نعم يمكن حل الأزمة المالية ل الأونروا من خلال تغيير جذري في النهج والرؤية
اللغة الأصلية للمقال: الإنجليزية.
عنوان المقال باللغة الإنجليزية: Resolving UNRWA’s Financial Crisis is Possible with a Fundamental Change in Approach and Vision
رابط المقال الأصلي ومصدره باللغة الأصلية: موقع جدلية، رابط هنا
تاريخ نشر المقال الأصلي: 12\11\2022
كتابة: فرانشيسكا ألبانيز، جلال الحسيني، ديانا بوتو ، مايكل دمبر، أرضي امسيس، داميان ليلي، معين رباني، ليكس تاكنبيرغ.
ترجمه إلى العربية: سندس الفرارجة
ل: القانون من أجل فلسطين
حان الأوان مجدداً ليتسائل ما يقارب 30.000 موظف معظمهم فلسطينيون في وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل لاجئي فلسطين في الشرق الأدنى (الأونروا) عما إذا كانوا سيحصلون على رواتبهم للفترة المتبقية من العام. كانت الأونروا تكافح الأزمة المالية الأكثر خطورة من أي وقت مضى لسنوات عديدة، وهي أزمة ناتجة عن نموذج التمويل الذي يمثل عدم التوافق بين ما تتوقع الأمم المتحدة من الوكالة تقديمه، والطبيعة الطوعية في الغالب لمساهمات الدول الأعضاء – التعليم والرعاية الصحية والإغاثة والخدمات الاجتماعية لـ 6.4 مليون لاجئ فلسطيني وأشخاص آخرين مسجلين في غزة والأردن ولبنان وسوريا والضفة الغربية.
شهد العام الماضي 2021 محاولة مؤتمر دولي غير حاسم لتكثيف الدعم للأونروا. تم التكليف بإجراء العديد من الدراسات في الفترة التي سبقت قيام الأونروا بتطوير إستراتيجية جديدة متوسطة المدى والتجديد القادم لتفويض الوكالة في نهاية العام، بما في ذلك دراسات تجرى من قبل الوكالة ومن قبل مانح رئيسي – وكلاهما للأسف لم تنشر بعد – ومن قبل معهد ماس MAS، وهي مؤسسة فكرية فلسطينية.
بصفتنا مسؤولين سابقين في الأونروا و/أو مؤلفي العديد من الدراسات وغيرها حول اللاجئين الفلسطينيين (هنا، هنا، هنا وهنا) والأونروا (هنا، هنا، هنا وهنا)، نعتقد أنه من الممكن أن تتخطى الأونروا المشاكل المالية المتكررة، لكن هذا يتطلب تطوراً تدريجياً وجذرياً في الطريقة التي تفسر بها الوكالة وصايتها وتنفذها، وفي الكيفية التي يقدم المجتمع الدولي دعمه استجابةً لالتزاماته. وفي صلب هذا يتم تبديد الوهم المستمر الذي وطّد نظرية “استثنائية الفلسطيني” بطريقة سلبية واحتجز الوكالة رهينة في وضع يقيّدها بشكل كبير عن تقديم خدمات حساسة للاجئين.
ينبع هذا الوهم من الطريقة التي فسرت بها الأونروا ولايتها وسط مخاوف سياسية ومالية. تتمثل رؤية الوكالة لنفسها بأنها وكالة إنسانية تقدم خدمات التنمية البشرية والخدمات الإنسانية بما في ذلك الحماية. ولكن تعتقد الوكالة أنه ليس لديها سلطة للبحث عن حلول دائمة للاجئين بموجب ولايتها، كما هو موضح في التصريحات الرسمية بما فيها ما نشر على موقعها الإلكتروني. لا يتماشى هذا التفسير مع ما فوضته الجمعية العامة للأمم المتحدة(UNGA) في الأصل للوكالة ومع ما كانت تفعله في الواقع. وهو أيضًا أحد العوامل الرئيسية التي جعلت من الصعب تغيير نهج الوكالة، وبالتالي نقلها إلى أسس مالية أسلم.
