اللغة الأصلية للنص: الفرنسية
عنوان المقال بالفرنسية:
La situation palestinienne devant la Cour pénale internationale : entre jeux politiques et persistance des violations du droit international (Partie 1 de 2)
رابط المقال الأصلي ومصدره بالفرنسية: هنا
تاريخ نشر المقال الأصلي: 20 يوليو/حزيران 2020
الكاتب: أسمهان ميلوكا، وهي طالبة دكتوراه في علم الجريمة في جامعة مونتريال، ومساعدة تدريس في المدرسة الصيفية الدولية للعدالة وحقوق الضحايا بالتعاون مع الشراكة الكندية من أجل العدالة الدولية، ومساعدة المستشار الخاص المعني بالمساواة والتنوع والإدماج في جامعة مونتريال. عملت كرئيس لمنظمة العفو الدولية في جامعة مونتريال.
ترجمها إلى العربية: يارا حسان
ل: القانون من أجل فلسطين ©
تقول الكاتبة أسمهان ميلوكا في مقالها هذا إنه وبعيداً عن سياسة القوة والتحالفات، فإن الوضع الفلسطيني ليس سهل الفهم. ففي حين أصبحت فلسطين في عام 2015 الدولة رقم 123 التي تصادق على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، انتقد البعض هذا التصديق، فلا يوجد إجماع على وضع دولة فلسطين داخل المجتمع الدولي. علما بأنه في التاسع والعشرين من تشرين الثاني لعام 2012 أُعتُرِف بفلسطين كدولة مراقب غير عضو في منظمة الأمم المتحدة، التي دعتها للمشاركة الدائمة فيها.
في السادس عشر من كانون الثاني لعام 2015، أعلن مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية عن الشروع في إجراء استعراض أولي للوضع في فلسطين، كان هذا الاستعراض الأولي الثالث الذي يطلقه مكتب المدعي العام فيما يتعلق بفلسطين، حيث سبق لفلسطين أن قبلت اختصاص المحكمة على أساس مخصص بموجب المادة 12(3) من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، لكن أيا من هذه الفحوصات لم تُؤَدِّ إلى الشروع في أي تحقيق (الفقرة الأولى).
في الثاني والعشرين من أيار لعام 2018، وبينما كان الاستعراض الأولي الثالث لا يزال جارياً، أحالت فلسطين الوضع إلى المحكمة بنفسها. بعد حوالي عام ونصف، في العشرين من كانون الأول لعام 2019، أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية عن إغلاق هذا الاستعراض الأولي مؤكدة اعتزامها المضي قدمًا في فتح تحقيق.
الآن، وبعد بضعة أشهر من انتهاء هذا الاستعراض الأولي، ماذا عن الوضع الفلسطيني؟ تعرض الكاتبة في هذا المقال الأول ضمن سلسلة مكونة من مقالين الإطار القانوني للاستعراضات الأولية أمام المحكمة الجنائية الدولية، مما سيساعد على فهم تطور الإجراءات في السنوات الأخيرة. سيتناول المقال الثاني من نفس السلسلة القضايا المتعلقة بالطلب الذي قدمه مؤخرا المدعي العام بخصوص الولاية القضائية الإقليمية للمحكمة.
المراحل الأربعة للاستعراض الأولي
بموجب المادة 15 من نظام روما الأساسي، تولى مكتب المدعي العام مسؤولية إجراء الاستعراضات الأولية، وعليه عندئذ أن يُقّيم ما إذا كانت المعايير المنصوص عليها في النظام الأساسي مستوفاة من أجل تحديد ما إذا كان لا بد من المضي قدما في فتح التحقيق. تجدر الإشارة إلى أن نظام روما الأساسي لا يفرض أي حد زمني على مدة الاستعراضات الأولية.
وكما هو مُحدد في وثيقة السياسة العامة الصادرة عن مكتب المدعي العام لعام 2013 والمتعلقة بالاستعراضات الأولية؛ تتألف الاستعراضات الأولية من أربع مراحل. تتمثل المرحلة الأولى في تقييم المراسلات بموجب المادة 15 من النظام الأساسي. أما الثانية، التي “تشير رسميًا إلى فتح استعراض أولي”(الفقرة 80)، يقيّم فيها مكتب المدعي العام ما إذا كانت القضايا المحتملة تدخل في اختصاص المحكمة. يحلل مكتب المدعي العام في المرحلة الثالثة مقبولية هذه الحالات المحتملة استنادًا إلى معايير التكامل والخطورة. المرحلة الرابعة والأخيرة هي لتحديد ما إذا كان فتح تحقيق سيخدم مصالح العدالة.
المرحلة الأولى: التقييم المبدئي
وفي المرحلة الأولى من الاستعراض الأولي، يتلقى مكتب المدعي العام المعلومات المرسلة إليه ويستعرضها بموجب المادة 15 من النظام الأساسي “للتحقق من جديتها” (الفقرة 78). وبغية تحديد ما إذا كان هناك أساس معقول للاعتقاد بوجود جريمة تقع ضمن اختصاص المحكمة قد ارتكبت أو هي في طور ارتكابها، يجوز للمكتب أن يجمع معلومات إضافية من مصادر متعددة، بما في ذلك الدول والوكالات الحكومية وغير الحكومية، فضلا عن مختلف أجهزة الأمم المتحدة. ويمكن النظر في أنواع مختلفة من المعلومات، تتراوح بين الشهادات المكتوبة والتسجيلات الهاتفية وصور الأقمار الصناعية وصولاً إلى أدلة الطب الشرعي.
المرحلة الثانية: تقييم اختصاص المحكمة
يحلل مكتب المدعي العام في المرحلة الثانية من الاستعراض الأولي مدى اختصاص المحكمة، وينظر في أربعة عناصر لدى قيامه بذلك:
- نطاق الاختصاص الزمني للمحكمة المتعلق بالجانب الزمني للجريمة؛ متى ارتُكِبت الجريمة أو الجرائم المزعومة؟
ومن حيث المبدأ، للمحكمة اختصاص النظر في الجرائم المرتكبة بعد دخول نظام روما الأساسي حيز النفاذ في الأول من تموز لعام 2002، أما إذا كانت الدولة قد صادقت على النظام الأساسي في وقت لاحق، فإن المحكمة لا يكون لها اختصاص على تلك الدولة إلا اعتبارا من تاريخ تصديق الدولة على النظام الأساسي. كما يحتاج ذلك إلى أن تقبل الدولة غير الطرف اختصاص المحكمة على أساس مخصص بموجب المادة 12(3) من النظام الأساسي، وهذا بالضبط ما فعلته فلسطين في الأول من كانون الثاني لعام 2015، حتى قبل مصادقتها على النظام الأساسي في اليوم التالي الثاني من كانون الثاني. وبذلك قبلت فلسطين اختصاص المحكمة بأثر رجعي اعتبارًا من 13 كانون الثاني لعام 2014 فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. - الاختصاص الموضوعي، والذي بدوره يتعلق بطبيعة الجرائم المزعومة، بحيث يحلل مكتب المدعي العام ما إذا كانت الجرائم المزعومة تقع ضمن اختصاص المحكمة التي لها اختصاص النظر في الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية وجرائم الحرب وجريمة العدوان، وذلك بموجب المادة 5 من النظام الأساسي.
- الاختصاص المكاني،
- والاختصاص الشخصي،
وهذان الأخيران يشيران على التوالي إلى الإقليم الذي تُلحق به الجرائم المزعومة، وإلى هوية المتهم. بموجب المادة 12(2) من نظام روما الأساسي، تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بالولاية القضائية إذا كانت الدولة التي ارتكبت الجريمة على أراضيها دولة طرف في نظام روما الأساسي، أو إذا كان الشخص المتهم بارتكاب الجريمة من رعايا دولة طرف (المادة 12(2)). ويجوز لدولة ليست طرفًا في النظام الأساسي أن تقبل اختصاص المحكمة على أساس مخصص (المادة12(3)).
المرحلة الثالثة: تحديد المقبولية
وتقول الكاتبة إن المرحلة الثالثة من الفحص الأولي هي المقبولية. وبموجب المادة 17 من النظام الأساسي، فإن تقييم درجة المقبولية يأخذ بعين الاعتبار معياري التكامل والجسامة. وتوضح الكاتبة بأن التكامل يتعلق بقدرة الدولة ورغبتها في الملاحقة القضائية. حيث تذكر الفقرات الفرعية (أ) إلى (ج) من الفقرة 1 من المادة 17 ثلاث احتمالات: أولاً، لا يجوز قبول أي قضية عندما يجري التحقيق في الجرائم المزعومة أو المقاضاة عليها على الصعيد الوطني. ثانيًا، إذا أُجري تحقيق بالفعل على المستوى الوطني ولم يخلص إلى تهمة واحدة أو أكثر، فإن القضية تكون أيضًا غير مقبولة. ثالثًا، تكون القضية غير مقبولة إذا كان الشخص المعني قد حوكم سابقاً على الجريمة المزعومة، وذلك وفقًا لمبدأ عدم جواز المحاكمة على الجرم نفسه مرتين (المادة 20، الفقرة 3).
بموجب المادة 17 (د) من النظام الأساسي، لا تُقبل الدعوى إذا لم تكن “جسيمة بما فيه الكفاية لكي تتابعها المحكمة.” ووفقًا للمادة 29 (2) ، يأخذ مكتب المدعي العام في الاعتبار عدة عناصر بغية تقييم خطورة الحالة، مثل النطاق (بما في ذلك على وجه الخصوص التوزيع الزمني والجغرافي للجرائم المزعومة) والطبيعة (أي طبيعة الجريمة، طابعها الجنسي مثلا) وطريقة العمل التي تشير على وجه الخصوص إلى درجة المشاركة ونية الجناة المزعومين، وكذلك آثار الجرائم المزعومة (بما في ذلك معاناة الضحايا والدمار الاجتماعي والاقتصادي).
المرحلة الرابعة: تحليل مصالح العدالة
ينظر مكتب المدعي العام في المرحلة الأخيرة من الاستعراض الأولي ما إذا كانت لديه أسباب جدية للاعتقاد بأن فتح تحقيق لن يخدم مصلحة العدالة. ولدى إجراء هذا التحليل، ينظر مكتب المدعي العام على وجه الخصوص في مصالح الضحايا وفقًا للمادة 53(1) (ج) من نظام روما الأساسي (الفقرة 68). وتجدر الإشارة إلى أنه حتى في حالة استيفاء جميع شروط الاختصاص والمقبولية، فإن المدعي العام غير ملزم بأن يخلص إلى أنه من مصلحة العدالة إجراء التحقيق.
الاستعراضات الأولية تعد ابتكارا هاما
في الختام، تشير الكاتبة إلى أنه وعلى الرغم من أن الاستعراض الأولي كان موضع انتقادات في كثير من الأحيان بسبب الأطر الزمنية المرتبطة به، إلا إنه ابتكار ضروري لضمان سير سليم لعمل المحكمة الجنائية الدولية. وهذا الإجراء، الذي لم يكن موجودا في المحاكم المخصصة، يسمح بفرز أولي للعدد الكبير من الحالات التي قد يكون للمحكمة الجنائية الدولية اختصاص قضائي بشأنها، مما يسمح باستخدام موارد المحكمة على نحو أفضل.
ومع ذلك، فإن فعالية الاستعراض الأولي تعتمد بصفة خاصة على مستوى تعاون السلطات الوطنية المعنية مع المحكمة الجنائية الدولية. وفيما يتعلق بالوضع في فلسطين، فإن الانتقاد الشديد لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بشأن اغلاق الاستعراض الأولي في فلسطين لا يبشر بجهد تعاوني مستقبلي بين المحكمة الجنائية الدولية والسلطات الإسرائيلية. ومن المؤكد، بحسب الكاتبة، أن القضية الفلسطينية ستستمر في إثارة المشاعر، لاسيما في ظل طلب مكتب المدعي العام مؤخراً إصدار حكم بشأن اختصاص المحكمة الإقليمي، والذي سيتم مناقشته في المقالة الثانية من هذه السلسلة.