نعم، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تنظر في مسألة حق الفلسطينيين بالعودة
اللغة الأصلية للنص: الإنجليزية
عنوان المقال بالإنجليزية: The Palestinian Right of Return Could Go to the ICC
رابط المقال الأصلي ومصدره بالإنجليزية: هنا
تاريخ نشر المقال الأصلي: 17 مايو/أيار 2021
الكاتب: جون غويجلي، أستاذ القانون بكلية موريتز للحقوق بجامعة ولاية أوهايو
ترجمه إلى العربية: إسراء إبراهيم
في هذا المقال، يرى أستاذ القانون الدولي المعروف، جون غويغلي، أن أحداث العنف في فلسطين وإسرائيل تلقي الضوء على ضرورة حلّ القضايا الأساسية التي لطالما تسببت باضطراب على مدار قرابة القرن. وتترأس قضية العرب المهجّرين عام 1948 قائمة هذا النوع من القضايا. وقد تم توضيح ضرورة حلّ هذه القضية في الوقت المناسب من قبل صحيفة نيويورك تايمز. حيث جاء على لسان بيتر بينارت، أنّ اللاجئين الفلسطينيين يستحقون العودة إلى وطنهم. وينبغي على اليهود استيعاب ذلك. (نيويورك تايمز 12 مايو 2021).
كما احتلت هذه القضية الأولوية في جدول أعمال منظمة هيومن رايتس وواتش المتعلقة بفلسطين واسرائيل. فقد جاء في التقرير الذي صدر في أبريل 2021، أنّ منظمة هيومن رايتس وواتش تصف رفض إسرائيل عودة العرب المهجّرين في عام 1948 كجريمة ضد الإنسانية في إطاري الاضطهاد والفصل العنصري، تحت البند السابع من نظام روما الأساسي. وقد دعت هيومن رايتس وواتش المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في الواقعة على أنّها جريمة ضد الإنسانية. تقرير هيوومن رايتس وواتش، تجاوزوا الحدود: السلطات الإسرائيلية وجرائم الاضطهاد والفصل العنصري (إبريل 2021)، في الصفحات 204، 207.
إنّ إجبار مجموعة من الأشخاص على ترك موطنهم بالكامل، سيشكل فصلاً عنصرياً مضاعفاً.
وفي الواقع، يضيف غويغلي، أن فعل إجبار عرق معين أو جماعة عرقية على الإقامة في مناطق معزولة داخل دولة، يُصَنَّف بأنّه فصل عنصري. ووفقاً للمعاهدة الدولية الخاصة بقمع ومعاقبة جريمة الفصل العنصري، يعد اتخاذ التدابير “التي تم تصميمها لتقسيم السكان لطوائف عرقية من خلال إنشاء أماكن معزولة ومعسكرات لأعضاء تلك الجماعة العرقية” على أنّه من الأفعال التي تشكل فصلاً عنصرياً. وبالتالي، إذا ما كان إجبار مجموعة من الأشخاص للانتقال إلى منطقة معزولة في الدولة يشكل جريمة فصل عنصري، فإنّ إجبار مجموعة من الأشخاص على ترك موطنهم بالكامل، سيشكل فصلاً عنصرياً مضاعفاً.
لم يوضح تقرير هيوومن رايتس وواتش الأسس القانونية لولاية المحكمة الجنائية الدولية بصورة كاملة. ومع ذلك، فإنّ مبادئ نظام روما الأساسي، كما تم توضيحها في الفقه القانوني الأخير للمحكمة الجنائية الدولية تشير إلى أنّ الاختصاص القضائي موجود بالفعل. حيث تتوافر مقومات كل من الولاية القضائية الموضوعية، والولاية القضائية الزمانية، والولاية القضائية الإقليمية.
