ليرون ليبمان يكتب: في نقد قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية بالتحقيق في “الوضع في فلسطين” والدولة الفلسطينية
اللغة الأصلية للنص: الإنجليزية
عنوان المقال بالإنجليزية:
The ICC’s Prosecutor Decision to Investigate the ‘Situation in Palestine’ and Palestinian Statehood.
رابط المقال الأصلي ومصدره بالإنجليزية: هنا
تاريخ نشر المقال الأصلي: 15 يناير/كانون الثاني 2020
الكاتب: ليرون ليبمان، وهو باحث في برنامج أمنون ليبكين شاحاك للأمن القومي والديمقراطية في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية في تل أبيب
ترجمه إلى العربية: هنادي صلاح
ل: القانون من أجل فلسطين ©
نشرت مدونة Lawfare مقالاً، كتبه ليرون ليبمان، يلخص فيه قرار المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية في فتح تحقيق في الوضع في فلسطين.
يقول ليبمان أصدرت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودا في 20 ديسمبر / كانون الأول 2019 بعد ما يقرب مرور خمس سنوات على التحقيق الأولي، بيانًا بأنها تعتزم فتح تحقيق بشأن “الوضع في فلسطين”، قائلة: تم استيفاء جميع المعايير القانونية بموجب نظام روما الأساسي، النظام الأساسي للمحكمة الجنائية. ويأتي هذا القرار على العكس مما صرح به المدعي السابق أوكامبو أن المحكمة ليس لها اختصاص على الأحداث في فلسطين.
وأوضح الكاتب أن المدعية العامة تعتمد في تحديد الولاية القضائية على الاعتراف المزعوم بالدولة الفلسطينية من قبل الهيئات السياسية الدولية وعلى النظر في المعايير الموضوعية لإقامة الدولة بموجب القانون الدولي. وأشار الكاتب إلى أن كلا المسارين المتبعين يمثلان مشكلة. فمن جانب قالت بنسودا إنها لا تحتاج إلى تصريح من الدائرة التمهيدية لقرارها بفتح تحقيق رسمي لأن فلسطين نفسها أحالت الوضع إلى المحكمة وفقا للمادة 14 من نظام روما الأساسي. ومع ذلك، قررت بنسودا طواعية طلب قرار من الدائرة التمهيدية PTCحول نطاق الولاية القضائية الإقليمية للمحكمة في فلسطين بسبب “القضايا القانونية والوقائع الفريدة والمتنازع عليها”. وفي طلبها المقدم للدائرة، طلبت المدعية العامة أيضا تأكيد أن “المنطقة” التي يمكن للمحكمة أن تمارس سلطتها القضائية عليها والتي تخضع للتحقيق تشمل الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة.
ومن جانب آخر، وقبل ساعات من بيان المدعية العامة، أصدر المدعي العام الإسرائيلي أفيحاي ماندلبليت مذكرة مفصلة يشرح فيها سبب اعتقاد إسرائيل أن المحكمة الجنائية الدولية تفتقر الاختصاص القضائي على الوضع. وبين حججه بشأن الاختصاص القضائي.
وأشار الكاتب قبل الإسهاب في استنتاجات بنسودا وحجج ماندلبليت المضادة بشأن الاختصاص القضائي، للنتائج الأخرى التي توصلت إليها المدعية العامة، وهي أن هناك أساسًا معقولًا للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب من قبل الجانبين (الاحتلال الاسرائيلي، أعضاء حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة) خلال الأعمال القتالية في غزة عام 2014. على وجه الخصوص. ارتكب عناصر من جيش الدفاع الإسرائيلي جرائم الحرب التالية: تعمد شن هجمات غير متناسبة في ثلاث حوادث على الأقل، غير محددة في الطلب؛ القتل العمد والتسبب عمداً في إصابات خطيرة للجسم أو الصحة؛ وتعمد توجيه هجوم ضد أشياء أو أشخاص يستخدمون الشعارات المميزة لاتفاقيات جنيف. على الجانب الفلسطيني، أشارت المدعية العامة إلى وجود أساس معقول للاعتقاد بأن أعضاء حماس والجماعات الفلسطينية المسلحة ارتكبوا جرائم الحرب التالية: تعمد توجيه هجمات ضد المدنيين والأعيان المدنية. استخدام الأشخاص المحميين كدروع بشرية؛ تعمد حرمان الأشخاص المحميين من حقوقهم في محاكمة عادلة ونظامية؛ والقتل المتعمد والتعذيب أو المعاملة اللاإنسانية والاعتداء على الكرامة الشخصية.
