حقائق غير مريحة: كيف أخطأت هيومن رايتس ووتش في تعريف ” الفصل العنصري الإسرائيلي “، ما هو المفقود، وما هي التداعيات؟
بقلم جوشوا كيرن*
تعريف الفصل العنصري الإسرائيلي
الأصل الإنجليزي هنا
ترجمة: روان راضي
ل:منظمة القانون من أجل فلسطين
يرى جوشول كيرن أن الخطاب حول الفصل العنصري في السياق الإسرائيلي الفلسطيني قد تطور مؤخراً. بالتزامن مع الافتتاح الرسمي للتحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية (وكذلك قرار المقبولية في الإجراءاتالتي بدأتها فلسطين أمام لجنة القضاء على التمييز العنصري –انظر هنا). بين يناير ويونيو 2021، العديد من المنظمات والمؤلفين – أبرزهم هيومن رايتس ووتش (في “تخطوا الحدود”، انظر هنا) – زعموا أن المسؤولين الإسرائيليين مسؤولون عن جريمة الفصل العنصري وهي جريمة ضد الإنسانية.
قول كيرن إنه سيكون مصدر قلق لبعض القراء، وليس مفاجئًا للآخرين، أنه في سياق هذه الادعاءات، لم تقم أي من هذه التقارير بإجراء تحليل قانوني كامل لمصطلح الفصل العنصري.
يبدأ كيرن مقاله في استكشاف بعض العواقب القانونية لتقديم ادعاء خطير بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من قبل الجهات الفاعلة في المجتمع المدني في ظل غياب تأصيل أكاديمي وتوثيق رسمي لعناصر الجريمة. ويستكشف الطبيعة الإشكالية لتعريف الجريمة الذي اقترحته هيومن رايتس ووتش ويجادل بأنه يفتقر إلى أساس قانوني في قانون المعاهدات أو القانون العرفي. يتساءل كيرن عما إذا كان الفصل العنصري موجودًا كجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي العرفي على الإطلاق، أو أنه موجود ببساطة باعتباره حظرًا عرفيًا بين الدول وجريمة مقننة.
ويجادل بأن هيومن رايتس ووتش قد صنعت تعريفًا للفصل العنصري تم تكييفه وفقًا للحقائق (كما يرونها) وفشلت في تقديم تعريفات ذات مغزى للعناصر الأساسية للجريمة. وبناءً عليه، يقدم تعريفاً مقترحاً لعناصر “القمع” و “الهيمنة” الخاصة بالحالة، ويسلط الضوء على بعض المشاكل التي ينطوي عليها تطبيقها على الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
تعريف هيومن رايتس ووتش للفصل العنصري مخطئ وغير مكتمل
تدعي هيومن رايتس ووتش وفقاً لكيرن أن “جريمة الفصل العنصري بموجب اتفاقية الفصل العنصري وميثاق روما الأساسي تتكون من ثلاثة عناصر أساسية: نية الحفاظ على نظام هيمنة لمجموعة عرقية على حساب أخرى؛ القمع المنهجي من قبل مجموعة عرقية لمجموعة أخرى؛ وعمل واحد أو أكثر من الأعمال اللاإنسانية تم تنفيذه على نطاق واسع أو منهجي وفقًا لتلك السياسات” (تجاوزوا الحدود، ص 5-6).
يرى كيرن أن هذا التعريف يغفل الفروق الموجودة بين تعريفات اتفاقية الفصل العنصري وميثاق روما الأساسي. على سبيل المثال، بموجب ميثاق روما الأساسي، يجب أن يثبت الادعاء وجود (الفعل الإجرامي) لنظام الهيمنة (بالإضافة إلى القمع المنهجي) من قبل مجموعة عرقية على حساب أخرى. لا يكفي مجرد إثبات النية (النية الجرمية) للحفاظ على مثل هذا النظام.
