القانون من أجل فلسطين – ترجمات
نشر المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية (ECFR) مقالاً كتبه رينيه ويلانديل، خبير حقوق الإنسان في الشرق الأوسط وشمال إقريقيا في منظمة العفو الدولية، يناقش فيه لماذا يجب على ألمانيا أن ترحب بتحقيق المحكمة الجنائية الدولية في الوضع في فلسطين، وذلك في ظل موقف ألمانيا الرافض لهذا التحقيق.
يشير ويلانديل في بداية مقاله إلى خلفية الموضوع، حيث أعلنت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودا في كانون الأول/ديسمبر 2019م، أن جميع المعايير قد تم استيفاؤها من أجل فتح تحقيق للمحكمة في فلسطين، وأن المدعية العامة طلبت من المحكمة أن تبت في افتراض أن للمحكمة ولاية قضائية على فلسطين تشمل مناطق الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة. وأضاف ويلانديل أنه تم تأجيل قرار الدائرة التمهيدية بشأن هذه المسألة بسبب أزمة جائحة كورونا.
يقول ويلانديل أن ألمانيا قدمت رأياً للمحكمة تعبر فيه أنه لا يمكن للمحكمة البدء بتحقيق رسمي في الأراضي الفلسطينية، وذلك لأن فلسطين لا تعتبر دولة وفقاً لنظام روما، علماً أن ألمانيا لم تعترف رسمياً بانضمام فلسطين للمحكمة الجنائية. وعلى الرغم من ذلك، إلا أن فلسطين انضمت إلى عدد من الاتفاقيات الدولية منذ عام 2012م، إثر حصولها على وضع دولة غير عضو مراقب لدى الأمم المتحدة. كما أصبحت طرفاً في ميثاق روما عام 2015م، مما يجعلها العضو 123 في المحكمة الجنائية الدولية -بموافقة الأمين العام للأمم المتحدة.
الموقف الألماني يشجع الضم ويضعف الموقف الموحد للاتحاد الأوروبي
وأوضح ويلانديل أن اتخاذ ألمانيا لموقفٍ معارضٍ لفتح تحقيق للمحكمة الجنائية الدولية في الأراضي الفلسطينية، جاء بعد ضغطٍ هائلٍ من رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، ويذهب الكاتب إلى أن إسرائيل قد تعتبر الموقف الألماني بمثابة تشجيع لإجراءات الاحتلال وعمليات الاستيطان التي تقوم بها، لا سيما مشروع ضم أجزاء من الضفة الغربية الذي تسعى إليه بدعم من الولايات المتحدة الامريكية.
ويجب الإشارة هنا، بحسب الكاتب، إلى أن إسرائيل وبموجب حكومتها الموحدة التي تم تشكيلها مؤخراً، ماضية بالسير في مشروع الضم خلال هذا الصيف من العام الحالي، ويأتي ذلك بالرغم من تحذير ألمانيا والاتحاد الاوروبي لها من ذلك، وتشجيعهم لحل الدواتين، دون اتخاذ خطوات عملية ضد هذا المشروع، الذي يشكل جزءاً من خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والتي تدعم المطالبات الاسرائيلية بضم أجزاء كبيرة من الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وأشار الكاتب للدول التي انضمت لموقف ألمانيا المعارض لفتح تحقيق من قبل المحكمة الجنائية في فلسطين، كاستراليا والنمسا والجمهورية التشيكية والمجر. ورأى أن موقف ألمانيا الساعى لتشكيل تحالف صغير من هذه الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي، يعقّد الموقف الجماعي للاتحاد الأوروبي من دور المحكمة وطرق ثني إسرائيل عن انتهاك القانون الدولي. وعلاوة على ذلك فإنه يقوض نزاهة المحكمة، والتي تعرضت لانتقادات من وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو في مارس/ اذار 2020 والذي هدد شخصياً مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية، في محاولة لتعطيل تحقيق المحكمة في جرائم الحرب المزعومة التي ارتكبها أمريكيون في أفغانستان.
ويرى ويلانديل أن هذه فرصة ألمانيا والاتحاد الاوروبي للدفاع عن الدور المحايد للمحكمة الجنائية الدولية والنظام الدولي القائم. وأن إجراء تحقيق شامل سيوفر فرصة نادرة للتعامل مع احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية لمدة 50 عامًا وسيمنع من الافلات من العقاب. وأنه سيقيد من سياسات الاحتلال الاسرائيلي الحالية بالاستيطان وضم الأراضي. علماً أن الاتحاد الأوربي قد أدان استمرار بناء المستوطنات، وعُنف المستوطنين ضد المجتمعات الفلسطينية، وجرائم الحرب الإسرائيلية المزعومة في قطاع غزة، وكذلك الهجمات العشوائية التي يشنها النشطاء الفلسطينيون على المدنيين الإسرائيليين، إلا أنه -أي الاتحاد الأوروبي- لم يتحرك مطلقًا لتحميل مرتكبي هذه الجرائم المسؤولية.
وأكد على ضرورة تفعيل مبدأ التفرقة الإقليمية بين إسرائيل والمستوطنات، على النحو المنصوص عليه في قرار الأمم المتحدة 2334. وأن غياب ذلك قد يؤدى إلى وضعٍ يمكن فيه لإسرائيل أن تطمئن إلى أن انتهاكات القانون الدولي لن تقوض بشكل كبير علاقتها القوية مع الاتحاد الأوروبي.
ويوصي الكاتب في ختام مقالته بأنه من الحري على ألمانيا لمواجهة تهديد الضم الإسرائيلي دعم تحقيق المحكمة الجنائية الدولية المرتقب، وأنه يقع على عاتقها فتح نقاش داخل الاتحاد الأوروبي حول ما إذا كان يجب الرد على هذا الضم عن طريق الاعتراف بفلسطين كدولة. محذراً في الوقت ذاته من أن الضم سيقوم بتفكيك المؤسسات الفلسطينية، وسيعزز من واقع الدولة الواحدة على الأرض، وذلك بدون تدخل دولي وإنشاء آليات مساءلة فعالة، الأمر الذي سيرتب عواقب وخيمة على المدنيين الفلسطينيين والإسرائيليين على حد سواء.
ومن الجدير ذكره أن المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بن سودا أصدرت قراراً في الأول من مايو رفضت فيه الحجج التي قدمتها كل من ألمانيا وشركاؤها في الطلب (استراليا والبرازيل والتشيك والنمسا والمجر وأوغندا). وأكدت المدعية العامة للمحكمة مجددا أن للمحكمة صلاحية التحقيق في جرائم الحرب في فلسطين. جاء ذلك في وثيقة من 60 صفحة أوضحت فيها بنسودا نظر الادعاء بعناية في الملاحظات المقدمة بذلك الخصوص، وأنها ما زالت ترى أن للمحكمة اختصاصاً على الأرض الفلسطينية المحتلة.
* المصدر الأصلي للمقالة بالإنجليزية: المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية. رابط هنا