كيفين جون هيللير
ترجمته للعربية: مي شاهين
ل: القانون من أجل فلسطين
لقراءة الأصل الإنجليزي هنا
كما يعلم القراء بلا شك، فقد أعلنت فاتو بنسودة أمس أنّ مكتب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية يفتح تحقيقًا رسميًا في الوضع في فلسطين. القيام بذلك هو نتيجة محتومة نظراً إلى قرار الدائرة التمهيدية الأخير القاضي باختصاص المحكمة الجنائية الدولية على الجرائم التي ارتكبت في غزة، والضفة الغربية والقدس الشرقية. ورغم أنّ الجزء الأكبر من العمل سوف يقع على عاتق خليفتها كريم خان، فإن بنسودة تستحق الثناء لأنّها لم تقتنع بمزاعم إسرائيل السخيفة بمعاداة السامّية أو عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية غير المبررة ضدها، وهو الأمر الذي لم تقم إدارة بايدن بإزالته حتى لحظة كتابة هذا المقال.
وعلى الرغم مما تقدم، ما زلت أعتقد أنه كان على مكتب المدعي العام أن يستأنف قرار الدائرة التمهيدية أمام دائرة الإستئناف قبل فتح التحقيق.
“لكن كيفن” أسمعك تُتَمتم، “لقد فاز مكتب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية! لماذا عليه أن يستأنف إذاً؟”
أفهم وجهة نظرك، لكن خُذ ما يلي بعين الاعتبار: لم يكن مكتب المدعي العام بحاجة إلى مطالبة الدائرة التمهيدية بحكم قضائي في المقام الأول. إذ كان بإمكانه ببساطة فتح التحقيق وانتظار قيام المشتبه به بإثارة قضية الاختصاص القضائي عند مواجهته بمذكرة اعتقال. وفي الواقع، اقترح عدد من المختصين – بمن فيهم أنا وباتريك لابودا – أنّ مكتب المدعي العالم كان يجب أن يفعل هذا بالضبط.
إنّ نظام الاختصاص القضائي للمحكمة هو حجر الزاوية الأساسي لنظام روما، وبالتالي فإنّه من مصلحة الدول والمجتمعات المعنية ككل أن يجرى أي تحقيق على أساس متين وواضح من الاختصاص القضائي
من الواضح أنّ مكتب المدعي العام لا يتفق. وإليكم السبب وفقاً لطلب مكتب المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية من الدائرة التمهيدية:
- ومع ذلك، على الرغم من رأي المدعي العام بأنّ المحكمة لديها بالفعل الاختصاص القضائي اللازم في هذه الحالة، فإن المدعي العام يدرك التاريخ الفريد والظروف الفريدة للأرض الفلسطينية المحتلة. وفي الواقع ليس من المبالغة القول إنّ تحديد اختصاص المحكمة قد يمس، في هذا الصدد، مسائل قانونية ووقائعية معقدة. إذ أنّ فلسطين لا تسيطر سيطرة كاملة على الأرض الفلسطينية المحتلة، وحدودها المتنازع عليها. كما أنّ الضفة الغربية وقطاع غزة محتلان والقدس الشرقية مضمومة لإسرائيل، والسلطة الفلسطينية لا تحكم غزة. وعلاوة على ذلك، لا يبدو أنّ قضية دولانية فلسطين بموجب القانون الدولي قد تم حلها بشكل نهائي. على الرغم من أنّ المدعية العامة ترى أنّه يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها بغض النظر عن هذه الأمور، فهي تدرك الآراء المعارضة. وبالتالي، من أجل التماس حل قضائي لهذه المسألة في أقرب فرصة -وأيضاً لتسهيل إجراء تحقيقها العملي من خلال إرسائه على أساس قانوني سليم- تمارس المدعي العام سلطتها بموجب المادة 19 (3) من النظام الأساسي وتطلب من الدائرة التمهيدية الأولى (“الدائرة”) البت في نطاق الاختصاص الإقليمي للمحكمة فيما يخص الوضع في فلسطين. تسعى المدعي العام، على وجه التحديد، إلى تأكيد أنّ “الأرض” التي قد تمارس المحكمة اختصاصها عليها بموجب المادة 12 (2) (أ) تشمل الأرض الفلسطينية المحتلة، أي الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة.
