اللغة الأصلية: الإنجليزية
عنوان المقالة بالانجليزية: Putting the International Criminal Court’s Palestine Investigation into Context
رابط المقال الأصلي ومصدره بالانجليزية: هنا
تاريخ نشر المقال الأصلي: 7 أبريل/2021
الكاتب: بيرس كلانسي؛ وهي طالبة دكتوراه في المركز الأيرلندي لحقوق الإنسان في جامعة أيرلندا الوطنية، غالواي، وباحثة قانونية في منظمة حقوق الإنسان الفلسطينية – الحق. ورانيا محارب: طالبة دكتوراه في المركز الأيرلندي لحقوق الإنسان، ومستشارة في مؤسسة الحق، وعضو سياسات في الشبكة – شبكة السياسات الفلسطينية.
ترجم المقال إلى العربية: نسرين الحلو
ل: القانون من أجل فلسطين
في هذا المقال، أشارت الكاتبتان إلى أن المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية أعلنت أخيرًا عن فتح تحقيق في الوضع في فلسطين. يأتي هذا القرار الذي طال انتظاره بعد خمس سنوات من الفحص التمهيدي وبعد أكثر من عام منذ أن طلبت المدعية العامة إصدار حكم بشأن الولاية القضائية الإقليمية للمحكمة في فلسطين، والتي تشمل قطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، الأمر الذي أقرته الدائرة التمهيدية الأولى في فبراير.
وأضافتا أنه، لأكثر من عقد، سعى الفلسطينيون إلى تحقيق العدالة في المحكمة الجنائية الدولية. وأوضحتا أن المدعية العامة ذكرت على وجه الخصوص أنها رفضت الشروع في تحقيق في الهجوم العسكري الإسرائيلي على أسطول الحرية في غزة في 31 مايو 2010، على ما يبدو من أجل الشروع في تحقيق أوسع في الوضع في فلسطين. على الرغم من حقيقة أن الحادث أدى إلى مقتل عشرة أفراد وإصابة 50 آخرين، ومع إقرار المدعية العامة بوجود أساس معقول للاعتقاد بارتكاب جرائم حرب.
ومع ذلك، قررت المدعية العامة عدم المضي قدمًا في ذلك التحقيق على أساس أنه لم يتم الوفاء بمعيار الجسامة، وهو استنتاج طعنت فيه الدائرة التمهيدية الأولى للمحكمة الجنائية الدولية، مما أثار جدلاً طويلاً حول السلطة التقديرية للمدعي العام والمراجعة القضائية.
وأضافتا، أنه سواء اتفق العالم مع المدعي العام أو مع الدائرة، فإن قرار عدم الشروع في تحقيق في قضية مافي مرمرة هو مثال على الطريقة المجزأة والمجتزأة التي تم بها التعامل مع الإفلات الإسرائيلي من العقاب حتى الآن.
وأوضحت الكاتبتان، أنه مع الترحيب بالقرار المهم للمدعية العامة بفتح تحقيق أخير في الوضع في فلسطين في مواجهة ضغوط سياسية هائلة، من المهم مع ذلك التذكير بالسياق الأوسع الذي تعمل فيه المحكمة الجنائية الدولية، من حيث الديناميكيات الداخلية الخاصة بالمحكمة والقيود التي تحدد عملها، وكذلك في ضوء الإخفاقات الدولية السابقة في محاسبة الجناة الإسرائيليين.
تحديد سياق التحقيق في فلسطين
أوضحت الكاتبتان، أنّه باستثناء التحركات الأخيرة للمحكمة الجنائية الدولية بشأن الوضع في فلسطين، فقد جرت النقاشات المتعلقة بالمسألة في فراغ نسبي، بعيدًا عن المحاولات السابقة وغيرها من المحاولات الجارية لتحقيق العدالة والمساءلة للفلسطينيين.