وخلصت بنسودا إلى أن الجرائم التي يُزعم ارتكابها من قبل الفلسطينيين يُتوقع قبولها أمام المحكمة لأنه لا توجد إجراءات محلية فلسطينية ضد الجناة المزعومين، وأن القضايا من الخطورة بما يكفي لتبرير إجراء من قبل المحكمة. وفيما يتعلق بالجرائم التي يُزعم ارتكابها من قبل الجانب الإسرائيلي، أقر المدعي العام الإسرائيلي بوجود تحقيقات محلية جارية وأشار إلى أن مراجعة التكامل لغرض تحديد الأعمال الإسرائيلية التي يمكن قبولها أمام المحكمة ستتم في وقت لاحق من الإجراءات.
بالإضافة إلى الأعمال التي وقعت في سياق الأعمال القتالية في غزة عام 2014، وجد المدعي العام أساسًا معقولاً للاعتقاد بأن أفراد السلطات الإسرائيلية قد ارتكبوا جرائم حرب من خلال تسهيل نقل المدنيين الإسرائيليين إلى الضفة الغربية منذ 13 حزيران 2014، وأن هذه الجرائم المزعومة مقبولة. كما ذكرت المدعية أنها ستحقق فيما إذا كانت الأعمال التي تبذلها السلطات الإسرائيلية، ابتداء من عام 2018، لتفريق المظاهرات على طول السياج الحدودي مع غزة تشكل استخدامًا غير متناسب للقوة يصل إلى حد جريمة دولية. (لمراجعة تقرير لجنة الأمم المتحدة لنتائج التحقيق بشأن هذه المسألة الأخيرة، انظر هنا)
وحول الاستنتاجات والحجج بشأن الاختصاص القضائي، ذكر الكاتب أنه أثناء المفاوضات حول نظام روما الأساسي، الذي تم تبنيه في عام 1998، أيدت بعض الدول منح المحكمة الجنائية الدولية الولاية القضائية العالمية. ولكن تم رفض هذا النهج في النهاية. وبدلاً من ذلك، اتفقت الدول الأعضاء على نهج أضيق، يستند فيه اختصاص المحكمة على سيادة الدولة وموافقتها. بعبارة أخرى، لا تكتسب المحكمة الولاية القضائية إلا عندما تفوض الدول الأطراف مواقف تقع بوضوح ضمن اختصاصها القضائي إلى المحكمة.
هذا يعني أن هناك ثلاث حالات تمنح المحكمة الجنائية الدولية الاختصاص:
وفقاً للمادة 15، للمحكمة أن تمارس اختصاصها فيما يتعلق بجريمة مشار إليها في المادة 5 وفقاً لأحكام النظام الأساسي في الأحوال التالية:
(أ) إذا أحالت دولة طرف إلى المدعي العام وفقاً للمادة 14 حالة يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
(ب) إذا أحال مجلس الأمن، متصرفاً بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، حالة إلى المدعي العام يبدو فيها أن جريمة أو أكثر من هذه الجرائم قد ارتكبت.
(ج) إذا كان المدعي العام قد بدأ بمباشرة تحقيق فيما يتعلق بجريمة من هذه الجرائم وفقاً للمادة 15.
