رد هيومن رايتس ووتش: تأملات في الفصل العنصري والاضطهاد في القانون الدولي
بقلم كلايف بالدوين وإميلي ماكس
رايتس ووتش الفصل الاضطهاد
الأصل الإنجليزي هنا
ترجمة: مي شاهين
ل: منظمة القانون من أجل فلسطين
في هذا المقال، أعرب الكاتبان كلايف بالدوين وإميلي ماكس من هيومن رايتس وونش عن تقديرهما للمناقشة المثرية التي خاضها منتدى «!EJIL Talk»، إذ ناقش عددًا من القضايا القانونية التي تناولها تقرير منظمتهما “هيومن رايتس ووتش” المعنون بــ: “تجاوزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجريمتا الفصل العنصري والاضطهاد“. وقد حظي التقرير باهتمام إعلامي كبير، كما أثار العديد من المحادثات المفيدة منذ صدوره في أواخر أبريل/نيسان. لكن هذا المنتدى يتيح للمنظمة أولى الفرص لمناقشة موضوعية تركز في المقام الأول على الآثار المترتبة على تقريرها على الخطاب القانونيّ الدوليّ الأوسع.
لفتت المساهمات التي تمت من قبل الكتاب الآخرين، بحسب بالدوين وماكس، الانتباه إلى العديد من الموضوعات الرئيسية التي سيتناولانها هنا. بما في ذلك فيما يخص:
- التعريفات التقليدية والعرفية للفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية، بما في ذلك تعريف “الفئة العِرقية”؛ وتأثير القانون الدولي لحقوق الإنسان، لاسيما الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، على هذه التعريفات؛
- التمييز بين استخدام مصطلح “الفصل العنصري” كمصطلح قانونيّ دوليّ وكمفهوم تاريخي أو مقارن، ومدى صحة المقارنات مع جنوب أفريقيا في السبعينات؛
- مدى صحة الدفاع عن “معقولية” الفصل العنصري؛ و
- النطاق الزمني والجغرافي لتطبيق الجريمة في سياق إسرائيل وفلسطين.
قبل الخوض في التفاصيل، لا بد من كلمة عن تفويض هيومن رايتس ووتش، حيث أن عددًا من القضايا التي أثارها المساهمون تتعلق بمنهجية التقرير وكيفية إجرائها للبحث والمناصرة.
تعمل هيومن راتس ووتش، بحسب بالدوين وماكس، في حوالي 100 دولة، بحيث يشمل عملها توثيق الحقائق وتطبيق القانون لفضح الانتهاكات والضغط من أجل التغيير، بما في ذلك في الحالات التي يتورط فيها مسؤولو دولة ما بصورة موثوقة في جرائم دولية خطيرة. أشار الكاتبان إلى أن تفويضهما مبني على القانون الدولي، وخاصة القانون الدولي لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والقوانين الخاصة باللاجئين، وكذلك القانون الدولي الجنائي.
وذكّر الكاتبان أن مراجعتهما التفصيلية للحقائق على الأرض دفعتهما، على سبيل المثال، في عام 2020 إلى تحديد السلطات في ميانمار بأنها كانت ترتكب جرائم ضد الإنسانية تتمثل في الفصل العنصري والاضطهاد ضد مجموعة الروهينجا في ولاية راخين من بين أمور أخرى. ووجدا في أبريل/نيسان 2021 أن مسؤولي الحكومة الصينية يرتكبون جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك جريمة الاضطهاد ضد الأويغور وغيرهم من المسلمين الأتراك في شينجيانغ. وعلى حد تعبيرهما، دعم هذا النهج نفسه عملهما بشأن مسؤولية المسؤولين الإسرائيليين عن الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري والاضطهاد.
تعريف الفصل العنصري كمصطلح قانوني عالمي في المعاهدات والأعراف:
استندت هيومن رايتس ووتش في نتائجها حول تعريف جريمة الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية على القانون الجنائي الدولي.
