مسؤولية شركات لقاح كورونا عن ضمان عدم تمييز إسرائيل في توفيره للفلسطينيين: قراءة على ضوء مبادئ الأمم المتحدة للأعمال التجارية
كتابة: هبة بعيرات وحسان عمران
تحرير: إحسان عادل
مقدمة
بينما تتصدر إسرائيل دول العالم في تحصيل اللقاح وتوفيره لمواطنيها، بنسبة وصلت إلى 50% من مجموع مواطنيها تلقى الجرعتين، تتجاهل دورها تماماً كقوة قائمة بالاحتلال تجاه الشعب الفلسطيني الواقع تحت احتلالها. وحسب منظمة الصحة العالمية، فإن هنالك قرابة 205 الف حالة إصابة بفايروس كورونا المستجد في الأراضي الفلسطينية المحتلة (الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة). بينما وصل عدد الوفيات إلى حوالي 2227 حالة، بحسب آخر تحديثات وزارة الصحة الفلسطينية ليوم 26 من فبراير 2021.
وفيما قامت إسرائيل، التي يسكنها قرابة 9 مليون شخص، بتطعيم 4.6 مليون مواطن بالجرعة الأولى، و 3.2 مليون مواطن بالجرعة الثانية، لم توفر للفلسطينيين القابعين تحت احتلالها في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، والبالغ عددهم 4.6 مليون شخص، سوى 2000 جرعة من أصل 5000 وعدت بتقديمها للسلطة الفلسطينية.
مسؤولية إسرائيل عن توفير اللقاح للفلسطينيين
يطرح هذا تساؤلاً جدياً حول مدى التزام -أو بالأحرى تجاهل- إسرائيل كقوة قائمة بالاحتلال لالتزاماتها المترتبة عليها كقوة احتلال. تقول إسرائيل، إنه وبموجب اتفاقيات أوسلو، التي وقعتها إسرائيل مع منظمة التحرير الفلسطينية، يكون الفلسطينيون مسؤولين عن صحتهم.
لكن خبراء الأمم المتحدة يقولون إن القانون الدولي له الأولوية على هذه الاتفاقات، وأن اتفاقية جنيف الرابعة واضحة بشأن واجب دولة الاحتلال في توفير الرعاية الصحية. كما أن اتفاقيات أوسلو ذاتها ذكرت أن إسرائيل وفلسطين ستتبادلان المعلومات بشأن الأوبئة والأمراض المعدية، ويتعاونان في مكافحتها.
وبموجب المادّة 43 من قواعد لاهاي لعام 1907، يقع على عاتق إسرائيل، بوصفها القوة القائمة بالاحتلال، حماية الحياة المدنية للفلسطينيين. وحسب توضيح المحكمة العليا الاسرائيلية، فإن هذا المفهوم يشمل الحياة الصحية[1]. فيما إن المادّة (55) من اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب لعام 1949، كانت واضحة بما لا يدع مجالاً للشك بأن مسؤولية توفير “اللوازم الطبية” للشعب الخاضع للاحتلال تقع على عاتق القوة القائمة بالاحتلال.
وكانت عدة منظمات حقوقية أكدت على أنه إذا كانت السلطة الفلسطينية غير قادرة أو غير راغبة في تأمين لقاحات COVID-19 لسكانها، أو إذا فعلت ذلك بطريقة لا تتوافق مع معايير القانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن إسرائيل تظل مسؤولة في النهاية عن توفير اللقاحات. وإذا كان بإمكان إسرائيل توفير اللقاحات في وقت أبكر مما يمكن للسلطة الفلسطينية، أو إذا كان بإمكانها توفير لقاحات أفضل (من حيث الجودة أو الأمان أو الفعالية وفقًا لمعايير منظمة الصحة العالمية)، فيجب عليها القيام بذلك. كما أن إسرائيل ملزمة بواجب قواعد عدم التمييز أن لا تمارس التمييز بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وعليه، لا يمكنها إعطاء الأولوية لسكانها على حساب السكان الذين تحتلهم. واعتبر بعض الحقوقيين، أن تقصير سلطات الاحتلال الإسرائيلي في مسؤولياتها تجاه الفلسطينيين في وقت الجائحة، قد يرقى إلى جريمة حرب.
