ندوة للقانون من أجل فلسطين تتناول الإمكانات القانونية لتوفير قوات حفظ السلام وتدابير حماية المدنيين لمواجهة الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين
في 28 شباط\فبراير 2025، استضافت منظمة “القانون من أجل فلسطين” بالتعاون مع الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في فلسطين و مركز العمل المجتمعي في جامعة القدس، ندوة عبر منصة زووم تحت عنوان: “غزة/الضفة الغربية: توسع الإبادة الجماعية، حظر الأونروا، وتحدي المؤسسات الدولية – ما هي تدابير الحماية اللازمة للفلسطينيين؟”
جمعت الندوة، وهي الثالثة ضمن الموسم الثالث من ملتقى القانونيين من أجل فلسطين، نخبة من الخبراء في القانون الدولي وحقوق الإنسان والمناصرة العالمية لتسليط الضوء على الإبادة الجماعية المستمرة في فلسطين، خاصة انتقال تكتيكاتها من غزة إلى الضفة الغربية، والهجمات المتصاعدة على الأونروا والمؤسسات الدولية. وهدفت المناقشة إلى استكشاف السبل القانونية لحماية الشعب الفلسطيني، بما في ذلك جدوى وجود قوات حفظ السلام أو تواجد المتضامنين المدنيين غير المسلحين (ما يعرف ب الحماية المدنية غير المسلحة Unarmed Civilian Protection – UCP). كما تناول الخبراء الأسس القانونية، والسوابق التاريخية، والآليات العملية لتنفيذ ذلك، مع التركيز على دور الأمم المتحدة، الدول الأطراف الثالثة، الهيئات الإقليمية، والحركات الشعبية.
أدار الندوة منير نسيبة (مدير مركز العمل المجتمعي في جامعة القدس وعضو مجلس الأمناء في “القانون من أجل فلسطين”)، وشارك فيها خمسة متحدثين من الخبراء: عمار دويك، المدير العام للهيئة المستقلة لحقوق الإنسان؛ و سوزان أكرم، أستاذة في كلية القانون بجامعة بوسطن؛ و جون كويغلي، أستاذ القانون في كلية موريتز للقانون بجامعة ولاية أوهايو؛ وميل دانكان، المدير المؤسس لمنظمة “قوة السلام اللاعنفية”؛ وفارشا غانديكوتا-نيلوتلا، المنسقة العامة المشتركة لمنظمة “التقدمية الدولية” ورئيسة مجموعة لاهاي من أجل فلسطين.
عمار دويك: القمع الإسرائيلي غير الخاضع للمحاسبة ودور الدول العربية في مواجهته
سلط دويك الضوء على تحول إسرائيل من نهج إدارة الصراع إلى إنهائه، وهو نهج يترجم عمليًا من خلال حرب مفتوحة ضد الشعب الفلسطيني. وأوضح أن جرائم إسرائيل في غزة، إلى جانب قمعها المتصاعد في الضفة الغربية، تُظهر غياب أي قيود حقيقية على استخدامها للقوة، والإكراه، والتهجير الممنهج للفلسطينيين. وأشار إلى أن حجم الدمار في غزة مذهل، ولا يزال الوضع الإنساني كارثيا بسبب القيود الشديدة المفروضة على المساعدات الإنسانية. كما اشار دويك الى عمليات التهجير القسري في الضفة الغربية، والتي وصلت الى مستويات غير مسبوقة، بحيث تم تهجير أكثر من 40,000 فلسطيني قسراً من مخيمات اللاجئين تحت وطأة العمليات العسكرية الإسرائيلية المكثفة. وقد صرح المسؤولون الإسرائيليون صراحةً أنه لن يُسمح لهؤلاء النازحين بالعودة في المستقبل المنظور، مما عزز المخاوف بشأن استراتيجية الاحتلال طويلة المدى لمحو الوجود الفلسطيني في المناطق الرئيسية.
من خلال التهديد بتعليق أو إعادة النظر في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وتقديم الدعم المالي والسياسي لوكالة الأونروا، يمكن للحكومات العربية فرض تكاليف سياسية واقتصادية حقيقية ضد الإجراءات الإسرائيلية.