فيما يتعلق بطبيعة النية الجرمية، تختلف أيضًا نصوص اتفاقية الفصل العنصري وميثاق روما الأساسي. حيث يتطرق ميثاق روما الأساسي لنية الحفاظ على نظام من القمع المنهجي والسيطرة من قبل مجموعة عرقية على أخرى. بينما تتطلب اتفاقية الفصل العنصري إثبات الأفعال المرتكبة “لهدف” ترسيخ سيطرة مجموعة عرقية على أخرى والمحافظة عليها، وقمعها بشكل منهجي.
يجادل كيرن أن التقرير يفشل في لفت الانتباه إلى هذه الأساسيات ما يمثل إشكالية لعدة أسباب. حيث يخلق التباسًا بين القانون كما هو موجود lexlata والقانون كما يجب أن يكون lexferenda. كما أن المحاولات الغائية لتأطير الجرائم الدولية بأوسع تعريف ممكن، تتعارض أيضًا مع مبدأ الشرعية والافتراض القائل بأن تعريفات الجرائم يجب أن تفسر بدقة.
المحاولات الغائية لتأطير الجرائم الدولية بأوسع تعريف ممكن، تتعارض مع مبدأ الشرعية والافتراض القائل بأن تعريفات الجرائم يجب أن تفسر بدقة
كما يرى أنه بغض النظر عن النية، فإن التأثير الناجم عن هذا التوجه، هو الابتعاد بالمسألة عن الآثار المترتبة عن كون جريمة الفصل العنصري ذات طبيعة غير مستقرة ومركز غير مبتوت في أمره بموجب القانون الدولي العرفي (وهذا يتعارض مع الحظر بين الدول للفصل العنصري والذي يبدو قطعياً بما لا يدع مجالاً للشك، نظراً للاتفاق شبه العالمي على حظره في الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري). غير أن هيومن رايتس ووتش لم تتطرق أساساً للوضع العرفي للجريمة بموجب القانون الدولي العرفي من ناحية وجود أو عدمه.
يضيف كيرن أن البروفيسور دوغارد والدكتور رينولدز قد قبلا في عام 2013 هنا أنه من المشكوك فيه أن الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية قد تبلور بموجب القانون الدولي العرفي (بغض النظر عما إذا كان حظره ذا طبيعة قطعية). حيث يشير إلى الافتقار لقبول عالمي لوجود الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية سواء في اتفاقية الفصل العنصري أو ميثاق روما الأساسي، ناهيك عن تعريفه على هذا النحو. ويلاحظ أن هيومن رايتس ووتش لا تدعي حتى أن تعريفه قائم على أسس دولية عرفية. وبالتالي، لا يمكن المجادلة بأن العرف يوفر الأساس للتعريف المقترح، نظرًا لأن التعريف يتجاهل تعريفات ميثاق روما الأساسي واتفاقية الفصل العنصري معًا بطريقة غير مسموح بها (عن طريق حذف العناصر الواردة في كلا الصكين والتي تعمل على الحد من نطاق موضوع الجريمة) ولا يُناقش أنه تم تنفيذ هذه الممارسة بالرجوع إلى آراء الدول، أو السلطة القضائية، أو اي منطق قانوني أو أخلاقي أو قائم على السياسة، وبالتالي يستنتج كيرن أنه يجب رفض التعريف الذي اقترحته هيومن رايتس ووتش للجريمة.
أركان الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية بموجب ميثاق روما الأساسي
يوضح كيرن أن التقرير فشل أيضاً في تقديم تعريفات واضحة لعناصر الجريمة. على الرغم من أنه من الواضح أنه بموجب ميثاق روما الأساسي، يجب أن يثبت الادعاء “سياق نظام مؤسسي للقمع المنهجي والسيطرة من قبل مجموعة عرقية واحدة على أي مجموعة أو مجموعات عرقية أخرى” (المادة 7 (2) (ح)) ، قد تتساءل المحكمة بشكل معقول عن كيفية تعريف “الاضطهاد” و “الهيمنة” الممنهجين في هذا السياق. وبالمثل، ما هي الآثار، إن وجدت، لتصنيف الشعوب على أنها “مجموعات عرقية” لهذه الأغراض؟ عند النظر في هذه الأسئلة، يرى كيرن أنه كمحامين جنائيين، من الضروري توضيح محتوى كل عنصر من عناصر الجريمة.