هناك معاهدتان دوليتان وهما: الاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها (إتفاقية الفصل العنصري) ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (نظام روما الأساسي)، تعرّفان الفصل العنصري على أنه جريمة ضد الإنسانية. تُعرّف إتفاقية الفصل العنصري جريمة الفصل العنصري، وهي جريمة ضد الإنسانية، في المادة الثانية على أنها “الأفعال اللاإنسانية المرتكبة لغرض إقامة وإدامة هيمنة فئة عنصرية [عرقية] ما من البشر على أية فئة عنصرية [عرقية] أخرى من البشر واضطهادها إياها بصورة منهجية”. يُعرّف نظام روما الأساسي الفصل العنصري في المادة 7، الفقرة 2 (ح) على أنه: “الأفعال اللاإنسانية … التي تُرتكب في سياق نظام مؤسسي قوامه الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب فئة عرقية واحدة إزاء أية فئة، أو فئات، عرقية أخرى، وترتكب بنية الإبقاء على ذلك النظام”.
انضمت دولة فلسطين إلى هذه المعاهدات في عامي 2014 و2015، على التوالي، وقبِلت (عن طريق الإعلان بموجب المادة 12 (3) من نظام روما الأساسي) إختصاص المحكمة الجنائية الدولية إعتبارًا من 13 حزيران/يونيو 2014. وفي شباط/فبراير عام 2021، أكدت الدائرة الإبتدائية الأولى اختصاص المحكمة على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
إن إنضمام دولة فلسطين إلى كل من اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي لا يعطي فقط سنداً قانونيًا بموجب المعاهدة لتطبيق الجرائم ذات الصلة على الأرض ولكنه يوفر أيضًا سبل الانتصاف القانونية على شكل محاكمات محتملة في محكمة دولية، في ضوء التحقيق الجاري من قبل المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية.
وجدت هيومن رايتس ووتش، بحسب بالدوين وماكس، أن تعريفات جريمة الفصل العنصري بموجب اتفاقية الفصل العنصري ونظام روما الأساسي تم تطبيقها واستيفاؤها في سياق إجراءات المسؤولين الإسرائيليين. في حين أن هنالك إختلافات بين التعريفات كما حددها الكاتبان في التقرير، إلا أنها متداخلة إلى حد كبير. ولشرح الجريمة بعبارات مفهومة لعامة الناس وتنظيم التحليل، قاما بتقسيم جريمة الفصل العنصري إلى ثلاثة عناصر أساسية: (1) نية للسيطرة من قبل فئة عرقية على أخرى؛ (2) قمع منظم من قبل الفئة المهيمنة على الفئة المهمّشة. (3) الأعمال اللاإنسانية. يتحدى جوشوا كيرن هذا الملخص باعتباره “تعريف هيومن رايتس ووتش”، لكن النتائج التي توصلنا إليها تنطبق على التعريفين في كلا المعاهدتين وتستند إليهما.
يتحدى تحليل كيرن الوضع بموجب القانون الدولي العُرفي لجريمة الفصل العنصري، إذ أن إسرائيل لم تصدق على قانون روما الأساسي ولا على اتفاقية الفصل العنصري، والعُرف هو مصدر بديل للمعاهدات في القانون الدولي.
في حين أن هناك نقاشاً حول الوضع العرفي للجريمة ضد الإنسانية المتمثلة في الفصل العنصري، فقد وصل حظر الفصل العنصري بموجب القانون الدولي العام والقانون الدولي لحقوق الإنسان إلى مرتبة القانون العُرفي. علاوة على ذلك، أقرت لجنة القانون الدولي بحظر الفصل العنصري، مثل حظر التمييز العنصري، كقاعدة قطعية في القانون الدولي العام. إضافة إلى ذلك، وكما يلاحظ كيرن نفسه، فإن “التصديق شبه العالمي” على الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري يضع الحظر “خارج نطاق الشك” في القانون الدولي لحقوق الإنسان.
مع ذلك، ينوه بالدوين وماكس إلى أنه لم يتم تعريف مصطلح الفصل العنصري في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري بشكل واضح. إلا أن لجنة القضاء على التمييز العنصري أكّدت مؤخراً مقبولية بلاغ بين الدول من قبل دولة فلسطين ضد إسرائيل. تتضمن شكوى فلسطين الأصلية لعام 2018، من بين ادعاءات أخرى، انتهاكات مزعومة للمادة 3 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتي تغطي التمييز العنصري والفصل العنصري. ستقوم لجنة التوفيق المختصة بمراجعة مزايا ادعاءاتها قريباً، بما في ذلك مسؤولية الدولة الإسرائيلية عن الأفعال غير المشروعة دوليًا بموجب الاتفاقية. وقد تكون هذه فرصة لتحديد معنى الفصل العنصري بموجب الاتفاقية الدولية على جميع أشكال التمييز العنصري.
