المجتمع الدولي وإسرائيل: السماح بديمومة الاحتلال | مايكل لينك *
المجتمع الدولي و إسرائيل – السماح ب ديمومة الاحتلال . ل: مايكل لينك
تم نشر هذا المقال أولاً باللغة الإنجليزية في موقع Just Security. رابط المقال الأصلي هنا. بناء على إذن من المؤلف، مايكل لينك، ولإفادة القرّاء العرب، قامت منظمة القانون من أجل فلسطين بترجمة النسخة الإنجليزية إلى هذه النسخة العربية ونشرها في موقعها.
* بروفيسور مايكل لينك هو المقرر الخاص لحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة (مارس 2016 – الآن). وهو أستاذ مشارك في القانون بكلية الحقوق في جامعة ويسترن لندن، أونتاريو – كندا.
قام بالترجمة للعربية: ميساء عبد القادر وأسماء لظن. تدقيق: إحسان عادل
المجتمع الدولي يجري تقييماً للاحتلال الإسرائيلي
في 17 نوفمبر 2021، اجتمعت لجنة الاتصال المخصصة AHLC في أوسلو في اجتماعها نصف السنوي. أنشئت اللجنة عام 1993 بعد فترة وجيزة من المصافحة الشهيرة في حديقة البيت الأبيض. تعد اللجنة منظمة شبه رسمية حيث أنها تمثل تجمّعا للمانحيين الدوليين للسلطة الفلسطينية، وتسعى لتعزيز حل الدولتين من خلال تنمية الاقتصاد الفلسطيني والمؤسسات المدنية. وتشمل في عضويتها 15 دولة ومؤسسة رائدة بما في ذلك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي والسلطة الفلسطينية وإسرائيل وأربعة دول عربية أخرى (وهي السعودية ومصر والأردن وتونس)، والنرويج بمثابة الرئيس.
في اجتماع أوسلو المذكور، استعرضت اللجنة التقدم المحرز نحو إقامة دولة فلسطينية، وقامت بتقييم الاقتصاد الفلسطيني المنهك، وشجعت المانحين على تقديم دورة أخرى من التعهدات بتمويل السلطة الفلسطينية. كما تلقت تقارير من المنسق الخاص للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الاوسط (UNSCO) والبنك الدولي حول المشهد الاقتصادي والسياسي الحالي للاحتلال الإسرائيلي القائم منذ 54 عاما.
التحديثات كانت قاتمة. أفاد المنسق الخاص للأمم المتحدة أن الوضع المالي للسلطة الفلسطينية ما زال مترديا، والمنح الدولية متناقصة بازدياد، وهنالك أمل ضئيل بإحياء عملية السلام في المستقبل المنظور، فيما إن الحالات الإنسانية على الأرض -بما فيها التوسع في الاستيطان غير القانوني، العنف المرتبط بالمستوطنين وهدم منازل الفلسطينيين– متفاقمة باطراد. وقد اقترح التقرير عدة حلول تقنية لعكس مسار الاقتصاد المشلول، ولم يفرض أي منها التزامات جوهرية على إسرئيل بوصفها القوة القائمة بالاحتلال. وعلى الرغم من المناخ السياسي المحبط، أصر المنسق الخاص للأمم المتحدة على أن الحل القائم على أساس الدولتين لا يزال ممكنا، وينبغي عدم إهدار فرص بناء الزخم لذلك.
لم يكن البنك الدولي أقل تشاؤما. على وجه الخصوص، أفاد بأن الاقتصاد في غزة قد مر بعقود عديدة من تراجع التصنيع، الأمر الذي أدى إلى نسبة بطالة مقدارها 45% ومعدل فقرة 50%، إلى جانب اعتماد 80% من السكان على المساعدات الدولية. وأشار التقرير إلى أن أحد المصادر الرئيسية لهذه الظروف المأساوية هو “القيود الخارجية المفروضة على غزة [والتي أسفرت عن] اقتصاد مغلق”. تلك كانت طريقة مهذبة بشكل استثنائي لوصف الحصار الإسرائيلي الخانق منذ 14 عام على القطاع. وفي إحدى الفقرات اللافتة، أشار تقرير البنك بإسهاب إلى أن العقبات الرئيسية التي تعترض النمو الاقتصادي في الضفة الغربية هي القيود الشديدة على حركة الفلسطينيين ووصولهم وتجارتهم، ولكن دون الإشارة إلى شبكة إسرائيل الواسعة من الجدران ونقاط التفتيش وإغلاق الطرق والطرق السريعة المخصصة للمستوطنين فقط والمناطق المحظورة كمصدر لهذه القيود.