كيف وصل بها الحال هنا؟ تأسست الأونروا بمبادرة من هيئة الأمم المتحدة التي تم إنشاؤها قبل عام للتعامل مع تداعيات الحرب العربية الإسرائيلية عام 1948: لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين (UNCCP). كان إنشاء هذه اللجنة من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 1948 بمثابة الرد الرئيسي للأمم المتحدة على الحرب والطريقة التي تم بها إدارتها. تسببت الحرب بتهجير قسري، ونزع ملكية، وتشريد جماعي لحوالي 750.000 من عرب فلسطين (لا يشمل النازحين داخليًا فيما أصبح دولة إسرائيل). كانت هذه الأعمال نتيجة لمجموعة من الأفعال غير المشروعة دوليًا، بما في ذلك جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية بموجب قواعد القانون الدولي المعمول بها في ذلك الوقت. ذكرت الجمعية العامة للأمم المتحدة، في القرار الذي أنشأ لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين، أنه يحق للاجئين العودة إلى منازلهم الأصلية أو إعادة التوطين في مكان آخر إذا لم يكونوا راغبين بالعودة، وكذلك الحصول على تعويض. كان على هذه اللجنة أن تسعى إلى حل شامل للنزاع وفقًا لتعليمات الجمعية العامة للأمم المتحدة، بما في ذلك ما يتعلق بقضية اللاجئين.
تم تزويد كل من لجنة التوفيق حول فلسطين والأونروا بتفويضات للبحث عن حلول دائمة لقضية اللاجئين
حاولت فرنسا وتركيا والولايات المتحدة، أي أعضاء لجنة التوفيق، إقناع الحكومة الإسرائيلية بالموافقة على إعادة اللاجئين. وعندما عجزت عن تحقيق هذا الهدف، قامت بعد أقل من عام بتغيير مسارها وبدأت في استكشاف الفرص نحو الاندماج المحلي للاجئين في البلدان والأقاليم التي وجدوا فيها ملجأً أولياً. تزامن ذلك مع قرار المنظمات غير الحكومية الدولية التي قدمت الاستجابة الأولية الطارئة لتدفق اللاجئين بإنهاء مهامها. لمعالجة كلتا القضيتين، وبناءً على توصية لجنة التوفيق بشأن فلسطين، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة وكالة الأونروا، بتفويض مزدوج، يتمثل في استمرار المساعدة الإنسانية (“الإغاثة”) وتقديم الدعم للاندماج المحلي وإعادة التوطين المحدود (“الأشغال”) كبديل -وإن كان ذلك رسميًا دون تعريض حقي العودة والتعويض للخطر (انظر ديباجة القرار). على هذا النحو، تم تزويد كل من لجنة التوفيق حول فلسطين والأونروا بتفويضات للبحث عن حلول دائمة لقضية اللاجئين (العودة الطوعية، الاندماج المحلي، إعادة التوطين في بلد ثالث، هي الحلول المتينة الرئيسية لمشاكل اللاجئين).
بعد ذلك، ركزت لجنة التوفيق جهودها على جمع سجلات الممتلكات الفلسطينية بهدف تسهيل الاستعادة والتعويض حينما أمكن ذلك. وبعد أن أكملت عملها الدقيق على هذه السجلات في عام 1964، علقت لجنة التوفيق عملياتها. ومنذ ذلك الحين، أضحت اللجنة معطلة بشكل فعال.
في تلك الأثناء شكلت القيود السياسية بشكل حاسم ولاية الأونروا. اضطرت الوكالة إلى التخلي عن برامج العمل بعد سنوات قليلة فقط من إنشائها، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى اعتراضات الحكومات العربية المضيفة واللاجئين أنفسهم على أي محاولة لمتابعة الاندماج المحلي الفعلي، والذي كان يُنظر إليه على أنه يقوض ويضعضع الحق في العودة. وبحلول منتصف الستينيات، تخلت الأونروا عن الدور الذي قامت به لملء الفراغ الذي تركته لجنة التوفيق بشأن فلسطين بسبب معارضة إسرائيل وداعميها الرئيسيين. وقد اتُهمت الوكالة بالقضاء على آمال اللاجئين في العودة إلى منازلهم وممتلكاتهم الأصلي،ة مما يؤدي ظاهرياً إلى استمرارية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني والصراع العربي الإسرائيلي الأوسع. بالنسبة للمتهمين، كان هناك قبول ضمني بأن إسرائيل لن تسمح أبدًا بمثل هذه العودة -على الرغم من متطلبات القانون الدولي بأن تفعل ذلك. وهذا يفسر سبب استمرار الوكالة بتأكيد أن ولايتها لا تشمل البحث عن حلول دائمة للاجئين.
