مبدأ العملة الذهبية والمحكمة الجنائية الدولية: هل يمكن للمحكمة الجنائية الدولية تحديد الحدود الإقليمية لإسرائيل وفلسطين؟
اللغة الأصلية : الإنجليزية
عنوان المقال بالانجليزية:
The Monetary Gold Doctrine and the ICC: Can the ICC determine the Territorial Boundaries of Israel and Palestine? I
رابط المقال الأصلي ومصدره بالانجليزية : هنا
تاريخ نشر المقال الأصلي : 16 يونيو/ جمادي الثاني 2020
الكاتب : دابو أكاندي ، هو أحد محرري مدونة المجلة الأوروبية توك EJIL:Talk. وهو أستاذ القانون الدولي العام بجامعة أكسفورد وزميل كلية إكستر بأكسفورد.
ترجمة إلى العربية: نسرين الحلو
ل : القانون من أجل فلسطين
نشر موقع EJIL:talk مقالا للكاتب دابو اكاندي ، يناقش فيه مدى قدرة المحكمة الجنائية الدولية حل نزاع إقليمي بين الدول ؟ على الرغم أن مهمتها تحديد المسؤولية الجنائية الفردية وليس النزاعات بين الدول ؟ خصوصاً في ظل كون احد طرفي النزاع ( اسرائيل ) لا تقبل اختصاص المحكمة.
أشار الكاتب إلى أن انخرط المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية في دراسة أولية للوضع في فلسطين منذ (يناير) 2015، وبحلول (ديسمبر) 2019، أوصلها إلى نتيجة مفادها أن هناك أساسًا معقولاً للاعتقاد بأن جرائم حرب ارتكبت، أو يجري ارتكابها على أراضي فلسطين، وأن الشروط الأخرى التي يقتضيها القانون لفتح تحقيق في الوضع هناك متوفرة.
في ذلك الوقت، التمست المدعية العامة حكمًا من الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية يقضي بأن “الإقليم” الذي يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها عليه بموجب المادة 12 (2) (أ) [من النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية] يشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة ، أي الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، وغزة “(الفقرة 5 طلب المدعي العام للبت في اختصاص المحكمة الإقليمي في فلسطين 22 يناير 2020).
كما أشار مالكولم شو، في منشوراته الأخيرة على هذه المدونة (هنا وهنا)، أن هذا الطلب أدى إلى التركيز مجددًا على النقاش حول ما إذا كانت فلسطين دولة؟ وما إذا كانت قادرة على منح الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية؟
حيث قدم العديد من أصدقاء المحكمة، بما في ذلك سبع دول، مذكرات استجابة لطلب المدعي العام.
أشار الكاتب في مقال سابق عن طبيعة الدولة الفلسطينية (انظر هنا)، موضحاً أن الاعتراف الجماعي يمكن أن يكون له أثر تأسيسي في إقامة دولة بموجب القانون الدولي، حتى لو كان الكيان لا يفي بطريقة أخرى بالمعايير المطلوبة بموجب اتفاقية مونتيفيديو (وهنا أيضا).
مضيفاً أن “الأهمية القصوى المنسوبة إلى حق تقرير المصير تعتبر بمثابة تعويض إلى حد ما عن الخلل الناجم عن عدم وجود حكومة تسيطر فعليًا على الإقليم”. كما أشار إلى أنه تم اعتبار الحق في تقرير المصير بمثابة تعديل على التفسير التقليدي لمعيار الاستقلال… “(قانون أوبنهايم الدولي: الأمم المتحدة ، 2017 ، الفقرة 18(8)”. مؤكداً أنه، وفقًا لمبدأ الموافقة، الذي ينعكس في عقيدة الذهب النقدي، فإن المحاكم الدولية ليست مختصة بالفصل في النزاعات بين الدول إلا إذا وافقت تلك الدول على ممارسة الولاية القضائية على هذا النزاع من قبل المحكمة.
