المحكمة الجنائية الدولية وفلسطين : اختراق ونهاية الطريق؟ بيرس كلانسي وريتشارد فولك
اللغة الأصلية للنص: الإنجليزية
عنوان المقال بالإنجليزية: The ICC and Palestine: Breakthrough and End of the Road?a
رابط المقال الأصلي ومصدره بالإنجليزية: هنا
تاريخ نشر المقال الأصلي: 27 يوليو/تموز 2021
كتابة: بيرس كلانسي (وهو طالب دكتوراه في المركز الأيرلندي لحقوق الإنسان، جامعة أيرلندا الوطنية وباحث قانوني في منظمة “الحق”. وريتشارد فولك، وهو أستاذ فخري في القانون الدولي في جامعة برينستون، رئيس قسم القانون العالمي بكلية الحقوق في جامعة كوين ماري، لندن ؛ وكان المقرر الخاص للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة 2008 – 2014.
أعد الترجمة إلى العربية والتلخيص: خديجة الخطيب. بمساعدة: روان راضي، وسندس مفارجة.
مقدمة:
- إن قرار المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في الوضع في فلسطين كان له أثر دولي مدّوٍّ، لا سيما قرار الدائرة التمهيدية في شباط / فبراير 2021، الذي أكد اختصاص المحكمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
- إن لهذا القرار أهمية كبيرة، حتى لو توقف التحقيق لاحقاً، فلقد أعطت المحكمة بالفعل مساحة للضحايا الفلسطينيين للمشاركة في العملية من خلال محاميهم وأولت قدرًا من الاهتمام لأولئك الذين عانوا من الاستخدام المفرط للقوة في الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014, وللمتظاهرين المدنيين الذين قُتلوا وشوهوا أثناء مشاركتهم في مسيرة العودة الكبرى في 2018، وكذلك الفلسطينيين الذين شردهم بناء وتوسع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية منذ 2014.
- على الرغم من أن هذه المساحة كانت مقصورة على المذكرات القانونية التي تناقش نقاطًا مجردة حول الدولة والولاية القضائية، إلا أنه يجب عدم التقليل من الأهمية الرمزية لهذه المشاركة باعتبارها أول حالة يحضر فيها الضحايا الفلسطينيون أمام محكمة جنائية دولية.
- توقع أن تصل المحكمة الجنائية الدولية بتحقيقاتها إلى أوامر اعتقال ومحاكمات وإدانات وسجن هو أمر غير واقعي في ظل أفضل الظروف. ولكن مع ذلك، فإن فتح القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية يظل أمراً مهماً – بغض النظر عما يحدث بعد ذلك ومهما كانت مضطربة أو مطولة -. في المقابل، ما زال هناك هامش من التفاؤل المنطقي خاصةً بعد الهبة الفلسطينية في مايو 2021.
ضعف العدالة الدولية لفلسطين:
- المحكمة الجنائية الدولية ليست أول هيئة دولية تتعامل مع الجرائم التي ترتكبها اسرائيل والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لكن هناك فجوة بين نتائج تحقيقات اللجان الدولية وبين التجاوب على أرض الواقع مع هذه الجرائم. حيث أن هناك ضعف في الإرادة السياسية الدولية لاتخاذ أية اجراءات من شأنها فرض عقوبات على إسرائيل ووضع حد للجرائم المنتهكة.
- بالإضافة إلى لجان التحقيق الدولية، قامت محكمة العدل الدولية عام 2004 بفحص السلوك غير القانوني لدولة إسرائيل وأصدرت رأيها الاستشاري فيما يخص عدم شرعية جدار الفصل العنصري.
- بالرغم من قرار المدعي العام بفتح تحقيق رسمي، والأدلة الوفيرة على ارتكاب اسرائيل لجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، لا تزال هناك عقبات كبيرة أمام محاكمة أي جندي إسرائيلي. ولكن حتى إذا لم يسفر تحقيق المحكمة الجنائية الدولية عن ملاحقات قضائية، فإن النتيجة الإيجابية التي من شأن المحكمة أن تصل إليها، سيكون لها تأثير مدوٍّ على الاعتراف بالمظالم الفلسطينية.
- الاعتراف المؤسسي الدولي بالجرائم الاسرائيلية المستمرة من شأنه تحرير الخطاب الدولي من فخ قبول الرواية السياسية السائدة بأن المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية والضم أمران يجب معالجتهما في المفاوضات المستقبلية، وهو الذي لا يبدو أنه سيحدث أبداً.
الطريق إلى الأمام: مدعاة للقلق؟ الجنائية الدولية وفلسطين كلانسي فولك
- كما هو الحال مع أي محاولة دولية للتصدي للانتهاكات الإسرائيلية، سيواجه تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بالضرورة تحديات سياسية ولوجستية حادة. خاصةً بعد توقيع اتفاقيات التطبيع مع العديد من الدول العربية، والتقارب الاسرائيلي المتزايد مع الدول الأطراف في نظام روما، واللامبالاة المستمرة من الاتحاد الأوروبي، والدعم الثابت للولايات المتحدة. كل هذا يجعل اسرائيل تتمتع بالقوة التي يمكن بواسطتها التراجع عن جهود المدعي العام.
- إن صدور حكم الدائرة التمهيدية بشأن الولاية القضائية، خاصةً بالنسبة لأولئك الذين يدعمون العدالة الجنائية الدولية في فلسطين، يعد انتصارًا مهمًا. ومع ذلك، من الضروري إدراك أن التحديات السياسية واللوجستية والقانونية لا تزال قائمة. فهذه التحديات طغى عليها إلى حد كبير الأسئلة المجردة المتعلقة بالدولة والولاية القضائية. وفي الوقت نفسه، فإن غضب الرد الإسرائيلي على قرار ليس له قوة جوهرية في حد ذاته هو علامة على أن ما فعلته المحكمة الجنائية الدولية بالفعل مهم للغاية.