في موجزها الذي قدمته في اجتماع لجنة الاتصال المخصصة AHLC كرئيس، اتخذت وزيرة الخارجية النرويجية، أنيكان هيوتفيلت، موقفا خاملاً وتطهيرياً. أشارت إلى “القلق العميق” لدى أعضاء اللجنة إزاء الحالة المتردية، والحاجة الملحة إلى “تهدئة التوترات”. وعلى وجه الخصوص، دعت كلا الطرفين – إسرائيل والفلسطينيين – “إلى تجنب جميع الإجراءات الأحادية التي يمكن أن تؤدي إلى تفاقم التوترات وتقوض احتمالات استئناف المفاوضات وحل الدولتين”، ولكن دون الإشارة إلى الجهة التي تتحمل المسؤوليات الرئيسية بوصفها السلطة القائمة بالاحتلال. وفي حين أن بيان الرئيس تضمن مجموعة من التوصيات الحميدة، لم يذكر أي شيء عن فشل إسرائيل في الامتثال لأكثر من 30 قرارا لمجلس الأمن الدولي منذ العام 1973، والتي تعلن أن ضمها ومستوطناتها غير قانونية وتطالبها بالامتثال الكامل لاتفاقية جنيف الرابعة ووضع نهاية للاحتلال.
قبيل اجتماع لجنة الاتصال المخصصة AHLC، ذكرت صحيفة هآرتس أن إسرائيل ضغطت على الولايات المتحدة من أجل الضغط على البلدان الأوروبية والعربية في أوسلو لزيادة مساعداتهم المالية للسلطة الفلسطينية من أجل الحيلولة دون حدوث انهيار اقتصادي. والمفارقة الغريبة في الأمر أن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية كان قد قدّر مؤخرا بأن الإغلاق و القيود والنمو الإستيطاني الجشع والعمليات العسكرية قد كلفت الاقتصاد الفلسطيني ما يقارب من 57.7 بليون دولار من التنمية المعلقة منذ عام 2000. بالنسبة لإسرائيل، كان احتلالها بدون تكلفة إلى حد كبير، حيث يموّل المجتمع الدولي السلطة الفلسطينية تقريبا بالكامل، ويوفر الحد الأدنى من الخدمات الاجتماعية في الضفة الغربية وغزة. ومع ذلك، لم يفرض المجتمع الدولي أي شروط سياسية على إسرائيل للامتثال لإطار القانون الدولي لتفكيك احتلالها. كان هدف إسرائيل من الضغط على الولايات المتحدة في نوفمبر هو أن التبرعات الدولية للسلطة الفلسطينية كانت قد تناقصت من 1.3 مليار دولار في 2011 إلى 400 مليون دولار فقط في 2020. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى الحملات الدبلوماسية التي شنتها إسرائيل في الماضي ضد السلطة الفلسطينية. إن ما تخشاه إسرائيل حاليا هو أن تؤدي الأزمة المالية المتصاعدة والضعف السياسي للسلطة الفلسطينية إلى خلق تهديد أمني لا يمكن السيطرة عليه في الضفة الغربية.