يشير كيرن إلى أنه نظرًا لعدم اليقين فيما يتعلق بالوضع العرفي للفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية، وبالنظر كذلك إلى أن ميثاق روما الأساسي هو الأكثر مصادقة من بين الصكين اللذين يجرمان الفصل العنصري، فإن التحليل التالي يستند إلى تعريف عناصر الجريمة بموجب ميثاق روما الأساسي دون المساس بالأسئلة المتعلقة بالشروط المسبقة لممارسة اختصاص المحكمة الجنائية الدولية.
بتطبيق ميثاق روما الأساسي، يذكر كيرن المادة 22 (2) التي تنص على أن “تعريف الجريمة يجب أن يفسر بدقة ولا يجوز توسيعه بالقياس”. تظهر بالتالي عناصر “الهيمنة” و “الاضطهاد” في ميثاق روما الأساسي فقط في سياق الفصل العنصري (على الرغم من أن إثبات “الاضطهاد النفسي” يمكن أيضًا أن يثبت الإكراه لأغراض المسؤولية الجنائية عن الاغتصاب والبغاء القسري والعنف الجنسي كجرائم حرب). ويبين أنه نتيجة كون كل من اتفاقية الفصل العنصري وميثاق روما الأساسي يشملان نفس الموضوع، أي تعريف الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية، فإنه لن يسيء إلى مبدأ الشرعية تفسير عناصر الجريمة بموجب ميثاق روما الأساسي بالرجوع إلى تعريفها بموجب اتفاقية الفصل العنصري.
ويتابع أنه بموجب اتفاقية الفصل العنصري، تشمل الجريمة “سياسات وممارسات مماثلة للفصل العنصري والتمييز كما تم ممارسته في جنوب إفريقيا”. من المقبول عالميًا أن سياسات وممارسات حكومة جنوب إفريقيا بين عامي 1948 و 1994 ترشدنا إلى فهم طبيعة الفصل العنصري. وبالتالي يمكن أن تساعد في تحديد كيفية تعريف “الهيمنة” و “الاضطهاد” كعناصر للجريمة بموجب ميثاق روما الأساسي.
تعريف الهيمنة في إطار مفهوم الاستعلاء
يحيل كيرن إلى تأكيد هيومن رايتس ووتش أن عنصر “الهيمنة” يفتقر إلى “تعريف واضح” ولكنه “يظهر في السياق للإشارة إلى نية مجموعة ما للحفاظ على سيطرة مشددة على أخرى، والتي يمكن أن تشمل السيطرة على المستويات الرئيسية للسلطة السياسية، والأرض، والموارد ” (تخطوا الحدود، ص 39). ويعد هذا المفهوم لعنصر “الهيمنة” خاطئاً ليس لمجرد أنه لا يعكس كونه بموجب ميثاق روما الأساسي يشكل جزءًا من “الفعل الإجرامي المادي” للجريمة ، ولكن أيضًا لأنه لا يولي اعتبارًا كافيًا لسياق ممارسات وسياسات الفصل العنصري في جنوب افريقيا.
ويرى كيرن أنه بالنظر إلى هذا السياق، يمكن فهم عنصر “الهيمنة” من خلال ممارسات السيادة (baasskaap) والفصل العنصري. في عام 1948 كتب نابوت موكجاتلي، وهو نقابي وناشط وكاتب، أن الفصل العنصري “يعني الفصل التام بين الشعوب الأفريقية وجميع غير الأوروبيين في البلاد، والحرمان الدائم من الحقوق، والتفوق العرقي، والدونية لأي شيء غير أبيض.”