لكن العودة إلى القانون الدولي العرفي لم يكن ضروريًا في تقرير هيومن رايتس ووتش، حيث استخدمت الفصل العنصري بموجب تعرفيه في القانون الجنائي الدولي المنصوص عليه في المعاهدات التي صادقت عليها دولة فلسطين.
تركز كارولا لينغاس في مداخلتها، بحسب ما يشير بالدوين وماكس، على تعريف “الفئة العرقية”، فتتفق مع هيومن رايتس ووتش في أن التعريف الأوسع للعرق – الذي لا يقتصر على الجينات أو لون البشرة – يجب أن يوجه نهجنا لتعريف الفئة العرقية، وأن التعريف المتطور ل “الفئة القومية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية” في السوابق القضائية لجريمة الإبادة الجماعية، هو ذو صلة بجريمة الفصل العنصري ضد الإنسانية. ومع ذلك، يزعم كيرن أن منطق هيومن رايتس ووتش “يختلف عن النهج الذي اعتمدته المحاكم الجنائية الدولية المخصصة”.
في الواقع، يقول الكاتبان، أدركنا أن هذه المحاكم قد قيمت هوية الفئة بناءً على السياق والبنية المتصورة من قبل الفواعل المحليين، على عكس الأساليب الضيقة التي تركز على السمات الجسدية الوراثية. فعلى سبيل المثال، رأت المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة في يليسيتش أن تعريف “فئة عرقية اليوم باستخدام معايير موضوعية وغير قابلة للإصلاح علميًا سيكون ممارسة محفوفة بالمخاطر”.
تخلُص لينغاس إلى أنه نظرًا إلى أن “الخصائص التي تميز الفلسطينيين عن اليهود الإسرائيليين يتم تعريفها وتحديدها من قبل المعتدين أنفسهم… فإنه من المرجّح أن عنصر “الفئة العرقية” في جريمة الفصل العنصري ضد الإنسانية قد تم استيفاؤه”.
ومع ذلك، فهي لا توافق على استخدام القانون الدولي لحقوق الإنسان (وخاصة الاتفاقية ضد التمييز العنصري) لتفسير تعريف جريمة دولية.
يعتقد الكاتبان، لا سيما في ظل عدم وجود سوابق قضائية حول جريمة الفصل العنصري، أن خبرة وتعليقات لجنة القضاء على التمييز العنصري تعتبر مصدراً قيّماً لفهم العرق والتمييز العنصري، مما سيساعد في توجيه تعريف “الفئة العرقية“. في آخر مراجعة لسجل إسرائيل في ديسمبر 2019، وجدت اللجنة “ظروفًا تثير قضايا” بموجب المادة 3 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والتي تغطيكلاً من اتفاقية الفصل العنصري، ودعت السلطات إلى “القضاء على جميع أشكال الفصل بين المجتمعات اليهودية وغير اليهودية وأية سياسات أو ممارسات من هذا القبيل والتي تؤثر بشكل خطير وغير متناسب على السكان الفلسطينيين في إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة”.
نظرًا لأن لجنة القضاء على التمييز العنصري قد أنجزت معظم العمل بشأن الفهم القانوني الدولي الحالي للتمييز العنصري، وهو مفهوم يقع في صميم جرائم الفصل العنصري والاضطهاد، فإن نهجها يوفر إرشادات قيمة للمدعين العامين والمحاكم الجنائية، الذين سيقومون بالطبع بترجمة وتطبيق القانون وفقًا لمبادئ القانون الجنائي الدولي، بما في ذلك مبدأ “لا جريمة إلا بنص”.
