العدالة الدولية ل ” أوكرانيا “، ولكن ليس ل ” فلسطين ” ؟ وعن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في الحالتين
اللغة الأصلية للنص: الإنجليزية
عنوان المقال بالإنجليزية: International justice for Ukraine but not Palestine?
رابط المقال الأصلي ومصدره بالإنجليزية: هنا
تاريخ نشر المقال الأصلي: 26 ابريل/نيسان 2022
كتابة: مورين كلير مورفي، وهي كبيرة المحررين في موقع The Electronic Intifada.
ترجمة: القانون من أجل فلسطين
–
يُعتبر القانون الدولي معيارًا يمكن من خلاله الحكم على سلوك الدول والجهات الفاعلة من غير الدول على قدم المساواة.
لكن التناقض بين موقف دول شمال الأطلسي ومعارضتها للغزو الروسي لأوكرانيا، من ناحية، ودعمها للسيطرة الإسرائيلية العنيفة على الفلسطينيين والمستمرة منذ عقود، من ناحية أخرى، يشير بدلاً من ذلك إلى أن معايير القانون الدولي إنما هي سلاح يستخدم لتعزيز الإمبريالية.
طالب الفلسطينيون بمعيار واحد للعدالة حتى قبل فترة طويلة من إعلان دولة إسرائيل على أنقاض المدن والبلدات والقرى الفلسطينية المهجرة من سكانها.
وكرر المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان ومقره غزة تلك الدعوة الأسبوع الماضي.
وقال المركز: “يجب أن يكون معيار العدالة واحدًا لجميع شعوب العالم”.
ومع ذلك، فإن هذا المعيار يثبت مرة أخرى أنه “مسألة تحكمها المصالح”، حيث تتفوق السياسة على القانون الدولي، والذي “يستخدمه السياسيون كحيلة لخدمة أغراضهم” ، حسب وصف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان.
يدعو المركز المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، لزيارة فلسطين في أقرب وقت ممكن، مثلما زار أوكرانيا مؤخرًا.
حتى الآن، لم يعلق خان على التحقيق في فلسطين منذ بدء توليه منصب المدعي العام في يونيو/حزيران الماضي 2021، ولا حتى بعد أن قامت إسرائيل بتصنيف منظمات حقوقية فلسطينية تقدم البينات والأدلة إلى المحكمة بأنها “منظمات إرهابية”.
تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية
كلا الوضعين في فلسطين وأوكرانيا قيد التحقيق من قبل المحكمة الجنائية الدولية حاليا.
يوضح الاستقبال المتباين للإعلان عن التحقيقين، اللذين تم إطلاقهما عامي 2021 و 2022 على التوالي، مرة أخرى كيف تنظر الديمقراطيات الليبرالية المفترضة إلى القانون الدولي، ليس على أساس أنه يتطلّب امتثالًا عالميًا، بل هراوة لاستخدامها ضد أعداء تلك الديمقراطيات.
اختتمت فاتو بنسودا، سلف خان، فحصًا أوليًا مطولًا للوضع في أوكرانيا في ديسمبر من العام الماضي 2021، وأوصت بإجراء تحقيق رسمي في الجرائم المزعومة التي ارتُكبت في البلاد من قبل “جميع أطراف النزاع”.
ركز الفحص الأولي على “احتجاجات ميدان Maidan protests” التي بدأت في نوفمبر/ تشرين الثاني 2013، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم عام 2014، والأعمال العدائية بين القوات الحكومية الأوكرانية والقوات المناهضة للحكومة في نفس العام وذلك في منطقة دونباس في شرق أوكرانيا، والتي يغلب عليها الطابع الروسي.
وبما أن أوكرانيا وروسيا ليستا أعضاء في المحكمة الجنائية الدولية، فإن اختصاص المحكمة في البلاد “يغطي الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب”، ولكنه لا يشمل جريمة العدوان، وفقًا لـ هيومن رايتس ووتش.
في أواخر فبراير/شباط، أعلن خان أنه فتح تحقيقًا رسميًا، قائلاً إنه “سيشمل أيضًا أي جرائم مزعومة جديدة” في أوكرانيا تقع ضمن اختصاص المحكمة.
وقد رحب بإعلان خان العديد من الدول التي هي نفسها تعارض تحقيق المحكمة في جرائم الحرب في الضفة الغربية وقطاع غزة، والذي تم البدء به قبل عام، بعد فحص أولي مطول مماثل.
وأكدت تلك الدول فقط على الجرائم المشتبه بارتكابها من قبل القوات الروسية، وليس تلك الخاصة بأوكرانيا، مع إعلان المملكة المتحدة أنها تقود جهود دفع المحكمة الجنائية الدولية “للتحقيق في جرائم روسيا”.
وقالت ليز تروس، وزيرة الخارجية البريطانية، إن تحقيق المحكمة الجنائية الدولية كان “مطلوبًا بشكل عاجل” وتعهدت بأن “المملكة المتحدة ستعمل عن كثب مع الحلفاء لضمان تحقيق العدالة”.
على النقيض من ذلك، أرسل رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون العام الماضي رسالة إلى جماعة الضغط المعروفة ب”المحافظين أصدقاء إسرائيل Conservative Friends of Israel” يؤكد فيها معارضة بلاده للتحقيق الذي تجريه المحكمة بشأن فلسطين.
