الفصل العنصري و الخط الأخضر وضرورة التغلب على تجزئة الفلسطينيين
بقلم رانيا محارب*
الأصل الإنجليزي هنا
ترجمة آلاء ماضي
ل: منظمة القانون من أجل فلسطين
في مقالها حول الفصل العنصري و الخط الأخضر وضرورة التغلب على تجزئة الفلسطينيين ، تبدأ رانيا محارب بالإشارة إلى تقرير هيومن رايتس ووتش الأخير، “تجاوزوا الحد: السلطات الإسرائيلية وجرائم الفصل العنصري والاضطهاد”، بالإضافة إلى مجموعة متزايدة من الأدبيات التي تنظر في علاقة الفصل العنصري بمعاناة الشعب الفلسطيني. وترى أنه بناءً على العمل التأسيسي المبكر الذي قام به علماء فلسطينيون ويهود مناهضون للصهيونية، يسمح تحليل الفصل العنصري بالنظر في الأسباب الجذرية للظلم المرتكب ضد الشعب الفلسطيني ككل.
تضيف محارب أن هيومن رايتس ووتش قد قدمت في تقريرها عدة مساهمات مهمة في الخطاب حول الفصل العنصري. أولها أنها أثبتت وجود “نية من قبل السلطات الإسرائيلية للحفاظ على الهيمنة المنهجية للإسرائيليين اليهود على الفلسطينيين”، بما يضم الفلسطينيين على جانبي الخط الأخضر (ص 78) وكذلك في المنفى ممن حُرموا حقهم في العودة منذ عام 1948. (ص 48 و203). وثانيها أنها اعترفت بتأسيس إسرائيل لمكانة “جنسية يهودية” متفوقة تختلف عن المواطنة و “تحيل الفلسطينيين منذ الولادة إلى وضع أدنى بموجب القانون” (ص 149).
وفي هذا الصدد، تضيف محارب أن التقرير لفت الانتباه أيضًا إلى دور المؤسسات شبه الحكومية الصهيونية، مثل الصندوق القومي اليهودي (JNF)، في السيطرة على الأراضي المخصصة للاستيطان اليهودي الحصري، على جانبي الخط الأخضر (ص 54). أخيرًا، ترى محارب أن التقرير أقر بأن تجزئة الشعب الفلسطيني وتشرذمه “يعزز هدف الهيمنة” (ص 8) و “يضعف مقاومة الحكم الإسرائيلي” (ص 77).
تتابع محارب، أن المثير للفضول فيما يتعلق بسياسة “التجزئة الاستراتيجية” (انظر تقرير الإسكوا 2017، ص 37-38)، أن هيومن رايتس ووتش تناقش فقط “سياسة الفصل” داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، دون أن تتطرق إلى التقسيم المصطنع للفلسطينيين على طول الخط الأخضر وإنكار حق العودة للاجئين والمنفيين الفلسطينيين. تشير هذه الجوانب التي تم إغفالها في التقرير إلى أن هيومن رايتس ووتش تفرّق هنا بين معاناة الفلسطينيين في الأراضي الفلسطينية المحتلة ومعاناة الفلسطينيين في أماكن أخرى لدى تحليلها القانوني بشأن تطبيق جريمة الفصل العنصري.
هيومن رايتس ووتش تناقش فقط “سياسة الفصل” داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، دون أن تتطرق إلى التقسيم المصطنع للفلسطينيين على طول الخط الأخضر وإنكار حق العودة للاجئين
وعلى الرغم من العثور على نية إسرائيلية للهيمنة على جميع الفلسطينيين، والتي تشكل العنصر الأول في جريمة الفصل العنصري، ترى محارب أن هيومن رايتس ووتش تخلص إلى أن العنصرين الثاني والثالث، وهما “القمع المنهجي” و “الأعمال غير الإنسانية”، يتم ارتكابهما فقط في حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة. وبدلاً من “القمع المنهجي”، وجدت هيومن رايتس ووتش، وفقاً لمحارب، أن الفلسطينيين داخل الخط الأخضر يواجهون “تمييزًا مؤسسيًا”، ترى المنظمة أنه “أقل حدة من القمع والاضطهاد” في الأراضي الفلسطينية المحتلة (ص 146).
وتضيف أنه بدلاً من “الأفعال اللاإنسانية” بالمعنى المقصود في المادة الثانية من اتفاقية الفصل العنصري لعام 1973 والمادة 7 (2) (ح) من ميثاق روما الأساسي، يخلص التقرير إلى أن معاملة المواطنين الفلسطينيين واللاجئين في الخارج تصل إلى حد “انتهاكات أخرى للحقوق الأساسية” (ص 170 – 171)، هذا على الرغم من أن بعض السياسات الإسرائيلية نفسها مطبقة على جانبي الخط الأخضر.