نحن لا نستخدم مصطلح “دولة الفصل العنصري” – فيما يتعلق بإسرائيل أو ميانمار – لأنه ليس له معنى بموجب القانون الدولي
يكرر مقال كانتروفيتش انتقادات خاطئة مفادها أن هيومن رايتس ووتش تصنف إسرائيل فعليًا على أنها “دولة فصل عنصري”. وهنا يؤكد الكاتبان: نحن لا نستخدم مصطلح “دولة الفصل العنصري” – فيما يتعلق بإسرائيل أو ميانمار – لأنه ليس له معنى بموجب القانون الدولي. الجرائم الدولية، بما في ذلك الفصل العنصري، يرتكبها أفراد ينبغي محاسبتهم. بموجب قرار روما الأساسي، يعتبر الفصل العنصري، مثل جميع الجرائم ضد الإنسانية، جريمة لسياسة الدولة لأنه يتطلب “ارتكاب أفعال متعددة (…) ضد أي سكان مدنيين، وفقًا أو تعزيزًا لسياسة دولة أو منظمة” (المادة 7، الفقرة 2 أ). لكن مصطلح “دولة الفصل العنصري” ليس له أي معنى في القانون الجنائي الدولي، ولا مصطلح “دولة الإبادة الجماعية” أو “دولة التعذيب” على سبيل المثال. يهدف التقرير إلى تقييم ما إذا كانت السياسات والممارسات المحددة التي ينفذها مسؤولو الدولة ترقى إلى مستوى جرائم محددة ضد الإنسانية – التمييز العنصري والاضطهاد – وليس إصدار حكم على طبيعة دولة بأكملها.
لا يتطرق هذا النقاش إلى الاستنتاجات الرئيسية الأخرى لـ هيومن رايتس ووتش في “تجاوزوا الحد”، والتي تفيد بأن المسؤولين الإسرائيليين يرتكبون جريمة الاضطهاد ضد الإنسانية. الاضطهاد هو جريمة مميزة ضد الإنسانية، يعود تاريخها على الأقل إلى الأربعينيات من القرن الماضي ومحددة في نظام روما الأساسي، حيث يتم تعريفها على أنها “الحرمان المتعمد والشديد من الحقوق الأساسية بما يتعارض مع القانون الدولي بسبب هوية المجموعة أو المجموع”، وهو وثيق الصلة بجريمة الفصل العنصري، ومن المهم للمناقشات القانونية أن تنظر في كلا الجريمتين.
صلاحية التجربة التاريخية لجنوب إفريقيا كأساس للتفسير القانوني
يقترح كل من كيرن وكانتروفيتش أن التعريف القانوني المعاصر لجريمة الفصل العنصري يتطلب مقارنة مفصلة مع جنوب إفريقيا في السبعينيات، لكن قراءة كهذه، بحسب الكاتبين، ستكون خاطئة. تعود الإشارات إلى الفصل العنصري كجريمة عالمية ضد الإنسانية إلى الستينيات. يستند كلا الكاتبين في ادعاءاتهم إلى اتفاقية الفصل العنصري لعام 1973 ولا سيما على بيانها في المادة الثانية بأن الجريمة “يجب أن تشمل سياسات وممارسات مماثلة للفصل العنصري والتمييز كما تُمارس في جنوب إفريقيا” – بما في ذلك ناميبيا وزيمبابوي والبرتغال وأنغولا وموزمبيق. ومع ذلك، توضح اتفاقية الفصل العنصري في المادة الثانية أنها “تطبق” على قائمة طويلة من السياسات والممارسات المحددة.
استندت هيومن رايتس ووتش في تحليلها إلى تلك القائمة المقننة، وليس على مقارنات تاريخية. والأهم من ذلك، أن قانون روما الأساسي لعام 1998، الذي تمت صياغته بعد نهاية الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، يعرّف الفصل العنصري باعتباره جريمة مميزة ضد الإنسانية، وأزال أي إشارة إلى جنوب أفريقيا من تعريفه.
جميع الجرائم الدولية لها أصولها الخاصة؛ الكثير من المعاهدات تمت صياغتها مع أخذ مواقف تاريخية محددة في الاعتبار، لكن تفسير وتطبيق هذه الجرائم وتعريفاتها لا يتطلب ولا يمكن مقارنته مباشرة بوضع تاريخي. تعود جذور جريمة الفصل العنصري ضد الإنسانية إلى أحداث الجنوب الأفريقي منذ عقود، لكن المحاكم اليوم تعتمد في تفسيرها في المقام الأول على اللغة في التعريفات نفسها. إن اشتراط إجراء مقارنة تاريخية مفصلة سيجعل المصطلح من الآثار التاريخية والجريمة مستحيلة المحاكمة، مما يقوض الغرض من إدراجه في نظام روما الأساسي.