- من خلال مواجهة التحديات القادمة، يمكن لمؤيدي العدالة والمساءلة في فلسطين ضمان تكرار هذا الانتصار الأخير وإثماره.
التحديات السياسية
على الرغم من أن المحكمة مؤسسة مستقلة لا تحتاج إلى إذن الدول الأطراف فيها، فإنها تظل منظمة دولية، وهي بذلك تعتمد على تمويل أعضائها. حيث تشارك إسرائيل بالفعل في جهود ضغط دولية مكثفة لنزع الشرعية عن الحقوق الفلسطينية، وذلك من خلال تفكيك وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، وهي الهيئة المكلفة قانونيا بمساعدة وتقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن قيام إدارة بايدن على الأقل بإعادة تمويل الأونروا، يعطي بصيصاً من التفاؤل.
التحديات اللوجستية
- تعتمد المحكمة بشكل أساسي على الدول الأطراف في تنفيذ ما يشار إليه في نظام روما الأساسي كطلبات تعاون أو مساعدة، بينما يمكن لمكتب المدعي العام التحقيق بشكل مستقل، لكن لا يوجد ذراع للمحكمة الجنائية الدولية لديه القدرة التنفيذية للقيام بالاعتقالات. بالتالي فإن الممارسة المعتادة للمحكمة هي إصدار مذكرات توقيف، والتي تلتزم الدول الأطراف في نظام روما الأساسي بتنفيذها.
- أثناء التنقل في هذه العلاقة مع الدول، سيشكل النفوذ الجيوسياسي لإسرائيل والوقائع اللوجستية في الأرض الفلسطينية المحتلة تحديات فريدة للمحكمة، كونها دولة غير طرف في اتفاقية روما, بالتالي ليست ملزمة بالتعاون مع المحكمة.
التحديات القانونية الجنائية الدولية وفلسطين كلانسي فولك
- قررت الدائرة التمهيدية أن اتفاقيات أوسلو غير مهمة لأغراض إثبات الولاية القضائية الإقليمية للمحكمة، على الرغم من إمكانية إثارة أهميتها في مرحلة لاحقة. ويبدو أن هذا يتماشى مع تحليل المدعي العام على أساس التمييز بين الاختصاص القضائي (سلطة إنشاء القانون) والاختصاص التنفيذي (سلطة إنفاذه).
- وبناءً على ذلك، قارنت الدائرة وظيفة اتفاقيات أوسلو باتفاقيات الإنفاذ بين الدول الغازية وأفغانستان، والتي تتضمن قيودًا مماثلة على سلطة الإنفاذ الأفغانية على الأفراد العسكريين الدوليين. كما أشارت إلى أن نظام روما الأساسي يتطلب من الدولة التشاور مع المحكمة بهدف حل المسألة.
- يبدو واضحا أن السلطات الفلسطينية لا يمكنها المساعدة في إلقاء القبض على المشتبه فيهم الإسرائيليين. وبالإضافة إلى الاستحالة اللوجستية لاعتقال فلسطيني لموظف عسكري أو مدني إسرائيلي.
أخيرًا، ومع عدم قدرة السلطة الفلسطينية على اعتقال المشتبه بهم الإسرائيليين، يبقى السؤال حول كيفية تنفيذ الاعتقالات؟
- بما أن المحاكمات في المحكمة الجنائية الدولية قد لا تجري غيابيًا، فإن عدم القدرة على الوصول إلى المتهمين قد يؤدي إلى خطر عدم تقدم الوضع في فلسطين أبدًا بعد مرحلة أوامر الاعتقال.
- من الناحية النظرية، يمكن إصدار أوامر اعتقال مع الوضع بالاعتبار الدول الأطراف في المحكمة في مناطق مثل أوروبا، حيث من المعروف أن المشتبه بهم المحتملين يسافرون. مع وجود إسرائيل الآن في حالة تأهب قصوى وإحاطة أولئك الذين قد يخضعون لتحقيقات المحكمة الجنائية الدولية، فإن فعالية هذه الوسائل غير المباشرة لفرض القانون الجنائي الدولي لا تزال غير واضحة؛ ولكن إذا تم اتباعها، فيجب تفسير هذه الإجراءات على أنها محاولة بحسن نية من قبل المحكمة الجنائية الدولية لفعل كل ما في وسعها في ظل أصعب الظروف.
- يجب أن تستمر المحكمة والمدعي العام في مسارهما في مواجهة الضغوط الجيوسياسية المتزايدة. وهذا سيمثل تحديًا محوريًا للمحكمة، وقد يكون هذا هو الاختبار الأول لخان، المدعي العام الجديد.
- من المهم الاهتمام بالتأثيرات الرمزية للقانون والأخلاق وعدم الخضوع لمدرسة الواقعية السياسية التي يصر أنصارها على الإدعاء بأن الصراع السياسي في العلاقات الدولية مرهون مصيره بمن يملك القوة.
ختاماً، حتى لو توقف طريق المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين في هذه المرحلة، ولم نشاهد مطلقًا جنرالات ومسؤولين إسرائيليين يُحضَرون إلى لاهاي، فإن قرار الدائرة التمهيدية يذكرنا بقيمة أعمال المقاومة في حد ذاتها. ومن واجبنا التفاؤل بالمستقبل.