تتوافر أسس الولاية القضائية الموضوعية فيما يخص الاضطهاد، الفصل العنصري، والترحيل أو التهجير القسري للسكان بموجب المادة الـ 7 من نظام روما الأساسي. كما جاء في القرار المرتبط بالمادة الـ 15 من نظام روما الأساسي بشأن التفويض الخاص بالتحقيق فيما يتعلق بوضع شعب جمهورية بنغلاديش / جمهورية اتحاد ميانمار. تنظر المحكمة الجنائية الدولية الآن في وضع تهجير سكان الروهينجا في ميانمار – كجريمة ضد الإنسانية.
في هذه الحالة، وجدت الدائرة التمهيدية الثالثة في قرارها الصادر في 14 نوفمبر 2019، بخصوص السماح بالتحقيق، أساسًا للولاية القضائية الموضوعية بموجب المادة 7 من نظام روما الأساسي بخصوص الاضطهاد (الفقرة 100)، والتهجير القسري للسكان أو الترحيل (الفقرة 97). أشارت الدائرة بخصوص جريمة الاضطهاد إلى أركان الجريمة، حيث بينت أنّ الاضطهاد يقع عندما تتعرض مجموعة عرقية للحرمان من حقوقها الأساسية بشكل مفرط، يظهر هذا المنع جلياً، حتى في حالات غياب الطرد المباشر، من خلال عدم السماح للأشخاص الذين تم تهجيرهم بالعودة إلى موطنهم.
وقد كفل نص المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان للأمم المتحدة، والمادة 12 من المعاهدة الدولية للحقوق المدنية والسياسية حق المواطن في العودة إلى وطنه. ورغم أنّ اسرائيل لم تمنح الجنسية للعرب الذين تم تهجيرهم، إلا أنّه لا يمكن نفي حقهم بالعودة وفقًا لهذه المعاهدات.
وفيما يخص مسألة الولاية القضائية الزمانية، يرى غويغلي أنها قد تبدو في الوهلة الأولى عائقاً لا يمكن التغلب عليه، لأنّ التهجير قد وقع منذ سنوات عديدة تسبق ظهور المحكمة الجنائية الدولية. وبالرغم من ذلك، فإنّ ترحيل وطرد السكان يعتبر انتهاكاً ذا طابع مستمر. وبموجب المادة 14 من مسودة مواد لجنة القانون الدولي حول “مسؤولية الدول عن الأفعال الغير مشروعة التي يتم ارتكابها عمداً” فإنّ هذه المسؤولية عن هذه الأفعال تمتد طوال فترة استمرارها، ويعد الترحيل من ضمن هذه الأفعال. وقد جاء ذلك في قرار الدائرة التمهيدية الثالثة بشأن التهجير من ميانمار (الفقرة 132). بحيث أنّ مرور الوقت لا يعد عائقاً أمام تصحيح انتهاكات حقوق الإنسان. وقد وجدت محكمة العدل الدولية في النتائج القانونية لفصل أرخبيل تشاغوس عن موريشيوس في عام 1965 (2019)، أنّ التعويض ما زال مناسبًا لانتهاكات حقوق الإنسان التي تتسم بالاستمرارية، على الرغم من أنّ السلوك الموجب له قد بدأ قبل عقود، وفقاً للفقرتين (177، 183).
يتعلق المقوِّم القضائي النهائي بالإقليم الذي حدث فيه الانتهاك، أو الإقليم المرتبط بجنسية الجاني. يجب أن يتوافر أحدهما إلا إذا تم إحالة القضية إلى المدعي العام من قبل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. بحيث إذا أحال مجلس الأمن القضية، لم يعد هنالك أهمية لجنسية الجاني ولا لمكان وقوع الانتهاك. مع ذلك، يبدو مستبعداً أن يتم إحالة قضية العرب الذين تم تهجيرهم من قبل مجلس الأمن كون الأعضاء الدائمين يتمتعون بحق الفيتو. وقد تبين بموجب تقاليد مجلس الأمن، أنّ حق الفيتو للأعضاء الدائمين ينطبق عادة على هذا النوع من القرارات. وبالتالي فإنّ قرار إحالة هذه القضية، سيتم غالباً نقضه من قبل بعض الأعضاء الدائمين. وإذا تم طرح القضية من قبل المدعي العام بموجب المادة 15 من نظام روما الأساسي، وذلك من تلقاء نفسه بناءً على الأدلة التي تم جمعها، أو إذا تمت إحالتها وفقاً للمادة 14 من نظام روما الأساسي من قبل دولة طرف في المحكمة، فإنّ هذا يتطلب إما أن يكون المتهم من مواطني دولة طرف، أو أنّ الأفعال التي تم ارتكابها قد وقعت في أراضي دولة طرف وفقاً لما نصت عليه المادة 12 من نظام روما الأساسي.
قضت الدائرة التمهيدية الثالثة التي انعقدت جلستها في 14 نوفمبر / تشرين الثاني 2019 أثناء تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بالجرائم في دولة ميانمار، بأنّ الولاية القضائية الإقليمية في حالات تهجير السكان تتوافر في كل من الدولة التي حدثت فيها أعمال التهجير ودولة اللجوء. دولة ميانمار، وهي الدولة التي حدثت فيها أعمال التهجير، ليست طرفًا في نظام روما الأساسي، لكنّ بنغلاديش، دولة اللجوء، طرف.
قامت الدائرة التمهيدية الثالثة بتعريف مصطلح “السلوك/ الفعل” في نص المادة 12 من نظام روما الأساسي ليشمل مجمل السلوك الذي يشكل الجريمة. أشار “المدعي العام” إلى أنّ الدائرة تعارض اكتمال جريمة الترحيل أو التهجير بمجرد مغادرة الضحايا المنطقة التي كانوا متواجدين فيها بشكل قانوني وذهابهم إلى بنغلاديش نتيجة أفعال وبيئة قسرية. وتبعاً لذلك، يمكن الاستنتاج أنّ جزءًا من الفعل الإجباري لجريمة التهجير قد وقع في أراضي بنغلاديش” ووفقاً لما جاء في (الفقرة 53) فإنّ الدائرة اعتمدت في تحليلها على أنّ الترحيل الذي يبدأ في الدولة التي يوجد فيها الفاعل، لا يكتمل إلا عندما يعبر الضحايا إلى دولة اللجوء.
وقد استنتجت الدائرة إلى أنّ مفهوم “السلوك” موجود في القانون الدولي العرفي، نظراً لشيوعه في قوانين العقوبات المحلية. حيث راجعت الدائرة القوانين المحلية لكثير من الدول ووجدت أنّها تدعم هذا التعريف والتوجه بخصوص مصطلح “السلوك”، وفقاً لما جاء في الفقرة 56.
بالنسبة لتهجير السكان الفلسطينيين العرب عام 1948، فإنّ هناك عدداً من الدول التي يمكن أن تصنف على أنها دول لجوء. وفي حين أنّ دولتين من الدول التي استقبلت أعدادًا كبيرة من الفلسطينيين الذين تم تهجيرهم – لبنان وسوريا – ليستا طرفاً في نظام روما الأساسي، إلا أنّ هناك دولتان أخريان تعدان كذلك. إحداهما دولة الأردن. والأخرى هي فلسطين، حيث كانت بمثابة ملجأ للعرب في قطاع غزة والضفة الغربية لنهر الأردن، وجزء من مدينة القدس التي كان تحت سيطرة الأردن في عام 1948. وقد أتيحت للمحكمة الجنائية الدولية بالفعل فرصة للحكم على وضع هذه المناطق الثلاث. فقد وجدت الدائرة التمهيدية الأولى في القرار المتعلق بـ “طلب الادعاء وفقاً للمادة الـ 19 الفقرة الـ 3 للحكم بشأن الولاية القضائية الإقليمية للمحكمة في فلسطين” (2021)، أنّ الولاية القضائية الإقليمية في فلسطين “تمتد إلى الأراضي التي احتلتها إسرائيل منذ 1967، وتحديداً غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية”. (وفقاً للفقرة رقم 118).
تمتلك المحكمة الجنائية الدولية اختصاصاً إقليمياً على أراضي دولتي الأردن وفلسطين وفقاً للمادة 12 من نظام روما الأساسي وذلك استنادًا إلى وضعهما كأطراف في النظام. وقد تم تأكيد هذا الاستنتاج في القرار المتعلق بالمادة رقم 15 من نظام روما الأساسي بشأن الإذن الخاص بالتحقيق في الوضع بجمهورية أفغانستان الإسلامية عام (2019) ، حيث وجدت الدائرة التمهيدية الثانية أنّ الولاية القضائية الإقليمية للسلوك متوافرة في الدول التي تم نقل المحتجزين إليها لغايات الاستجواب، حيث كانت تلك الدول أعضاءً في نظام روما الأساسي. وقد صرحت الدائرة أنّ الاختصاص القضائي ينطبق على السلوك، “إذا بدأ السلوك في أراضي دولة طرف ثم استمر في أراضي دولة غير طرف أو العكس“. [التأكيد مضاف.] (الفقرة رقم 50)
أما بالنسبة للدول التي تملك حق إحالة هذه المسألة إلى المدعي العام، فإنّ للأردن وفلسطين المصلحة الكبرى والمباشرة، كدولتي لجوء، ولكن يحق لأي دولة طرف في نظام روما الأساسي أن تقوم بالإحالة، وذلك بموجب المادة 14 من نظام روما الأساسي.
المحكمة الجنائية الدولية تملك اختصاصاً موضوعياً، وولاية قضائية زمنية، وإقليمية للتحقيق في التهجير القسري من فلسطين عام 1948 ورفض العودة إليها فيما بعد
في المجمل، تشير الأحكام الأخيرة للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الأوضاع في ميانمار وفلسطين وأفغانستان، جنبًا إلى جنب مع رأي محكمة العدل الدولية بشأن أرخبيل شاغوس، أنّ المحكمة الجنائية الدولية تملك اختصاصاً موضوعياً، وولاية قضائية زمنية، وإقليمية للتحقيق في التهجير القسري من فلسطين عام 1948 ورفض العودة إليها فيما بعد. كما يمكن تقديم الحقائق لإثبات تهمة الترحيل أو التهجير القسري، حيث أنّ سجلات الأمم المتحدة متاحة، نظراً لتدخلها في الوضع في إسرائيل/ فلسطين في عام 1948.
وبغض النظر عن ظروف التهجير، فإنّ رفض السماح بالعودة يكفي لاعتباره جريمة ضد الإنسانية، حتى في غياب الترحيل أو الطرد. كما أنّ رفض السماح لجماعة عرقية بالعودة إلى أراضيها، إلى جانب عدم الاعتراف بالجنسية لأفرادها، يمكن نظره كجريمة اضطهاد أو جريمة فصل عنصري.
ورغم أنّ المحاكمة الجنائية ليست الطريقة المثالية لحل قضية مثل عودة عدد كبير من اللاجئين. إلا أنّ الجهود المبذولة للتعامل مع القضية قد باءت بالفشل. فقد حاولت الأمم المتحدة منذ عام 1948 إقناع إسرائيل بإعادة النازحين العرب إلى وطنهم، بدءًا من قرار 194 (III)بتاريخ 11 ديسمبر 1948.
كان من المفترض أن يؤدي إعلان مبادئ الحكم الذاتي المؤقت (اتفاقات أوسلو) (1993) إلى حل تفاوضي بشأن العودة إلى الوطن، ولكن مرة أخرى دون جدوى. كما لن تؤدي الإجراءات التي تتخذها المحكمة الجنائية الدولية إلى حل كلي. حيث لا يمكن للمحكمة الجنائية الدولية أن تفرض التزامات بالتعويض على الدول. وبالرغم من ذلك، فإنّ التهم الجنائية التي توجهها المحكمة وتكييف التهجير ورفض العودة إلى الوطن على أنها أفعال غير قانونية، قد تفتح الباب لحل تفاوضي ثنائي، أو لحل يتم تسهيله من خلال عملية متعددة الأطراف.