ندوة تسلط الضوء على دور المحكمة الجنائية الدولية في معالجة الإبادة الجماعية في غزة وتبعات أوامر الاعتقال
في 9 مايو/أيار 2024، استضافت منظمة القانون من أجل فلسطين ندوة عبر الإنترنت بعنوان “المحكمة الجنائية الدولية: أولوية التحقيق في جرائم غزة، وأوامر الاعتقال المرتقبة”. هدفت الندوة، التي أُجريت عبر Zoom، إلى التأكيد على الدور الحاسم للمحكمة الجنائية الدولية في دعم العدالة الدولية في فلسطين وسط الضغوط الخارجية، والدعوة إلى إعطاء الأولوية للتحقيقات في جرائم غزة، ومناقشة إصدار مذكرات الاعتقال.
واستضافت الندوة، التي أدارتها شهد الحموري، محاضرة القانون في كلية الحقوق بجامعة كينت، أربعة خبراء: عبد الغني سيد، موظف سابق في مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية وباحث دكتوراه في جامعة كينت؛ وهدى أبو دقة، باحثة في القانون الجنائي الدولي في منظمة القانون من أجل فلسطين؛ ومارك كيرستن، أستاذ العدالة الجنائية الدولية في جامعة فريزر فالي؛ وتريستينو مارينييلو، عضو الفريق القانوني الذي يمثل ضحايا غزة أمام المحكمة الجنائية الدولية.
كلمة افتتاحية لشهد الحموري
افتتحت شهد الحموري الندوة عبر الإنترنت من خلال الإشارة إلى ديباجة نظام روما الأساسي، وتسليط الضوء على الاعتراف العالمي بالجرائم الخطيرة التي تهدد السلام والأمن. وقدمت تفاصيل عن الظروف القاسية في غزة، مؤكدة على مكانتها باعتبارها المنطقة الأكثر كثافة سكانية في العالم، حيث يواجه عدد كبير من المهجرين الدمار الشديد والمجاعة. وانتقدت الحموري ممثلي الدولة لتقليلهم من حجم هذه الفظائع وشددت على قوة القانون في تحدي العنف، ووصفت أوامر الاعتقال بأنها منارة أمل لاستعادة ضمير الإنسانية.
هدى أبو دقة عن التقديم الذي قامت به القانون من أجل فلسطين للمحكمة الجنائية الدولية
تناولت هدى أبو دقة الملف الذي قدمته القانون من أجل فلسطين إلى مكتب المدعي العامة للمحكمة الجنائية الدولية، قائلة بأن الإبادة الجماعية الحالية في غزة ناجمة عن السياسات الإسرائيلية طويلة الأمد التي تستهدف الفلسطينيين. يوثق التقديم أدلة على نية الإبادة الجماعية من جانب القادة الإسرائيليين، ويربط هذه السياسات بالإجراءات المتخذة ضد المرافق الطبية والأراضي الزراعية وشبكات المياه. ومن خلال مقارنة عمليات الإبادة الجماعية التاريخية في يوغوسلافيا ورواندا، حثت أبو دقة المحكمة الجنائية الدولية على الاعتراف بأنماط مماثلة في السياسات الإسرائيلية وإصدار أوامر الاعتقال وفقًا لذلك.
وسلطت الضوء على الموقف الاستباقي للمحكمة الجنائية الدولية في أوكرانيا، وقارنته بالتردد في فلسطين على الرغم من اعتراف الأمم المتحدة والخبراء الدوليين بالأزمة. ودعت أبو دقة المحكمة الجنائية الدولية إلى التحرك فورًا، محذرًا من أن عدم القيام بذلك يقوض مصداقية المحكمة ويترك سكان غزة عرضة للإبادة الجماعية المستمرة. وشددت على أهمية الاعتراف بالأدلة على الإبادة الجماعية واتخاذ إجراءات قانونية سريعة لدعم العدالة الدولية وحقوق الإنسان.
تريستينو مارينييلو: ضمان الوصول إلى العدالة
وشدد تريستينو مارينييلو على القضية الفلسطينية باعتبارها تذكيرًا بالحق العالمي في الوصول إلى العدالة دون تمييز. وسلط الضوء على الضغوط الشديدة على المحكمة الجنائية الدولية، مشيراً إلى الدعاية الإعلامية الإسرائيلية والشائعات حول أوامر اعتقال محتملة من المحكمة الجنائية الدولية ضد القادة الإسرائيليين. وقال إن هذه الشائعات تهدف إلى إجبار حلفاء إسرائيل على منع مثل هذه المذكرات وتصوير قرار المحكمة باعتباره نتيجة سياسية بدلا من أنه نتيجة قانونية. وذكر أن أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي هددوا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وهو ما أدانه باعتباره جريمة ضد إدارة العدالة.
أوجز مارينييلو نهجين محتملين للمحكمة الجنائية الدولية. في السيناريو الأول، يقاوم المدعي العام الضغوط السياسية، ويعطي الأولوية للقضايا على أساس خطورة الجريمة، والمسؤوليين المشتبه بهم، والتهم المحتملة. وسيتضمن ذلك التحقيق في الإجراءات الإسرائيلية مثل استهداف المدنيين، وتدمير الممتلكات، والاستخدام غير المتناسب للقوة، والتجويع كجريمة حرب، والتهجير القسري لما يقرب من مليوني مدني. وفي السيناريو الثاني، تعطي المحكمة الجنائية الدولية الأولوية لعلاقتها مع الولايات المتحدة، وتخضع للضغوط السياسية، الأمر الذي من شأنه أن يشوه صورتها كمؤسسة مستقلة. وقد يركز هذا النهج فقط على الجرائم التي يرتكبها المستوطنون الإسرائيليون أو الجرائم البسيطة، مع تجنب كبار القادة الإسرائيليين.
