اللغة الأصلية للنص: الإنجليزية
عنوان المقال بالإنجليزية:
Why Palestine Must Be Considered a State for the Purposes of the International Criminal Court? I
رابط المقال الأصلي ومصدره بالإنجليزية: هنا
تاريخ نشر المقال الأصلي: 10 أغسطس/آب 2020
الكاتب: أحمد أبو فول، باحث مساعد في منتدى كالسهوفن-خيسكس للقانون الدولي الإنساني. عمل كباحث مساعد للدكتور روبرت هاينش والدكتورة جوليا بينزاوتي في تقديم ملاحظاتهما القانونية كخبراء بشأن الحالة في دولة فلسطين إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ترجمه إلى العربية: أحمد أبو فول
ل: القانون من أجل فلسطين ©
مُـقـدمـة
اختتمت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية، فاتو بنسودة، بتاريخ ٢٠ ديسمبر ٢٠١٩، الفحصَ الأوليّ للوضع في دولة فلسطين. استغرق هذا الفحصُ مدة خمس سنوات؛ حيثُ خلصت المدعية العامة إلى وجود أسباب معقولة تدعو للاعتقاد بأن “جرائم حرب قد ارتكبت أو يجري ارتكابها” على إقليم دولة فلسطين المحتلة. بناءً على ذلك، طلبت المدعيةُ العامة تأكيد الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية بأن “الإقليم الذي يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها – بموجب المادة 12 (2) (أ) – يشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة، أي الضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وقطاع غزة”. (طلب المدعي العام، الفقرتان 5 و20). نتيجة لذلك، دعت الدائرة التمهيدية دولة فلسطين وإسرائيل والضحايا إلى تقديم ملاحظات خطيّة على طلب المدعية العامة. (أمر المحكمة، الفقرات 13-16). علاوةً على ذلك، “بالنظر إلى مدى تعقيد وحداثة طلب المدعي العام”، دعت المحكمة دولًا أخرى و/ أو منظمات و/ أو أشخاصًا آخرين لتقديم ملاحظات الخبراء “أصدقاء المحكمة”. (المرجع السابق، الفقرة 17)
بالإضافة إلى الحجة القائلة بأن اتفاقيات أوسلو يمكن أن تمنع الاختصاص القضائي للمحكمة الجنائية الدولية، والذي دحضه المؤلف سابقًا (انظر هنا)؛ قيل على نطاق واسع أنه بالنسبة لقواعد الاختصاص الإقليمي للمحكمة، يجب الإجابة على السؤال الأوليّ، وهو “ما إذا كانت فلسطين تعتبر دولة”. وقيل أيضاً أن فلسطين لا تشكل دولة بموجب قواعد للقانون الدولي العام ذات الصلة، وبالتالي فهي لا تعتبر دولة لأغراض ميثاق المحكمة (ميثاق روما الأساسي). في هذا المقال، يحاجج المؤلف بأنه يجب اعتبار فلسطين دولة لأغراض المحكمة الجنائية الدولية.
الدولة لأغراض المادة 12 (2) (أ) من نظام روما الأساسي
من المهم أن ندرك أن نظام روما الأساسي لم ينشئ المحكمة فحسب، بل أنشأ أيضًا نظامًا متكاملاً للعدالة. (ستان، ص 195) في هذا النظام، ينعكس الاختصاص الإقليمي للمحكمة “الاختصاص الإقليمي” في نص المادة 12 (2) (أ)، التي تنص على أن يكون للمحكمة اختصاص في حالات إحالة الدولة الطرف أو مبادرة المدعي العام “من تلقاء نفسه”، إذا كانت “الدولة التي وقع في إقليمها السلوك قيد البحث” دولة طرف في النظام الأساسي أو قبلت اختصاص المحكمة بموجب المادة 12(3). تؤكد المادة 12(1) كذلك على أن “الدولة التي تصبح طرفاً في هذا النظام الأساسي تقبل بذلك اختصاص المحكمة فيما يتعلق بالجرائم المشار إليها في المادة 5.” تم وصف هذا النهج بأنه “نظام الإسناد التلقائي للولاية الخاملة” (أولاسولو، ص 131)
يُظهر النظام القانوني للمحكمة أنه بعد انضمام الدولة إلى النظام الأساسي عملاً بالمادة 125(3)، يحق للمحكمة تلقائيًا ممارسة اختصاصها على أراضيها. ومع ذلك، فإن هذا “الاختصاص التلقائي” مع عدم إمكانية الانسحاب أو الإرجاء يخضع فقط للشروط المسبقة المحددة في المادة 12. (تشابس وبيكوريلا، ص 680) أيّ انه لا حاجة لأيّ موافقة إضافيّة أو تقييم منفصل لبدء اختصاص المحكمة. (طلب المدعي العام، الفقرة 103) وبناءً على ذلك، يناقش هذه المقال، أولاً: انضمام الدول إلى نظام روما الأساسي عملاً بالمادة 125، وثانيًا: يوضح أنه يجب تفسير المادة 12(2) بشكل متسق مع المادة 12(1) والمادة 125(3). أخيرًا، يحاجج هذا المقال بأن فلسطين كدولة عضو يجب اعتبارها “دولة” لأغراض نظام روما الأساسي.
المادة 125 تنظم انضمام الدول إلى نظام روما الأساسي
بخلاف المعاهدات والمنظمات الأخرى، لا يحدد نظام روما الأساسي المتطلبات التي يجب على الكيان استيفاؤها ليصبح دولة طرف. تمنح المادة 125(3) العضويّة لـ “جميع الدول” التي تودع صك انضمام لدى الأمين العام للأمم المتحدة. لأغراض نظام روما، تتطلب فقرة عضوية “جميع الدول” من الأمين العام اتباع قرارات وممارسات الجمعية العامة عند قبول صك الانضمام، وعند الضرورة، أن يطلب التوجيه من الجمعية العامة، إذا كان هناك شك فيما إذا كان الكيان دولة. (أوست، ص 287) يضمن هذا الإجراء عدم انفراد الأمين العام وحده بأخذ القرار بشأن العضوية عندما يكون هناك شك أو خلاف حول الوضع القانوني للكيان. (ممارسات الإيداع، الفقرة 81). يقبل الأمين العام صك الانضمام إذا كانت هناك “إشارات لا لبس فيها من الجمعية العامة، بأنها تعتبر كيانًا معينًا دولة”. (المرجع السابق، الفقرة 83).
وبهذا المعنى، فإن ميثاق روما لا يمنح المحكمة أو أي من أجهزتها سلطة للبت في المسائل السياسية والمثيرة للجدل إلى حد كبير، خاصة بشأن ما إذا اعتبر كيان ما دولة بموجب القانون الدولي العام. (المرجع السابق، الفقرة 81) بل إن الميثاق فقط يجيب على هكذا سؤال من خلال القرارات التي يتخذها الأمين العام للأمم المتحدة، بصفته وديعا. (المرجع السابق، الفقرة 1) إلى حد ما، تُترك هذه المسألة للنظر فيها من قبل المجتمع الدولي، كما تعبر عنه الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي الهيئة التداولية الرئيسية في العالم، والتي تضم جميع أعضاء الأمم المتحدة البالغ عددهم 193 عضوًا يتمتعون بصوت متساوٍ. (انظر وظائف وسلطات الجمعية العامة).
خلاصة القول، ليس على المحكمة أن تبت في وضع أعضائها بموجب قواعد القانون الدولي. بل إن الأمين العام للأمم المتحدة – بصفته جهة الإيداع – يقرر ذلك نيابة عن المحكمة، عندما يقبل صكوك الانضمام وفقاً لصيغة “جميع الدول”. وبالتالي، تصبح الدولة، دولة طرف لأغراض نظام روما الأساسي، بأثر فوري ودون الحاجة إلى أي موافقة إضافيّة أو تقييم منفصل. (طلب المدعي العام، الفقرة 103).
يجب تفسير المادة 12(2) على نحو متسق مع المادة 12(1) والمادة 125(3)
بمجرد أن تصبح الدولة طرفًا في النظام الأساسي حسب الأصول ووفقًا للمادة 125، يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها على أراضي تلك الدولة وفقًا للمادة 12(2). يجب أن يكون هذا هو التفسير الصحيح، لأن “الدولة” لأغراض المادتين 12(1) و125(3) هي أيضًا “دولة” لأغراض المادة 12(2). ولكن، اقترح البعض تعريف مصطلح “الدولة” في النظام الأساسي وفقا للقواعد العامة للقانون الدولي التي تحكم إقامة الدولة. (انظر على سبيل المثال هنا، الفقرات 4، 26-29 وهنا) وقد ادعى أصحاب هذا المقترح أن هذه كانت نيّة صائغي الميثاق. إلا أن النظام الأساسي للمحكمة (ميثاق روما) لا ينص على أيّ معايير إضافية، أو أي تقييم منفصل من أجل أن تكون المحكمة قادرة على ممارسة الولاية القضائية على أراضي الدولة العضو حديثة الانضمام. منطقياً، إذا كان القصد أن تكون ممارسة اختصاص المحكمة مقتصرة على دول معينة، لكان قد تم الاحتجاج بهذا القيد عند “قبول” الدول كأعضاء. (طلب المدعي العام، الفقرة 114). هذه الممارسة، متبعة فعلياً في الاتفاقيات والمنظمات الدولية التي تقتصر عضويتها على دول معينة. (انظر على سبيل المثال الانتربول).
إن السماح لكيان ما بالانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية وفقًا للمادة 125 ثم إنكار الحقوق والالتزامات المترتبة على هذا الانضمام فيما بعد، يعد مخالفًا لمبدأ الفعاليّة وحسن النية. (غاردينر، ص 179) إن التفسير الأكثر منطقية للتداخل بين المادة 12 والمادة 125 هو أنه يجوز للمحكمة أن تمارس اختصاصها على أراضي دولة طرف لأغراض النظام الأساسي دون أي شرط مسبق إضافي. (طلب المدعي العام، الفقرة 115). يتوافق هذا التفسير مع تاريخ الأعمال التحضيرية لصياغة هذه المواد، حيث قبلت الأغلبية الساحقة من الدول خلال المفاوضات فكرة “الاختصاص التلقائي” (ستان، ص. 450) علاوة على ذلك، بما أن دور الأمين العام بصفته وديع المعاهدات هو ممارسة شائعة وتم قبول صيغة “جميع الدول” منذ فترة طويلة، (أوست، صفحة 195)، ليس هناك مجال للشك أو الافتراض لما قصده صائغو الميثاق. على وجه الخصوص، بالنظر إلى السياق السياسي والتاريخي في التسعينيات (وقت صياغة الميثاق)، حيث كانت فكرة الدولة في طليعة المواضيع على الساحة الدولية، من المؤكد أن واضعي الميثاق كانوا على علم بآثار صيغة “جميع الدول” التي اتفقوا عليها، أي أن الدول التي تعتبرها الجمعية العامة للأمم المتحدة بهذه الصفة (دولة) يمكنها الانضمام إلى المحكمة. (طلب المدعي العام، الفقرة 116).
يجب اعتبار فلسطين كدولة عضو، “دولةً” لأغراض نظام روما الأساسي
بعد انضمام فلسطين إلى النظام الأساسي للمحكمة، أخطر الأمين العام للأمم المتحدة الدول الأطراف الأخرى بانضمام فلسطين. إن نهج الأمين العام في قبول وتعميم صك انضمام فلسطين يتوافق مع الممارسات الموحدة للأمم المتحدة. وجدير بالذكر أنه قبل قرار الجمعية العامة 67/19، كان المدعي العام قد أوضح بشكل صريح أنه لكي تصبح فلسطين “دولة” لأغراض النظام الأساسي للمحكمة، يجب الاعتراف بها أولاً “كدولة غير عضو” من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة. وبناءً على ذلك، صوتت الدول الأعضاء في الأمم المتحدة لصالح القرار بوعي كامل بآثاره، لا سيما فيما يتعلق بالمحكمة الجنائية الدولية، وتم اعتماد القرار بأغلبية 138 صوتًا مقابل 9 أصوات، وامتناع 41 عن التصويت. ولذلك، فإن قرار الجمعية العامة 67/19 الذي يعترف بفلسطين كدولة في الأمم المتحدة، لم يترك مجالاً للشك فيما يتعلق بقدرة فلسطين على التوقيع على ميثاق روما الأساسي وأن تصبح دولة طرف.