ترى محارب أنه ليس من الواضح، على سبيل المثال، لماذا اعتبرت هيومن رايتس ووتش “مصادرة مئات الآلاف من الدونمات من الأراضي في الضفة الغربية المملوكة للفلسطينيين” “عملًا غير إنساني” بينما أدرجت “رفض السماح للفلسطينيين بالوصول إلى ملايين الدونمات من الأراضي التي صودرت منهم “داخل الخط الأخضر” كـ”انتهاكات أخرى”. وبالمثل، ليس من الواضح، وفقاً لمحارب، كيف أن “التجميد الفعلي للم شمل الأسرة” باعتباره “عملًا غير إنساني” في الأراضي الفلسطينية المحتلة يختلف عن “تقييد الإقامة القانونية بطرق تمنع العديد من الأزواج والأسر الفلسطينيين من العيش معًا في إسرائيل”، والمدرج ضمن “انتهاكات أخرى” داخل الخط الأخضر.
توضح الأمثلة المذكورة أعلاه، كما ترى محارب، كيف أصبح الخط الأخضر يمثل انقسامًا عشوائيًا لا يأخذ في الحسبان التجارب التي عاشها الفلسطينيون الذين تعرضوا للقمع الإسرائيلي، والتي تتجاوز هذه الحدود الجغرافية المصطنعة. وتضيف أنه مما يكتسي أهمية بالغة أن جميع السياسات القمعية التي تنفذها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة اليوم، خاصة فيما يتعلق بمصادرة الأراضي ونزع الملكية، قد اختبرها المواطنون الفلسطينيون داخل الخط الأخضر خلال فترة الحكم العسكري الإسرائيلي من عام 1948 حتى عام 1966. وعلى نفس المنوال فإن القوانين التمييزية الإسرائيلية التي تم وضعها في أعقاب النكبة مباشرة (نكبة 1948) تم توسيعها لتشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967 من خلال أوامر عسكرية إسرائيلية.
وترى محارب، أن اضطهاد الفلسطينيين داخل الخط الأخضر ليس تاريخيًا فحسب؛ بل لا يزال الأمر مستمرًا إلى حد كبير: والحقيقة أن 93% من الأراضي الواقعة داخل الخط الأخضر تحتفظ بها الدولة والصندوق القومي اليهودي بشكل دائم من أجل “الشعب اليهودي”. وتضيف: يمتلك الفلسطينيون الذين يحملون الجنسية الإسرائيلية ثلاثة في المائة فقط من الأراضي داخل الخط الأخضر، ولا تزال عشرات القرى الفلسطينية “غير معترف بها” في النقب، ولم يتم بناء أي مدينة فلسطينية جديدة منذ قيام الدولة (حلبي 2010، ص 33). كما اقرت هيومن رايتس ووتش، بالخصوص، حيث جاء في تقريرها “استولت السلطات الإسرائيلية على عدة ملايين من الدونمات من الأراضي من الفلسطينيين” داخل الخط الأخضر بين عامي 1948 و1966 (ص 195) – وهو واقع لا يزال مستمراً طالما أن ملايين اللاجئين الفلسطينيين والمشردين داخلياً محرومين من حقهم في العودة إلى ديارهم وقراهم الأصلية.
93% من الأراضي الواقعة داخل الخط الأخضر تحتفظ بها الدولة والصندوق القومي اليهودي بشكل دائم من أجل “الشعب اليهودي”
تُشير محارب إلى أن اتفاقية الفصل العنصري لعام 1973 تصنف ضمن “أفعال لا إنسانية” في جريمة الفصل العنصري: إنكار حق “أفراد مجموعة عرقية … بالتمتع بحقوق الإنسان والحريات الأساسية”، بما في ذلك “الحق في المغادرة والعودة إلى بلدهم” وكذلك “مصادرة ممتلكات مملوكة لمجموعة عرقية” (المادتان 2 (ج) و2 (د)). وتضيف أنه من الواضح أن هذه الأعمال اللاإنسانية تنطبق، بموجب القوانين والسياسات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني ككل على جانبي الخط الأخضر وفي المنفى.
في الوقت نفسه، هناك المزيد من الأعمال اللاإنسانية ذات الصلة أيضًا بمعاناة المواطنين الفلسطينيين. وفقاً لمحارب؛ على سبيل المثال، شهد الشهران الماضيان اعتقالات جماعية على جانبي الخط الأخضر لإسكات الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأخيرة. تم اعتقال أكثر من 2000 مواطن فلسطيني، بما في ذلك من خلال الاستخدام المتجدد للاعتقال الإداري لأجل غير مسمى داخل الخط الأخضر. وتقول محارب إن هذه الإجراءات القمعية تهدف إلى منع الفلسطينيين من تحدي النظام الإسرائيلي، وقد تشكل أيضًا “اعتقالًا تعسفيًا وسجنًا غير قانوني” بالمعنى المقصود في المادة (2) (أ) (3) من اتفاقية الفصل العنصري.