يثير كونتوروفيتش مجموعة من الاختلافات بين جنوب إفريقيا في السبعينيات وإسرائيل وفلسطين اليوم، بما في ذلك دور السلطة الوطنية الفلسطينية في الأرض الفلسطينية المحتلة. فبينما تمارس كل من السلطة الوطنية الفلسطينية وحماس وظائف الحكومة المحلية في أجزاء من الأرض الفلسطينية المحتلة، تمارس الحكومة الإسرائيلية سيطرة فعالة وأساسية كما يوثق التقرير. الفصل العنصري جريمة تهيمن فيها فئة من الناس على فئة أخرى، بغض النظر عما إذا كانت الفئة المسيطرة تتمتع بسيادة رسمية في هذه المناطق. وبغض النظر عمن يتحمل مسؤولية الاختراقات أو المآزق في المفاوضات، فإن السلطات الإسرائيلية مسؤولة عن حماية حقوق الفلسطينيين الذين يعيشون في المناطق التي تمارس فيها السلطات الإسرائيلية سيطرتها.
المعقولية كدفاع
يجادل كيرن أيضًا بأن عنصر “الاضطهاد” في تعريف الفصل العنصري يجب أن يتم استرشاده على ضوء مفهوم “المعقولية” الذي من شأنه أن يبرر معاملة الفئات بشكل مختلف.
يرى كل من بالدوين وماكس بأنه من الصحيح أنه عند النظر في متى ترقى المعاملة التفضيلية إلى حد التمييز، ينبغي النظر في السياق والتبرير. لكن “المعقولية” نادرًا ما تكون دفاعًا ينفى أو يبرر الجرائم ضد الإنسانية لا سيما جرائم الفصل العنصري والاضطهاد على أساس العرق. يعد حظر التمييز العنصري أحد أقوى أشكال الحظر في القانون الدولي، ولا ينبغي اعتبار الأفعال التي تصل إلى أقصى أشكاله مقبولة أو مبررة بسبب اعتبارات تتعلق بالسياسة.
قضت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في قضيتها التاريخية لعام 2009، [قضية] ساييتس وفينتشي، بأن دستور البوسنة والهرسك، الذي كان نتيجة معاهدة لإنهاء الحرب الأهلية، انتهك القانون الدولي لحقوق الإنسان، لأن اتفاقيات تقاسم السلطة فيه بلغت التمييز غير المبرر ضد اليهود والغجر، حتى في سياق تسوية سلمية.
حتى عندما يشكل الأمن جزءًا من الدافع وراء سياسة معينة، فإن ذلك لا يمنح إسرائيل الإذن بانتهاك حقوق الإنسان بشكل جماعي
تواجه السلطات الإسرائيلية تحديات أمنية مشروعة في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة. ومع ذلك، يستدرك الكاتبان، فإن القيود التي لا تسعى إلى تحقيق توازن بين حقوق الإنسان مثل حرية التنقل والمخاوف الأمنية المشروعة من خلال إجراء تقييمات أمنية فردية بدلاً من منع جميع سكان غزة من المغادرة باستثناء استثناءات نادرة فقط على سبيل المثال، تتجاوز بكثير القانون الدولي. ولكن حتى عندما يشكل الأمن جزءًا من الدافع وراء سياسة معينة، فإن ذلك لا يمنح إسرائيل الإذن بانتهاك حقوق الإنسان بشكل جماعي.
تستخدم إسرائيل ذريعة الأمن لتبرير بعض السياسات مثل قانون المواطنة والدخول إلى إسرائيل وتجميد سجل السكان في الأراضي الفلسطينية المحتلة، لتعزيز الأهداف الديموغرافية في المقام الأول. كما تقوم بالعديد من الانتهاكات التي ليس لها مبررات أمنية مشروعة بما فيها الرفض القاطع لتصاريح البناء، والإلغاء الجماعي للإقامة أو تقييدها، ومصادرة الأراضي على نطاق واسع. يمكن أن تكون المخاوف الأمنية المشروعة من بين دوافع السياسات التي ترقى إلى الفصل العنصري، تمامًا كما يمكن أن تكون موجودة في الدوافع الكامنة وراء سياسة معاقية التعذيب أو استخدام القوة المفرطة.