وأكد دويك كذلك أن الخطاب السياسي الإسرائيلي أصبح يتبنى بشكل متزايد نهجًا يجرّد الفلسطينيين من إنسانيتهم، حيث يصوّر وجودهم ذاته على أنه مشكلة يجب حلها من خلال التهجير القسري أو الإجراءات العسكرية المتطرفة. وأشار إلى التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي دعا فيها إلى تهجير سكان غزة، وهي تصريحات قد تبدو غير عملية، لكنها تغذي التحريض داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية، بما في ذلك بين من يُسمَّون بالشخصيات الوسطية. في ظل ذلك، دعا دويك إلى اتخاذ إجراءات عاجلة ومنسقة لمواجهة هذه السياسات، مشددًا على أن الدول العربية، على وجه الخصوص، تمتلك نفوذًا كبيرًا. فمن خلال التهديد بتعليق أو إعادة النظر في علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع إسرائيل، وتقديم الدعم المالي والسياسي لوكالة الأونروا، يمكن للحكومات العربية فرض تكاليف سياسية واقتصادية حقيقية ضد الإجراءات الإسرائيلية. وحذّر من أنه دون هذا الضغط، فإن الوضع سيتدهور أكثر، مما سيدفع المجتمعات الفلسطينية إلى أزمة أعمق ويزيد من زعزعة استقرار المنطقة.
سوزان أكرم: تداعيات حظر إسرائيل للأونروا
سلّطت أكرم الضوء على الاتهامات المقلقة التي وجهتها إسرائيل للأونروا، حتى قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حول تورط موظفي الأونروا، والتي فشلت إسرائيل في إثباتها بأدلة. كما ناقشت أكرم التشريع الإسرائيلي الذي صدر في أكتوبر/تشرين الأول 2024، والذي سعى إلى إلغاء وضع الأونروا وتصنيفها كمنظمة إرهابية.
“في نظر إسرائيل، إذا تم القضاء على الأونروا، يتم القضاء على حقوق الفلسطينيين وآليات إنفاذها.”
ووفقًا لأكرم، فإن القضاء على الأونروا يُعدّ إنكارًا اسرائيلياً لحقوق الفلسطينيين والآليات التي تضمن تطبيقها. وأكدت أن بقاء 2.2 مليون فلسطيني في غزة يعتمد بشكل كبير على المساعدات الإنسانية التي تقدمها الأونروا، وفي الضفة الغربية والقدس الشرقية، حيث يعتمد كل من الفلسطينيين المسجلين وغير المسجلين كلاجئين على خدمات الوكالة. كما أشارت أكرم إلى التأثير الكبير للأونروا خارج الأراضي الفلسطينية المحتلة والدور المهم الذي يلعبه موظفوها في تقديم الخدمات الأساسية، بما في ذلك في الأردن ولبنان وسوريا، حيث تقدم الوكالة خدماتها للاجئين الفلسطينيين هناك.
كما تناولت أكرم نقطة جوهرية، وهي أن وضع اللاجئين الفلسطينيين لا يعتمد على وجود الأونروا، فهو متجذر في القانون الدولي، الذي ينص على أن إسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، تتحمل مسؤولية توفير الحماية للفلسطينيين، لا سيما مع إغلاق الأونروا. وأوضحت أنه في حين أن الأونروا لا تمنح صفة اللاجئ، إلا أنها تعترف بالأفراد باعتبارهم مؤهلين للحصول على المساعدات والخدمات الإنسانية، انطلاقاً من لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة بشأن فلسطين والتي تحدد الوضع القانوني للفلسطينيين باعتبارهم لاجئين.
واختتمت أكرم حديثها بمناقشة قانونية التشريع الإسرائيلي بشأن الأونروا، مشددة على أنه ينتهك ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي. وبصفتها عضوًا في الأمم المتحدة، فإن إسرائيل ملزمة بحماية واحترام الأونروا، وهي مسؤولية باتت الآن في خطر.
