مايكل لينك يكتب | أعطوا الحقوق فرصة: القانون الدولي باعتباره ضابطا لا غنى عنه لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي
لغة المقال الأصلي: الإنجليزية.
عنوان المقال بالإنجليزية:
Give Rights a Chance: International Law as the Indispensable Touchstone for Unlocking the Israeli-Palestinian Conflict
الكاتب: مايكل لينك، أستاذ مساعد في كلية القانون بجامعة ويسترن (Western University)، لندن، أونتاريو. عُيّن بروفيسور لينك في آيار 2016 مقررًا خاصًا لحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 من قبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.
المصدر الأصلي للمقال بالإنجليزية: هنا
ترجمة إلى اللغة العربية: سندس الفرارجة
تحرير: أحمد المصري
يستهل بروفيسور لينك مقاله هذا بالقول إنه في أواخر حزيران 1980، تبنى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قرار رقم 476، في ظل تقارير دبلوماسية مفادها أن الكنيست الإسرائيلي كان يناقش بجدية مشروع قانون قدمه عضو برلماني لضم القدس الشرقية رسميًا. وقد حذر مجلس الأمن في قراره إسرائيل من أن أي تغييرات في الوضع القانوني أو الطابع والتراث المادي للقدس سيكون “لاغياً وباطلاً” و “انتهاكاً صارخاً” لاتفاقية جنيف الرابعة. مشيراً إلى أن إدارة كارتر، الرئيس الأمريكي حينها، سمحت بتمرير القرار (حيث أن الولايات المتحدة امتنعت عن التصويت) بسبب استيائها من تراجع رئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن عن وعوده التي قطعها خلال اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 بالاعتراف بحقوق الفلسطينيين ووقف التوسع الاستيطاني.
يواصل لينك قائلاً إن قرار رقم 476 يتضمن ثلاثة بنود تنذر بتخلي المجتمع الدولي ومجلس الأمن شبه الكامل والمتدرج عن دورهما في مراقبة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين. فأولاً: أعاد المجلس التأكيد على “الضرورة القصوى لإنهاء الاحتلال طويل الأمد” للأراضي العربية المحتلة عام 1967. وثانياً: “يشجب ويستنكر بشدة الرفض المستمر الذي تنتهجه إسرائيل، القوة المحتلة، للامتثال للقرارات ذات الصلة الصادرة عن الجمعية العامة ومجلس الأمن.” وثالثاً: إعادة التأكيد على عزمه المجلس، في حالة عدم امتثال إسرائيل، على البحث في “الطرق والوسائل العملية” لضمان التنفيذ الكامل للقرار.
ويتابع، أنه وبعد مرور شهر، تبنى الكنيست القانون الأساسي: القدس، وهو قانون شبه دستوري يعترف بالمدينة، عاصمةً “كاملة وموحدة”. رداً على ذلك، صادق مجلس الأمن على القرار رقم 478 في أواخر آب 1980 (مرة أخرى امتنعت الولايات المتحدة عن التصويت)، القرار أدان قانون القدس، استنكاراً لعدم امتثال إسرائيل للقرار رقم 476، وحثَّ أعضاء الأمم المتحدة على سحب بعثاتهم الدبلوماسية من القدس. لكنه لم يهدد إسرائيل بأي عواقب ولم يتم متابعته بأي وسيلة، واليوم لا تزال القدس الشرقية تحت الضم في ظل التواجد المتزايد للمستوطنين والمستوطنات الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى.
يرى لينك أن ما حدث في صيف 1980 يلخص باختصار كل ما تلاه: سترسخ الأمم المتحدة إشرافها على الاحتلال الإسرائيلي بحزم في إطار القانون الدولي وحقوق الإنسان. وسترد إسرائيل برفض توجيهات مجلس الأمن في كل مناسبة، وتواصل موقفها الانفرادي إلى حد كبير والذي لا يمكن الدفاع عنه عبر الادعاء بأن القانون الدولي لا ينطبق على احتلالها في فلسطين. ويواصل لينك، أن مبادرات السلام المختلفة التي بدأت مع عملية مدريد-أوسلو ستعتمد بعد عقد من الزمن على الأمر الواقع من باب السياسة الواقعية، بدلاً من القانون الدولي لتأطير المفاوضات. أما إجراءات المساءلة فلن يتم التصرف حيالها أبدًا كلما أثارها المجتمع الدولي، وهو ما يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل بأنه لن يكون هناك أي عواقب لوحشيتها.
