ل: ليوني فليشمان، جامعة لندن
يمكن الإطلاع على الأصل الإنجليزي هنا
ترجمه للعربية: إسراء إبراهيم
لمنظمة القانون من أجل فلسطين
وفقاً لتقرير “هيومن رايتس ووتش” الذي تم نشره مؤخراً في 27 أبريل، يعد التمييز العنصري من قبل القوانين والسياسات الإسرائيلية ضد الفلسطينيين في مرتبة جريمة الفصل العنصري. حيث يتهم هذا التقرير المؤلف من 213 صفحة، إسرائيل بأنها ترسخ الفصل العنصري بالأراضي الفلسطينية المحتلة. كما يستنتج أنه في مناطق معينة تشكل هذه الأفعال جرائم ضد الإنسانية متمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد.
هذه ليست المرة الأولى التي يتم استخدام مصطلح “الفصل العنصري” في قضية فلسطين وإسرائيل. لقد وصف الفلسطينيون تجاربهم اليومية على هذا النحو منذ منتصف الستينات. لكن التقرير الذي أصدرته منظمة حقوق الإنسان الدولية أبرز المصطلح وتم طرحه كموضوع نقاش رئيسي في المناقشات والمناظرات العامة.
تلعب اللغة دوراً هاماً في الخطاب الخاص بإسرائيل وفلسطين، كما أوضحتُ في كتابي عن الحركة الإسرائيلية المكافحة للاحتلال والناشطة في مجال حقوق الانسان. وبالإشارة إلى مصطلحات “النراع الفلسطيني الإسرائيلي” أو “الاحتلال العسكري الإسرائيلي” أو “استعمار الاستيطان الإسرائيلي” أو “الفصل العنصري الإسرائيلي” ينعكس لنا وجهات نظر أيديولوجية مختلفة. فبجانب مستوى البلاغة والخطابة، تدل هذه المصطلحات أيضاً على أطر قانونية مختلفة وبالتالي إلتزامات مختلفة على الإسرائيليين والفلسطينيين.
إنّ ضرورة فهم مصطلح “الفصل العنصري” وتفسير النتائج المترتبة على هذا الوضع لا تقل أهمية عن تحديد دقة التقرير في حد ذاته.
أصل مصطلح “الفصل العنصري”
اكتسب مصطلح “الفصل العنصري” لأول مرة رواجاً كأداة سياسية وأيديولوجية من قبل الحزب الوطني بحكومة جنوب إفريقيا، والتي فازت في الانتخابات العامة لعام 1948. هذا المصطلح تم ترجمته من اللغة الإفريقية، ويعني “الفصل” ليكتسب معنى اصطلاحي بفصل المجموعات العرقية المختلفة.
ينزع مصطلح الفصل العنصري في الأصل إلى تمكين التنمية المتساوية وحرية التعبير الثقافي، والسماح للمجموعات العرقية لإدارة شؤونهم الخاصة. لكن على أرض الواقع، كان النظام يميزبين الفئة الأقلية البيضاء والسكان الأصليين أصحاب البشرة السوداء، وأصحاب البشرة الملونة والهنود.
الفصل العنصري كان مبنياً على الخوف الإفريقي بأن طريقة حياتهم ستكون مهددة بانضمام أشخاص من ألوان أخرى إليهم.
الفصل العنصري كان مبنياً على الخوف الإفريقي بأن طريقة حياتهم ستكون مهددة بانضمام أشخاص من ألوان أخرى إليهم. كان النظام يهدف لخفض سلطة الأشخاص أصحاب البشرة غير البيضاء من خلال التفرقة بينهم وتقسيمهم على أسس قبلية.
منذ منتصف الخمسينات تحديداً عام 1850 بدأ يدخل التشريع الذي يفرض الفصل العنصري حيز النفاذ. لكن الأيديولوجية المعلنة للحزب الوطني لم تطبق حتى عام 1950. كان ذلك حين ما قام قانون التسجيل السكاني بتفصيل الإطار الأساسي للفصل العنصري من خلال تصنيف مواطني جنوب أفريقيا حسب العرق. حتى نهاية الفصل العنصري في أوائل التسعينات من القرن العشرين، ضَمِنَ نظام القوانين الفصل بين الأعراق والتمييز ضد أصحاب البشرة غير البيضاء.
جريمة دولية
منذ عام 1962، كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة تدين سنوياً الفصل العنصري الذي تمارسه جنوب أفريقيا والذي يتعارض مع وثيقة الأمم المتحدة. لكنه لم يكن يشكل جريمة حتى عام 1973 حين أعلنت الأمم المتحدة أن أفعال الفصل العنصري تشكل جريمة وفقاً للقانون الدولي من خلال اتفاقية منع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها.
في عام 2002، جاء ميثاق روما الشكل للمحكمة الجنائية الدولية ليصنف جريمة الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية. يُعرّف المصطلح على نحو الآتي “الأفعال غير الانسانية المرتكبة في سياق نظام مؤسسي للاضطهاد المنهجي والتحكم من قبل مجموعة عرقية ضد مجموعة عرقية أخرى”.
