في ندوة للقانون من أجل فلسطين: خبراء يحثون الدول على فرض عقوبات اقتصادية وقيود تجارية على إسرائيل في ظل الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن فلسطين
في 21 يناير/كانون الثاني 2025، استضافت منظمة القانون من أجل فلسطين، بالتعاون مع الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان – فلسطين و ETO Consortium، ندوة افتراضية عبر تطبيق زووم ومع بث مباشر عبر اليوتيوب، بعنوان “المسؤولية الاقتصادية للدول الثالثة في ضوء الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن فلسطين” عقوبات اقتصادية اسرائيل فلسطين العدل الدولية
تناولت الندوة، وهي الثالثة ضمن الموسم الثالث من ملتقى القانونيين من أجل فلسطين، المسؤوليات الاقتصادية لدول العالم في ضوء الرأي الاستشاري الأخير لمحكمة العدل الدولية بشأن فلسطين. وقدمت الجلسة رؤى نقدية حول التزامات الدول باتخاذ تدابير فعالة ضد الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، بما في ذلك تعليق العلاقات الاقتصادية والمالية والتجارية التي تساهم في إدامة الاحتلال. شدد النقاش على واجب الدول في فرض امتثال الشركات للقانون الدولي، ومعالجة قوانين مكافحة المقاطعة، والاستفادة من آليات التجارة والاستثمار لدعم حقوق الإنسان والمساءلة.
أدار الندوة وسام أحمد، رئيس مركز القانون الدولي التطبيقي في مؤسسة الحق، وشارك فيها خمسة خبراء بارزين: شهد حموري (محاضرة في القانون في جامعة كنت ومستشارة أولى في منظمة القانون من أجل فلسطين)، ولارا البورنو (محامية دولية مختصة بالتحكيم الدولي)، وكندا محمدية (باحثة أولى ومستشارة قانونية في “شبكة العالم الثالث”)، ومارك تايلور (مؤلف كتاب “اقتصاديات الحرب والقانون الدولي”)، وتارا فان هو (محاضرة أولى في كلية الحقوق بجامعة إسيكس).
شهد حموري تتحدث عن المسؤولية الاقتصادية العامة للدول الثالثة بموجب القانون الدولي
استهلّت حموري النقاش بالتأكيد على أن تقرير المصير الفلسطيني هو في جوهره عملية إنهاء للاستعمار. وأكدت أن قراءة الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية يجب أن تكون عملية يقودها الفلسطينيون وبصورة متجذرة في تجارب الجنوب العالمي.
كما شدّدت حموري على أن نتائج محكمة العدل الدولية تعيد التأكيد على أن إسرائيل تنتهك ثلاثة من القواعد الآمرة في القانون الدولي: حظر العدوان، وحظر التمييز والفصل العنصريين، والحق في تقرير المصير. كما استعرضت المسار التاريخي لكيفية تعامل القانون الدولي مع قضية فلسطين، مشيرة إلى أن إنكار إسرائيل المستمر لحق الفلسطينيين في العودة يشكل انتهاكًا تراكمياً للقانون الدولي.
“إن تقرير المصير الفلسطيني يعني بطبيعته إنهاء للاستعمار… ومع ذلك، فإن العالم الذي نعيش فيه عمل من خلال المحو الاستعماري ومن خلال محو تجارب الجنوب العالمي من أجل تغييب هذا الاستنتاج المنطقي في الواقع.”
انتقدت حموري التفسيرات التقليدية لمفهوم تقرير المصير، معتبرة أن إقامة الدولة بمفردها ليس أمرا كافيا، بل يجب أن يضمن أيضًا إنهاء الاستغلال الاقتصادي والهيمنة. وبناءً على هذا الطرح، وضعت حموري الأساس للنقاش حول المسؤولية الاقتصادية للدول الثالثة. وأكدت أن قرار محكمة العدل الدولية يُلزم الدول بوقف جميع الأنشطة الاقتصادية حيثما تدّعي إسرائيل أنها تتصرف نيابة عن الأرض الفلسطينية المحتلة، وشدّدت على أن هذه المسؤولية لا تقتصر فقط على التجارة المرتبطة بالمستوطنات، بل تشمل جميع العلاقات الاقتصادية التي تدعم استمرار الاحتلال.