الأسئلة الأساسية هنا هي ما إذا كان هذا المبدأ (1) ينطبق على المحكمة الجنائية الدولية (2) سيتم انتهاكه إذا ما حكمت المحكمة الجنائية الدولية باختصاصها على امتداد الأراضي الفلسطينية؟
وقد تمت مناقشة هذه الأسئلة في بعض الطلبات المقدمة إلى المحكمة الجنائية الدولية ولا سيما في رد المدعي العام على ملاحظات أصدقاء المحكمة والممثلين القانونيين للضحايا والدول (أبريل 2020). ويسعى الكاتب في هذا المقال إلى إظهار أن مبدأ الموافقة ينطبق بالفعل على المحكمة الجنائية الدولية. ومع ذلك ، فإن تطبيق هذا المبدأ لا يعني بالضرورة أن المحكمة الجنائية الدولية غير قادرة على ممارسة ولايتها القضائية على الوضع في فلسطين.
مبدأ الموافقة / عقيدة العملة الذهبية ( مبدأ الذهب النقدي)
ينطبق مبدأ الموافقة، دون استثناء، على كل محكمة منشأة للتعامل مع النزاعات بين الدول، ويضمن أن الأطراف في القضايا المعروضة على المحاكم الدولية يجب أن تكون قد قبلت اختصاص المحكمة للبت في القضية. ومع ذلك ، فقد تم تطبيق المبدأ على نطاق أوسع؛ حيث قررت محكمة العدل الدولية أنها ممنوعة من ممارسة اختصاصها عندما يتطلب ذلك الفصل في المصالح القانونية لدولة ثالثة ليست طرفًا في القضية ولم توافق على اختصاص المحكمة.
يُعرف هذا المبدأ باسم مبدأ الذهب النقدي، أو العملة الذهبية (انظر قضية الذهب النقدي (إيطاليا ضد فرنسا والمملكة المتحدة والولايات المتحدة) ، (1954) ،الصادر عن محكمة العدل الدولية ؛ تم تطبيقه أيضًا في قضية تيمور الشرقية (البرتغال ضد أستراليا)، (1995) .
وبالتالي، حتى في حالة موافقة أطراف القضية المعروضة على محكمة العدل الدولية على ممارسة الولاية القضائية، فقد اتخذت تلك المحكمة وجهة نظر مفادها أن مبدأ الموافقة يتطلب منها الامتناع عن البت في القضية التي تكون فيها المصالح القانونية لدولة ثالثة غير موافقة تشكل “موضوع القضية”. حيث اعتبرت محكمة العدل الدولية وسلفها، المحكمة الدائمة للعدالة الدولية، مبدأ الموافقة، الذي يُشتق منه مبدأ العملة الذهبية، مبدأ عاماً للقانون الدولي وليس مبدأً ينبع من نظامهما الأساسي فقط.
كما ذكرت محكمة العدل الدولية في فتوى كاريليا الشرقية (رقم 5 ، 1923 ) أنه: “من الثابت في القانون الدولي أنه لا يمكن لأي دول، دون موافقتها، أن تجبر على تقديم نزاعاتها مع الدول الأخرى إلى أي وسيلة تقاضي إما بالوساطة أو التحكيم أو أي نوع آخر من التسوية السلمية”. ثم ربط مبدأ الموافقة بـ “مبدأ أساسي من مبادئ القانون الدولي ، ألا وهو مبدأ استقلال الدول”.
في الواقع ، ذهبت محكمة العدل الدولية إلى أبعد من ذلك وأشارت إلى أن “القاعدة الأساسية، التي أعيد التأكيد عليها مرارًا وتكرارًا في فقه المحكمة، هي أنه لا يمكن لدولة ما أن تُجبر دون موافقتها على إحالة نزاعاتها مع الدول الأخرى إلى حكم المحكمة”. الرأي الاستشاري للصحراء الغربية 1975.
إن الطبيعة الأساسية لقاعدة الموافقة تشير إلى أن الفصل دون الموافقة لا يمكن أن يحدث حتى في الحالات التي لا تكون فيها الدولة التي يتم الفصل في حقوقها أوالتزاماتها طرفًا في القضية. إلا أنه على الرغم من ندرة تطبيق مبدأ الذهب النقدي، فقد تم النظر فيه والموافقة عليه من قبل مجموعة من المحاكم الدولية الأخرى.
فعلى سبيل المثال، في قضية لارسن ضد مملكة هواي (2001) ،والفلبين ضد الصين ( التحكيم في بحر الصين الجنوبي ،الاختصاص والمقبولية ) 2016 ، تمت مناقشة المبدأ من قبل هيئات التحكيم الدولية، وقد طبق المبدأ وتم رفض الحجة القائلة بأن مبدأ الذهب النقدي لا ينطبق إلا على محكمة العدل الدولية. كما تم النظر في هذا المبدأ من قبل لجنة تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية (في تركيا – القيود المفروضة على واردات المنسوجات ومنتجات الملابس ، 31 أيار / مايو 1999 ). وأيضاً في المحكمة الدولية لقانون البحار، في قضية (بنما ضد إيطاليا)، الحكم الأولي، الفقرة 172 ، “تقر بأن فكرة الطرف الذي لا غنى عنه هي قاعدة إجرائية ثابتة في الإجراءات القضائية الدولية …”.
حجج المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية حول مبدأ الذهب النقدي
تجادل المدعية العامة في ردها (الفقرة 32) بأن “العديد من الخصائص المهمة … تجعل هذا المبدأ غير ملائم لنظام روما الأساسي”. وتقترح أن هذا المبدأ لا ينطبق إلا إذا كان يتعين على محكمة العدل الدولية أن تبت على وجه التحديد في المسؤولية الدولية أو شرعية سلوك الدول التي ليست جزءًا من الإجراءات، ولكن هذا ليس هو الحال هنا.
الدافع الأساسي وراء تطبيق هذا المبدأ هو كون المصالح القانونية لدولة ثالثة ستشكل “موضوع النزاع”، الحكم على المسؤولية الدولية للدولة الثالثة هو أحد الأمثلة، وإن كان مثالًا أساسياً، على حالة تشكل فيها المصالح القانونية للدولة موضوع النزاع ذاته. لكنها ليست المثال الوحيد بأي حال من الأحوال (كما أوضحت المحكمة الدولية لقانون البحار في قضية (بنما ضد إيطاليا) حكم الاعتراضات الأولية ، الفقرة 172).
القرارات الأخرى المتعلقة بالحقوق والاستحقاقات القانونية لدولة ثالثة، مثل قضايا السيادة الإقليمية، ستكون أيضًا بمثابة الفصل في مصالحها القانونية التي تؤدي إلى تطبيق مبدأ الذهب النقدي (العملة الذهبية).
من ناحية أخرى، في التحكيم المتعلق ببحر الصين الجنوبي (الفقرة 180) ، أوضحت هيئة التحكيم أن: “تحديد الطبيعة والاستحقاقات الناشئة عن السمات البحرية في بحر الصين الجنوبي لا يتطلب قرارًا بشأن قضايا السيادة الإقليمية. ولذلك ، لا يلزم تحديد الحقوق والالتزامات القانونية لفييتنام كشرط مسبق للبت في الأسس الموضوعية للقضية “، وعلى هذا الأساس رأت أن مبدأ الذهب النقدي لا ينطبق.
كما أشارالمدعي العام أيضًا (الفقرة 37) أنه إذا كان مبدأ الذهب النقدي ينطبق على المحكمة الجنائية الدولية ، فإنه سيمنع اختصاص المحكمة الجنائية الدولية في جميع القضايا التي تنطوي على تصرفات يقوم بها مواطنو الدول غير الأطراف في النظام الأساسي على أراضي الدول الأطراف ، حين يتصرف الشخص فيهم بصفة رسمية. ومع ذلك ، هذا غير صحيح.
وقد ورد في مقال نشره الكاتب في عام 2003 حول “اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على مواطني غير الأطراف” أنه حتى إذا افترض المرء أن مبدأ الذهب النقدي ينطبق على جميع محاكم القانون الدولي، فلن يتم، في معظم الحالات، انتهاكه من خلال ممارسة الاختصاص القضائي من قبل المحكمة الجنائية الدولية على مواطني الدول غير الأطراف فيما يتعلق بالأفعال الرسمية التي تتم وفقًا لسياسة دولهم.
من المهم أن نلاحظ أن مبدأ الذهب النقدي لا تمنع الفصل في قضية لمجرد أن هذه القضية تنطوي على مصالح طرف ثالث غير موافق عليها. علاوة على ذلك، لا يوجد في المبدأ ما يقتضي الامتناع عن التصويت في أي حالة يمكن أن تلقي بظلال من الشك على شرعية أفعال الدولة الثالثة أو تنطوي على المسؤولية القانونية لتلك الدولة.
كما لاحظت محكمة العدل الدولية في قضية الذهب النقدي ، فإن المبدأ ينطبق فقط لا في الحالات التي تتأثر فيها المصالح القانونية [لدولة ثالثة غير موافقة] بالقرار، بل تشكل موضوع القرار ذاته.
“وهكذا ، فإن المبدأ يتطلب الامتناع عن التصويت فقط في الحالات التي يكون فيها من المطلوب من المحكمة أن تفصل في حقوق ومسؤوليات الدولة الثالثة من أجل الفصل في القضية المعروضة عليها”.
وقد تم التوصل إلى الاستنتاج [بشأن اختلاف الحالة أمام الجنائية الدولية] لأنه في القضايا المتعلقة بأفعال المواطنين من غير الدول الأطراف ، لن تشارك المحكمة الجنائية الدولية في اتخاذ قرارات بشأن المسؤولية القانونية للدولة، ولن تحتاج إلى القيام بذلك ، من أجل إدانة فرد بارتكاب جرائم حرب أوجرائم ضد الإنسانية أو جريمة الإبادة الجماعية.
على الرغم من أن قرار المحكمة في مثل هذه الحالات قد يشير ضمنًا إلى أن الدولة غير الطرف قد تصرفت بشكل مخالف للقانون الدولي، إلا أن المحكمة لا تحتاج إلى البت في هذا الأمر.
يختلف الوضع في الحالة التي يتوجب فيها على المحكمة الفصل في قضايا السيادة الإقليمية وما يترتب عليها من إصدار قرارات بشأن الأراضي المتنازع عليها ، والتي تطالب بها دولة غير طرف.
وقد نشر الكاتب عام 2010 ورقة حول جريمة العدوان، بين فيها أن مبدأ الموافقة ينطبق على المحكمة الجنائية الدولية، كما هو الحال بالنسبة للمحاكم الدولية الأخرى، ووضح الظروف المحددة التي يتوجب على المحكمة فيها الامتناع عن الحكم بسبب هذا المبدأ.
الذهب النقدي والإجراءات الجنائية
يقترح المدعي العام علاوة على ما سبق أن مبدأ الذهب النقدي لا ينطبق لأن موضوع إجراءات المحكمة الجنائية الدولية هو تحديد المسؤولية الجنائية الفردية للأفراد ولأن تحديد نطاق الاختصاص الإقليمي للمحكمة لا يستلزم حل النزاعات الإقليمية بين إسرائيل وفلسطين. ومع ذلك ، فإن نقطة النزاع الإقليمي تعني أن هناك جدلًا حول الكيان الذي يحق له ممارسة الحقوق السيادية فيه.
كما ذكر المحكم ماكس هوبر فيما يتعلق بالسيادة الإقليمية في التحكيم في جزيرة بالماس (1928) ، “السيادة في العلاقات بين الدول تعني الاستقلال. الاستقلال فيما يتعلق بجزء من العالم هو الحق في ممارسة وظائف الدولة فيه، مع استبعاد أي دولة أخرى. ” أحد هذه الحقوق هو ممارسة الولاية القضائية ، بما في ذلك الولاية القضائية الجنائية.
سيكون للمحكمة الجنائية الدولية الاختصاص القضائي في القضايا الناشئة عن الوضع في فلسطين فقط إذا كانت تلك القضايا تتعلق بأفعال تحدث داخل أراضي فلسطين ، وهي الأراضي التي يكون لفلسطين (بافتراض أنها دولة) ولاية قضائية جنائية عليها والتي فوضتها بعد ذلك إلى المحكمة الجنائية الدولية.
على النقيض من ذلك، إذا كانت الأرض تحت السيادة الإسرائيلية ، فلا يحق لفلسطين ممارسة الولاية القضائية ولا يمكن تفويضها للمحكمة الجنائية الدولية. وبالتالي ، فإن حل المحكمة الجنائية الدولية للمسألة الإقليمية لأغراضها يعني أيضًا اتخاذ قرارات ملموسة حول نفس القضايا التي هي على المحك في النزاع الإقليمي.