وأشارتا، إلى أنه على مدار العقدين الماضيين، أنشأت الأمم المتحدة ما لا يقل عن عشر آليات للتحقيق في الانتهاكات الجسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في فلسطين، بما في ذلك الجرائم الدولية المشتبه بها. وقد فشلت جميع هذه المبادرات في تحدي الثقافة الإسرائيلية السائدة حول الإفلات من العقاب، وتم التخلي عنها إما بسبب رفض إسرائيل التعاون ومنح المحققين إمكانية الوصول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، أو من خلال عدم تنفيذ توصياتها وتجاهلها كلياً من قبل المجتمع الدولي (انظر المجتمع المدني) تقديم بشأن المساءلة، الفقرات (67-75).
وبالمثل، في حين أنّ محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري لعام 2004 بشأن تشييد الجدار في الأراضي الفلسطينية المحتلة قد بتت في العديد من المسائل المهمة – ليس أقلها أن بناء واستمرار المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية، يشكل انتهاكا جسيما لحظر نقل السكان، المحظور بموجب المادة 49 (6) من اتفاقية جنيف الرابعة – لم يحفز هذا الرأي في النهاية سوى القليل من الإجراءات الجادة من قبل الدول الثالثة. فقد واصل المجتمع الدولي المتاجرة بمنتجات المستوطنات، وبالتالي ساهم في الحفاظ على الوضع غير القانوني الذي أوجدته إسرائيل، مما يسهل تكرار الانتهاكات ضد الفلسطينيين.
وأوضحت الكاتبتان أنّ التجارب المتعلقة بالمسؤولية الفردية، المدنية والجنائية على حد سواء، قد باءت بالفشل إلى حد كبير. حيث أن محاولات تسخير آليات الولاية القضائية العالمية لمتابعة المساءلة من خلال الوسائل القضائية، كما لاحظت أزاروفا ومارينيلو، “أحبطتها الضغوط السياسية والتعديلات التشريعية لضمان التدقيق السياسي”.
الضغط المستمر من الولايات المتحدة أدى إلى تقويض صلاحية المحاكم المحلية كوسيلة لتحقيق العدالة الدولية للفلسطينيين
كما أن الضغط المستمر من الولايات المتحدة أدى إلى تقويض صلاحية المحاكم المحلية كوسيلة لتحقيق العدالة الدولية للفلسطينيين، حيث يبدو أن الولايات المتحدة تعتزم الاستمرار في حماية الجناة الإسرائيليين من المساءلة، كما يتضح من استمرار العقوبات الأمريكية على أعضاء رئيسيين من موظفي المحكمة الجنائية الدولية، بما في ذلك المدعية العامة، من خلال الأمر التنفيذي [1]13928 الذي تم إدانته على نطاق واسع.
وهكذا، يبدو المشهد الذي تواجهه الآن المحكمة الجنائية الدولية ومكتب المدعي العام، مشهدا متناقضا في أحسن الأحوال، وعرقلة مقصودة من قبل الدول القوية في أسوئها.
وأشارت الكاتبتان إلى أنه ربما كان أفضل وصف لهذه الحقيقة هو ما قاله المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، البروفيسور مايكل لينك، عندما أشار في تقريره الصادر إلى الجمعية العامة في أكتوبر 2019، “إن تحمل المجتمع الدولي لمسؤولياته القانونية لتحدي وإنهاء الأعمال غير المشروعة دوليًا بشكل جدي، كان سيخلص، منذ فترة طويلة، إلى أن إسرائيل، السلطة القائمة بالاحتلال، لم تكن صادقة في السعي لإنهاء الاحتلال”.
محددات
وأضافت الكاتبتان، أنه بغض النظر عن المشهد السياسي الذي تواجهه المحكمة الجنائية الدولية، من المهم علاوة على ذلك الاعتراف بأن المحكمة تواجه قيودًا عديدة مدمجة في إطارها ذاته، حيث يتجاوز السلب الاستعماري والتهجير والسيطرة على الشعب الفلسطيني الحدود الإقليمية لقطاع غزة والضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، ومع ذلك، لا يحق للمحكمة الجنائية الدولية إلا التحقيق في الجرائم الدولية المرتكبة في تلك الوحدة الإقليمية.