اختتمت حموري مداخلتها بالتحذير من القراءة التبسيطية لقرار العدل الدولية ودعت إلى فرض قيود اقتصادية صارمة، بما في ذلك عقوبات مستهدفة، وحظر توريد الأسلحة، والانفصال المالي عن اقتصاد الحرب الإسرائيلي. عقوبات اقتصادية اسرائيل فلسطين العدل الدولية
كندا محمدية تسلط الضوء على الواجب القانوني للدول في فرض تدابير تجارية ضد إسرائيل
تطرقت كندا محمدية في مداخلتها إلى الأساس القانوني الذي يتيح للدول الثالثة فرض تدابير تجارية ضد إسرائيل في أعقاب الفتوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية. ووضحت بأن هذه التدابير ليست مجرد خيار قانوني، بل هي التزام بموجب القانون الدولي، نظرًا لوجود إسرائيل غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة.
إن الممارسات والسياسات والقوانين الإسرائيلية تخلق مجتمعة الظروف التي تسهّل استغلال الاقتصاد الفلسطيني، مما […] يعود بالفائدة على الاقتصاد الإسرائيلي بشكل أوسع
وسلطت محمدية الضوء على التزامات الدول بموجب المسؤولية الدولية، والتي تلزم بالتعاون لإنهاء الانتهاكات الخطيرة وتحظر المساعدة في الحفاظ على وضع غير قانوني. وأوضحت كذلك أن قانون منظمة التجارة العالمية، وتحديدًا المادة 21 (ج) من الاتفاقية العامة للتعريفات الجمركية والتجارة (GATT 1947)، يتضمن استثناءات تسمح بفرض قيود تجارية بما يتماشى مع التزامات الأمم المتحدة.
أكدت محمدية أن الإجراءات التجارية يجب ألا تقتصر على استهداف المستوطنات غير القانونية فقط، حيث إن الاندماج الاقتصادي الأوسع لإسرائيل مع الأرض المحتلة هو ما يساهم في استمرار انتهاكاتها، واختتمت حديثها بالتشديد على ضرورة اتخاذ تدابير شاملة للوفاء بالالتزامات القانونية والتصدي للاستغلال الممنهج.
لارا البورنو تتناول التداعيات القانونية الاقتصادية للفتوى الاستشارية لمحكمة العدل الدولية
حلّلت لارا البورنو خلال مداخلتها كيف أن التزامات الدول بموجب الفتوى الاستشارية يمكن أن تؤثر على 36 اتفاقية استثمار ثنائية (BITs) واتفاقيات الاستثمار الأخرى التي ترتبط بها الدول مع إسرائيل. عقوبات اقتصادية إسرائيل فلسطين العدل الدولية
وسلطت البورنو الضوء على ثلاث التزامات رئيسية: أولًا، الامتناع عن إقامة علاقات تعاهدية مع إسرائيل عندما تتصرف كما لو أن الأرض الفلسطينية المحتلة جزء من أراضيها. ثانيًا، الامتناع عن التعاملات الاقتصادية مع إسرائيل فيما يتعلق بالأرض الفلسطينية المحتلة، والتي قد تساهم في ترسيخ وجودها غير القانوني هناك، وثالثًا، اتخاذ خطوات لمنع علاقات استثمارية تساهم في الإبقاء على الوضع غير القانوني الذي أنشأته إسرائيل في الأرض الفلسطينية المحتلة.
ناقشت البورنو الحجج القانونية الداعية إلى فرض حظر اقتصادي كامل، بما في ذلك إنهاء اتفاقيات الاستثمار الثنائية، مع الأخذ بعين الاعتبار العواقب المحتملة لهذه الخطوة. وتطرّقت إلى مسألة ما إذا كان إنهاء هذه الاتفاقيات سيؤثر فعليًا على الاستثمار الأجنبي في إسرائيل أم سيكون مجرد إجراء رمزي، مشيرة إلى أن التجارب السابقة تُظهر أن الاستثمار الأجنبي المباشر لا يرتبط بالضرورة بهذه الاتفاقيات.
واختتمت البورنو مداخلتها بالاستناد إلى قضايا مماثلة رُفعت ضد روسيا، مما أثار سؤالًا بالغ الأهمية حول قدرة معاهدات الاستثمار الثنائية على توفير وسيلة قانونية للفلسطينيين الذين يحملون جنسيات أجنبية لمقاضاة إسرائيل عن الأضرار التي لحقت بالاستثمارات في الأرض الفلسطينية المحتلة.