وبشكل أكثر عمومية، فإن الاقتراح القائل بأن مبدأ الذهب النقدي لا ينطبق على المحكمة الجنائية الدولية لأنها محكمة جنائية أو لأنه سبق أن طبقتها المحاكم التي تتعامل بشكل عام مع النزاعات بين الدول غير صحيح.
بداية، يجب أن نتذكر أن المحكمة الجنائية الدولية تم إنشاؤها من قبل الدول وأن صلاحياتها مستمدة من الصلاحيات التي يمكن لتلك الدول أن تمنحها لها.
لذا، فإن السؤال النهائي هو ما إذا كانت الدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية قادرة على إنشاء محكمة يمكنها بعد ذلك النطق بنتائج عملية مهمة على الحقوق القانونية للدول التي لا توافق؟
ينطبق الحظر المفروض على الفصل القضائي من قبل المحاكم الدولية في حقوق الدول غير الموافقة على جميع المحاكم الدولية، أي تلك التي تعمل بموجب القانون الدولي العام، وينطبق حتى في الحالات التي يكون فيها تحديد حقوق أو مسؤوليات الدولة غير الموافقة خارج سياق قضية خلافية بين دول أخرى.
على سبيل المثال، محكمة العدل الدولية واضحة تمامًا في كون مبدأ الموافقة ينطبق حتى في الفتاوى ، كما ذكرت تلك المحكمة في الرأي الاستشاري الخاص بالصحراء الغربية ، 1975 ، الفقرة. 33 وتم التأكيد عليه العام الماضي في فتوى شاغوس، 2019 ، الفقرة 85. وبالتالي، لا يكاد يكون من المهم الشكل الذي تتخذه الإجراءات القضائية لتطبيق مبدأ الذهب النقدي أو مبدأ الموافقة.
بحكم التعريف ، تنطبق القاعدة على الحالات التي لا تكون فيها الدولة غير الموافقة طرفًا. الطريقة التي نظمت بها أطراف القضية أو الدول التي أنشأت المحكمة، الإجراءات المتعلقة بعملها، لا يمكن ولا ينبغي أن تؤثر على حقوق الطرف الذي لم يوافق. لكن النقطة هنا ليست ما إذا كانت الدولة غير الموافقة ستكون ملزمة رسمياً بالقرار في القضية. وفي جميع الأحوال ، لا تكون الدولة غير الموافقة ملزمة لأنها ليست طرفًا في الإجراءات. توضح المادة (59) من النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية هذا الأمر فيما يتعلق بعملها. ومع ذلك ، على الرغم من حقيقة أن القرار ليس ملزمًا للدولة التي لم توافق على الإجراءات ، فإن السبب الذي يجعل المحكمة تتقيد بمبدأ الموافقة هو أنها تبت في قضية يتطلب موضوعها تحديد المصالح القانونية للدولة غير الموافقة.
علاوة على ذلك ، قد يكون لقرار المحكمة آثار عملية على الدولة المعنية لأن القرار سيُنظر إليه على أنه بيان صادر عن صانع قرار ذي حجية بشأن حقوق أو مسؤوليات الدولة غير الموافقة. وبالتالي ، من حيث المبدأ، ينطبق مبدأ الموافقة على المحكمة الجنائية الدولية كما ينطبق على المحاكم الدولية الأخرى. إن أي قرار قضائي من قبل المحكمة الجنائية الدولية بشأن ما إذا كانت منطقة معينة متنازع عليها تقع تحت سيادة دولة أو أخرى سوف ينطوي على مبدأ الذهب النقدي، هذا المبدأ مهم لأنه يعمل على الحيلولة دون فرض التزامات على الدول من قبل دول أخرى أو من قبل هيئات أخرى.
استثناءات من تطبيق مبدأ الذهب النقدي
من المهم ملاحظة أن الحجة القائلة بأن مبدأ الذهب النقدي ينطبق على المحكمة الجنائية الدولية لا يعني بعد ذلك أنه لا يمكنها اتخاذ أي قرارات بشأن السيادة الإقليمية. هناك استثناء هام لموافقة الذهب النقدي والذي قد يكون ذا صلة بالقرارات المتعلقة بالولاية القضائية الإقليمية للمحكمة الجنائية الدولية على الوضع في فلسطين.