ونظرًا إلى شروط انضمام دولة فلسطين إلى نظام روما الأساسي، تم تحديد الاختصاص الزمني للمحكمة في 13 يونيو 2014، وهو إطار زمني – بينما يغطي حملات بارزة وواسعة النطاق من الفظائع مثل “عملية الجرف الصامد” على قطاع غزة في عام 2014 والقمع المنهجي لمظاهرات مسيرة العودة الكبرى في غزة في 2018-2019، إلا أنه لا يشمل سوى جزء بسيط من الحرمان المستمر منذ عقود من الحقوق الفردية والجماعية للشعب الفلسطيني منذ نكبة عام 1948.
وأوضحتا أنه حتى الآن، لم يعالج أي تحقيق دولي أو آلية تابعة للأمم المتحدة بشكل هادف محنة الشعب الفلسطيني ككل، بما في ذلك الفلسطينيون على جانبي الخط الأخضر واللاجئين والمنفيين الفلسطينيين الذين حرموا من حقهم في العودة.
وفي حين أن الولاية القضائية للمحكمة الجنائية الدولية في فلسطين محدودة، إلا أنها يمكن أن تقطع شوطا ما في تحدي تجزئة الشعب الفلسطيني، بما في ذلك من خلال محاولة التحقيق ومقاضاة الإنكار المستمر لحق الفلسطينيين في العودة.
وعلى وجه الخصوص، فيما يتعلق بالوضع في بنغلاديش/ميانمار، أقرت نفس الدائرة التمهيدية الأولى، في سبتمبر 2018، بأن الحرمان من حق العودة لشعب الروهينجا قد يشكل جريمة ضد الإنسانية بموجب المادة 7. (1) (ح) و 7 (1) (ك) من نظام روما الأساسي، مستشهدة بحق الفرد في دخول بلده بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان واتفاقية الفصل العنصري لعام 1973. وشددت الدائرة على أن “معاناة الأشخاص الذين شردوا من ديارهم وأجبروا على مغادرة بلادهم قد تعمقت. وهو ما يجعل مستقبل الضحايا أكثر غموضًا ويجبرهم على الاستمرار في العيش في ظروف يرثى لها” (انظر هنا، الفقرة 77).
ومع ذلك، يبقى أن نرى ما إذا كان مكتب المدعي العام سوف ينظر في هذه المسألة المركزية فيما يخص الفلسطينيين، في مواجهة معارضة شديدة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة، على الرغم من الاعتراف العالمي بحق الفلسطينيين في العودة.
وبشكل حاسم، فإن الهيمنة على الشعب الفلسطيني هي مشروع طويل الأمد ومنهجي، في حين أن المحكمة الجنائية الدولية مصممة لتحقيق العدالة على المستوى الفردي. وفي الواقع، يمكن للمحكمة الجنائية الدولية -ويجب عليها- أن تحكم فيما إذا كان الجناة الأفراد قد ارتكبوا جرائم بموجب قانون روما الأساسي، على سبيل المثال فيما يتعلق ببناء واستمرار المستوطنات الإسرائيلية والاستهداف العشوائي للمدنيين – وهما محطتان للتحقيق حددتهما المدعية العامة بالفعل.
إن تفويض المحكمة محدود من حيث معالجة الأسباب الجذرية، والذي يسهّل استمرار الاحتلال الإسرائيلي ارتكاب المزيد من المخالفات لميثاق روما.
ومع ذلك، فإن تفويض المحكمة محدود من حيث معالجة الأسباب الجذرية، مثل الاحتلال الإسرائيلي الطويل الأمد، وحصار غزة، والحرمان المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير، والتي يسهّل استمرارها ارتكاب المزيد من المخالفات لميثاق روما.
وأضافت الكاتبتان أنه، على الرغم من هذه القيود، تتمتع المحكمة بولاية قضائية على جريمة الفصل العنصري كجريمة ضد الإنسانية، وينبغي أن تحقق في احتفاظ إسرائيل بنظام مؤسسي من الهيمنة والقمع العنصريين الممنهجين، وهي مزاعم أقر مكتب المدعي العام باستلامها بالفعل في عام 2017 (انظر هنا، الفقرة 63).
عند القيام بذلك، يجب على المحكمة الجنائية الدولية أن تأخذ في الاعتبار السياق الأوسع للتجزئة الإسرائيلية للشعب الفلسطيني، بما في ذلك من خلال التحقيق بالجرائم التي تتجاوز الخط الأخضر، مثل النقل غير القانوني للأسرى الفلسطينيين من الأراضي المحتلة إلى مرافق الاحتجاز في إسرائيل، حيث يعاني الأسرى من التعذيب الروتيني وغيره من ضروب سوء المعاملة.