يعتبر لينك القانون الدولي العمود الفقري للنظام الدولي الحديث، وكثيراً ما تتصرف الدول على هذا النحو. وقد ألزمت جميع البلدان نفسها خطابيًا بنظام دولي قائم على القواعد، وبينما تقع انتهاكات ممنهجة هنا وهناك فقد أدت الوعود المضمونة في القانون الدولي إلى تعديل كبير في السلوك العالمي لمعظم البلدان. قال أبّا إيبان ((Abba Eban بسخرية ذات مرة أن: “القانون الدولي هو القانون الذي لا يطيعه الأشرار، ولا يفرضه الأخيار.” وبشكل أكثر عمقاً، لاحظ لويس هنكين (Louis Henkin) أن: “جميع الدول تقريبًا تلتزم بجميع مبادئ القانون الدولي تقريبا وجميع الالتزامات التي عليها تقريبًا في جميع الأوقات تقريبًا” (Almost all nations observe almost all principles of international law and almost all of their obligations almost all of the time).
يلاحظ لينك أنه ومن قبيل المفارقة أن الاحتلال الإسرائيلي ذو الـ 54 عاماً للأراضي الفلسطينية يقف اليوم في العالم مثقلا بالقانون ولكنه خارج عن القانون تماماً. ليس ثمة صراع في العالم الحديث، وفقاً للينك، يماثل الصراع طويل الأمد في فلسطين، حيث أعلن المجتمع الدولي تكراراً عن العديد من مبادئ القانون الدولي التي تحكم إدارته ونقطة النهاية الخاصة به، ومع ذلك كانت الدولة المهيمنة شديدة التحدي، فيما كانت الردود الدولية عرجاء جداً في مقابل تغولها. ليس من المفترض أن يكون القانون الدولي كالمظلة التي تُطوى عندما تمطر.
ليس من المفترض أن يكون القانون الدولي كالمظلة التي تُطوى عندما تمطر
يواصل لينك قائلاً أنه في الخمس عقود المنصرمة، تبنت الأمم المتحدة مئات القرارات من قبل أجهزتها الرئيسية – مجلس الأمن والجمعية العامة ومجلس حقوق الإنسان – التي راقبت الصراع. ويرى أنه تبعاً لذلك، يجب إنهاء الاحتلال الإسرائيلي طويل الأمد بشكل كامل. متابعاً قوله أن كل من الفلسطينيين والإسرائيليين يستحقون العيش بسلام وأمن مع تمتعهم بحق تقرير المصير، بما في ذلك دولتين ذات سيادة وأمن وقابلية للحياة، ضمن حدود فلسطين الانتدابية وفقاً لقوله. ومؤكداً أن جميع المستوطنات الإسرائيلية المائتان وخمسون في القدس الشرقية والضفة الغربية هي انتهاك صارخ للقانون الدولي. القدس الشرقية ضمت بشكل غير قانوني من قبل إسرائيل وبقيت أراضٍ محتلة. اللاجئون الفلسطينيون من حربي 1948 و1967 يملكون الحق في اختيار العودة إلى وطنهم. كما أن غزة جزء لا يتجزأ من فلسطين، ولا زالت محتلة، والحصار الإسرائيلي شكل محرم من أشكال العقاب الجماعي.
ومع ذلك، يوضح لينك أن جدعون ليفي، الجندي الإسرائيلي السابق والكاتب في هآرتس كتب: “لا توجد دولة معتمدة على دعم المجتمع الدولي مثل إسرائيل ، ومع ذلك تسمح إسرائيل لنفسها بتحدي العالم كما لا يجرؤ إلا القليلون”. وكان مجلس الأمن قد أعلن في 22 قرارًا منذ عام 1967 على أن اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 تنطبق بالكامل على الاحتلال الإسرائيلي. وفي أحد عشر قرارًا يتعلق بالاحتلال الإسرائيلي، أقر المجلس صراحة المبدأ المتلخص بأن الاستيلاء على الأراضي عن طريق الحرب، القوة و/ أو الغزو العسكري غير مقبول. وفي خمسة قرارات، اعتبر المجلس أن المستوطنات الإسرائيلية المدنية في الأراضي المحتلة غير شرعية. ولكن لم تمتثل إسرائيل لأي من تلك القرارات، على الرغم من الالتزام بموجب المادة 25 من ميثاق الأمم المتحدة الذي ينص على أن الدول الأعضاء يجب أن تنفذ قرارات مجلس الأمن. عندما أعاد مجلس الأمن مؤخرًا تأكيد هذه المبادئ القانونية التأسيسية في كانون الأول 2016، رفض رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو القرار بحجة أنه “وهم” و “جزء من ترويدة العالم القديم”.