في قضية لارسن ضد مملكة هاواي (2001) ، اعتبر أنه “إذا كان من الممكن اعتبار النتيجة القانونية ضد طرف ثالث غائب (على سبيل المثال، بسبب قرار رسمي صادر عن مجلس الأمن بشأن نقطة) أمراً مقضياً، فقد لا ينطبق مبدأ [الذهب النقدي]. ” أساس هذا الافتراض هو أنه إذا كانت المحكمة الدولية تطبق ببساطة استنتاجًا قانونيًا ملزمًا أو موثوقًا بالفعل فيما يتعلق بالدولة الثالثة ، فلا يمكن أن تكون هناك شكوى بشأن تجاوز الاختصاص لأن المحكمة لا تمارس حقًا اختصاصها ولكنها تمارس مجرد قبول واقع تم تحديده بالفعل من قبل هيئة مختصة.
وقد اعتمدت البرتغال على هذا الاستثناء من مبدأ الذهب النقدي في قضية تيمور الشرقية عندما جادلت بأن الجمعية العامة ومجلس الأمن قد حددا بالفعل وضع تيمور الشرقية على أنها إقليم غير متمتع بالحكم الذاتي وأن البرتغال هي الجهة الإدارية الشرعية. كان هذا يعني أن المحكمة لم تكن مطالبة بالفصل في مشروعية استخدام إندونيسيا للقوة في تيمور الشرقية ووجودها هناك.
على الرغم من أن محكمة العدل الدولية رفضت الاستنتاج الذي استخلصته البرتغال، إلا أن محكمة العدل الدولية لم ترفض أساس الحجة. ورأت المحكمة أن النقاط التي سعت البرتغال إلى استنتاجها من قرارات الأمم المتحدة لا تنبع في الواقع من حقيقة أن تلك القرارات تعترف بالبرتغال باعتبارها السلطة الإدارية لتيمور الشرقية. ثم رأت أنه “دون المساس بمسألة ما إذا كانت القرارات قيد المناقشة يمكن أن تكون ملزمة بطبيعتها ، ترى المحكمة نتيجة لذلك أنه لا يمكن اعتبارها” معطيات “تشكل أساسًا كافيًا للبت في النزاع بين الطرفين”. (الفقرة 33)
في سياق الوضع في فلسطين ، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو ما إذا كانت هناك قرارات ملزمة و ذات صلة تحدد أن بعض الأراضي لا تنتمي إلى إسرائيل ، حيث يمكن للمحكمة الجنائية الدولية الاعتماد عليها كـ “معطيات ثابتة”.
في حالة وجود مثل هذه “المعطيات” فقد تشكل أساسًا لتحديد النزاع دون أن تضطر المحكمة الجنائية الدولية إلى ممارسة اختصاصها بشأن المصالح القانونية لإسرائيل. و على الرغم من أن الجمعية العامة للأمم المتحدة قد تبنت عدة قرارات بشأن الوضع الفلسطيني ، إلا أن هذه الهيئة لا تتمتع بصلاحية اتخاذ قرارات ملزمة.
أيضًا، أصدرت محكمة العدل الدولية قرارها بشأن الأرض الفلسطينية المحتلة (بما في ذلك القدس الشرقية) في رأيها الاستشاري بشأن الجدار في الأرض الفلسطينية المحتلة (2004) ، إلا أن هذا الرأي استشاري فقط، وبالتالي فهو غير ملزم لإسرائيل.
في المقابل، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عددًا من القرارات التي تقر بأن الأرض الفلسطينية المحتلة واقعة فعلاً تحت الاحتلال (انظر قرار مجلس الأمن رقم 465 (1980) ، الفقرة 5 ؛ قرار مجلس الأمن رقم 471 (1980) ، قرار مجلس الأمن رقم 2334 (2016)).
إن هذه القرارات تقر وتحدد بوضوح أن الأرض الفلسطينية المحتلة لا تشكل جزءًا من إسرائيل. الآن، ما إذا كانت هذه القرارات تشكل “معطيات” لأغراض قاعدة الذهب النقدي أم لا، فإنها تعتمد على (أولاً) الحجة القائلة بأنه إذا كانت تشكل جزءًا من فلسطين المحتلة فهي بالتالي أراضي دولة فلسطين و (ثانياً) مدى إمكانية اعتبار هذه القرارات ملزمة ومرجعية للدول المعنية.