وهكذا، أصبح اللاجئون الفلسطينيون هم الفئة الوحيدة من اللاجئين التي لا توجد فيها مؤسسة تعتبر نفسها مسؤولة عن تقديم الحلول الدائمة لمحنتهم. ونتيجة لذلك، يرى اللاجئون والقيادة الفلسطينية والحكومات المضيفة في وجود الأونروا والخدمات التي تقدمها دليلاً على أن قضية اللاجئ التي لم يتم حلها ستبقى مسؤولية دولية. لذلك، فإن أي نقاش حول وصاية الوكالة ووظائفها قد يفضي إلى تقليص أو تغيير محتمل في تقديم الخدمات ووجه بمعارضة من قبل اللاجئين (والحكومات المضيفة)، الذين يرون أن ذلك يقوض حقهم في العودة ومسؤولية الأمم المتحدة. يعني هذا، على مستوى إدارة الأونروا -الجهات المانحة، والحكومات المضيفة، والحكومة الفلسطينية / منظمة التحرير الفلسطينية (PLO)/ السلطة الفلسطينية (PA)- أنه لم يتم الأخذ بعين الاعتبار أي من المقترحات المهمة لتعديل برامج الوكالة أو طريقة عملها التي تم اعتمادها.
أصبح اللاجئون الفلسطينيون هم الفئة الوحيدة من اللاجئين التي لا توجد فيها مؤسسة تعتبر نفسها مسؤولة عن تقديم الحلول الدائمة لمحنتهم
لكسر هذا الجمود، نقترح تطوراً جذرياً وتدريجياً للتوجه الاستراتيجي للأونروا، من تقديم الدعم للاحتياجات الإنسانية والتنمية البشرية الأساسية إلى الاستجابة الشاملة لجميع جوانب قضية اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك توسيع التركيز على الحماية والسعي لإيجاد حلول متينة. من خلال القيام بذلك، سوف تقوم الأونروا بما يلي:
- العمل بموجب التفويض العام الممنوح من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة لكل من لجنة التوفيق حول فلسطين والأونروا لمساعدة وحماية اللاجئين الفلسطينيين، بما في ذلك السعي لإيجاد حلول دائمة. مع زوال دور لجنة التوفيق حول فلسطين، أصبح إلزامياً على الأونروا أن تتولى بعض وظائفها تلبيةً للواجب الإنساني المُلِحَ لسد فجوة الحماية /الحلول الدائمة. والأهم من ذلك أن الوكالة لا تحتاج إلى انتظار توجيهات من الجمعية العامة للأمم المتحدة للقيام بذلك. لأن ولايتها مرنة وقد اتخذت الوكالة في الماضي إجراءات بناء على مبادرتها الخاصة التي حظيت بموافقة الجمعية بأثر رجعي؛
- توثيق صلتها بشكل أوثق مع ولايتها الأصلية وبعض ممارساتها المتعلقة بالحلول على مر السنين، بما في ذلك الدعم المستمر للمشاركة الاجتماعية والاقتصادية للاجئين في البلدان المضيفة؛ “خدمات التوظيف” التي تساعد اللاجئين على الوصول إلى حياة أفضل في دول الخليج؛ والدعم المخصص لإعادة توطين اللاجئين، بما في ذلك لم شمل الأسرة؛
- البناء على دورها الحالي في حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين من خلال دعم حماية حقوقهم الأكثر جدلاً، بما في ذلك الحقوق المدنية والثقافية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وكذلك تلك المتعلقة بالعودة واستعادة الحقوق والملكيات والتعويض. في هذا السياق، يمكن لنظام تسجيل الأونروا أن يصبح المستودع المركزي للأدلة على مطالبات اللاجئين التاريخية. سيكون لهذا تأثير رمزي وعملي كبير على اللاجئين، خاصة بمجرد موائمة نظام التسجيل ومزامنته مع سجلات لجنة التوفيق. ويربط هذا الأخير خسارة الممتلكات والأضرار في 1947/1949 باللاجئين الأفراد وأسرهم /أحفادهم؛
