اللغة الأصلية للنص: الإنجليزية
عنوان المقال بالإنجليزية:
ICC and Palestine Symposium: Mind the Gap– The ‘Palestine Situation’ before the ICC
رابط المقال الأصلي ومصدره بالإنجليزية: هنا
تاريخ نشر المقال الأصلي: 4 فبراير/شباط 2020
الكاتب: أليس بانيبينتو Alice Panepinto، أستاذة القانون بجامعة كوينز في بلفاست، وعضو مجلس أمناء منظمة “القانون من أجل فلسطين”
ترجمه إلى العربية: نسرين الحلو
ل: القانون من أجل فلسطين ©
نشر موقع Opinio Juris محاضرة ألقتها الدكتورة “أليس بانيبينتو”، حيث اعتبرت “أليس” تحديد الاختصاص الإقليمي في فلسطين فرصة ذهبية لإحياء المدى العالمي للعدالة الجنائية الدولية.
ورأت أليس أنه عندما تقرر الدائرة التمهيدية للمحكمة في مسألة ما إذا كانت “الأرض” التي يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها عليها تشمل الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة، فإنها ستفعل أكثر بكثير من تحديد ما إذا كانت المحكمة الجنائية الدولية لديها الاختصاص الإقليمي في فلسطين. حيث يتوجب على المحكمة أن تصدر قرارًا حاسمًا: إما أنها تعترف بأن للمحكمة الجنائية الدولية إشراف قضائي على الجرائم الدولية في فلسطين، أو تقرر أن تظل العدالة الدولية عمياء عما يحدث في فلسطين.
وفي كلتا الحالتين، على المحكمة أن توضح موقفها ضمن القانون الدولي، ليس فقط حول قدرتها على المساءلة عن الجرائم المعتقد بارتكابها في فلسطين، ولكن بشكل أعم استعدادها لدعم ولايتها باعتبارها “هيئة دائمة لها السلطة لممارسة اختصاصها على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي” بحسب ما تنص المادة الأولى من نظام روما المنشئ للمحكمة.
وتقوم أليس، بالاعتماد على مبدأين أساسيين من مبادىء القانون الدولي، بتوضيح كيف أن الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة تخضع بوضوح للسيادة الفلسطينية، بالرغم من القيود المفروضة على هذه السيادة من قبل دولة الاحتلال الإسرائيلي، وبغض النظر عما يطلق على ذلك من مسميات سواء بالدولة الفلسطينية، أو الأراضي الفلسطينية المحتلة ، أو فلسطين المحتلة، حيث أن استنتاج خلاف ذلك، سوف يخلق فجوة لا يمكن لمحكمة أخرى أن تسدها.
المبدأ الأول: حظر القانون الدولي الضم بالقوة:
شملت الأراضي المشار إليها في طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية إلى الدائرة التمهيدية الأولى (الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وقطاع غزة). ومن الشائع الإشارة لهذه المناطق في جميع وثائق الأمم المتحدة، وبصفة عامة بجميع أنحاء المجتمع الدولي، باعتبارها تشكل فلسطين اليوم.
كما أن أحداث عام 1967، التي أسفرت عن احتلال القوات الإسرائيلية لهذه الأجزاء، لم تعدل من تسمية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي لهذه الأراضي، التي لا تزال فلسطينية ولن تصبح إسرائيلية أبداً. وتشير الباحثة إلى أنه وعلى الرغم من إعلان إسرائيل ضمها القدس الشرقية من جانب واحد، إلا أن الأمم المتحدة والغالبية العظمى من الدول لم تعترف بذلك، لأن القانون الدولي يحظر التهديد باستخدام القوة أو استخدامها ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة، أو بأي طريقة أخرى تتعارض مع أغراض الأمم المتحدة (المادة 2/4 من ميثاق الأمم المتحدة).
ويتجلى هذا المبدأ في إعلان مبادئ القانون الدولي المتعلقة بالعلاقات الودية والتعاون بين الدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة الذي اعتمدته الجمعية العامة في (24 اكتوبر 1970م) بموجب القرار 25/26، حيث لا اعتبار قانوني بأي تمدد أو ضم إقليمي ناجم عن التهديد بالقوة أو استخدامها.