وهنا يجب الإشارة إلى أن إسرائيل ليست دولة طرف في نظام روما الأساسي، ولم يقم مجلس الأمن بإحالة الوضع إلى المحكمة. لذلك، فإن النقاش ذي الصلة بالمحكمة هو ما إذا كانت فلسطين دولة، ودولة طرف في النظام الأساسي، وبالتالي، قادرة على تفويض الولاية القضائية على الجرائم المرتكبة في أراضيها إلى المحكمة. إذا كانت الإجابة بالإيجاب، فيجب على المحكمة أن تجيب على الفور على السؤال التالي: ما هي أراضي هذه الدولة الفلسطينية الجديدة؟ وقد قدمت المدعية العامة إجابة واضحة على هذه الأسئلة: فلسطين دولة. طرف في نظام روما الأساسي؛ وأراضيها، التي يجوز للمحكمة الجنائية الدولية ممارسة اختصاصها، هي الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وقطاع غزة.
كان لويس مورينو أوكامبو، المدعي العام السابق للمحكمة، وجه نفس الأسئلة الصعبة. قام الفلسطينيون بمحاولتهم الأولى للتذرع بالاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية في السياق الإسرائيلي الفلسطيني في عام 2009، وقدموا إعلانًا وفقًا للمادة 12 (3) من نظام روما الأساسي، وافقت فيه فلسطين على الخضوع للاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية عن “الأفعال المرتكبة على فلسطين منذ 1 يوليو 2002. ” قرر مورينو أوكامبو إنهاء الفحص التمهيدي دون الشروع في تحقيق في 3 أبريل 2012. وفي قراره، نص على أن تقع صلاحية تحديد مصطلح “الدولة” بالمعنى المقصود في المادة 12، في المقام الأول، على عاتق الأمين العام للأمم المتحدة الذي سيخضع، في حالة الشك، إلى توجيهات الجمعية العامة. ويمكن لجمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي أن تقرر في الوقت المناسب معالجة هذه المسألة.
أضاف مورينو أوكامبو أن “نظام روما الأساسي لا يمنح أي سلطة لمكتب المدعي العام لاعتماد طريقة لتعريف مصطلح “الدولة “. وبعبارة أخرى، قرر مورينو أوكامبو الاستعانة بمصادر خارجية كون القضية سياسية ومتنازع عليها خارج المؤسسة القانونية للمحكمة الجنائية الدولية. وهذا يعني أنه لم يتأثر بحقيقة أن أكثر من 130 حكومة ومنظمة دولية اعترفت بفلسطين كدولة. واعتبر هذا الاعتراف شرطًا غير كافٍ لقيام دولة بموجب نظام روما الأساسي.
وأشار الكاتب أن بنسودا تتبع منهج أوكامبو، فقد لاحظت أنه وفقًا لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 67/19، الذي تم اعتماده في 29 نوفمبر 2012، حصلت فلسطين تعلى مكانة في الأمم المتحدة عبر حصولها على صفة الدولة غير العضو “مراقب”. وبالإضافة إلى تصنيف الأمم المتحدة، اعتمدت المدعية العامة أيضًا على وضع فلسطين كدولة طرف في نظام روما الأساسي -والذي حصل منذ 3 يناير / كانون الثاني 2015 – بعد إيداع صكوك انضمامها لدى الأمين العام للأمم المتحدة. -باعتباره الوديع لنظام روما الأساسي وفقًا للممارسات المتبعة (الفصل الخامس).
وقد أقرت بنسودة بوجود بعض المعارضين لوجهة النظر هذه: حيث ذكرت أنه خلال اجتماع مكتب جمعية الدول الأطراف في نظام روما الأساسي (ASP)، أعلنت بعض الدول وجهة نظرها بأن تسمية “دولة فلسطين” “لا ينبغي أن يفسر على أنه اعتراف بدولة فلسطين -أوضحت هذه الدول أن هذا البيان كان دون المساس بالمواقف الفردية للدول الأطراف بشأن هذه القضية. ومع ذلك، قللت المدعية العامة من أهمية هذه النقطة، بحجة أنه لا يوجد ما يشير إلى أن فلسطين يمكن أن تُعامل بشكل مختلف عن أي عضو آخر في جمعية الدول الأطراف. وعلى العكس من ذلك، أشارت إلى أنه تم انتخاب فلسطين لعضوية مكتب آسيا والمحيط الهادئ في جمعية الدول الأطراف للمحكمة في دورته السادسة عشرة في ديسمبر 2018.