- مواءمة نفسها بشكل أوثق مع نظام اللاجئين العالمي على النحو المنصوص عليه في إعلان نيويورك لعام 2016 بشأن اللاجئين والمهاجرين(NYD) والميثاق العالمي بشأن اللاجئين لعام 2018(GCR)، بإنهاء الاستثناء الفلسطيني. يؤكد إعلان نيويورك الذي تبنته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالإجماع والذي ينطبق على جميع اللاجئين، بمن فيهم اللاجئين الفلسطينيين، أن أي استجابة لحالات اللاجئين يجب أن تشمل مزيجًا من المساعدة الإنسانية والحماية الدولية والحلول الدائمة. علاوة على ذلك، يوصي إعلان نيويورك، لكل حالة لاجئ، بما في ذلك الحالات التي طال أمدها، بوضع إطار شامل للاستجابة للاجئين (CRRF) يتم وضعه من خلال نهج أصحاب المصلحة المتعددين. نحن نؤمن بضرورة تطوير إطار شامل للاستجابة للاجئين الفلسطينيين. سيكون لذلك القدرة على إعادة تنشيط الخطاب لدعم حقوق اللاجئين الفلسطينيين التي لم تتم تلبيتها وإحياء جبهة مشتركة بين البلدان المضيفة واللاجئين والقيادة الفلسطينية. حيث يشرح الميثاق العالمي للاجئين هذا الأمر بمزيد من التفصيل، بما في ذلك من خلال توضيح أن المساعدة للاجئين يجب أن يتم تقديمها من خلال مقدمي الخدمات الوطنيين والمحليين، وأنه يجب تجنب “الأنظمة الموازية” – مثل برامج التعليم والصحة في الأونروا؛
- سد فجوة الحلول الدائمة التي خلّفها الزوال الفعلي للجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين. حيث أن اللاجئين الفلسطينيين يحتاجون ويستحقون، مثلهم مثل جميع اللاجئين الآخرين، كياناً دولياً لا يتفاعل فقط مع دعم احتياجاتهم الإنسانية ولكن أيضاً في دعم وتأييد حقوقهم الإنسانية، بما في ذلك العودة ورد الحقوق والتعويض، وكذلك الأمر بتسهيل بعض الحلول الدائمة الأخرى التي لربما قد يرغب اللاجئون باتباعها. هذه حقوق غير قابلة للتصرف وغير قابلة للتقييد، وقد أصبحت أقوى بمرور الوقت وزيادة تقدم القانون الدولي.
إن القانون الدولي و المسؤولية الدائمة للأمم المتحدة بشأن القضية الفلسطينية الفريدة يجعلان المجتمع الدولي ملزمًا قانونياً وسياسياً وأخلاقياً بدعم إعادة تأويل وصاية الأونروا التي من الممكن أن تسمح للوكالة بالاستجابة بشكل شامل لاحتياجات وحقوق اللاجئين. ومن الممكن أيضاً أن يؤدي تنفيذ هذا التحول إلى تمهيد الطريق لإعادة النظر على نطاق أوسع في طريقة عمل الوكالة، والابتعاد عن التقديم الموازي لبعض الخدمات، وبالتالي تقليل الفجوة بين الدخل والنفقات.
إن محنة اللاجئين الفلسطينيين، الذين نزحوا في 1947/49 وفي 1967 وما زالوا بلا حل عادل ودائم، هي أساساً قضية سياسية تشمل الحقوق المدنية والسياسية والوطنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وهي تتطلّب قراراً يتماشى مع القانون الدولي، والذي من شأنه أن يعزز بشكل غير مباشر احتمالات حل سلمي أوسع. إن التعامل مع اللاجئين الفلسطينيين والأونروا فقط من خلال الأطر الإنسانية والتنمية البشرية، كما فعلت الأمم المتحدة في غالبية تعاملها مع هذه القضية، هو أمر غير أخلاقي وغير عادل. وهو خيانة لمسؤولية الأمم المتحدة المستمرة عن قضية فلسطين حتى يتم حلها من جميع جوانبها على أسس القانون الدولي.
* لا تتحمل القانون من أجل فلسطين أية مسؤولية عن محتوى المقالات المنشورة في موقعها. تعبر المقالات عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء المنظمة. تتعهد القانون من أجل فلسطين بإتاحة المجال، دائما، لكل الكتّاب ولتبادل وجهات النظر وإثراء النقاش من كافة الأطراف على قاعدة الاحترام المتبادل.