ويضيف أنه في كانون الأول (ديسمبر) 1950، التقى هندريك فيرويرد “وزير شؤون السكان الأصليين” في حكومة الحزب الوطني الأولى، بالأعضاء الأفارقة في مجلس ممثلي السكان الأصليين وتحدث معهم حول نظرية وممارسة الفصل العنصري. وقال، في جملة أمور، إن “الحكومة ترغب في أن تعطي للآخرين ما تطلبه لنفسها بالضبط. حيث تؤمن بسيادة الأوروبي في مجاله، ولكنها تؤمن أيضًا وبنفس القدر بسيادة البانتو في مجاله …” (انظر كلارك وورجر (2016) ، ص 149- 154).
يبدو لكيرن أن مفهوم “الهيمنة” ومفهوم “السيادة” مركزيان لكل من موكجاتلي Mokgatle وفيرويرد Verwoerd للفصل العنصري، وهو يوجه تعريف “الهيمنة” كعنصر من عناصر جريمة الفصل العنصري بوصفها جريمة ضد الإنسانية بموجب ميثاق روما الأساسي. لكن في السياق الإسرائيلي الفلسطيني، يرى كيرن أنه مع أخذ تحليل هيومن رايتس ووتش في ذروته، يبدو من الصعب رؤية مفهوم “الهيمنة” كنوع من التفوق العنصري الذي وصفه موكجاتلي وفيرويرد. إذ تقول هيومن رايتس ووتش إن سياسة الحكومة الإسرائيلية هي “هندسة أغلبية يهودية في إسرائيل والحفاظ عليها” و “تعظيم السيطرة الإسرائيلية اليهودية على الأراضي في إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة” (تخطوا الحدود، ص 49).
فيما يتعلق بإسرائيل، فإن السياسة التي تهدف إلى الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة وحماية أمن مواطنيها نادراً ما تعكس عنصرية البسكاب في جنوب إفريقيا. على العكس من ذلك، يرى كيرن أن الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية كان جزءًا لا يتجزأ من كيفية تعامل المجتمع الدولي مع القضايا الناشئة عن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني منذ عام 1947 على أبعد تقدير (عندما أوصت الجمعية العامة بالتقسيم بين دولة “يهودية” و أخرى “عربية”).
فيما يتعلق بإسرائيل، فإن السياسة التي تهدف إلى الحفاظ على الطابع اليهودي للدولة وحماية أمن مواطنيها نادراً ما تعكس عنصرية البسكاب في جنوب إفريقيا
فيما يتعلق بالضفة الغربية وقطاع غزة، يتابع كيرن أنه لا يمكن القول بأن سياسة “تعظيم السيطرة الإسرائيلية اليهودية على الأرض” موجودة عندما انسحبت إسرائيل من غزة، بينما تمارس السلطة الفلسطينية الحكم الذاتي في المنطقتين أ و ب من الضفة الغربية، إضافة لإعراب الحكومة الإسرائيلية عن استعدادها للتنازل عن السيطرة على ما يقارب من 94٪ من الضفة الغربية (انظر على سبيل المثال ، J. Heuberger ، من مؤتمر مدريد إلى مبادرة كيري (2016)، ص 64، هنا).
مفهوم القمع في ظل مفهوم المعقولية
تؤكد هيومن رايتس ووتش، كما يرى كيرن، أن عنصر “القمع المنهجي” ليس له أيضًا تعريف واضح، لكن يبدو أنه “يشير إلى الأساليب المستخدمة لتنفيذ نية الحفاظ على الهيمنة”. إن وصف السلوك بأنه “قمع منهجي” يستلزم، بالنسبة لكيرن، تقييم ممارسة الولاية التنفيذية والقضائية والسياساتية، إضافة لولاية التشريع.