لم يكن هذا الموقف القانوني فيما يخص مسؤولية إسرائيل عن توفير اللقاح للفلسطينيين موقف منظمات حقوقية رصينة كمنظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية فقط، بل إن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، مايكل لينك، أكد في بيان صدر عنه على الالتزام الواقع على إسرائيل في هذا الخصوص، وإلى توجهها المبدئي لخرق هذا الالتزام.
أبارتايد اللقاح!
مؤخرا، وقعت عشرات المنظمات على بيان وصفت فيه طريقة توزيع اللقاح من قبل إسرائيل بأنه “تمييزي وغير قانوني وعنصري”. وفي الواقع، ليس لنا من مهرب سوى موافقة هذه المنظمات على موقفها ذاك، حيث تقوم إسرائيل بتزويد مواطنيها، بما في ذلك أولئك الذين يعيشون في المستوطنات المنتشرة في الضفة الغربية والقدس الشرقية باللقاحات، بينما تمنعها عن الفلسطينيين الذين يجاورونهم في ذات المكان!
إن ذلك يعني، في الواقع، أن إسرائيلياً يبلغ من العمر 18 عاماً ويقطن في إحدى مستوطنات الضفة الغربية، سوف يحصل على اللقاح، لأنه إسرائيلي، بينما لن يستطيع جاره الفلسطيني، البالغ من العمر 85 أو 90 عاماً، والذي يسكن على بعد عشرات الأمتار، من الحصول عليه.
يعد تخصيص اللقاحات المنقذة للحياة على أساس الهوية العرقية أو الدينية انتهاكًا خطيرًا بشكل خاص للحق في عدم التمييز. كما تنطوي هذه الممارسات المذكورة على عناصر جريمة الفصل العنصري “Apartheid”، والتي تحددها الفقرة الثانية من المادة السابعة من ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية 2002 بأنها مجموعة الممارسات اللاإنسانية التي تنفذها مؤسسة رسمية في إطار الاضطهاد الممنهج والسيطرة على أقلية عرقية في مقابل الأقليات الأخرى، بنية الحفاظ على النظام العنصري القائم. وبالتأكيد، لا يمكن وصف نظام يقوم بتوفير لقاح، هو بمثابة مادة الحياة اليوم، خصوصا لكبار السن، لمواطنيه، فيما يحرم أولئك الذين يخضعون لسيطرته منذ عقود، من ذات الميزة، إلا بكونه نظام أبارتايد. وبالمناسبة، ووفقاً للمادة المذكورة من مثياق روما ذاتها، تقع هذه الجريمة ضمن نطاق اختصاص المحكمة الجنائية الدولية، والتي أصدرت دائرتها التمهيدية مؤخراً قراراً باختصاصها المكاني على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
على أية حال، وفي حين أن احترام حقوق الفلسطينيين متروك لإسرائيل وعليها مسؤولية ذلك، بما في ذلك أمام المحكمة الجنائية الدولية، فإن شركات الأدوية وتزويد اللقاحات ليست بمعزل عن المسؤولية عن معالجة انتهاكات الحقوق في توزيع اللقاحات، فكيف ذلك؟
مسؤولية الشركات التي تعاقدت معها إسرائيل لضمان عدم التمييز في توزيع اللقاح للفلسطينيين
وقعت إسرائيل في نهاية العام المنصرم وبداية العام الجاري عقوداً مع شركة “فايزر” لتوفير 10 ملايين جرعة، بينما وقعت عقوداً أخرى مع شركة “موديرنا” لتوفير ما يقارب 6 ملايين جرعة، وعقوداً ثالثة مع شركة “أسترازينيكا AstraZeneca” لتوفير ما مقداره 10 ملايين جرعة.
هذه المؤسسات التجارية التي تعاقدت معها إسرائيل لتوفير اللقاح قد تصبح متورطة في تعزيز الحالة الراهنة عبر المساهمة في إحداث الأثر التمييزي والفصل العنصري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث أن القانون الدولي الانساني وقانون الدولي لحقوق الانسان لا يعفيهم من مسؤولياتهم بهذا الخصوص.
فوفقاً للمبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان لتنفيذ إطار الأمم المتحدة المعنون ب “الحماية والاحترام والانتصاف”، والذي تم تبنيه بالإجماع في جلسة مجلس حقوق الإنسان في يونيو/حزيران 2011، فإن هذه الشركات ملزمة باحترام حقوق الإنسان والقواعد الدولية المؤطرة لها أثناء قيامها بأعمالها التجارية، بما في ذلك في مسائل توريد اللقاح.