بخلاف المعاهدات التأسيسية الأخرى للمنظمات الدولية، لا يمنح النظام الأساسي للمحكمة الدول الأطراف أي شكل من أشكال السلطة التقديرية بشأن ما إذا كان الكيان المنضم حديثاً دولة أم لا. (مكتب الممثل العام للضحايا، الفقرة 16). بل إن المادة 126(2) تنص على بدء النفاذ التلقائي لأحكام الميثاق بالنسبة للدولة المنضمة “في اليوم الأول من الشهر الذي يعقب اليوم الستين من تاريخ إيداع تلك الدولة صك […] انضمامها”. لذلك، أشار إخطار الأمين العام بشكل مناسب ومن دون تحفظات إلى أن “النظام الأساسي سيدخل حيز التنفيذ بالنسبة لدولة فلسطين في 1 أبريل 2015”. وتجدر الإشارة إلى أنه بعد انضمام فلسطين إلى النظام الأساسي للمحكمة، كانت كندا الدولة الطرف الوحيدة في المحكمة الجنائية الدولية التي قدمت اعتراضًا لدى الأمين العام بدعوى أن فلسطين لا تستوفي معايير الدولة بموجب القانون الدولي. أشارت كندا إلى أن فلسطين “غير معترف بها من قبل كندا كدولة”، وبالتالي، فهي غير قادرة على الانضمام إلى نظام روما الأساسي. لو فرضنا جدلاً أنه يمكن القول بأن البيان الكندي الأحادي الجانب يمكنه التأثير على العلاقة التعاقدية بين كندا وفلسطين، (مكتب الممثل العام للضحايا، إشارة مرجعية 43)، إلا انه لن يمنع فلسطين من أن تصبح دولة طرف في النظام الأساسي كمعاهدة متعددة الأطراف – بموجب قواعد القانون الدولي للمعاهدات. (ساكران وهاياشي، ص 88 وما يليها؛ كولب، ص 34) لذلك، على الرغم من اعتراض كندا الوحيد، تبقى حقيقة أن فلسطين الآن طرف في نظام روما الأساسي راسخة قانوناً. (ساكران وهاياشي، ص 87).
خـاتــمـة
يجب على المرء أن يأخذ في الاعتبار أنه منذ انضمامها، تم التعامل مع فلسطين كدولة طرف دون أي قيود أو حدود. (مكتب الممثل العام للضحايا، الفقرة 20). علاوة على ذلك، تمارس فلسطين حقوقها بالكامل كدولة طرف. على سبيل المثال، حضر ممثلو فلسطين اجتماعات جمعية الدول الأطراف، وصوّتوا على جميع القضايا، بما في ذلك، انتخاب قضاة المحكمة، (مكتب الممثل العام للضحايا، إشارة مرجعية 56)، وحتى تم انتخابهم في مكتب جمعية الدول الأطراف. علاوة على ذلك، أوفت فلسطين بالتزاماتها بموجب النظام الأساسي للمحكمة. على سبيل المثال، ساهمت فلسطين باستمرار في ميزانية المحكمة الجنائية الدولية وصادقت على تعديلات كمبالا للنظام الأساسي للمحكمة فيما يخص جريمة العدوان. بناءً على كل ما سبق ذكره، لا يمكن للمرء أن يتصور أي مبرر معقول لعدم معاملة فلسطين على قدم المساواة لأغراض المادة 12(2)(أ) من ميثاق روما.