النطاق التاريخي والزمني لتقرير هيومن رايتس ووتش
تضع نورا عريقات تقرير هيومن رايتس ووتش في السياق الأوسع لسنوات الدراسة الأكاديمية التي قدمها بالغالب الفلسطينيون حول قضية الفصل العنصري. تشير عريقات إلى أن هيومن رايتس ووتش قررت أن السلطات الإسرائيلية بدأت ارتكاب جريمة الفصل العنصري مؤخرًا فقط، ولم تتخذ أي قرار بشأن الجرائم التي تم ارتكابها في الماضي أو عندما تم تجاوز الحد الأدنى. بينما يرى الكاتبان أن هذا التقرير – تمامًا مثل جميع أبحاث المنظمة الأخرى حول العالم – يطبّق الحقائق كما تم بحثها في القانون الدولي ذي الصلة وقت النشر. ويوثق التقرير العديد من الانتهاكات التي طال أمدها.
مع ذلك، كانت التغييرات القانونية والواقعية الأخيرة حاسمة في النتائج التي توصل إليها التقرير. من الناحية القانونية، كان تصديق دولة فلسطين على المعاهدتين خطوة حاسمة. فحص التقرير تصريحات وأفعال السلطات الإسرائيلية في السنوات الأخيرة، بما في ذلك التوسع المستمر للمستوطنات الإسرائيلية فقط في الضفة الغربية، إقرار قانون الدولة القومية اليهودية، وإعلانات النوايا من قبل مجموعة واسعة من السياسيين الإسرائيليين لضم أجزاء إضافية من الضفة الغربية رسميًا، الأمر الذي من شأنه أن يحافظ على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين في المستقبل المنظور – إن لم يكن بشكل دائم.
تثير رانيا محارب أيضًا أسئلة مهمة تتعلق بالنطاق الجغرافي لنتائج التقرير، بحسب ما يقول الكاتبان. ويضيفان بأن تقرير هيومن رايتس ووتش قام بتقييم الحكم الإسرائيلي في المناطق التي تمارس فيها إسرائيل سيطرتها ووجد أن الفصل العنصري والاضطهاد يمارس على أساس سياسة الحكومة الإسرائيلية الشاملة للحفاظ على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين والانتهاكات الجسيمة المرتكبة ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية.
وجد التقرير أن العناصر الثلاثة لجريمة الفصل العنصري مجتمعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وفقًا لسياسة حكومية إسرائيلية واحدة. هذه السياسة هي الحفاظ على هيمنة الإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. اقترنت سياسة الاضطهاد الممنهج هذه مع نية القمع المنهجي والأفعال اللاإنسانية المرتكبة ضد الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
كجزء من هذا التحليل، قيّمت هيومن رايتس ووتش المعاملة التمييزية للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل والقوانين والسياسات التي تمنع الفلسطينيين الذين فروا أو أجبروا على الفرار من منازلهم وأحفادهم من العودة إلى منازلهم في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، مع السماح للمواطنين اليهود من الدول الأخرى الذين لم يزوروا إسرائيل مطلقًا بالانتقال إليها أو إلى مستوطنات الضفة الغربية والحصول تلقائيًا على الجنسية. وتعكس هذه السياسات والممارسات نية الهيمنة، وهي أحد أركان الجريمة.
النتائج التي توصل إليها التقرير، ولا سيما التركيز على القمع المنهجي والأعمال اللاإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، لا تستبعد التحليلات الأخرى التي قد تقيِّم السياسات أو الممارسات الإسرائيلية الأخرى أو تتخذ نهجًا أوسع أو أضيق عندما تفي الانتهاكات بالحد القانوني للجريمة. ويرى الكاتبان أنه لا ينبغي وضع تحليل هيومن رايتس ووتش جنبًا إلى جنب مع أولئك الذين يستخدمون مصطلح “الفصل العنصري” كمصطلح مقارن أو وصفي، وليس كمصطلح قانوني. في الواقع، توصلت مجموعات أخرى، قامت بتقييم هذه القضايا بشكل مستقل ومنفصل بما يتماشى مع صلاحياتها وخبراتها، إلى استنتاجات تختلف عن هيومن رايتس ووتش في بعض النقاط.