- حل هذه المسألة الأساسية ضروري الآن لعدة أسباب. أولاً، سيسمح بالنظر القضائي في مسألة أساسية قبل الشروع في مسار تطبيقي قد يكون مثيرًا للجدل. إنّ نظام الاختصاص القضائي للمحكمة هو حجر الزاوية الأساسي لنظام روما، وبالتالي فإنّه ليس فقط من مصلحة المحكمة، ولكن أيضًا من مصلحة الدول والمجتمعات المعنية ككل أن يجرى أي تحقيق على أساس متين وواضح من الاختصاص القضائي. وسيكون من المخالف للاقتصاد القضائي إجراء تحقيق في سياق الاختصاص القضائي غير المبتوت فيه سابقاً، فقط ليكتشف لاحقًا عدم وجود أسس قانونية داعمة.
وجهة نظري هي أنّ مخاوف مكتب المدعي العام مازالت صحيحة الآن بالضبط كما كانت قبل أن تصدر الدائرة التمهيدية الأولى قرارها. إذ أنّ الدائرة التمهيدية الأولى لا تمتلك القول الفصل في نطاق اختصاص المحكمة، بل تمتلكها دائرة الاستئناف. ربما لم تصل قضية الإختصاص القضائي إلى دائرة الإستئناف الآن، لأنّ مكتب المدعي العام وفلسطين سعداء بشكل واضح بالقرار ولم تحاول إسرائيل استئنافه بموجب المادة 82 (1) (أ). لكن من المحتمل جدًا أن يكون لدائرة الاستئناف كلمتها في النهاية: أي مشتبه به يواجه اتهامات – إسرائيلياً كان أم فلسطينياً – سيكون لديه كل الحافز للطعن في قرار الدائرة التمهيدية الأولى. وفي الواقع، لن يثير الاختصاص القضائي إمكانية عدم اتفاق دائرة الاستئناف مع الدائرة التمهيدية الأولى فحسب، بل سيعطي المشتبه به أيضًا قضمة ثانية من تفاحة الدائرة التمهيدية الأولى، وذلك نظرًا لعدم وجود ضمان بأنّ الدائرة التمهيدية الأولى التي ستنظر في الطعون ستكون نفسها التي قررت لصالح مكتب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية. قد تمر سنوات قبل توجيه تهم إلى أي شخص في الوضع الفلسطيني. هل سيبقى القاضي بريشامو والقاضي كوفاكس موجودين في تلك المرحلة؟ تنتهي فترة ولايتهما في العام 2024. وإذا كانا موجودين، فهل سيبقيان في الدائرة التمهيدية الأولى؟
ويجدر التأكيد أيضًا على أنّ الدائرة التمهيدية الأولى كانت تعلم جيدًا أنّ قراراها لن يكون هو الكلمة الأخيرة بشأن الاختصاص القضائي. هنا الفقرة 131 من القرار:
ومن المناسب كذلك التأكيد على أنّ استنتاجات الدائرة تتعلق بالمرحلة الحالية من الاجراءات، أي بدء المدعي العام تحقيقاً عملاً بالمواد 13 (أ)، و14، و53 (1) من النظام الأساسي. وعندما يقدم المدعي العام طلبًا لإصدار أمر اعتقال أو استدعاء للمثول بموجب المادة 58 من النظام الأساسي، أو إذا قدمت دولة أو مشتبه به طعناً بموجب المادة 19 (2) من القانون الأساسي، فستكون الدائرة في وضع يتيح لها فحص المزيد من مسائل الاختصاص القضائي التي قد تنشأ في ذلك الوقت.
لأكون واضحًا، أنا لا أقترح أنه من المحتمل أن تصل الدائرة التمهيدية الأولى في المستقبل إلى نتيجة مخالفة، حتى لو شُكلت بشكل مختلف. لكنها بالتأكيد ليست مستحيلة، لاسيما بالنظر إلى الحدة التي اختلف فيها القاضي كوفاكس مع منطق الأغلبية. وبالطبع ليس لدينا أي فكرة عما ستقوله دائرة الاستئناف عندما تواجه في نهاية المطاف مسائل الاختصاص القضائي.
كان مكتب المدعي العام في محكمة الجنايات الدولية على الدوام حذراً للغاية في التحقيق في فلسطين. يمكن تفهّم ذلك بالنظر إلى المخاطر. وبالتالي، من المؤسف أنّ مكتب المدعي العام لم يواصل نهجه الحذر من خلال استئناف “فوزه” أمام دائرة الاستئناف. إلى أن تنظر دائرة الإستئناف في مسألة الإختصاص القضائي، فإنّ جميع الاعتبارات التي قادت مكتب المدعي العام إلى الاحتجاج بالمادة 19 (3) في المقام الأول لا تزال سارية.