لذا، على الرغم من أن مصطلح “الفصل العنصري” قد نشأ في جنوب أفريقيا وأول تشريع دولي قد تم إصداره رداً على حالة تواجدت في جنوب أفريقيا، الجريمة المفصلة وفقاً للقانون الدولي تنطبق على الحالات الأخرى أيضاً.
هناك دول أخرى تم اتهامها باستخدام سياسات تعد جرائم فصل عنصري، منها الصين والمملكة العربية السعودية. حيث أجريت هيومن رايتس ووتش دراسة مشابهة على قضية إسرائيل، كما فسرت الاضطهادات المرتكبة ضد الأقلية في دولة ميانمار كجرائم فصل عنصري.
هل المصطلحات مهمة؟
بالرغم من أن مصطلح الفصل العنصري أصبح مصطلحاً قانونياً عالمياً، إلا أن النقاشات التي يطرحها تقرير هيومن رايتس ووتش والاتهامات الموجهة مسبقاً لإسرائيل حول ارتكاب جرمة الفصل العنصري غالباً ما تتركز على قدرة المصطلح على تجاوز حالة جنوب أفريقيا. يستند الذين يناصرون تطبيق المصطلح في الغالب إلى أوجه التشابه مع حالة الفصل العنصري التي وقعت في جنوب أفريقيا، أما أولئك الذين يرفضون الاستناد إلى المصطلح فإنهم يسلطون الضوء على أوجه الاختلاف.
في حالات عديدة، يتم استخدام المصطلح كوسيلة بلاغية للتأكيد على خطورة التجاوزات المرتكبة، ولإثارة المعارضة لمحاكاة حركة مكافحة الفصل العنصري. بينما يرفض البعض الآخر هذه الاتهامات ويفضلون استخدام مصطلح “الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي”. هذا يعني ضمناً أن النزاع بين الطرفين غير قابل للحل إلا من خلال المفاوضات بينهما.
في جنوب أفريقيا، المسألة لم تكن متعلقة بإنكار ما إذا كان هناك سياسة أو نظام فصل عنصري، بل ركز الحوار على ما إذا كان من حق الفئات المختلفة عرقياً أن يحصلوا على نفس المزايا.
مسألة استخدام المصطلح ليست مقتصرة فقط على البلاغة والخطاب، بل تمتد لتحديد الإطار القانوني الذي يحكم المسألة.
مسألة استخدام المصطلح ليست مقتصرة فقط على البلاغة والخطاب، بل تمتد لتحديد الإطار القانوني الذي يحكم المسألة.
وفقاً للقانون الدولي الحالي، تعرف الضفة الغربية ومرتفعات الجولان والقدس الشرقية على أنها مناطق محتلة، خاضعة للاحتلال العسكري الإسرائيلي في أعقاب حرب عام 1967. وعلى الهامش فإن قوانين الاحتلال تعد مستمدة من قانون النزاع المسلح الدولي.
يهدف هذا الإطار القانوني إلى الموازنة بين المصالح الأمنية للقوات الاستعمارية ومصالح السكان المحليين حتى يتم الوصول إلى حل مرضي.
كما أوضح الباحث القانوني “إيال بنفينستي” فإنه يوجد “في قلب حالات الاحتلال تضارب محتمل، إن لم يكن متأصلاً، في المصالح بين القوة القائمة بالاحتلال والشعب المحتل.”
ومع ذلك، فإن قوات الاحتلال هي التي تملك سلطة تقرير أين يكمن التوازن. ومن ثم، فإن كثيراً من المعارضة للاحتلال العسكري تتعلق بإعادة التوازن وحماية حقوق الشعوب المحتلة.
تظهر اعتبارات ومسائل أخرى إذا ما تم تعريف إطار المصطلح بطريقة مختلفة. حيث أن تفسير الموقف استناداً للمصطلح القانوني “الفصل العنصري” يشير بأصابع الإتهام في إتجاه واحد، من خلال إتهام طرف واحد ليس فقط بإرتكاب فعل منافي للقانون بل بإرتكاب جريمة ضد الإنسانية. فهو يزيل التماثل الناشئ عن مصطلح “الصراع” ومبررات الأفعال “المعقولة” أو “المتقاربة” التي تنبع من الإطار القانوني للاحتلال. لذا فإن المصطلح يهم.
ومع ذلك، هل للمصطلحات أهمية بالنسبة لهؤلاء الذين يواجهون تمييزاً واضطهادات يومية لحقوقهم؟ سواء كان فصلاً عنصرياً، أو احتلالاً أو صراعاً، ما لم يتم إتخاذ إجراءات ملموسة لحل المسألة، يبدو أن التساؤل لا يزال قائماً حول من الذي يستحق الحقوق ومن الذي لا يستحق، ومن الذي يقرر ذلك.