يسوق كيرن مثال جنوب غرب إفريقيا الذي يشير برأيه إلى أنه أثناء التأسيس لتحليل مبادئ المساواة وعدم التمييز، قد تعمل تقييمات المعقولية كأساس لتقييم ما إذا كان يمكن وصف إجراء تمييزي أو قرار من قبل هيئة عامة بأنه قمعي. يضيف كيرن أن القاضي تاناكا قام (في رأيه المخالف في الرأي الاستشاري لجنوب غرب إفريقيا لعام 1966) باستباق حجة دوركين (في أخذ الحقوق بجدية) من خلال اقتراح أن “المعاملة المختلفة تتطلب المعقولية لتبريرها” (ص 307). ويتابع، مثل هذا التقييم يوفر دليلاً منهجياً لمحكمة ذات اختصاص عند تقييم ما إذا كانت سياسة أو ممارسة معينة قمعية؛ إذ يبدو أن لجنة القضاء على التمييز العنصري قد اعترفت بذلك (انظر التوصية العامة للجنة القضاء على التمييز العنصري XXX ، الفقرة 24 التي تنص على أنه “يتعين على المدعى عليه تقديم دليل على تبرير موضوعي ومعقول لـ … المعاملة التفاضلية”).
يلاحظ كيرن أن تقييمات مدى معقولية الإجراءات التنفيذية أساسية في القرارات التي تتخذها المحكمة العليا لإسرائيل فيما يتعلق بشرعية الإجراءات التي قد تميز على أساس الجنسية: مثل قرار محكمة العدل العليا 2150/07، في قضية علي حسين محمود أبو صفية ضد وزارة الدفاع (2008)، رأي الرئيس د. بينيش الفقرة 6 هنا).
تتجاهل هيومن رايتس ووتش إلى حد كبير، وفقاً لكيرن، أهمية الاجتهاد القضائي للمحكمة العليا الإسرائيلية، حيث تؤسس حججها فيما يتعلق بـ “القمع المنهجي” على حقيقة الإجراءات التمييزية وليس على التقييمات التفصيلية للمعقولية. ويتابع، قد يُنظر إلى تطبيق إسرائيل للأحكام الإنسانية لقانون الاحتلال الحربي على أنه معقول في ظل ظروف معينة. وعليه يمكن القول إن التدابير التي تميز بين الأفراد من خلال تطبيق أحكام القانون الإنساني الدولي لا ينبغي اعتبارها قمعية في حد ذاتها. هناك فرق بين الحالة الإسرائيلية الفلسطينية وجنوب إفريقيا في أنه بينما في جنوب إفريقيا لم يكن هناك من مبرر معقول للحد من قدرة مواطني جنوب إفريقيا على التمتع بحقوقهم الأساسية بشكل متساوٍ في ظل غياب سياسة الفصل العنصري، يرى كيرن أنه في الحالة الإسرائيلية الفلسطينية، فإن سياق الصراع بين إسرائيل والفلسطينيين، والجنسية المنفصلة التي تعكس وطنيات مختلفة، هي التي تؤدي إلى معاملة تمييزية. إن وصف مثل هذه المعاملة بأنها “قمعية” يجب بالضرورة أن يأخذ هذا السياق في الاعتبار وفقاً لكيرن.
الجماعات العرقية: اليهود الإسرائيليون والفلسطينيون
كمسألة أخيرة، يبين كيرن أن تقرير الفصل العنصري يؤكد على تصنيف اليهود الإسرائيليين والفلسطينيين العرب كمجموعات “عرقية” لاستيفاء العنصر الأساسي للفصل العنصري باعتباره شكلاً متفاقماً من التمييز العنصري. ويرى أن المحامين الجنائيين الدوليين سيرجعون إلى هذا التحليل، الذي يستند إلى تعريف الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والذي يختلف عن النهج المعتمد من قبل المحاكم الجنائية الدولية المتخصصة لدى تصنيف الجماعات القومية أو الإثنية أو العرقية أو الدينية لغرض إثبات المسؤولية عن الإبادة الجماعية.