جون كويغلي: الأبعاد القانونية لتدابير حماية الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية
أشار كويغلي إلى سوابق دولية في حماية السكان في مناطق النزاع، والتي يمكن تطبيقها على السياق الحالي. وسلط الضوء على مثال قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة التي أنشأتها الجمعية العامة عام 1956، والتي عملت على الحدود بين غزة وإسرائيل لمدة عقد من الزمن. ورغم وجودها، فشلت القوة في ردع العمليات العسكرية الإسرائيلية، بما في ذلك هجومها على غزة ومقر قوة الطوارئ التابعة للأمم المتحدة، والذي أسفر عن مقتل عدد من موظفي الأمم المتحدة. كما أشار كويغلي إلى تقييم أجراه الجيش الأمريكي عام 2001 لتحديد جدوى إنشاء قوة حفظ سلام دولية في الضفة الغربية وغزة إذا تم تفويضها من قبل الأمم المتحدة، وانتقدت الدراسة القوات العسكرية الإسرائيلية لتجاهلها القانون الدولي، ما يؤكد على أن عدم التعاون مع تدابير الحماية ليس أمرًا مستجدًا.
وبينما لا يبدو تاريخ قوات الحماية مبشرًا، اقترح كويغلي أنه مع التنظيم المناسب، لا يزال من الممكن أن يكون هناك آلية حماية فعالة، إذا التزمت إسرائيل بها. كما أكد على تعليقات دويك بأن زيادة مشاركة الدول العربية يمكن أن تشكل نموذجًا لحضور دبلوماسي وقائي قد تحترمه إسرائيل. وأشار أيضًا إلى إمكانية تبني تدابير حماية عبر الجمعية العامة للأمم المتحدة، مستشهدًا بتأسيس قوة طوارئ في كوريا عام 1950 عندما عجز مجلس الأمن عن اتخاذ إجراء بسبب حق النقض الفيتو الذي استخدمه أحد الأعضاء الدائمين، هذا فضلاً عن امكانية استناد مجلس الأمن إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، والذي تم اللجوء إليه لإنشاء قوة حماية في البوسنة عام 1993 خلال النزاع الدائر آنذاك.
وأكد كويغلي على أهمية التمسك بحق العودة للفلسطينيين، ردًا على تصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إعادة توطين سكان غزة. وشدد على أنه بدلًا من تهجيرهم القسري إلى أماكن أخرى، يجب السماح لغالبية سكان غزة -وهم لاجئون من فلسطين التاريخية- بالعودة إلى ديارهم الأصلية، وفقًا لقرارات الأمم المتحدة.
ميل دانكان: تواجد الحماية المدنية غير المسلحة كآلية بديلة للحماية
سلّط ميل دانكان الضوء على أبعاد وجدوى تدابير الحماية، مع التركيز بشكل خاص على آلية الحماية المدنية غير المسلحة من خلال المتضامنين الأجانب UCP، المعروفة أيضًا بـ “الحضور الوقائي”. وأشار دانكان إلى أن ما لا يقل عن 61 منظمة من المجتمع المدني تستخدم هذا النهج في 24 منطقة من مناطق الصراع العنيف، بما في ذلك العراق وميانمار وجنوب السودان والولايات المتحدة. ومن الجدير بالذكر أن هذا الشكل من الحماية يتطلب الحد الادنى من الاستثمار المالي والتجهيزات، مما يتيح مشاركة أوسع، كما أنه حظي باعتراف الأمم المتحدة.
قدّم دانكان أمثلة مقارنة وسوابق لحماية المدنيين غير المسلحين حول العالم، والتي تتعلق بالوضع في الضفة الغربية. وذكر تحديدًا الفِرق المتواجدة في مسافر يطا، بما في ذلك مجموعات إسرائيلية محلية توفر الحماية للفلسطينيين، بحيث تعمل هذه المجموعات بدعوة من المجتمعات المحلية، ويقوم عملها على مبادئ اللاعنف والتضامن.
“التضامن يكسر العزلة التي يفرضها الفصل العنصري.”