الواقع القاتم: تلاشي الآمال في حل الدولتين
وبقدر ما كانت هذه التقارير كئيبة، فإن الواقع أسوأ بكثير. تعمل الحكومة الإسرائيلية الجديدة، والتي تولت السلطة في يونيو/حزيران، على تطوير خطط لما يقارب 17,000 وحدة سكنية جديدة في مستوطناتها، بما في ذلك إنشاء مستوطنات جديدة رئيسية في وبالقرب من القدس الشرقية. في حين أنّ من المرجح أنْ يؤدي الضغط الذي تمارسه إدارة بايدن على إسرائيل إلى تعطيل تقدم بعض هذه الخطط الكبيرة، إلا أنه بالكاد سيقلل من النمو السكاني المحتوم في المستوطنات. في عام 1993، عندما أنشئت لجنة الاتصال المخصصة AHLC، كان هناك 116,000 مستوطن إسرائيلي في الضفة الغربية. وفي عام 2014، عندما انهارت آخر جهود السلام الجادة -مبادرة جون كيري- كان هناك 370,000 مستوطن. حالياً، يبلغ عدد المستوطنين ما يقارب 475,000 مستوطن. بالإضافة إلى 230,000 مستوطن في القدس الشرقية، فيما تجاوز مجموع السكان 700,000، ما يعني أن 10% من السكان اليهود الإسرائيليين يعيشون الآن في الأراضي المحتلة.
في أثناء ذلك، فإن مستوى العنف المطلوب من قبل إسرائيل للمحافظة على احتلالها في تزايد مستمر وثابت. ففيما يتعلق بمقتل الفلسطينيين على أيدي الجيش الإسرائيلي والمستوطنيين، فإن عام 2021 هو بالفعل أكثر السنوات فتكا منذ عام 2014. (منذ عام 2008، أعلنت الامم المتحدة عن مقتل 5,985 فلسطيني بسبب العنف الإسرائيلي، بالمقابل قُتل 264 إسرائيلي بسبب العنف الفلسطيني خلال نفس الفترة). عنف المستوطنيين آخد بالازدياد، حيث سجل عام 2021 أعلى مستويات هجمات المستوطنيين على الفلسطينيين منذ بدء جمع الإحصائيات بهذا الخصوص بشكل منتظم عام 2012. كما تصاعدت عمليات هدم منازل الفلسطينيين من قبل الجيش الإسرائيلي بشكل حاد، ويعود ذلك بشكل كبير إلى رفض إسرائيل ما يقارب 98% من طلبات تصاريح البناء الفلسطينيية في 61% من الضفة الغربية – المنطقة جيم – والتي تسيطر عليها بشكل مباشر. لم تؤدِّ حرب إسرائيل القصيرة مع حماس في غزة في مايو/أيار إلى مقتل 260 فلسطينيا فقط، ولكن تسببت بأضرار في الممتلكات تصل إلى 380 مليون دولار وخسائر اقتصادية تصل إلى 190 مليون دولار، مما أدى إلى خلق فجوة مالية سوداء جديدة للاقتصاد المحاصر والبائس أصلاً.
وإلى جانب الحديث عن التوسع الاستيطاني وضمان إبقاء رأس السلطة الفلسطينية فوق الماء، لا يمتلك المجتمع الدولي استراتيجية متماسكة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي الذي دام ل 54 عاما. وفي لحظات صريحة، اعترفت أصوات بارزة بأن احتمالات حل الدولتين قد تبخرت تقريبا. في عام 2013، قال جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة آنذاك، بأن فرصة حل الدولتين هي فقط “لسنة… أو سنتين، وإلا فإنها ستنتهي”. وقد حذر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عام 2016 من أن نشاطات إسرائيل الاستيطانية “تعرّض قابلية الحل القائم على وجود دولتين على أساس خطوط عام 1967 للخطر”. وقد أقر الاتحاد الأوروبي بأن الحالة قد تحولت إلى واقع دولة واحدة تتسم بعدم المساواة في الحقوق. ولاحظ الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون في يونيو/حزيران 2021 بأن “إسرائيل اتبعت سياسة الضم التدريجي بحكم الأمر الواقع في الأراضي التي تحتلها منذ عام 1967، لدرجة أن احتمال حل الدولتين اختفى وتبخر”. ومع انفتاح أعين الجميع على الواقع الديناميكي على الأرض، أصبحت الاعترافات الطقوسية من قبل الجهات الدولية الرئيسية الفاعلة بأنها تظل ملتزمة بحل الدولتين بمثابة “أفكارها وصلواتها”، وعبارة عن رداء دبلوماسي يمثل غطاء للعجز بدلا من كونه إعلانا للحل.