الأهمية
وأشارت الكاتبتان إلى أنه، لطالما سعى الضحايا الفلسطينيون إلى تحقيق مساءلة جوهرية عن الجرائم المستمرة المرتكبة ضدهم، وقد لعب ممثلو الضحايا الفلسطينيين وكذلك منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية دورًا مركزيًا حتى الآن في المشاركة في عملية المحكمة الجنائية الدولية. حيث إنّ تواصل المحكمة مع الضحايا الفلسطينيين بداية إيجابية يجب أن تستمر.
بالنسبة للعديد من الفلسطينيين، أصبحت المحكمة الجنائية الدولية تمثل الملاذ الأخير في السعي لتحقيق العدالة. تكمن أهمية تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في قدرته على تحدي عقود من الإفلات الإسرائيلي من العقاب، والذي يتجذر فيه الاضطهاد المؤسسي للفلسطينيين بعمق.
تتمتع المحكمة الجنائية الدولية بصلاحية الملاحقة القضائية لمرتكبي الجرائم الجسيمة المرتكبة في فلسطين. مما يوفر بالتالي وسيلة مهمة لمتابعة تنفيذ توصيات المساءلة الصادرة عن هيئات التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن فلسطين.
وأضافت الكاتبتان أنّ لجان التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن نزاع غزة عام 2014 ومظاهرات مسيرة العودة الكبرى لعام 2018 في قطاع غزة، والتي تم تفويضها ل”تحديد المسؤولين”، جمعت ملفات عن الجناة المزعومين وأوصت مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان بجعل هذه الملفات متاحة للمحكمة الجنائية الدولية. يجب أن يبني تحقيق المحكمة الجنائية الدولية في الوضع في فلسطين الآن على نتائج هذه الآليات.
وبينتا أخيرًا، أنه على الرغم من أهمية عملية المحكمة الجنائية الدولية للطعن في إفلات إسرائيل من العقاب، فهي ليست كافية في حد ذاتها ويجب متابعتها جنبًا إلى جنب مع طرق المساءلة الأخرى. كما أشارتا إلى أنّ لجنة التحقيق لعام 2018 شددت على أنّ الدول الأطراف في نظام روما الأساسي و/ أو اتفاقية جنيف الرابعة عليها واجب ممارسة الولاية القضائية الجنائية (انظر هنا، الفقرة 128) ومحاكمة الجناة المشتبه في ارتكابهم جرائم في فلسطين في محاكمهم الداخلية أو تسليمهم.
وهكذا، لا تمثل آليات الولاية القضائية العالمية بشكل عام القيود الزمنية والجغرافية للمحكمة الجنائية الدولية بشكل حاسم، وقد تم استخدامها في الماضي – وإن لم تنجح – للطعن في الجرائم المرتكبة ضد اللاجئين الفلسطينيين المحرومين من حقهم في العودة.
استنتاج – خاتمة
وأخيرا، خلصت الكاتبتان إلى أنه لتفريج محنة الشعب الفلسطيني بشكل هادف من خلال آليات العدالة والمساءلة الدولية، سواء في المحكمة الجنائية الدولية أو من خلال الولاية القضائية العالمية، يجب معالجة الأسباب الجذرية للقمع الفلسطيني. وأنّ معالجة أعراض التهجير والتشريد للشعب الفلسطيني لن تشكل سوى “ضمادات مؤقتة“ على حساب التغيير الهيكلي المطلوب بشكل عاجل.
في نهاية المطاف، يجب استكمال العدالة الجنائية الدولية – رغم أنها ضرورية لمواجهة إفلات إسرائيل من العقاب – بالعقوبات وغيرها من التدابير العقابية الفعالة من قبل دول ثالثة في محاولة لإنهاء الوضع غير القانوني المفروض على الشعب الفلسطيني ولمنع ارتكاب المزيد من الجرائم في فلسطين.
____________________________
[1] تم مؤخراً إلغاء هذا القرار من قبل إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن.