مقال مترجَم: عدم شرعية بيع العقارات في المستوطنات الإسرائيلية
لغة المقال الأصلي: الإنجليزية. عقارات مستوطنات اسرائيلية الأراضي الفلسطينية
عنوان المقال بالإنجليزية: The Illegality of Israeli Settlement Real Estate Sales
بقلم: جابور رونا (Gabor Rona) – أستاذ ممارس للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي في كلية كاردوزو للقانون.
المصدر الأصلي للمقال بالإنجليزية: هنا
ترجمته للعربية: رنا عواد عقارات مستوطنات اسرائيلية الأراضي الفلسطينية
مراجعة: مي شاهين
ل: القانون من أجل فلسطين © عقارات مستوطنات اسرائيلية الأراضي الفلسطينية
هل تبحث عن منزل التقاعد؟ مكان لطيف لتكوين أسرة؟ قد تكون إذاً مهتمًا بالعقارات في إحدى المستوطنات الإسرائيلية المُقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وإذا ما وضعنا المخاوف الأمنية الواضحة جانباً، فإن مجموعة مُتكامِلة من الإعانات الإسرائيلية، بما في ذلك مزايا الإسكان والإعفاءات الضريبية وتطوير البنية التحتية، تجعل الحياة في المستوطنات عرضاً مغريا لبعض المستثمرين. وإذا كنتَ واحداً من هؤلاء، فهناك العديد من الشركات المُستعدّة والراغبة والقادِرة على مساعدتك في الوصول إلى هدفك. لكن ما قد لا يُطلعونك عليه هو أن هذا المشروع ينتهِك اتفاقيات جنيف وأحكام القانون الدولي لحقوق الإنسان والقرارات المختلفة الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، وقد يُمثل جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي الذي تأسّست بموجبه المحكمة الجنائية الدولية.
وربما أنك سمعت عن مظاهرة غاضبة مُؤيدة للفلسطينيين في كنيس يهودي في لوس أنجلوس في حزيران/يونيو الماضي، والتي على ما يبدو اتّخذَت منحى عنيفاً، وتم توجيه اتهامات بمعاداة السامية إلى المتظاهرين. لكن المتظاهرين لم يستهدفوا في هذه المظاهرة سلوك إسرائيل في الصراع مع حماس في غزة، حيث تَبَيّنَ أن الكنيس كان يستضيف عرضًا ترويجيًا من قبل شركة تدعى My Israel Home، والتي تعمل على تسويق العقارات ليس فقط في إسرائيل نفسها ولكن أيضًا في مستوطنات الأرض الفلسطينية المحتلة. ولم يكُن المعرض مجرّد حدث مُنفرِد يُنظّم لمرة واحدة؛ ففي شهر آذار/مارس، على سبيل المثال، واجه مؤتمر عقاري عُقِد تحت عنوان “الحدث العقاري الإسرائيلي الكبير” احتجاجات مماثلة في كنيس يهودي في تينيك بولاية نيوجيرسي. وكما يظهر، فقد أقيمت مثل هذه الفعاليات التسويقية في عدّة أماكن أخرى في جميع أنحاء الولايات المتحدة وكندا.
ما أصبو إليه في هذا المقال ليس تناول سلوك المتظاهِرين أو أولئك الذين تظاهروا ضدهم – والذين ربما خرجوا عن نطاق الحماية التي يوفرها التعديل الأول في الولايات المتحدة- بل مناقشة القضية التي خرج لأجلها المتظاهرون في الأساس، وتسليط الضوء على عدم شرعية ما كانوا يتظاهرون ضده.
إن شراء وبيع العقارات في الأراضي الفلسطينية المحتلة يُمثّل انتهاكاً للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة المختلفة، بل قد يشكّل جريمة حرب بموجب نظام روما الأساسي.
محكمة العدل الدولية والمستوطنات الإسرائيلية
في يوليو/تموز 2024، وبناءً على طلب الجمعية العامة للأمم المتحدة، أصدرت محكمة العدل الدولية فتوى تتناول شرعية الاحتلال الإسرائيلي للأرض الفلسطينية. وانتقدت المحكمة بشدّة طبيعة الاحتلال الإسرائيلي الذي طال أمده، معلنةً أنه يُمثّل انتهاكاً للقانون الدولي، وأشارت صراحةً إلى عدم شرعية المصادرة الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية وعدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية. ومن المهم أن نلاحظ هنا أن شرعية المستوطنات في الأرض الفلسطينية المحتلة لا تتوقف على مسألة ما إذا كان الاحتلال في حد ذاته قانونياً أم لا. إن الاحتلال هو إحدى نتائج الصراع المُسلح. إنه ليس قانونيًا ولا غير قانوني في حدّ ذاته. لكن ما هو غير قانوني في حدّ ذاته هو مصادرة الأرض المُحتلة واستيطان سكان السلطة القائمة بالاحتلال في الأرض المحتلة. وتشمل مصادر القانون الدولي المنطبقة التي استشهدت بها محكمة العدل الدولية والمتعلقة بالمستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة اتفاقيات جنيف، وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن، والأحكام واجبة التطبيق في القانون الدولي لحقوق الإنسان، بما في ذلك اتفاقية القضاء على التمييز العنصري، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لماذا يُعدّ الاستيلاء على الأرض المحتلة غير شرعي؟
حتى ما بعد الحرب العالمية الأولى، لم يكُن هناك حظر قانوني دولي على حق وسلطة الدول في الاستيلاء على الأرض عن طريق الغزو. وكان بإمكان الدول أن تخوض الحرب لأي سبب من الأسباب، وفي الواقع كان أحد أكثر الأسباب إلحاحًا للقيام بذلك هو السيطرة على أراضٍ أجنبية. ولكن في عام 1928، جادل ميثاق كيلوج-برياند أنه يجب حظر الحرب، وطالبَ الدول بحل نزاعاتها بالوسائل السلمية.
ونظراً للانتهاك الصارخ لهذا الحظر في الحرب العالمية الثانية، سعى المجتمع الدولي إلى التأكيد من جديد على اشمئزازه من شنّ حرب عدوانية، وذلك من خلال فرض حظر على استخدام القوة العدوانية بين الدول الأعضاء، وذلك بموجب المادة 2 (4) من ميثاق الأمم المتحدة المُنشأة حديثاً، في حين ظل استخدام القوة للدفاع عن النفس مشروعاً (المادة 51).
وليس من المُستغرَب أن ذلك لم يفضِ إلى إنهاء الحرب. ولأن دبلوماسيي عام 1949 ربّما تعلموا دروساً من عام 1928، فقد أدركوا الحاجة المُستمرة إلى تنظيم الحرب، على الرّغم من أنهم قاموا بحظرها. وتضمنّت اللوائح التي تبنوها عام 1949 تنقيحات لاتفاقيات جنيف لحماية الجنود والبحّارة الذين سقطوا والمرضى في الحرب، وأسرى الحرب، إلى جانب اتفاقية جنيف الجديدة لحماية المدنيين، والتي تم التفاوض لإنشائها كردّ فعل على الرّعب الذي تمثّل في المحرقة. وتضمنت اتفاقية جنيف الجديدة عدة قواعد تنطبق على سلوك القوة القائمة بالاحتلال.
وتمشياً مع المبدأ الأساسي للتمييز في قانون النزاعات المسلحة – والذي ينص على أن المُقاتلين والأهداف العسكرية حصراً هم الذين يجوز أن يكونوا هدفاً للأعمال العدائية، في حين يتعيّن حماية المدنيّين والأعيان المدنية – فإن قانون الاحتلال يشترط على السلطة القائمة بالاحتلال احترام حقوق الإنسان وحقوق السيادة في الأراضي المحتلة.
هذا وتتضمن أحكام اتفاقية جنيف الرابعة بشأن الاحتلال قواعد لإقامة العدل، وحماية العمال، وتوزيع الغذاء، وحماية الأطفال وتعليمهم، وتوفير خدمات الصحة العامة والرعاية (الاجتماعية). وإحدى هذه القواعد، المُتمثّلة بالمادة 49، مصممة للحماية من الغزو من قبل قوة الاحتلال، فهي تحظر ترحيل المدنيين من الأرض المُحتلة أو نقل السكان المدنيين التابعين للسلطة القائمة بالاحتلال إلى الأرض المحتلة.
الحجج التي تم تقديمها لتبرير المُستوطنات ضعيفة
هناك عدة حجج تُستَخدم للدفاع عن مُمارسات شركة My Israel Home، وأوسعها أن اتفاقية جنيف الرابعة لا تنطبق، لأن ما يسمى بالأرض الفلسطينية المحتلة ليست في الواقع مُحتلة؛ بل هي منطقة مُتنازع عليها. وقد تم رفض هذه الحجة، التي ساقتها الحكومة الإسرائيلية، من قبل الغالبية العظمى من الدول، والاجتهادات القانونية ذات الصلة الصادرة عن المحاكم، والأمم المتحدة وآليات القانون الدولي الأخرى، والأكاديميين كذلك.