وقدم دانكان عدة توصيات لتعزيز فعالية حماية المدنيين غير المسلحين: أولًا، شدد على الحاجة الى زيادة عدد حماة المدنيين المدربين وذوي الخبرة، ثانيًا، دعا إلى تقديم دعم أقوى للمجموعات القائمة، نظرًا لاعتمادها غالبًا على المتطوعين والموارد المحدودة، واقترح توفير التدريب، ومنصة للتعاون، والمساعدة في دعم الأعضاء الذين يواجهون صدمات أثناء عملهم في الميدان. واختتم دانكان بالتأكيد على أن التضامن أداة قوية تكسر العزلة التي يفرضها نظام الفصل العنصري.
فارشا غانديكوتا: مجموعة لاهاي من أجل فلسطين والخطوات التالية
ناقشت فارشا غانديكوتا إنشاء “مجموعة لاهاي من أجل فلسطين”، التي تأسست في 21 يناير/كانون ثاني 2025 بمشاركة ثماني دول: ماليزيا، جنوب أفريقيا، السنغال، ناميبيا، كولومبيا، هندوراس، وبوليفيا، والتي تهدف بشكل رئيسي الى تنسيق الإجراءات القانونية والعسكرية والاقتصادية للحد من انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي. وباعتبارها خطوة تاريخية نحو تنسيق العمل الجماعي للدول، فإن الهدف الرئيسي للمجموعة هو تنسيق الإجراءات القانونية والعسكرية والاقتصادية للحد من انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي.
وأوضحت غانديكوتا أن المجموعة تأسست بدافع الضرورة، مشيرة إلى أنه إذا عملت البنية القانونية الحالية على النحو المنشود، لما كان العالم يواجه الأزمة الحالية، التي امتدت على مدار 500 يوم من الإبادة الجماعية. وأكدت أن الإبادة الجماعية، وإن انتقلت من غزة إلى الضفة الغربية، إلا أنها لا تزال مستمرة. وشددت على أن مهمة المجموعة ليست تقويض القانون الدولي أو نظام التعددية الدولية، بل تسليط الضوء على فشل الدول في الوفاء بالتزاماتها الدولية، ووقف الإبادة الجماعية، ودعم حق الشعب الفلسطيني غير القابل للتصرف في تقرير المصير.
كما أكدت غانديكوتا أن هذا التحدي للقانون الدولي لا يقتصر على الولايات المتحدة، التي فرضت عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، بل يشمل أيضًا دولًا أوروبية مثل فرنسا، التي انتهكت القانون الدولي لسنوات وترفض الآن الامتثال لمذكرات الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية بحق المسؤولين الإسرائيليين.
وأكدت غانديكوتا أن التزام “مجموعة لاهاي” يستند إلى ميثاق الأمم المتحدة، الذي وصفته بالإطار الأساسي الذي يوجّه إجراءات الدول، وأشارت إلى الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في يوليو 2024، والذي أعلن أن الاحتلال الإسرائيلي غير قانوني، وإلى قرار الأمم المتحدة في سبتمبر 2024، الذي أدخل هذا الرأي إلى أروقة الأمم المتحدة.
علاوة على ذلك، شددت غانديكوتا على أهمية التزام الدول بضمان مساءلة مجرمي الحرب، حيث تعهدت المجموعة بمنع أي إيواء لمرتكبي الإبادة الجماعية، ووقف استخدام موانئ دولها لنقل المساعدات العسكرية إلى إسرائيل. كما تدعو المجموعة إلى وقف جميع صادرات الأسلحة أو تحويلها إلى إسرائيل، في إطار مهمتها الأوسع لتحقيق العدالة والمساءلة.
اختُتمت الندوة بنقاش حول التحديات غير المسبوقة التي تواجه الشعب الفلسطيني والحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات دولية حاسمة، وشدد المتحدثون على أن اللحظة الحالية تمثل مفترق طرق حاسمًا للقانون الدولي كأداة لتحقيق العدالة، وأكدوا أن فعالية آليات الحماية تعتمد على الإرادة السياسية وسبل التنفيذ. كانت الندوة بمثابة دعوة للتحرك من قبل الدول والمجتمع المدني والمؤسسات العالمية لاتخاذ خطوات ملموسة لمحاسبة إسرائيل، وحماية الأرواح الفلسطينية، وضمان حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
- للاطلاع على التفريغ النصي الكامل للندوة باللغة العربية، انقر/ي هنا