هذه مقدمة لسلسلة من المقالات المترجمة، كانت قد نشرتها مدونة المجلة الأوروبية للقانون الدولي EJIL TALK باللغة الإنجليزية، حول تقرير “هيومن رايتس ووتش” بخصوص اتهامات الفصل العنصري الموجهة إلى إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة ( فلسطين ) وضمن حدودها. قمنا في منظمة القانون من أجل فلسطين بترجمة السلسلة، التي تتضمن ستة مقالات، إضافة إلى مقال تقديمي للسلسلة، ويسعدنا تقديمها للقرّاء العرب لما تحتويه من حجج قانونية مساندة وأخرى معارضة للتقرير، إلى جانب رد منظمة هيومن رايتس ووتش نفسها على هذه الحجج.
يمكن الوصول لسلسلة المقالات الستة أدناه
مقدمة السلسلة: الفصل العنصري في إسرائيل / فلسطين؟
بقلم ماركو ميلانوفيتش
الأصل الإنجليزي هنا
ترجمة : ميساء عبد القادر
ل: منظمة القانون من أجل فلسطين
أشار ماركو ميلانوفيش، المدير المساعد وأحد أعضاء هيئة التحرير في مدونة EJIL TALK، إلى كون المدونة ستعالج في هذه السلسلة التقرير الذي صدر مؤخراً عن منظمة هيومن رايتس ووتش، والذي أشار إلى أن إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب جريمة الفصل العنصري ضمن حدودها وفي المناطق الفلسطينية المحتلة. حيث يعد هذا التقرير، وفقاً لميلانوفيش، مثالاً على الاتجاه المتزايد في أوساط الناشطين في مجال حقوق الأنسان والمنظمات غير الحكومية (NGOs) لوصف سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين بأنها سياسة فصل عنصري، على النقيض من الادعاءات المتعلقة بارتكاب جرائم أخرى ضد الانسانية أو جرائم حرب. وأضاف أن مسألة ما إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن سياسة الفصل العنصري قد أثارت أسئلة عدة حول القانون والوقائع على حد سواء، إلا أن السلسة لا تهدف إلى أن تكون فحصاً شاملاً بالخصوص, بقدر ما تهدف إلى استكشاف إطارين متصلين في المسألة.
الإطار الأول: والأكثر قانونية، هو ما إذا كان المصطلح القانوني – للفصل العنصري – والذي صمم أساساً لوصف نموذج أولي منفرد في جنوب أفريقيا, يمكن تطبيقه على حالات أخرى تختلف عن النموذج الأولي بعدة طرق ولديها خصائصها المميزة. إن هذا الموضوع وفقاً لميلانوفيش يكشف الحاجة إلى فحص أسئلة بشأن التمييز بين تجريم الفصل العنصري الموجه من الدولة، أي بشأن الانتهاكات التي قد تكون الدولة مسؤولة عنها بموجب المعاهدات أو القانون العرفي، و الجريمة الدولية للفصل العنصري التي يكون الأفراد مسؤولين عنها جنائياً. ما الذي يتوجب عمله بشأن الاختلافات في التعريفات المتنوعة التي توفرها معاهدة الفصل العنصري وميثاق روما الأساسي؟ ما الذي يشكل “مجموعة عرقية” ضمن هذه التعريفات وهل يشكل الإسرائيليون اليهود والإسرائيليون العرب والفلسطينيون مثل تلك المجموعات؟ كيف ينبغي تفسير الفصل العنصري بوصفه انتهاكاً لحقوق الإنسان أو جريمة دولية ضمن سياق الاحتلال الحربي؟ وما إلى ذلك من الأسئلة.
وقد أشار ميلانوفيش إلى أنه تم إجابة بعض وليس جميع الأسئلة بفضل مساهمات الكُتاب في هذا الملف، مضيفاً أنه بإمكان القراء المهتمين أيضاً العودة لتقرير صدر مؤخرا عن دياكونيا بقلم مايلز جاكسون من جامعة اكسفورد والذي يوضح مجموعة من المسائل المتصلة بالتفصيل.
الإطار الثاني: والأقل قانونية، الذي أشار له ميلانوفيش، هو بنية الروايات المتنافسة، والتي تكون مسيطرة في مجتمع معين وتستخدم شعارات مثل الفصل العنصري بغرض خلق وقائع وحقائق خاصة حول الأحداث الجارية أو البعيدة. واستخدام هذه الكلمات من أجل منح السلطة وإضفاء الشرعية أو نزعها على وجه التحديد. لذلك فإن الوضع في إسرائيل / فلسطين يعتبر فريداً ومميزاً بكل الطرق. نفس التساؤل يتم طرحه حول كيفية استخدام جهات فاعلة مختلفة (أو عدم استخدامها ) لمصطلح “الإبادة الجماعية” لوصف معاملة الصين للإيغور، أو الفظائع التي ارتكبت في ميانمار ضد الروهينغا، أو فيما يتعلق بدارفور، أو أرمينيا، أو البوسنة.
يشير ميلانوفيش إلى استخدم السياسيين والباحثين والناشطين مصطلحات قانونية من أجل أهداف غير قانونية، سواء أكانت نبيلة أو دنيئة، بينما يلعب المحامون الدوليون و المؤسسات القانونية الدولية دوراً محدداً _محورياً أحياناً، وهامشياً أحياناً أخرى، ليصب بنطاق أوسع وأقل رسمية في سياق سياسي، كثيراً ما يترتب عليه نتائج مثيرة للإشكاليات.
فعلى سبيل المثال، يطرح ميلانوفيش مثال الهوس في استخدام مصطلح “الإبادة الجماعية” والمستمر إلى يومنا هذا في دول يوغسلافيا السابقة، وما يترتب عليه من تخفيض من قيمة الجرائم التي يفترض أن تكون أقل وطأة، واستمرار الخلافات حول ما إذا كان يجب ربط مصطلح الإبادة الجماعية بمذبحة سربرنيستا التي وقعت في تموز / يوليو 1995 على سبيل الحصر. حيث لم تتمكن المحاكم الدولية مثل المحكمة الجنائية الدولية ليوغسلافيا السابقة (ICTY) ومحكمة العدل الدولية (ICJ) من تسويتها بصورة رسمية، وما إلى ذلك من المسائل…
يوضح ميلانوفيش أن المزيج الخاص ما بين السياسة والقانون في حالة إسرائيل وفلسطين يعتبر فريداً ومميزاً بكل الأحوال. حيث أن مسألة ما إذا كانت إسرائيل مسؤولة عن الفصل العنصري ليست رواية مفردة لجون دوجارد وجون رينولدز و آخرين قاموا بالتطرق إليه ضمن صفحات المجلة الأوروبية للقانون الدولي (EJIL) . كما يضيف أن الأمر المميز في قضية الفصل العنصري هو، بكل الاحوال، أنه ليس فقط عبارة عن منافسة بين روايتين متناقضتين _ إسرائيل مذنبة أو غير مذنبة بجريمة الفصل العنصري _ بل منافسة بين ثلاث روايات متناقضة.
فمن ناحية هناك السرد الإسرائيلي السائد و الذي يعتبر أنه من السخف ومخالفة الواقع مقارنة الوضع في إسرائيل بجنوب أفريقيا، حيث يتمتع الإسرائيليون العرب بحقوق سياسية ويشاركون في مؤسسات الدولة، ولا يوجد تفرقة عنصرية ضمن دولة إسرائيل، بينما يملك الفلسطينيون حكومتهم الخاصة، كما أن سياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين بما فيها استمرار الاحتلال مدفوعة بالشواغل الأمنية من الهجمات الإرهابية تجاه دولة إسرائيل والرغبة المعلنة من منظمات إرهابية مثل حماس لمسح إسرائيل عن الخريطة. من جهة أخرى، يوجد روايتان مختلفتان عن كيفية ممارسة إسرائيل للفصل العنصري تجاه الفلسطينيين. في ظل الأولى، والتي يناصرها في الأساس علماء وناشطون فلسطينيون، كانت إسرائيل دوماً مذنبة بجريمة الفصل العنصري، حيث كان المشروع الصهيوني استعمارياً وعنصرياً منذ نشأته، وهو في حد ذاته مشروع سيطرة ممنهجة من جانب مجموعة عرقية على أخرى. بينما تنحو الثانية، التي تتبناها الآن بشكل متزايد جهات فاعلة خارجية، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان “الرئيسية”، إلى كون سياسات إسرائيل لم تشكل على الدوام فصلاً عنصرياً لكنها تطورت تدريجياً في ذلك الاتجاه _ ربما لم تمارس إسرائيل الفصل العنصري في عام 1981 أو 2001، ولكنها تمارسه في 2021.
ويبين ميلانوفيش، أنه حتى لو كان الفرد يعتقد أن إسرائيل تمارس الفصل العنصري اليوم، فإنه يوجد الكثير الآن على المحك (بما في ذلك شرعية دولة إسرائيل بالمجمل) لكيفية اختياره لتوصيف الحالة؛ ويحيل ميلانوفيش في هذا الصدد، لملاحظة كيف أن هذا السرد التطوري للفصل العنصري واضح حتى في تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش المتعلق بالفصل العنصري المعنون ب”تجاوزوا الحدود” .
الخاتمة
أخيراً يختتم ميلانوفيش أن هذه المواضيع سيتم فحصها من قبل كُتاب المدونة. حيث ستبدأ السلسلة مع نورا عريقات (جامعة روتجرز) والتي سوف تكتب عن التاريخ الفكري للفلسطينيين فيما يتعلق بالصهيونية والفصل العنصري. ثم ستتطرق كاروول لينجاس (جامعة أوسلو المتخصصة) لمفهوم المجموعة العرقية بغرض تعريف الفصل العنصري. في حين تتساءل رانيا محارب (غالواي) عما إذا كان البحث في الفصل العنصري في الأراضي المحتلة مجرد أمر قانوني وواقعي. ثم يتساءل جوشوا كيرن (بيدفورد رو) عن البنية القانونية لتقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، وخاصة تعريفه للفصل العنصري، في حين ينتقد يوجين كونتوروفيتش (جورج ماسون) التقرير باعتباره متحيزاً ولا أساس له من الصحة. ليختتم السلسلة فريق من منظمة هيومن رايتس ووتش التي أصدرت التقرير ابتداءً، وذلك عبر الرد على كل الشبهات والأسئلة القانونية التي أثارها الكُتّاب المذكورون أعلاه.
* لا تتحمل القانون من أجل فلسطين أية مسؤولية عن محتوى المقالات المنشورة في موقعها تعبر المقالات عن آراء أصحابها ولا تعبر بالضرورة عن آراء المنظمة تتعهد القانون من أجل فلسطين بإتاحة المجال، دائم، لكل الكتّاب ولتبادل وجهات النظر وإثراء النقاش من كافة الأطراف على قاعدة الاحترام المتبادل.