في تحفته الفنية “ليوبارد” عام 1958، سجل الكاتب Guiseppe Tomasi di Lampedusa تراجع ثروات أسرة أرستقراطية من صقلية خلال القرن التاسع عشر. وفي مواجهة التحديات السياسية المتصاعدة التي تواجه الأسرة، تقول إحدى شخصيات الرواية: “لكي تبقى الأشياء على ما هي عليه، أشياء يجب أن تتغير”. وبالنسبة للحكومة الإسرائيلية الجديدة، أصبح القول المأثور “كلما تغيرت الأشياء، بقيت كما هي” هو شعارها السياسي.
كان اتجاه “حكومة التغيير” الائتلافية الإسرائيلية بزعامة نفتالي بينيت يتلخص في التخلي عن تبجح ودراما بنيامين نتنياهو، ولكن مواصلة سياساته الأساسية. وحتى الآن، كان هذا فعالاً. صرح رئيس الوزراء بينيت صراحة في أيلول/سيتمبر بانه يعارض إنشاء دولة فلسطينية. وقال وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس بأن مفاوضات السلام مستحيلة بسبب معارضة السلطة الفلسطينيية للمستوطنات الإسرائيلية في القدس الشرقية والضفة الغربية: “نحن لا نزيل المستوطنات” قال وزير الخارجية الإسرائيلي الجديد يائير لابيد في اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الاوروبي في يوليو/تموز، وبأنه لا يوجد احتمال حالي لعملية السلام. والغريب في الأمر أنه بالنسبة للمجتمع الدولي، الذي يصر على أنه يستثمر عميقا في حل الدولتين، لم يسفر أي من هذه الأمور عن انتكاسة جادة. وكما ذكر أنشيل فيفر، المراسل السياسي المحترم لصحيفة هآرتس، في سبتمبر: “في الأشهر الثلاثة والنصف الماضية منذ ان أصبح رئيساً للوزراء، لاحظ بينيت كيف نادرا ما ظهرت القضية الفلسطينية في محادثاته مع الزعماء الأجانب، وكيف أنهم لم يبدوا ذلك الاهتمام الشديد عندما يتناولونها”.
في الواقع، بمباركة واضحة من اللاعبين الدوليين الرئيسيين، كان تركيز حكومة بينيت على “تقليص الصراع“. وهذا يعني إزالة بعض العوائق التي تستثير الفلسطينيين، كالسماح ببناء عدد متواضع من المنازل الفلسطينية في المنطقة ج من الضفة الغربية، وزيادة عدد الفلسطينيين المسموح لهم بالعمل في وظائف وضيعة في إسرائيل، وتمكين شبكات الهواتف المحمولة الأكثر تقدمًا. يفهم القادة الإسرائيليون مثل هذا السلام الاقتصادي ليس على أنه طريق إلى دولة فلسطينية حقيقية، ولكن كبديل من أجل استمرار الاحتلال. بعد شرح معارضته لقيام دولة فلسطينية من أي نوع، أضاف بينيت: “وجهة نظري تشبه الأعمال التجارية إلى حد بعيد. إذا أنشأنا المزيد من الأعمال، وقمنا بتعزيز الاقتصاد وتحسين الظروف المعيشية للجميع في يهودا والسامرة، فسيكون ذلك أفضل”.
في عام 2012، أجرى يوناس غار ستوره، وزير الخارجية النرويجي حينها ورئيس لجنة الاتصال المخصصة AHLC، مقابلة مع عقيفة ايلدار من صحيفة هآرتس. سأل ايلدار ستوره (الذي يشغل الآن منصب رئيس وزراء النرويج) عما إذا كان تمويل المجتمع الدولي للسلطة الفلسطينية وسط تغلغل الاحتلال الإسرائيلي يفضي في الواقع إلى قيام دولة فلسطينية. رد ستوره قائلاً: “بمجرد أن يتضح للجميع أن آلية عمل المانحين تؤدي إلى إدامة الوضع الراهن بدلاً من المساهمة في السلام، سيتعين علينا إعادة النظر. لم نصل إلى ذلك بعد”. بعد تسع سنوات، أصبحت الإجابة الآن بدهية.