بل إن المحكمة العُليا الإسرائيلية تُقرّ في واقع الأمر بحالة “الاحتلال العسكري” للأرض الفلسطينية وبانطباق اتفاقية جنيف الرابعة. والأهم من ذلك هو أن الولايات المتحدة تعترف أيضًا بانطباق اتفاقية جنيف الرابعة، وبالتالي عدم شرعية المستوطنات الإسرائيلية في الأرض الفلسطينية المحتلة.
والحجّة الثانية التي تساق هي أن هذا السلوك –سلوك بناء المستوطنات- لا يشكّل جريمة حرب. وفي حين أن قائمة جرائم الحرب التي وضعتها المحكمة الجنائية الدولية تتضمن إرسال الدولة سكانها إلى الأراضي المحتلة، فإن المحكمة الجنائية الدولية ليس لها ولاية قضائية على الأفعال في الولايات المتحدة، لأن الولايات المتحدة ليست طرفًا في المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك، تمارس المحكمة الجنائية الدولية ولايتها القضائية على الأرض الفلسطينية المحتلة، لذا فإن أي شخص يشتري أرضًا هناك يُمكِن، من الناحية النظرية، أن يقع ضمن نطاق صلاحيات المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
ولكن من غير الواضح أيضًا ما إذا كانت هذه الجهود التسويقية يمكن أن تُنسَب إلى إسرائيل نفسها (السلطة القائمة بالاحتلال)، أو أن الأشخاص (اليهود) المُستَهدفين في هذه الجهود التسويقية يُمكِن اعتبارهم جزءًا من سكان إسرائيل. لدى الولايات المتحدة أيضًا قانون جرائم الحرب، لكنه لا يتضمّن نقل سكان الدولة إلى أرض محتلة.
التزام الولايات المتحدة بعدم تقديم المساعدة أو التحريض
وفي حين أن من المشكوك فيه أن تتم محاكمة أي شخص على صلة بمخطط التسويق هذا بتهمة ارتكاب جرائم حرب، فإن تسويق العقارات في المستوطنات الإسرائيلية المُقامة على الأرض الفلسطينية المُحتلة يُخالِف الأغراض التي تسعى الأحكام ذات الصلة في اتفاقيات جنيف إلى تحقيقها، والأحكام المناهِضة للتمييز في العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، واتفاقية القضاء على التمييز العنصري المنطبقة على الولايات المتحدة، وقد تشكل جريمة حرب بموجب القانون الدولي.
وعلى هذا النحو، يجب على الولايات المتحدة، باعتبارها طرفًا في هذه الاتفاقيات، وعملًا بالتزامها بـ “احترام وضمان احترام” شروط اتفاقيات جنيف، أن تضع حدًا لهذه الجهود التسويقية. وبالإضافة إلى اتفاقيات جنيف، تنشئ قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن أيضًا التزاماً، والذي نصّت عليه فتوى محكمة العدل الدولية، على “الدول الثالثة” بألا تقوم بتقديم المعونة أو المساعدة للأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية غير القانونية.
وإذا ما قُمنا بتنحية القانون الدولي جانباً، فمن الجدير بالذكر أن هذه الجهود التسويقية تتم في المعابد اليهودية (synagogues). ويتم تسويق العقارات لليهود، بما في ذلك تلك الموجودة في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأرض المحتلة؛ فشركة My Israel Home لا تُقيم عروضا ترويجية في المساجد مثلا. كما أن هناك أيضًا حجج تستدعي النظر في شرعية هذه المُمارسات التسويقية التمييزية بموجب قانون الإسكان العادل، والتي تقع خارج نطاق هذا المقال.
وسواء بموجب القانون الفيدرالي الحالي، أو بموجب الالتزامات القانونية الدولية للولايات المتحدة عملاً باتفاقيات جنيف وغيرها من مصادر القانون الدولي المُلزِم، يتعيّن وقف الاتجار في المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية في الأرض الفلسطينية المحتلة. إن سيادة القانون وأي أمل في التوصّل إلى حل سلمي للصراع يقتضِيان ذلك، وكذلك سمعة الولايات المتحدة كحاملة للواء معايير القانون الدولي.