تنص الفقرة (11) من المبادئ التوجيهية في الخانة (ب) حول “مسؤولية الشركات عن احترام حقوق الانسان”، على أنه “ينبغي أن تحترم المؤسسات التجارية حقوق الإنسان. وهذا يعني أن تتجنب انتهاك حقوق الإنسان الخاصة بالآخرين وأن تعالج ما تقع فيه من آثار ضارة بهذه الحقوق”. إن هذه المسؤولية موجودة بغض النظر عن قدرات الدول التي يتم التعاقد معها و/أو رغبتها فيما يخص الوفاء بالتزاماتها المتعلقة بحقوق الإنسان.
وقد فصلت الفقرات التالية: (12) و(13) و(14) و(18) حدود وآليات تحري هذه الحقوق بما يتوافق مع الاتفاقيات الدولية والمبادئ العامة للقانون الدولي، حيث تلزم الفقرة (12) المؤسسات التجارية باحترام حقوق الإنسان والتي تشمل في حدها الأدنى الشرعة الدولية لحقوق الانسان والمبادئ المتعلقة بالحقوق الأساسية المنصوص عليها في إعـلان منظمـة العمل الدولية بشأن المبادئ والحقوق الأساسية في العمل.
وفي التعليق على الفقرة 12 من المبادئ التوجيهية المذكورة، والذي نشرته المفوضية السامية لحقوق الإنسان، جرى التأكيد على وجوب تحري المسؤولية الواقعة على المؤسسات التجارية بشكل أدق عندما يتعلق الأمر بأحوال استثنائية تكون فيها حقوق الإنسان تحت تهديد أكبر، ومنها حالات النزاع المسلح التي ينبغي فيها على المؤسسات التجارية مراعاة قواعد القانون الدولي الإنساني إلى جانب قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان.
وأكدت المبادئ التوجيهية في ديباجتها أيضاً على أنه ينبغي تنفيذ المبادئ التوجيهية بطريقة غير تمييزية، مع إيلاء اهتمام خاص للحقوق والاحتياجات والتحديات التي يواجهها الأفراد الذين قد يكونون في خطر متزايد لأن يصبحوا ضعفاء أو مهمشين. وفي الحقيقة، لا نجد مناصا من التذكير هنا على التقارير المتعددة للأمم المتحدة (ومنها، على سبيل المثال لا الحصر: التحليل القطري المشترك للأمم المتحدة، وبيانات لمقررين خواص، ومنظمة الأمم المتحدة للمرأة، و أوتشا، و وأونكتاد، والمنظمة العالمية للغذاء) والتي أكدت مرارات على ضرورة رعاية الفلسطينيين كفئة مهمشة وضعيفة، سواء بعد جائحة كورونا أو حتى قبل ذلك وفي سياقات أقل وطأة.
ما هي المسؤولية المنوطة ب شركات لقاح كورونا إزاء تمييز إسرائيل في توزيع اللقاح للفلسطينيين؟
تفصل الفقرة (13) من مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية بشأن الأعمال التجارية في طبيعة مسؤولية المؤسسات التجارية، وتنص تحديداً على واجبها في:
“(أ) أن تتجنب التسبب في الآثار الضارة بحقوق الإنسان أو المساهمة فيها من خلال الأنشطة التي تضطلع بها، وأن تعالج هذه الآثار عند وقوعها؛
(ب) أن تسعى إلى منع الآثار الضارة بحقوق الإنسان الـتي تـرتبط ارتباطـاً مباشراً بعملياتها أو منتجاتها أو خدماتها في إطار علاقاتها التجارية، حتى عندما لا تسهم هي في تلك الآثار”.
تبين هذه المادة، بما لا يدع مجالاً للشك، أن مسؤولية الشركات تتجاوز مجرد قيامها المباشر بانتهاك حقوق الإنسان، لتشمل المساهمة بالأثر كذلك، وفي ضمان أن مبيعاتها لا تستخدم في طريقة تخل بحقوق الإنسان. وفي التعليق الوارد على هذه الفقرة، تم التأكيد على أن مسؤولية الشركة لا تشمل فقط أنشطتها التي تقوم بها، بل وأيضا “ما تغفله/تهمله”؛ والذي يشمل، بالطبع، إهمالها لالتزامات الجهات التي تورد منتجاتها لها بحقوق الإنسان.
مسؤولية الشركات تتجاوز مجرد قيامها المباشر بانتهاك حقوق الإنسان، لتشمل المساهمة بالأثر كذلك، وفي ضمان أن مبيعاتها لا تستخدم في طريقة تخل بحقوق الإنسان
وتفصّل الفقرة (18) من ذات المبادئ في الإجراءات التي يتوجب على المؤسسة التجارية اتباعها من أجل إما منع التسبب، أو المساهمة بالأثر السلبي، أو معالجته في حال حصل. وتلزم هذه الفقرة الشركة بتحمل التبعات المالية لمعالجة هذا الأثر. كما تشير الفقرة 19 إلى أن التبعة التي تتحملها الشركة تتحدد بناء على “مدى نفوذها في معالجة التأثير السلبي”.
وفي الواقع، تلزم القوانين المحلية في الدول التي يتواجد فيها المقر الرئيسي لشركات توزيع اللقاح، تلك الشركات بالالتزام بالمبادئ التوجيهية المذكورة. ففي الولايات المتحدة، التي تتواجد فيها شركتا “فايزر” و “موديرنا”، تشير تعلميات مكتب الديمقراطية وحقوق الإنسان التابع للخارجية الأمريكية بوجوب احترام حقوق الإنسان في العمل المحلي والدولي للشركات الأمريكية وبما يتوافق مع المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة. أما في الاتحاد الأوروبي، والذي تخضع لقوانينه كل من شركتي “بيوتيك BioNTech” الألمانية والتي هي شريك فايز في تصنيع اللقاح، و “أسترازينيكا” البريطانية-السويدية، فإن توصيات لجنة الوزراء الأوروبيين CM/Rec (2016) 3 تحيل أيضاً للمبادئ التوجيهية سابقة الذكر، وواجب تطبيقها من قبل الشركات الأوروبية، بما في ذلك وجوب ضمان احترام الحق بعدم التمييز.
أضف إلى ذلك أن مبدأ عدم التمييز هو مبدأ عام مكفول في اتفاقيات ومبادئ القانون الدولي، بما في ذلك المادة الأولى من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة الثانية من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، وفي العديد من الاتفاقيات المتخصصة كالاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري والاتفاقية الدولية لقمع جريمة الفصل العنصري والمعاقبة عليها. وفي “إرشادات حقوق الإنسان لشركات الأدوية فيما يتعلق بالوصول إلى الأدوية“، والتي أعدها المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالحق في الصحة، أوضح أن المساواة وعدم التمييز تعدان “من السمات الأساسية لحقوق الإنسان الدولية، بما في ذلك الحق في التمتع بأعلى معايير الصحة التي يمكن بلوغها”، مؤكدا على ما لهذا المبدأ من أهمية أساسية. وقد أكد 9 من خبراء حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة، في بيان صدر عنهم بهذا الشأن، ما لأهمية “الوصول الشامل اللقاحات من ضرورة”، ودون تمييز على أساس العرق أو غيره، واعتبر البيان هذه المسألة مسؤولية مشترك بين الدول والشركات وكافة المساهمين.
ومن الجدير بالذكر هنا، أن شركة فايزر تعهدت باحترام حقوق الإنسان وعدم انتهاكها عبر التوقيع على المبادئ العشرة للميثاق العالمي للأمم المتحدة، الذي تتعهد الشركات بموجبه بعدم انتهاك حقوق الإنسان، كما التزمت الشركة في بيان سياستها الداخلية والمنشور على موقعها بتبني المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بالخصوص ومواثيق حقوق الإنسان، بما في ذلك وبشكل خاص الالتزام بعد التمييز في توزيع منتجاتها. هذه الالتزامات تبنتها أيضاً كل من شركتي “بيوتيك” في بيان سياستها المتعلقة بحقوق الإنسان، و”أسترازينيكا”، التي أكدت، فضلا عن التزامها بما سبق، التزامها بضمان قيام الأطراف التي تتعاقد معهم باحترام حقوق الإنسان.
وبموجب كل ذلك، يمكننا القول بوضوح أن هناك التزاماً يقع على عاتق الشركات المزودة للقاح لإسرائيل، ولا سيما “فايزر” وشريكتها “بيوتيك”، و “موديرنا” و “أسترازينيكا”، بالعمل على ضمان عدم التمييز من قبل زبائنها في توزيع اللقاح على رعاياها والأشخاص تحت سيطرتها، ويشمل ذلك إسرائيل، والسعي لوقفه على الفور.
على الشركات أن تتحرى عن مدى التزام إسرائيل بمبدأ المساواة وعدم التمييز عبر توزيع اللقاح على الفلسطينيين، وأن تستخدم نفوذها وحاجة إسرائيل الماسة للّقاح لتحقيق ذلك
ويمكن للشركات تنفيذ هذا الالتزام من خلال النص عليه في عقود التوريد التي تقوم بها مع إسرائيل، وعلى أساس أن الإخلال الإسرائيلي به سيقود الشركات إلى مراجعة الاستمرار في العقد ككل. وعلى هذه الشركات أن تتحرى عن مدى التزام هذه الأخيرة بمبدأ المساواة وعدم التمييز عبر توزيع اللقاح على الفلسطينيين، وأن تستخدم نفوذها وحاجة إسرائيل الماسة للقاح لتحقيق ذلك، وفق مقتضى الفقرة 19 من المبادئ التوجيهية، والتي أشرنا إليه أعلاه.
الأثر المترتب على عدم التزام الشركات بمسؤولياتها في ضمان عدم التمييز
تنص الفقرة (22) من المبادئ التوجيهية بشأن الأعمال التجارية، على أنه وحيثما تجد المؤسسات التجارية أنها “تسببت أو ساهمت في آثار ضارة بحقوق الإنسان، ينبغي أن تقوم بمعالجة هذه الآثار أو المساعدة في معالجتها”. كما توجب الفقرة 29 على الشركات أن تضع آليات تظلم فعالة لصالح الفئات التي تعرضت للضرر.
وفي قرار مجلس حقوق الإنسان 31/36 لعام 2016، أكد المجلس على واجب تنفيذ المبادئ التوجيهية المتعلقة بالأعمال التجارية وحقوق الإنسان فيما يخص الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك واجب الدول في اتخاذ التدابير المناسبة لضمان امتناع المؤسسات التجارية التي تسيطر عليها عن ارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في فلسطين أو الإسهام في ارتكابها، مع التنويه إلى المخاطر المالية والقانونية والمخاطر على السمعة التي يمكن أن تصيب تلك الشركات.
وطلب القرار المذكور من مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان إعداد قائمة بأسماء الكيانات التجارية الضالعة في أنشطة ذات صلة بالاستيطان في فلسطين. وهي القائمة التي صدرت بالفعل بعد ذلك بأربعة أعوام، وضمت 112 كيانا تجاريا. ومن اللافت هنا، أن هذه الكيانات شملت شركات ك “إير بي إن بي Airbnb” و”إكسبيديا Expedia” و”تريب آدفايزور Tripadvisor”، وهي شركات مدنية بحتة تقدم خدمات كالسكن والفنادق والسفر، لكن ارتباط خدماتها بتعزيز انتهاكات حقوق الإنسان جعلها مدانة لتصبح ضمن القائمة المذكورة.
وهكذا، وبموجب التحليل الذي كانت نشرته منصة اللجنة الدولية للصليب الأحمر حول “لقاحات Covid-19 والقانون الدولي الإنساني: ضمان المساواة في الوصول في البلدان المتضررة من النزاعات”، فإنه يمكن القول إن سياسة إسرائيل التمييزية الواضحة في توزيع اللقاح على مواطنيها وحرمان الفلسطينيين منه يعد انتهاكاً للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان، وقد يرقى إلى مصاف جرائم الحرب، عدا عن توفره على عناصر جريمة الفصل العنصري وكلاهما واقع ضمن اختصاص المحكمة الجنائية الدولية. وعليه، فإن المؤسسات التجارية التي تتعاون مع الحالة الراهنة ولا تقوم على معالجة الأثر السلبي الذي ساهمت فيه، تخاطر بتلطيخ سمعتها عبر المشاركة في جرائم معرضة لمحاسبة القانون الجنائي الدولي وقائمة على عدم احترام مبدأ عدم التمييز، باعتباره واحدا من المبادئ الأساسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
—
[1]See Israel’s High Court of Justice, Jam’iatIscan Al-Ma’almoun v. IDF Commander in the Judea and Samaria Area, Judgment, HCJ 393/82, 28 December 1983, para. 18.
* الكلمات المفتاحية: مسؤولية شركات لقاح كورونا ، إسرائيل ، فلسطين ، الأمم المتحدة ، الأعمال التجارية