كيف يجب أن تبدو الاستراتيجية الدولية القابلة للتطبيق والقائمة على المبادئ لإنهاء الاحتلال
في تقريري في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، بصفتي مقررًا خاصًا للأمم المتحدة، اقترحت خمسة معايير أساسية من شأنها أن تشكل استراتيجية قابلة للتطبيق وقائمة على المبادئ من قبل المجتمع الدولي لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتمكين الفلسطينيين من تقرير المصير. وحسبما أشرت في التقرير:
من شبه المؤكد أن أي جهود يبذلها المجتمع الدولي، بشكل جماعي أو فردي، لإنشاء إطار للإشراف على الاحتلال وإنهائه لا يضع هذه المعايير في صميم مساعيه أو بالقرب منها، سوف تنهار على ضحالة الواقعية في الشرق الأوسط”.
(1) بسبب التفاوت الهائل في القوة بين إسرائيل والفلسطينيين، لا غنى عن التدخل الدولي الفعال. إن المزايا المتعددة لإسرائيل -قوتها العسكرية الإقليمية، وعلاقاتها الاقتصادية القوية بالبلدان المتقدمة، وسيطرتها الكاملة على الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلاقتها الثابتة مع القوة العظمى الوحيدة في العالم- تضمن أنها ستستمر في إملاء ما يحدث على الأرض وعلى أي طاولة مفاوضات. فقط المشاركة الحاسمة من المجتمع الدولي لمواجهة إساءة استخدام هذه القوة الساحقة يمكن أن تغير هذا المسار المنحدر.
(2) يجب أن يستخدم إطار العمل لإنهاء الاحتلال بشكل كامل نهجًا قائمًا على الحقوق، ومرتكزًا إلى القانون الدولي وحقوق الإنسان. أدى منهج اللعب الدبلوماسي السائد -الذي يعتمد على السياسة الواقعية لـ “حقائق إسرائيل على الأرض”، والضعف الفلسطيني، وغياب القانون- إلى ثلاثة عقود من الفشل السياسي في صنع السلام في الشرق الأوسط. استبدالها بنهج قائم على الحقوق -والذي، كما تمت الإشارة في تقريري، من شأنه أن “يشرك الأدوات المعتبرة للمساءلة والطيف الواسع من قرارات الأمم المتحدة والقانون الدولي المعتمدة بالفعل”- يوفر أفضل فرصة لإنهاء الاحتلال ويفتح نافذة لإمكانية وجود مستقبل مشترك ومزدهر للفلسطينيين والإسرائيليين معاً.
(3) يجب أن يكون الهدف النهائي هو الإنهاء الكامل للاحتلال وتحقيق تقرير المصير للفلسطينيين. كما أشرت في تقرير أكتوبر،
يقع تقرير المصير في صميم حقوق الإنسان الحديثة، وهو أمر لا مفر منه من أجل سلام عادل ونهائي. يجب أن يقوم تقرير المصير للفلسطينيين على أساس حدود عام 1967 وتحقيق السيادة الفعلية، إذا بقي حل الدولتين ممكنًا. ولكن إذا لم يعد هذا الأمل الضعيف موجودًا، فيجب أن يركز تقرير المصير على حقوق المساواة الفردية والجماعية لجميع أولئك الذين يعيشون بين البحر الأبيض المتوسط والأردن…
(4) إسرائيل هي سلطة محتلة سيئة النية. أظهر سلوك الاحتلال على مدى الـ54 سنة الماضية أن إسرائيل غير مستعدة للامتثال لالتزاماتها بموجب قانون الاحتلال.
إن عدم امتثال إسرائيل … لمئات القرارات الأممية الصادرة عن مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان بشأن الاحتلال، ورفضها الامتثال لاتفاقية جنيف الرابعة، ليست اختلافات سياسية صادقة مع العالم، بل هي إظهار مستمر للتحدي يهدف للحفاظ على ثمار غزوها. إن افتراض أن إسرائيل دولة محتلة مسؤولة، لا تشوبها سوى سياسة خاطئة ومؤسفة تجاه الفلسطينيين، هي الانغماس في التخيل الذي أدى إلى الاخفاقات الدبلوماسية السابقة.