تضيف محارب أن التمثيل السياسي للمواطنين الفلسطينيين في النظام التشريعي الإسرائيلي يقوم على أساس القانون الأساسي: الكنيست 5718-1958 والقبول ب”إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية” (المادة 7 أ. (أ) (1)). هذا، كما تقر هيومن رايتس ووتش، “يمنع الفلسطينيين رسميًا من تحدي القوانين التي تقنن إخضاعهم” (ص 150). وتتابع، بالإشارة إلى الحظر الذي تفرضه إسرائيل منذ فترة طويلة على التنظيم والمشاركة السياسية الفلسطينية الفعالة، فإن جون كويجلي جادل في عام 1991 بأن إسرائيل تنتهك بالفعل الحظر المفروض على “أي إجراءات تشريعية وإجراءات أخرى محسوبة لمنع مجموعة عرقية … من المشاركة في الحياة السياسية …” – المادة الثانية (ج) من اتفاقية الفصل العنصري (كويجلي 1991، ص 239-243).
وترى محارب أن هناك وبشكل عام، أدلة كثيرة على أن السياسات والممارسات الإسرائيلية الجارية داخل الخط الأخضر ترقى إلى مرتبة الأفعال اللاإنسانية التي تشكل جريمة الفصل العنصري، لا سيما عند النظر إليها كجزء من إنكار الحقوق الفردية والجماعية للشعب الفلسطيني ككل، ولا سيما حقهم في العودة وتقرير المصير.
تجادل محارب أن التجزئة والتشرذم الفلسطيني، بما في ذلك على طول الخط الأخضر الاعتباطي، أديا إلى منع الفلسطينيين من تحدي النظام الإسرائيلي بشكل جماعي والسعي إلى مساءلته عن إخضاعهم المستمر. ففي ديسمبر 2019، وجدت لجنة الأمم المتحدة للقضاء على التمييز العنصري (CERD) أن السياسات والممارسات الإسرائيلية على جانبي الخط الأخضر تتعارض مع المادة 3 من الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ICERD، والتي تنص على حظر “التفرقة العنصرية والفصل العنصري”. جاء ذلك بعد تقديم مفصل إلى لجنة القضاء على التمييز العنصري (CERD) من قبل منظمات حقوق إنسان فلسطينية وإقليمية، والتي خلصت إلى أن إسرائيل تمارس جريمة الفصل العنصري بحق الشعب الفلسطيني ككل.
تختتم محارب مقالها بالقول أن الاعتراف المتزايد بالفصل العنصري الإسرائيلي اليوم يتطلب بذل جهود جادة للتغلب على تجزئة الشعب الفلسطيني في الخطاب والممارسة. حيث تقوم منظمات المجتمع المدني بحملات لإعادة تشكيل آليات الأمم المتحدة لمكافحة الفصل العنصري كطرق يمكن من خلالها تحدي الفصل العنصري الإسرائيلي على الفلسطينيين. وقد تم بالفعل تأييد هذه الدعوة من قبل ناميبيا وجنوب أفريقيا.
أخيرًا، تضيف محارب، أن لجنة التحقيق الدولية المستمرة المنشأة مؤخرًا بخصوص “الأسباب الجذرية” للتمييز المنهجي عبر فلسطين التاريخية تقوم بتقديم طريقٍ غير مسبوق للمضي قدمًا في أروقة الأمم المتحدة للبدء في التغلب على تجزئة الشعب الفلسطيني. على هذا النحو، فإن هذا الطريق سيتطلب مشاركة مهمة من المجتمع المدني والعلماء والممارسين في المجال الحقوقي.
* لا تتحمل القانون من أجل فلسطين أية مسؤولية عن محتوى المقالات المنشورة في موقعها تعبر المقالات عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء المنظمة تتعهد القانون من أجل فلسطين بإتاحة المجال، دائم، لكل الكتّاب ولتبادل وجهات النظر وإثراء النقاش من كافة الأطراف على قاعدة الاحترام المتبادل.
** هذا المقال هو جزء من سلسلة مقالات كانت نشرتها مدونة المجلة الأوروبية للقانون الدولي EJIL TALK باللغة الإنجليزية، حول تقرير “هيومن رايتس ووتش” بخصوص اتهامات الفصل العنصري الموجهة إلى إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ( فلسطين ) وضمن حدودها. قمنا في منظمة القانون من أجل فلسطين بترجمة أهم الأفكار التي وردت في السلسلة كاملة، ويسعدنا تقديمها للقرّاء العرب لما تحتويه من حجج قانونية مساندة وأخرى معارضة للتقرير، إلى جانب رد منظمة هيومن رايتس ووتش نفسها على هذه الحجج. للاطلاع على المقالات الآخرى المترجَمة ضمن هذه السلسلة، انظر أدناه