأهمية الحاسمة للقافلة الدبلوماسية المقترحة وسط الأزمة المستمرة في غزة. وانتقد ما يسمى بـ”مؤسسة غزة الإنسانية”، واصفًا إياها بـ”مؤسسة إذلال غزة”، معتبرًا إياها إهانة متعمدة للفلسطينيين. وأكد أنه بينما غزة في أمس الحاجة إلى المساعدات الغذائية، فإن ما تحتاجه حقًا هو الحماية والكرامة. وقال “نتلقى يوميًا اتصالات تطلب أساسيات مثل الخبز والأرز، لكن المساعدات دون احترام لا تكفي”.
“مؤسسة غزة الإنسانية” لا تُعنى بالمساعدات، بل هي إهانة وإذلال مُتعمّد للفلسطينيين.
وأكد الشوا على أهمية القافلة الدبلوماسية المقترحة لجذب الانتباه الدولي لمعاناة غزة. وتناول معاناة غزة التي استمرت لأكثر من 600 يوم، حيث أدان المجتمع الدولي لتقصيره في التحرك، قائلاً إنه أغمض عينيه وصمت، تاركاً سكان غزة يتساءلون عن معنى حقوق الإنسان. ودعا إلى اتخاذ إجراءات حقيقية لإنهاء المجاعة والإبادة الجماعية المستمرة، مؤكداً على ضرورة ترجمة الأقوال إلى إجراءات ملموسة، ومؤكداً على الأمل الذي يحذو سكان غزة الذين ينتظرون هذه القافلة الدبلوماسية.
مارك بوتينغا: القافلة الدبلوماسية قد تزيد الضغط على ممولي الإبادة الجماعية
انتقد مارك بوتينغا بشدة رد فعل الاتحاد الأوروبي على الأزمة في غزة، واصفًا إياه بالمخزي ويستحيل الدفاع عنه. وأكد أن الوضع في غزة واضح، وأن أي ادعاء بعدم اليقين هو خيار سياسي متعمد ذو عواقب قانونية جسيمة.
وأشار بوتينغا إلى العلاقة الفريدة والمميزة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، التي تمنح إسرائيل مزايا كبيرة. على الرغم من قدرة أوروبا السياسية والقانونية الكبيرة على التأثير في الوضع، إلا أن الاستجابة الأوروبية كانت محدودة بمساعدات إنسانية رمزية، حيث غضت الحكومات الطرف إلى حد كبير عن الانتهاكات الجسيمة التي ترتكبها إسرائيل.
“عدم التحرك هو خيار سياسي“
كما أشار إلى اتساع الفجوة بين الحكومات الأوروبية وشعوبها، مشيرًا إلى تزايد قمع حركات التضامن وتزايد الضغط الشعبي من أجل التحرك. وفي هذا السياق، أكد بوتينغا على أهمية القافلة الدبلوماسية كوسيلة لزيادة الضغط على ممولي الإبادة الجماعية والمطالبة بتغيير حقيقي.
الخاتمة
أكدت حلقة النقاش أن الأزمة الحالية في غزة ليست مجرد كارثة إنسانية فحسب، بل تمثل أيضًا تحديًا عميقًا للمسؤوليات القانونية والأخلاقية الدولية. وبينما تناول المتحدثون بالتفصيل الظروف الطبية المزرية، والطبيعة غير القانونية للاحتلال الإسرائيلي، والتلاعب بالمساعدات، برزت رسالة موحدة: يجب على الدول والجهات الفاعلة الدولية أن تتجاوز الكلمات إلى العمل الهادف والمنسق.
يجسد الانضمام إلى القافلة الدبلوماسية ودعمها هذه الدعوة العاجلة – وهي مطلب لكسر الحصار، وإيصال المساعدات المنقذة للحياة، ومواجهة الإبادة الجماعية المستمرة بالعدالة والكرامة. لم يعد بإمكان المجتمع الدولي أن يقف مكتوف الأيدي؛ لقد حان الوقت لدعم حقوق الإنسان، وتطبيق القانون الدولي، واستعادة حق الفلسطينيين في تقرير المصير.