(5) يجب أن ينتهي الاحتلال بأقصى سرعة ممكنة. يجب أن تكون عمليات الاحتلال العسكري في العالم الحديث مؤقتة، حيث يُتوقع من قوة الاحتلال إنهاء الاحتلال بأسرع ما يمكن، والامتناع عن أي محاولة لضم أي من الأراضي التي تحتلها. كما أشرت في تقريري للجمعية العامة:
لا يمكن تبرير حكم الأجانب في القرن الحادي والعشرين إلا في ظروف استثنائية ومشروطة للغاية. لا يتساهل القانون الدولي الحديث ونظام الحكم الدولي الفعال مع أجل غير مسمى لانتهاء الظلم، لا سيما بالنسبة للاحتلال الجشع الذي تخلى منذ فترة طويلة عن الأواصر المقيِّدة للشرعية.
الخاتمة
على مدى العقدين الماضيين، تجاوزت القيادة السياسية الإسرائيلية حل الدولتين، حيث كان رؤساء الوزراء الأخيرون، بمن فيهم بنيامين نتنياهو ونفتالي بينيت، على استعداد للقول بصوت عالٍ إنهم يعتزمون السيطرة على الأرض الفلسطينية إلى الأبد. وفي الواقع، انظر إلى أي خريطة مفصلة للأراضي الفلسطينية، ولن يرى المرء دولة فلسطينية قيد الإنشاء، بل يرى أرضًا ممزقة محاطة بسموم الفورمال-ديهايد. يفضّل الفاعلون الدوليون البارزون الذين يتعاملون مع إسرائيل وفلسطين – والذين يتم تمثيلهم بشكل جيد في الاجتماعات الدورية للجنة الاتصال المخصصة AHLC – ألا تكون بعض الحقائق صحيحة، لذا فهم يتصرفون كما لو كان يمكن تجاهلها. هذه هي القطعة الحلوة لإسرائيل: مع أن مشروعها الاستيطاني المكثف قد قلل من إمكانية حل الدولتين الحقيقي إلى درجة العدم، فإنها ترحب بنغمة المجتمع الدولي المستمرة المتمثلة في حل الدولتين، لأنه يديم الوهم بأن مثل هذا الحل لا يزال في متناول اليد، وكل ما هو مطلوب لتحقيقه هو وجود الصلصة الدبلوماسية الصحيحة.
إن تصرفات القيادة الإسرائيلية عقلانية تمامًا: إن القوة الإقليمية المستحِوذة والتي ترغب في ضم الأراضي المحتلة بشكل دائم والحفاظ على انعدام الجنسية لخمسة ملايين شخص، تعلم أنه يتعين عليها المناورة بحذر في عالم ما بعد الاستعمار. ليس لديها رغبة ولا حافز للوصول إلى واقع مختلف. وبدلاً من ذلك، فإن تصرفات الجهات الدولية الفاعلة – ولا سيما الولايات المتحدة وأوروبا – هي التي فشلت بشدة في اختبار العقلانية. إن هذا الاحتلال -الذي، وفقًا لسفيرين إسرائيليين سابقين في جنوب إفريقيا، أصبح لا يمكن تمييزه عن الفصل العنصري – لا يمكن له أن يستمر طوال الـ 54 عامًا الماضية، وكله أمام مرأى العالم، دون الإهمال الخبيث من هؤلاء الفاعلين الرئيسيين. وفي نهاية المطاف، لا تكمن المشكلة في الجهل أو الافتقار إلى الأدلة – فهذا في النهاية هو أكثر نزاع موثق في العالم الحديث إلى حد بعيد – ولكنها في عدم الرغبة الواضح لدى المجتمع الدولي في التصرف وفقًا لقواعده الشاملة والقائمة على إطار عمل يستند إلى السلام وتقرير المصير؛ من خلال فرض المساءلة على الطرف المخالف. وفي ظل غياب الإجراءات الدولية الفعالة المضادة، فإن الاتجاه الحالي واضح: هذا الاحتلال لن يموت من الشيخوخة.
مقال | المجتمع الدولي و إسرائيل – السماح ب ديمومة الاحتلال | مايكل لينك مقال | المجتمع الدولي و إسرائيل – السماح ب ديمومة الاحتلال | مايكل لينك مقال | المجتمع الدولي و إسرائيل – السماح ب ديمومة الاحتلال | مايكل لينك