وصفت هيومن رايتس ووتش حينها الرسالة بأنها “اعتداء وقح” على استقلال المحكمة، وأضافت بأنه يبدو أنها “تهدف إلى ممارسة ضغوط سياسية على مواطني المملكة المتحدة الذين يعملون في المحكمة”، بما في ذلك كريم خان المنتخب حديثًا كمدع عام للمحكمة.
وصف الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبدون انتظار نتائج أي تحقيق مستقل وموثوق به، تصرفات روسيا بأنها “جرائم حرب” و “إبادة جماعية”
ورد أيضاً أن الولايات المتحدة -والتي كانت فرضت عقوبات اقتصادية على بنسودة إبّان فترة ترامب بسبب تحقيقات المحكمة في أفغانستان وفلسطين- تساعد السلطات الأوكرانية على جمع الأدلة على ارتكاب جرائم حرب، على الرغم من أن القوانين الأمريكية تحد من قدرتها على القيام بذلك.
ووصف الرئيس الأمريكي جو بايدن، وبدون انتظار نتائج أي تحقيق مستقل وموثوق به، تصرفات روسيا بأنها “جرائم حرب” و “إبادة جماعية”.
لكن وزارة خارجيته ترفض الاستنتاج الراسخ الذي توصلت إليه العديد من جماعات حقوق الإنسان المحترمة بأن إسرائيل تمارس الفصل العنصري -الأبارتايد- ضد الفلسطينيين، حيث وصفت هذا الاتهام بأنه “سخيف”.
وفي الوقت نفسه، قادت واشنطن جهود فرض عقوبات شاملة على روسيا، في حين قدّم المشرعون في عشرات الولايات الأمريكية مشاريع قوانين تهدف إلى تقويض حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات والعقوبات BDS التي يقودها الفلسطينيون، أو بلغة أخرى تجريم انتقاد إسرائيل.
وبالمثل، أعلن الاتحاد الأوروبي أنه سيوفر التمويل والدعم والتدريب والمعدات للسلطات الأوكرانية لجمع الأدلة التي يمكن تقديمها إلى المحكمة الجنائية الدولية.
وتماما كما واشنطن، لم تنتظر بروكسل نتيجة أي تحقيق لاستنتاج أن روسيا ترتكب “جرائم حرب”.
وأعلن رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، الذي تعارض حكومته أيضًا تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في فلسطين، أنه من “الصواب تمامًا” وصف تصرفات روسيا في أوكرانيا بأنها إبادة جماعية.
وأرسل ترودو شرطة الخيالة الملكية الكندية إلى أوكرانيا للمساعدة في تحقيق المحكمة الجنائية الدولية – على ما يبدو بناءً على طلب من كريم خان، المدعي العام للمحكمة.
“ليس لدينا أجندة سياسية”
في غضون ذلك ، يصر خان على استقلال المحكمة.
وقال خان لشبكة CNN بعد زيارته لبوتشا، وهي مدينة أوكرانية يُزعم أن روسيا ارتكبت فيها جرائم حرب: “هناك دور مهم لمكتب المدعي العام المستقل”.
وأضاف خان: “ليس لدينا أجندة سياسية، نحن لسنا مع أوكرانيا ضد روسيا، أو مع روسيا ضد أوكرانيا، نحن مع الإنسانية”.
لا ينبغي أن يتفاجأ أحد إذا قامت الدول بضخ الموارد إلى المحكمة لدعم التحقيق في أوكرانيا، في الوقت الذي تقوم فيه بإفقار التحقيق في فلسطين
لكن تحالف المنظمات التي قامت بحملات المناصرة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، حذرت من أن “الدعم غير المسبوق لدور” المحكمة الدولية بعد فتح تحقيق في أوكرانيا يجب أن يقابله التمويل اللازم “لتحقيق العدالة في جميع الحالات الموجودة على طاولة المحكمة”.
وقال التحالف إن “ميزانية المحكمة تم حدّها باستمرار” من قبل الدول الأطراف، ما أثر على “فعالية” المحكمة وأخّر “وصول الضحايا إلى العدالة”.
وأشار التحالف إلى أن مكتب خان قدم مؤخرًا “طلبًا استثنائيًا” للحصول على “تبرعات طوعية… مقدمة من خارج ميزانية المحكمة، بما في ذلك من خلال صندوق استئماني أنشئ حديثاً وتعيين موظفين دون مقابل”.
ورأى التحالف أن هذا يهدد شرعية المحكمة ومصداقيتها.
لكن هذه الشرعية ضعيفة بالفعل، إذا أخذنا بعين الاعتبار الانتقادات واسعة النطاق حول التحيز الواضح للمحكمة: حتى الآن، جميع الأشخاص الـ 47 الذين وجهت لهم اتهامات أو حوكموا منذ تأسيس المحكمة الجنائية الدولية هم من دول أفريقية.
وذكر التحالف أن التعهدات بتقديم التمويل والموظفين في سياق حالة محددة “يرسل إشارة مؤسفة إلى أن العدالة لبعض الضحايا يجب أن تُمنح الأولوية على الآخرين، اعتمادًا على الرغبات السياسية، بما في ذلك الاستعداد لتوفير الموارد”.
لا ينبغي أن يتفاجأ أحد إذا قامت الدول بضخ الموارد إلى المحكمة لدعم التحقيق في أوكرانيا، في الوقت الذي تقوم فيه بإفقار التحقيق في فلسطين، وبالتالي ضمان بقاء القانون الدولي أداة للأقوياء لضمان مصالحهم الخاصة.
الكلمات المفتاحية: العدالة الدولية الجنائية أوكرانيا فلسطين