الوضع على الأرض وفعالية السرد الفلسطيني لوضعهم هو الذي سيؤدي في النهاية إلى إحداث تحول نموذجي
أهم اختبار لتحليل التقرير، كما يريى الكاتبان، هو ما إذا كانت نتائج تقرير هيومن رايتس ووتش ستؤدي إلى تغيير دائم بالنسبة لضحايا هذه الانتهاكات في نهاية المطاف. تجادل عريقات في مقالها، بحسب الكاتبين، أنه في حين أن النتائج مثل تلك الواردة في التقرير قد تلفت انتباه الأكاديميين أو المراقبين الخارجيين، “فإن الوضع على الأرض وفعالية السرد الفلسطيني لوضعهم هو الذي سيؤدي في النهاية إلى إحداث تحول نموذجي”.
تحدد عريقات قيدًا هيكليًا على تفويض هيومن رايتس ووتش، والذي يركز على تطبيق الحقائق بشكل غير متحيز على القانون، ولا يتناول المفاهيم التي لا تستند إلى القانون الدولي، بما في ذلك الاستعمار الاستيطاني أو الصهيونية كايديولوجيا. بينما يعتمد التقرير على العمل التأسيسي السابق، فإن تركيزه الحصري على الحقائق التي وثقتها المنظمة والقانون المعمول به يميزه وسوف يساهم، كما يأمل الكاتبان، في الاعتراف المتزايد بارتكاب هذه الجرائم وأن الأفراد المسؤولين يجب أن يحاسبوا.
كما تسلط محارب الضوء على أهمية إنهاء ميل المجتمع الدولي للتركيز على الديناميكيات في مناطق جغرافية محددة -“التجزئة” – والتغاضي عن واقع الحكم الإسرائيلي التمييزي على جميع الفلسطينيين. أعرب الكاتبان أنه يسر هيومن رايتس ووتش أن لجنة التحقيق الدائمة الجديدة التي أنشأها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، في سعيها لمعالجة الأسباب الجذرية للانتهاكات، تخطط للنظر في كل الأراضي الفلسطينية المحتلة وإسرائيل بدلاً من حصر نفسها في منطقة فرعية معينة.
إختتام
توضح المناقشة، في رأي الكاتبين بالدوين وماكس، أهمية اعتبار مصطلح “الفصل العنصري” بموجب القانون الجنائي الدولي جريمة محددة ضد الإنسانية، إلى جانب جريمة الاضطهاد المرتكبة ضد الإنسانية. وهذا يتطلب فهماً قانونياً لتعريفه [مصطلح الفصل العنصري والعناصر المكونة له، فضلاً عن طرق تطبيقه]. حتى بدء عملية العدالة الجنائية، سيحتاج المدعون العامون – ولا سيما أولئك الموجودون في المحكمة الجنائية الدولية – أولاً إلى فهم هذه الجرائم والتحقيق فيها. وأعرب الكاتبان عن أملهما بأن تساعد المناقشات القانونية مثل هذه في تعزيز هذا الهدف، فقد تم تجاهل هذه الجرائم ضد الإنسانية لفترة طويلة.
* لا تتحمل القانون من أجل فلسطين أية مسؤولية عن محتوى المقالات المنشورة في موقعها. تعبر المقالات عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء المنظمة. تتعهد القانون من أجل فلسطين بإتاحة المجال، دائما، لكل الكتّاب ولتبادل وجهات النظر وإثراء النقاش من كافة الأطراف على قاعدة الاحترام المتبادل.
** هذا المقال هو جزء من سلسلة مقالات كانت نشرتها مدونة المجلة الأوروبية للقانون الدولي EJIL TALK باللغة الإنجليزية، حول تقرير “هيومن رايتس ووتش” بخصوص اتهامات الفصل العنصري الموجهة إلى إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ( فلسطين ) وضمن حدودها. قمنا في منظمة القانون من أجل فلسطين بترجمة أهم الأفكار التي وردت في السلسلة كاملة، ويسعدنا تقديمها للقرّاء العرب لما تحتويه من حجج قانونية مساندة وأخرى معارضة للتقرير، إلى جانب رد منظمة هيومن رايتس ووتش نفسها على هذه الحجج. للاطلاع على المقالات الآخرى المترجَمة ضمن هذه السلسلة، انظر أدناه
اقرأ بقية السلسلة حول الفصل العنصري: إسرائيل / فلسطين