واختتم مارينييلو كلامه بالتركيز على أصوات الضحايا في غزة، مؤكدا على حقهم في العدالة وضرورة أن تعطي المحكمة الجنائية الدولية الأولوية للاتهامات المعقولة بالإبادة الجماعية.
عبد الغني السيد: سياسة المحكمة الجنائية الدولية وتحديد أولويات القضايا
ناقش عبد الغني سيد ورقة سياسة المحكمة الجنائية الدولية لعام 2016 بشأن اختيار القضايا وتحديد الأولويات، وسلط الضوء على تحيزاتها ضد الجهات الفاعلة غير الليبرالية والجهات الفاعلة من غير الدول. وأوضح أن ورقة السياسة تحدد التدابير الكمية والنوعية لاختيار الحالات. وتتعلق المعايير الكمية بعدد الضحايا، في حين تأخذ التدابير النوعية في الاعتبار خطورة الجريمة، وطبيعة الجرائم (مثل تلك المرتكبة ضد الأطفال أو التي تنطوي على عنف جنسي)، وتأثيرها الواسع النطاق.
وأشار السيد إلى أن المحكمة الجنائية الدولية خفضت أولوية قضية أسطول المساعدات إلى غزة (مافي مرمرة) بسبب العدد المحدود من الضحايا وعدم وجود نية لقتل الناشطين الدوليين. ومن خلال السوابق القضائية، أوضح سيد أن المحكمة الجنائية الدولية غالبًا ما تقلل من أولوية القضايا التي تتعلق بالجهات الحكومية والليبرالية، كما يتضح من عدم إعطاء الأولوية للقضية المتعلقة بالولايات المتحدة في أفغانستان.
وخلص السيد إلى أنه إذا قررت المحكمة الجنائية الدولية محاكمة الوضع في فلسطين، فمن المرجح أن تركز على محاكمة حماس أو كلا طرفي الصراع، بدلا من إعطاء الأولوية للقضايا التي تضم أكبر عدد من الضحايا أو الجرائم الأكثر خطورة. وشدد السيد على أنه إذا اتبع مكتب المدعي العام سياسة تحديد الأولويات الخاصة به، فإن الإبادة الجماعية في غزة 2023-2024 يجب أن تكون لها الأسبقية على جميع الجرائم الأخرى. وفي سياق لاحق، يمكن لمكتب المدعي العام التحقيق في جميع الجرائم الأخرى ذات الصلة. وقد نشر السيد لاحقاً مقالاً مفصلاً حول هذا الموضوع.
مارك كيرستن: مقبولية وتنفيذ أوامر المحكمة الجنائية الدولية
وناقش مارك كيرستن دور المحكمة الجنائية الدولية كمدافع عن الضحايا، مشددًا على أن الوصول إلى مسرح الجريمة أمر بالغ الأهمية في التحقيقات في جرائم الحرب. ومع ذلك، أشار إلى أن بعض الجرائم ذات التوجه السياسي، مثل التجويع والحرمان من المساعدات الإنسانية، لا تتطلب الوصول المباشر إلى مسرح الجريمة. واعتبرت كيرستن أن رد فعل إسرائيل القوي على مذكرات الاعتقال المحتملة يشير إلى قرب صدورها، بسبب شبكة الاستخبارات الإسرائيلية المتطورة.
وأوضحت كيرستن أن إسرائيل لا يمكنها الطعن في مقبولية القضية أمام المحكمة الجنائية الدولية ما لم تكن تحقق بالفعل مع نفس الأفراد بسبب نفس السلوك. وتناول إجراءات إصدار المذكرات، مشيراً إلى أنه يجب على المدعي العام أن يتقدم بطلبها مسبقاً، وهو ما ربما لم يحدث بسبب ضغوط خارجية. وسلط الضوء على المسألة الإجرائية المتعلقة بإعلان أوامر الاعتقال، مشيرًا إلى أن أوامر الاعتقال الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية عادة ما تكون علنية وليست مختومة.
وتحدث بالتفصيل عن الآثار المترتبة على إصدار أوامر الاعتقال، مشيراً إلى أن 124 دولة طرفاً في نظام روما الأساسي ملزمة بتنفيذها وتسليم الأفراد إلى المحكمة الجنائية الدولية. ولا تعدل الدول غير الأطراف في نظام روما، مثل الولايات المتحدة وروسيا، ملزمة بهذا الالتزام. لكنه أشار أيضًا إلى التحديات التي تواجهها دول مثل كندا في بيع الأسلحة العسكرية لدول قادتها مطلوبون من قبل المحكمة الجنائية الدولية. واختتم كيرستن حديثه بالتحذير من المعلومات المضللة حول أن قدرة النظام القانوني الإسرائيلي على المحاكمة تعيق أحكام المحكمة الجنائية الدولية. ورغم أن التنفيذ الفوري لأوامر الاعتقال غير مرجح، فإن تنفيذها في نهاية المطاف سوف يفاجئ الكثيرين.
واختتمت حلقة النقاش بأسئلة حول الآثار المحتملة على المدى الطويل لخضوع المحكمة الجنائية الدولية للضغوط السياسية، والتي يمكن أن تقوض شرعيتها وشفافيتها، والانتقادات عن وجود تحيزات داخل مكتب المدعي العام والغرب العالمي، وسلطت الضوء على كيفية تصنيف المحكمة الجنائية الدولية للرهائن الفلسطينيين كمعتقلين بينما تصف الرهائن الإسرائيليين بأنهم مجرد رهائن. كما سلطت المناقشة الضوء على التقديم الذي قامت به القانون من أجل فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية وأهمية قيام المحكمة بدورها في هذا الصدد.
للاستماع للتسجيل الكامل للندوة: انقر/ي