مارك تايلور: العقوبات الاقتصادية كجزء من مسؤولية الدول في تفكيك أنظمة الفصل العنصري والاحتلال
تطرق مارك تايلور في مداخلته إلى أنواع العقوبات المختلفة، بما في ذلك العقوبات الشاملة والمحددة، وكذلك العقوبات الأحادية والمتعددة الأطراف، وسلط الضوء على الجذور التاريخية للعقوبات باعتبارها أدوات اقتصادية للحرب، ووسائل لإنفاذ المعايير الدولية.
“هل تنجح العقوبات؟ هل تغيّر سلوك الجهة المستهدفة؟ والإجابة على ذلك هي ببساطة: ليس بمفردها، وليس بسرعة. لكن العقوبات تترك آثارًا
وناقش المتحدث السوابق المتعلقة بفرض العقوبات على إسرائيل، مشيرًا إلى الإجراءات الأخيرة مثل العقوبات الأمريكية والبريطانية المفروضة على المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية. كما استعرض السياق التاريخي للعقوبات المرتبطة بسياسات الفصل العنصري والاحتلال، موضحًا أوجه التشابه مع الوضع في فلسطين، كما شدّد على القيمة الاستراتيجية للعقوبات في فرض القانون الدولي ومنع الشركات التي تساهم في الانتهاكات. وفي رأيه أن العقوبات تكون أكثر فاعلية عندما لا يُنظر إليها كإجراءات عقابية، بل كأدوات لتنظيم السلوك وتوجيه الأسواق.
واختتم حديثه بالتأكيد على الحاجة إلى تفكير استراتيجي في سياسات العقوبات، ومقاومة القوانين المناهضة للمقاطعة، مشددًا على أهمية دور المجتمع المدني في إشراك صانعي السياسات لتصميم وتنفيذ عقوبات محددة الأهداف بفعالية.
تارا فان هو: مسؤولية الشركات وأخلاقيات الأعمال في مناطق النزاع
تحدثت تارا فان هو عن مسؤولية الشركات في ضوء القانون الدولي وأطر حقوق الإنسان. وتناولت مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان (UNGPs) وأهميتها للوضع في غزة وفلسطين المحتلة، خاصة في ضوء القرارات الأخيرة لمحكمة العدل الدولية. وأوضحت كيف توفر هذه المبادئ إطارًا لمحاسبة الشركات على انتهاكات حقوق الإنسان.
ركزت تارا على مسؤولية الدول والشركات في احترام حقوق الإنسان، لا سيما في الحالات التي يكون لها تأثير خارج حدودها الوطنية، كما ناقشت كيف تفرض مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية على الشركات إجراء العناية الواجبة بحقوق الإنسان، مع التركيز على كيفية تأثير أنشطتها التجارية سلبًا على حقوق الإنسان، خاصة في مناطق النزاع. كما تناولت مفهوم “الممارسات التجارية الحساسة للنزاع”، مؤكدة على أهمية أن تأخذ الشركات في الاعتبار كيفية مساهمة عملياتها في تأجيج العنف أو الحد منه في مناطق مثل فلسطين.
وجادلت فان هو بأن الشركات العاملة في إسرائيل وفلسطين تتحمل مسؤولية وقف السلوك الضار وتقديم تعويضات عندما تساهم أعمالها في الانتهاكات، كما أكدت على أهمية استغلال نفوذ الشركات لإحداث تغيير وضمان المساءلة عن الانتهاكات التي ترتكبها الجهات الفعالة في القطاع الخاص.
قدمت الندوة رؤى جوهرية حول المسؤوليات الاقتصادية للدول والشركات في التعامل مع الاحتلال الإسرائيلي غير القانوني للأرض الفلسطينية. وسلطت مناقشات الخبراء الضوء على أهمية القانون الدولي، ومساءلة الشركات، والاستخدام الاستراتيجي للتدابير الاقتصادية – مثل العقوبات والقيود التجارية – في مساءلة الدول والشركات. وشددت الندوة على الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات هادفة لدعم حقوق الإنسان وإنفاذ القانون الدولي وتعزيز العدالة في فلسطين، وتوفير إطار حيوي لتعزيز المساءلة والنهوض بقضية تقرير المصير الفلسطيني. عقوبات اقتصادية إسرائيل فلسطين العدل الدولية
* للاطلاع على التفريغ النصي الكامل لهذه الندوة، انقر/ي هنا
** إذا ما أردت حضور اللقاءات القادمة في ملتقى القانونيين من أجل فلسطين، يمكنك التسجيل عبر النقر هنا