وتتطرق الباحثة لحالة التشكيك بالوضع القانوني لفلسطين ضمن حدود عام (1967) بادعاء أنها لا تتسق ومعايير إقامة الدولة ولم تصل بعد لمرحلة الدولة، وبالتالي لا يمكن تطبيق قاعدة أن القانون الدولي يحظر الضم بالقوة. وترد على ذلك بالقول إنه وبغض النظر عن الدلالات غير الاعتيادية لدولة فلسطين الرسمية في ذلك الوقت، إلا أنه لا يمكن إنكار أن الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية وقطاع غزة لم تكن في العام 1967 إسرائيلية، ولا أرضا خالية، حيث كانت مأهولة بالفلسطينيين، وكانت الضفة تحت السيطرة الأردنية، بينما خضعت غزة للسيطرة المصرية، اعترافًا ودعمًا للمشروع الوطني الفلسطيني والاستقلال السياسي. وهكذا، شكلت الأراضي الفلسطينية كيانًا سياسيًا متميزًا بشكل كافٍ وواضح في عام 1967، كما لم تعلن إسرائيل ضم تلك المناطق علانية. لكل ماسبق، سيكون من المستهجن والغريب وخلافاً للقانون، إذا قامت الدائرة التمهيدية برفض الولاية الإقليمية على هذه الأجزاء بناءً على الحجة القائلة بأنه تم ضمها إلى إسرائيل في عام 1967، أو أنها أرض متنازع عليها بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وذلك بسبب الحظر الوارد بالمادة 2/4.
المبدأ الثاني: الاحتلال لا ينقل السيادة بموجب القانون الدولي:
ثم تناولت الباحثة مسألة ما إذا كان الاحتلال الإسرائيلي لتلك الأراضي، والذي نشأ منذ العام 1967، يمكن أن يؤيد مطالب إسرائيل على تلك الأراضي. حيث يمكن الرد على ذلك بشكل قاطع من خلال القانون الدولي الإنسان كما جسدته مقولة أستاذ القانون الدولي “لاسا أوبنهايم Lassa Oppenheim“: “لا توجد ذرة سيادة في سلطة القوة المحتلة”، وبناءً على هذا التقييم، حتى الاحتلال التحويلي الذي يخفي نية الاستيلاء على الأراضي أو إقامة نظام فصل عنصري، لايمكن بموجب القانون الدولي أن يكون قادرا على نقل السيادة.
كما أنه رغم تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق (أ) تحت الإدارة الفلسطينية، و (ب) تحت السيطرة الإدارية الفلسطينية والسيطرة الأمنية الإسرائيلية، ومناطق (ج) تحت السيطرة الأمنية والإدارية الإسرائيلية، لكن اتفاقية أوسلو 2 لم تجرد السيادة الفلسطينية من المنطقة (ج) وإلى حد ما المنطقة (ب)، ولم تستبدل بالسيادة الإسرائيلية، حيث أن هذه الإجراءات تم وضعها بشكل مؤقت لإدارة الضفة الغربية، وبالتأكيد لا تنزع السيادة الفلسطينية عليها (على الرغم من الممارسات المحدودة للسيادة الفلسطينية في تلك الأجزاء بسبب الاحتلال).
أما من الناحية العملية والميدانية، وبينما تشهد الولاية القضائية الفلسطينية تآكلاً واضحاً، ولا سيما في الضفة الغربية والقدس الشرقية، غير أن ذلك لا ينفي حق الفلسطينيين في تلك المناطق، وعلى المجتمع الدولي، بما في ذلك المحكمة الجنائية الدولية، عدم لإذعان بسهولة للولاية القضائية خارج الحدود الإقليمية للمحاكم العسكرية والمدنية الإسرائيلية في الضفة الغربية. وحيث أن إسرائيل تقوم بعمليات ضم لمساحات شاسعة من الضفة الغربية بهدف ضمها لإسرائيل، وإذا ظل هذا دون اعتراض، فإن عملية الاستيلاء من خلال توسيع الولاية القضائية يمكن أن تصبح لا رجعة فيها، مما يتعارض بشكل واضح مع القانون الدولي.
وإذا أخذنا المستوطنات الإسرائيلية كمثالٍ، تقول الكاتبة، والتي تعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والذي تمثل في قرار مجلس الأمن (2334) لعام (2016)، فإن حقيقة أنها تقع في المناطق (ج) جعل البعض يجادل بأن فلسطين بالتالي لا تستيطع تفويض الاختصاص للمحكمة الجنائية الدولية على تلك المستوطنات، لأنها بموجب أوسلو لا تملك ولاية قضائية عليها.