تُعرِّف الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري “التمييز العنصري” على نطاق واسع بأنه أي تمييز أو استبعاد أو تقييد أو تفضيل على أساس العرق أو اللون أو النسب أو الأصل القومي أو الإثني الذي يهدف أو يؤدي إلى إبطال أو إعاقة الاعتراف أو التمتع أو الممارسة، على قدم المساواة، بحقوق الإنسان والحريات الأساسية في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الثقافية أو أي مجال آخر من مجالات الحياة العامة (المادة 1 (1)). يرى كيرن أنه يمكن قبول هذا التصنيف لغرض تقسيم اليهود والفلسطينيين إلى “مجموعات عرقية” لأغراض إثبات المسؤولية عن الفصل العنصري. إلا أنه يتطلب بالضرورة قبول كل من اليهود والفلسطينيين كمجموعات على أساس “النسب” أو “الأصل القومي أو العرقي”.
خاتمة
يستنتج كيرن مما سبق أن الخطاب حول الفصل العنصري والتمييز العنصري في هذا السياق يأخذنا إلى دائرة مكتملة. هناك صلة بين ادعاء هيومن رايتس ووتش بشأن الفصل العنصري وإنكار حق اليهود في تقرير المصير. يتطلب خطاب التمييز العنصري قبول كل من اليهود والفلسطينيين كمجموعات قومية وعرقية قائمة على النسب. يمتلك كل منهما حق تقرير المصير الذي يعكس رغبة كل منهما في دولة “فلسطينية” أو دولة “يهودية”. ويرى كيرن أنه من خلال تأطير هذه التطلعات والاختلافات القومية في خطاب التمييز العنصري، وفي الوقت نفسه إنتاج تعريف انتقائي ومصمم لجريمة الفصل العنصري، تعمل مساهمة هيومن رايتس ووتش على تقويض حق الشعب اليهودي في تقرير المصير لصالح ( ادعاء) المساواة بين الشعبين.
يدعي كيرن أيضاً أنه من خلال السعي لإضعاف الوسائل التي يُسمح من خلالها لإسرائيل بحماية حق الشعب اليهودي في تقرير المصير، تقوم هيومن رايتس ووتش بتقويض مبدأ المساواة التي تتدعي أنها تتطلع إلى حمايته. وأنها إذا كانت ترغب في تجنب المزيد من الاتهامات بالمعاملة غير المتكافئة (على سبيل المثال هنا، وهنا)، فمن الأفضل أن تبدأ بإعادة تقييم تحليلها القانوني للفصل العنصري قبل النظر في تطبيقه على حقائق الصراع الإسرائيلي الفلسطيني.
*جوشوا كيرن: محامٍ يمارس عمله في 9 بيدفورد رو فرع لندن، يتلقى حاليًا تعليمات من معهد أبحاث المنظمات غير الحكومية لتقديم المشورة بشأن مزاعم الفصل العنصري في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ويدين بالشكر لكل من آن هيرزبيرج Anne Herzberg و دوف جاكوبس Dov Jacobs لمساهماتهما المثرية في مسودة هذا المقال.
** لا تتحمل القانون من أجل فلسطين أية مسؤولية عن محتوى المقالات المنشورة في موقعها تعبر المقالات عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء المنظمة تتعهد القانون من أجل فلسطين بإتاحة المجال، دائم، لكل الكتّاب ولتبادل وجهات النظر وإثراء النقاش من كافة الأطراف على قاعدة الاحترام المتبادل.
*** هذا المقال هو جزء من سلسلة مقالات كانت نشرتها مدونة المجلة الأوروبية للقانون الدولي EJIL TALK باللغة الإنجليزية، حول تقرير “هيومن رايتس ووتش” بخصوص اتهامات الفصل العنصري الموجهة إلى إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ( فلسطين ) وضمن حدودها. قمنا في منظمة القانون من أجل فلسطين بترجمة أهم الأفكار التي وردت في السلسلة كاملة، ويسعدنا تقديمها للقرّاء العرب لما تحتويه من حجج قانونية مساندة وأخرى معارضة للتقرير، إلى جانب رد منظمة هيومن رايتس ووتش نفسها على هذه الحجج. للاطلاع على المقالات الآخرى المترجَمة ضمن هذه السلسلة، انظر أدناه