في النهاية، خلصت بنسودة إلى أنه “من أجل ممارسة ولايتها القضائية في أراضي فلسطين بموجب المادة 12/2، لا تحتاج المحكمة إلى إجراء تقييم منفصل لوضع فلسطين (ولا دولانيتها) عن ذلك الذي تم إجراؤه عندما انضمت فلسطين إلى المحكمة “. حتى الآن، يبدو أنها تسير بحذر على خطى سلفها. لتبرير استنتاجها المختلف، شددت على التغييرات التي حدثت منذ قرار مورينو أوكامبو بعدم إجراء تحقيق. وشددت المدعية العامة في طلبها على الاتساق بين قرارها وممارسة أوكامبو.
ونبه الكاتب إلى أنه قد يطعن المراقبون في الاستنتاج القائل بأن فلسطين دولة، حتى في إطار نهج الاستعانة بمصادر خارجية (انظر مذكرة النائب العام الإسرائيلي). فمن ناحية، كما ناقش الكاتب نفسه في مكان آخر، قبل اعتماد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 67/19، ليس من الواضح ما إذا كان الفلسطينيون قد طلبوا من الأمم المتحدة إضفاء الشرعية على إقامة دولة فلسطين في المستقبل، أو ما إذا كانوا يطلبون الاعتراف بدولة فلسطينية قائمة.
وأجاب ليبمان على سؤال لماذا يقوم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتقييم السمات القانونية للدولة الفلسطينية بموجب القانون الدولي؟ بأنه وبعد مناقشة الوضع الرسمي لفلسطين كعضو في المحكمة الجنائية الدولية وفقًا لنظام روما الأساسي، اتخذ طلب بنسودا إلى الدائرة التمهيدية منحى غريبًا من خلال تقديم موقف بديل بشأن سمات الدولة الفلسطينية. وافترضت أنه يمكن اعتبار فلسطين “دولة” لأغراض نظام روما الأساسي بموجب مبادئ وقواعد القانون الدولي ذات الصلة. تم تقديم هذا التأكيد باعتباره موقفًا احتياطيًا في حال وجدت الدائرة التمهيدية PTC أن العضوية في نظام روما الأساسي غير كافية لفلسطين لتلبية عتبة الدولة بموجب القانون الدولي.
وأوضح الكاتب أن هذه الخطوة كانت غريبة لسببين:
أولاً، على الرغم من أنه في بعض الأحيان يكون من الممارسات الجيدة والفعالة للمتقاضين تقديم حجة أو موقف بديل مقدمًا، إلا أنه يمكن أن يظهر أيضًا عدم الثقة في قوة الحجة الرئيسية. إذا كان استكشاف موقف بديل يدفعك إلى المياه السياسية المتنازع عليها بعمق، فلماذا لا تنتظر وترى قرار الدائرة التمهيدية بالفعل على تناول مسألة الدولة الفلسطينية بموجب القانون الدولي؟ ينعكس هذا التردد في ممارسات المحاكم المحلية التي عادة ما تترك مسائل الاعتراف بالدول للسلطة التنفيذية، بسبب طابعها السياسي (Malcolm N. Shaw ، القانون الدولي ، ص 471-472).
حتى محكمة العدل الدولية، في فتواها بشأن إعلان استقلال كوسوفو في عام 2010، فسرت السؤال المطروح عليها بطريقة ضيقة لتجنب الإجابة على الأسئلة السياسية حول استحقاق مطالبة كوسوفو بإقامة دولة وفق القانون الدولي.
ثانيًا، شدد بيان المدعية العامة على أنها لا تطلب تفويضًا من الدائرة التمهيدية لقرارها بالتحقيق، بل إنها تسعى فقط إلى الحصول على حكم قضائي بشأن الأراضي الفلسطينية ذات الصلة الخاضعة لاختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
وأوضح الكاتب أنه ربما يتكهن المرء أن بنسودا ترغب في منع الدائرة التمهيدية من تقييم ما إذا كان التحقيق في الأحداث في فلسطين سيخدم مصالح العدالة (المادة 53 من نظام روما الأساسي). فعلى أية حال، وفي أبريل/نيسان 2019، كانت غرفة أخرى في الدائرة التمهيدية قد رفضت طلب بنسودا للتحقيق في الوضع في أفغانستان لأن ذلك “لن يخدم مصالح العدالة” عملاً بالمادة 53. وفي طلبها الحالي، ذهبت إلى الاعتراف بأن مسألة الدولة الفلسطينية “لا يبدو أنها قد حُلت بشكل نهائي”، لكنها لم تطلب أن تقرر الدائرة التمهيدية عموماً ما إذا كانت المحكمة مختصة بالنظر في الوضع في فلسطين. وطلبت منها فقط تأكيد رأيها فيما يتعلق بالإقليم الخاضع للولاية القضائية. وبعبارة أخرى، وضعت المدعية العامة طلبها إلى الدائرة التمهيدية في إطار يمكّن الدائرة من معالجة أسئلة جغرافية أكثر ضيقًا ودون أن يتم التطرق لمسألة الدولة الفلسطينية بشكل مستقل.
فعلى سبيل المثال، قد تبحث الدائرة التمهيدية فيما إذا كانت الأراضي الخاضعة لولاية “دولة فلسطين” تشمل المنطقة (ج) من الضفة الغربية – التي تشمل حوالي 60% من الأراضي، بما في ذلك المواقع العسكرية الإسرائيلية والمستوطنات الإسرائيلية، وبموجبها، وفقا للاتفاق الإسرائيلي الفلسطيني المؤقت (المادة 17)، لا تملك السلطة الفلسطينية الولاية القضائية (انظر أيضا مذكرة المدعي العام الإسرائيلي (الفقرة 55-60) – أو أن نستنتج أنه لا يشمل قطاع غزة الذي تسيطر عليه حماس، أو أنه لا يشمل القدس (وبيت لحم) بسبب الموقف الذي اتخذه الفلسطينيون أمام محكمة العدل الدولية في إجراءاتها ضد الولايات المتحدة (المذكرة، الفقرة 46). لماذا إذن، ينبغي على الدائرة التمهيدية أن تدخل في مسألة الدولة الفلسطينية نفسها إذا لم يُطلب منها ذلك؟
وربما أضافت بنسودا خيارا للدائرة التمهيدية لتقييم الدولة الفلسطينية على أسس القانون الدولي لأنها تشعر بعدم الارتياح من الاستعانة بمصادر خارجية لتحديد مكانة فلسطين كالمنظمات السياسية الدولية. ويمكن أن يكون الدافع وراء هذا القلق سببان مؤسسيان على الأقل.
أولاً: يمنح نظام روما الأساسي للمحكمة السلطة الوحيدة لتأسيس اختصاصها (المادة 19 (1)، 119 (1) من نظام روما الأساسي)، وقد يكون الإذعان للهيئات السياسية سابقة خطيرة للاستقلال القانوني للمحكمة الجنائية الدولية.
ثانيا: تتعارض حجة الاستعانة بمصادر خارجية مع إعلان رئيس جمعية الدول الأطراف في ميثاق روما ASP – الذي تم تقديمه عندما دُعيت فلسطين لأول مرة للمشاركة في الاجتماع السنوي – بأن السماح لفلسطين بالمشاركة كان قرارًا إجرائيًا دون المساس بقرارات أجهزة المحكمة بشأن القضايا القانونية ( المذكرة ، الفقرات 24-25). وبالمثل، لإثبات اختصاص المحكمة على فلسطين.
إن قرار المدعية العامة بأن فلسطين تستوفي معايير الدولة بموجب القانون الدولي حاول التغلب على التحديات المقدمة في وجه المطالبة الفلسطينية والمتمثلة بالمعايير الموضوعية لإقامة الدولة التي حددتها اتفاقية مونتيفيديو بشأن حقوق وواجبات الدول في عام 1933. وفقًا للاتفاقية، لكي يتم تصنيف كيان سياسي على أنه دولة، يجب أن يكون لديه “حكومة” تسيطر بشكل فعال على الإقليم. في الواقع، كما اعترفت بنسودا، فإن الفلسطينيين أنفسهم يقرون صراحةً بأن لديهم مشكلة في تلبية هذا الشرط، حيث قام محامون فلسطينيون بتفصيل ذلك في بلاغ للنائب العام أنه لا تزال مجمل الأرض الفلسطينية المحتلة تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي. على هذا النحو، فإن نطاق وقدرة الحكومة الفلسطينية على تقديم الخدمات للمواطنين، بما في ذلك القدرة على الوصول إليهم وتزويدهم بالحماية وإجراء التحقيقات، يتم تقييدهما بشدة وأحيانًا تقويضه تمامًا بسبب الممارسات والقيود والمحظورات التي تفرضها إسرائيل.
ومن أجل سد الفجوة بين التطلع الفلسطيني المعترف به على نطاق واسع لإقامة دولة مستقلة والسيطرة المحدودة التي تمارسها السلطة الفلسطينية في الممارسة العملية، تبنت بنسودة نهجًا جذريًا. واقترحت تخفيف معايير مونتفيديو، وذلك في الحالات التي لا يتم فيها الوفاء بالحق المعترف به لتقرير المصير في إقليم ما، بسبب أفعال تعتبر غير قانونية أو غير صالحة بموجب القانون الدولي. إن هذا النهج إشكالي، على أقل تقدير، من حيث المبدأ وفي تطبيقه على السياق الإسرائيلي الفلسطيني.
ووضح ليبمان أنه من حيث المبدأ، صحيح أن القانون الدولي يتأرجح بين اعتبارات واقعية وقيم مثالية (أو من الاعتذار إلى المدينة الفاضلة). ومع ذلك، لا تزال الدولة هي حجر الزاوية في النظام الدولي، مع مسؤوليات أساسية تجاه كل من الخارج والمجتمع الدولي والداخل تجاه سكانها. لا ينبغي أن تكون الدولة “جائزة ترضية” لأولئك المحرومين من العدالة أو جبر الضرر (بنفس الطريقة التي يتم بها رفض فكرة “الانفصال العلاجي” غالبًا). وبينما أنشأ بعض العلماء ممارسة حديثة لتخفيف معيار الحكومة الفعالة، لم يقترح أي منهم تجاهلها تمامًا.
لا تزال الدولة هي حجر الزاوية في النظام الدولي، مع مسؤوليات أساسية تجاه كل من الخارج والمجتمع الدولي والداخل تجاه سكانها. لا ينبغي أن تكون الدولة “جائزة ترضية” لأولئك المحرومين من العدالة أو جبر الضرر
وأضاف ليبمان أنه بموجب القانون الدولي، فإن الدول القائمة والمعترف بها والتي تصبح محتلة بالكامل ستحتفظ بمكانتها كدولة. كالكويت التي وقعت تحت الاحتلال العراقي في عام 1990 وهي مثال حديث (انظر قرار مجلس الأمن الدولي 661). ويمكن الاعتراف بدولة مستقلة حديثًا في حدود تتجاوز الأراضي التي كانت تسيطر عليها فعليًا لحظة الاستقلال. مثلما حدث حين تم الاعتراف بغينيا بيساو على نطاق واسع كدولة مستقلة في عام 1973، على الرغم من أن حركة التحرير التي قامت بإقامة الدولة في ذلك الوقت كانت تسيطر فقط على جزء من الإقليم (انظر Shaw، ص 205-206). ومع ذلك، بين الكاتب بأنه ليس على علم بأي سابقة لدولة جديدة تظهر بينما تدعي أنها محتلة بالكامل من قبل دولة أخرى. الاحتلال الأجنبي والحكومة المستقلة فئتان متعارضتان. وبالتالي فإن الادعاء بأن فلسطين دولة مستقلة في “الأراضي الفلسطينية المحتلة” هو تناقض في القانون الدولي.
وفيما يتعلق بتطبيق هذا النهج على السياق الإسرائيلي الفلسطيني، قد يتساءل المرء عما إذا كانت هذه هي بالفعل الحالة المناسبة لتنفيذ هذه الفكرة المتطرفة. حيث أشارت بنسودا إلى المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وهي جريمة مزعومة تتمثل في نقل سكان القوة المحتلة إلى أرض محتلة، وإلى بناء جدار الفصل في الضفة الغربية باعتبارها إجراءات غير قانونية تمنع الفلسطينيين من ممارسة سيطرتهم على الأراضي المحتلة و تحقيق الدولة. قد ينتقد المرء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية باعتبارها عقبة أمام السلام أو حتى انتهاكًا للقانون الدولي. ومع ذلك، هل هي حقا السبب الرئيسي لعدم قيام دولة فلسطينية بعد؟ حيث قامت إسرائيل بتفكيك جميع مستوطناتها في قطاع غزة خلال فك الارتباط عام 2005. هل أدى هذا إلى تقدم في سيطرة السلطة الفلسطينية على الأرض؟ على العكس من ذلك، السلطة الفلسطينية فقدت السيطرة على قطاع غزة لصالح حماس بعد ذلك بعامين. وماذا عن حملة التفجيرات الانتحارية الفلسطينية على المدنيين في المطاعم والحافلات وأماكن أخرى في إسرائيل التي أخرجت (من بين عوامل أخرى) عملية أوسلو وأدت إلى بناء الجدار في المقام الأول؟ كيف يمكن لمناقشة عادلة للآثار القانونية للجدار الذي بنته إسرائيل على الدولة الفلسطينية أن تتجاهل هذه الحملة الإرهابية؟ في الخلفية الوقائية التفصيلية الواردة في طلب المدعي العام إلى الدائرة التمهيدية، لم يتم ذكر هذا العنصر السياقي المهم.
وبالانتقال إلى الصورة الأوسع: اعترفت إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير عام 1978 وتوصلت إلى اتفاق مؤقت مع منظمة التحرير الفلسطينية في عام 1995، يقضي بحكم ذاتي في المناطق مع خارطة طريق لاتفاقية الوضع الدائم. صح أن محادثات السلام قد وصلت إلى طريق مسدود منذ فترة طويلة وتوجد وجهات نظر مختلفة حول من هو المسؤول الأكبر عن هذا المأزق. ومع ذلك، من الصعب القول بأن الوتيرة البطيئة لنقل ملكية الأراضي والسلطة الحكومية من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية ترقى إلى مستوى إنكار صارخ لحق تقرير المصير لدرجة أنه يبرر الاعتراف بالدولة دون سيطرة حكومة فعالة على المنطقة المعنية.
بالإضافة إلى ذلك، في الدفاع عن منح وضع الدولة لدولة تفتقر إلى السيطرة على الإقليم، يشير المدعي العام إلى أن الدول الأطراف الأخرى في نظام روما الأساسي قد تواجه أيضًا مشاكل في تطبيق القانون على أراضيها، فيما إن الدولة الطرف لا تفقد القدرة على إحالة القضية إلى المحكمة لأنها تواجه صعوبات في تطبيق القانون على أراضيها. بل على العكس من ذلك، قد يكون الافتقار إلى السيطرة هو سبب إحالة القضية إلى المحكمة.
من وجهة نظر ليبمان، كل هذا صحيح لكنه غير ذي صلة. المقارنة بين تلك الدول الأطراف والوضع في فلسطين تضع العربة أمام الحصان ببساطة. فالسؤال هنا هو ما إذا كانت فلسطين دولة ويمكن بالتالي أن تصبح دولة طرفًا في المقام الأول. في الإجابة على هذا السؤال، لا يمكن تهميش معيار سيطرة الحكومة على الإقليم.
ويرى الكاتب أنه في النهاية ليس من الواضح ما إذا كانت الدائرة التمهيدية ستقرر التعامل مع مسألة الدولة الفلسطينية، وإذا كان الأمر كذلك، ما إذا كانت ستقتصر على نهج الاستعانة بمصادر خارجية، كما فعل المدعي العام السابق للمحكمة الجنائية الدولية مورينو أوكامبو، أو ستنظر في أهلية الدولة، كما فعلت المدعية العامة الحالية. لكن الواضح، بحسب الكاتب، أن بنسودا دخلت في هذا الجدل القانوني الصعب والمثير للجدل على أرضية متزعزعة.