وترد الكاتبة: هذا الموقف غافل عن سياق الاحتلال وديناميكيات القوة بين إسرائيل وفلسطين. ففي الواقع، عدم ممارسة السلطة للولاية القضائية على تلك المناطق بموجب أوسلو لا يستند إلى إرادة متعمدة للتخلص منها لصالح إسرائيل، وإنما تعزى إلى الصعوبات في ممارسة السيادة والولاية الفلسطينية بالكامل على الضفة الغربية بسبب الاحتلال المستمر، والإفراط في ترسيخ أوسلو التي تجاوزت الأهداف الأصلية والإطار الزمني الذي وُضع لها.
وقد حذرت الباحثة من تقاعس المحكمة الجنائية الدولية، والذي سيسمح بمزيدٍ من انتهاكات القانون الدولي في فلسطين. وأضافت: لم يتم ضم الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية وغزة الى إسرائيل في عام (1967)، ولم يتم إدراجها ضمن السيادة الاسرائيلية طوال فترة الاحتلال، ولا نتاجاً لآثار اتفاقية أوسلو، وبالتالي لا يوجد أساس قانوني للدائرة التمهيدية الأولى للاعتراف بتلك الأجزاء على أنها تقع خارج فلسطين وداخل اسرائيل.
وأوضحت الباحثة أن المحكمة تواجه الآن فرصة فريدة لتوضيح التزامها بالقانون الدولي في فلسطين، لتقر بشكلٍ نهائي بأنها ليست أرضاً إسرائيلية ولا متنازع عليها. وأكدت أن المحكمة الدولية أمام تحدٍ ملموس حول تطبيق القانون الدولي في أوضاع الدول غيرالاعتيادية، وفي كل الأحوال، فإن النظام لا يسمح بانتهاكات القانون الدولي، بما في ذلك الضرر الواسع النطاق الذي يعاني منه سكان الكيانات التي تقترب من إقامة الدولة، ولأن القواعد الإجرائية تمنع المحاكم من ممارسة الولاية القضائية في بعض الأنماط، يصبح بالتالي إنكار أو رفض الاعتراف بالدولة ذريعةً للتهرب تحت ذرائع سياسية، وبمثابة درع لمنتهكي حقوق الانسان والقانون الدولي والعدالة الجنائية.
وفي هذا الصدد، يجب اعتبار الطبيعة الاستثنائية لولاية المحكمة باعتبارها “هيئة دائمة لها السلطة لممارسة اختصاصها على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة موضع الاهتمام الدولي” (المادة 1 من نظام روما الأساسي). وعند النظر في الأسس العالمية القائمة على نصوص الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية، فإن النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية يعتبر نوعاً خاصاً من المعاهدات المتعددة الأطراف. لأنه كما أوضح “ستان Stahn” أن الغاية الأساسية للنظام الاساسي تتجاوز حماية السيادة ومصالح الدولة، وإنما هي موجهة في الأصل لحماية الافراد واقامة نظام العدالة. وبالتالي ، فإن “تبريرها المعياري” تدعمه “حقيقة أن الأفراد يواجهون مسؤولية جنائية فردية مباشرة بموجب القانون الدولي عن الجرائم الدولية”. وهكذا، بحسب ستان، فإن “الانضمام إلى النظام الأساسي لا يؤدي إلا إلى تنشيط سلطة المحكمة الجنائية الدولية لممارسة ولاية قضائية تستند إلى القانون الدولي”. بالإضافة إلى أن القيود القضائية التي تواجهها الدولة المنضمة ليس بالضرورة أن تؤثر على السلطة القضائية للمحكمة الجنائية الدولية. لذا، ونظرًا للغرض الخاص للمحكمة، سيكون من التناقض أن لا تعترف الدائرة التمهيدية بالولاية القضائية الاقليمية في الضفة بما فيها القدس الشرقية وغزة، لأن ذلك سيتجاوز التفويض الأساسي للمحكمة القاضي بمحاكمة الأفراد على الجرائم الدولية.
وختمت الكاتبة محاضرتها بالقول: إذا كانت الجنائية الدولية -من خلال تجنب الاعتراف بولايتها القضائية الإقليمية- غير قادرة أو غير راغبة في متابعة المساءلة عن انتهاكات القانون الجنائي الدولي في فلسطين، فإن احتمالات التوصل إلى حل عادل للفلسطينيين والإسرائيليين ضئيلة. وبالنسبة لهيئة تكافح بالفعل بخصوص صورتها وسمعتها، فإن تدخل المحكمة الجنائية الدولية الأكثر حسماً في الجرائم المزعومة المرتكبة على الأراضي الفلسطينية يوفر فرصة مثالية لإثبات خطأ النقّاد.