ويتابع لينك، أنه بنفس النفس التدميري، فإن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، أصرت بنجاح منذ بدء عملية السلام مدريد -أوسلو في عام 1991 على أن أي مفاوضات مع الفلسطينيين ستجرى خارج إطار القانون الدولي المعمول به والإجماع الدولي السائد. مبادرات السلام المختلفة على مر العقود الثلاثة الماضية – من إعلان المبادئ لعام 1993 إلى مبادرة كيري 2013-14 (خطة ترامب للسلام من أجل الرخاء لعام 2020 هي قصة أخرى) – أدرجت قائمة بقضايا الوضع النهائي التي يتعين معالجتها، ولكنها لم تشر أبدًا إلى إطار قانوني راسخ. حيث سمح ذلك لإسرائيل بالتعامل مع القضايا الأساسية لتقرير المصير، القدس، الحدود، الضم، المستوطنات، واللاجئين على أنها مواد للتفاوض، بدلاً من اعتبارها مبادئ للقانون يجب الامتثال لها. وعوضاً عن هذا، شكلت سياسة الواقع كل هذه الاتفاقيات، مما مكن إسرائيل من المساومة مستفيدة من قوة “الحقائق العديدة وغير القانونية على أرض الواقع”. إن الافتقار إلى نهج قوي قائم على الحقوق هو السبب الرئيسي لفشل العديد من مبادرات السلام وفقاً للينك.
الافتقار إلى نهج قوي قائم على الحقوق هو السبب الرئيسي لفشل العديد من مبادرات السلام
وبالنسبة للينك، تترسخ أهمية توظيف القانون الدولي في حل النزاعات التي تشمل طرفين غير متكافئين تمامًا، في أنه يقلل من اختلال توازن القوى بينهما ويساعد على ضمان تشكيل الحل النهائي لأي نزاع من خلال الحقوق والحريات المعترف بها بدلاً من القوة، وبالتالي تقديم أفضل فرصة لسلام مستدام: “الامتثال للقانون الدولي” كما قال زيد الحسين، المفوض السامي السابق للأمم المتحدة لحقوق الإنسان، في عام 2017، “هو شرط لا غنى عنه لتحقيق السلام”. ويشير إلى أنه في تقرير حديث من مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي تم المجادلة بشكل مقنع بأن النهج القائم على الحقوق ضروري لكسر الوضع الإسرائيلي الفلسطيني الراهن لأنه يصر على المساءلة عن انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الدولي: “ظاهرة الإفلات من العقاب في الأساس هي التي تمنع إجراء مناقشة جادة للسياسة الإسرائيلية بشأن مستقبلها مع الفلسطينيين. بدون المساءلة، يتحول مركز خطورة الخطاب الإسرائيلي وتتهمش سياسات دعم السلام”.
يتساءل لينك أنه إذا كان المجتمع الدولي قد صمم على أن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين بحلول عام 1980 كان قد طال أمده بالفعل وأن إنهاءه مسألة ضرورة ملحة، وإذا كانت إسرائيل بالفعل قد أظهرت في عام 1980 عدم نيتها في الامتثال لتوجيهات مجلس الأمن الصريحة لأنها واثقة من أنه لا يوجد عواقب مترتبة على ذلك، فكيف نفهم هذا الوضع بعد مرور أربعة عقود؟ ويضيف أنه حسب إحصائيات PeaceNow “السلام الآن“، في عام 1980، كان هناك 12500 مستوطن في الضفة الغربية؛ بينما بحلول عام 2019، كان هنالك 441600 مستوطن، أي 35 ضعف العدد. متسائلاً أنه إذا كانت سياسة الواقع، نبذ القانون الدولي وغياب المساءلة قد أوصلتنا بسرعة إلى ما يتجاوز المخرج الأخير لحل الدولتين، إذن، ألا يجب أن ترتكز المحاولة التالية لإعادة إطلاق عملية سلام جادة بدلاً من ذلك، على الحقوق الوطنية والفردية المتفق عليها لكل من الفلسطينيين والإسرائيليين؟
يختتم بروفيسور لينك مقاله بالتأكيد أن مثل هذا النهج سيقر بصورة صارخة بالتوازن غير المتكافئ للقوة على الأرض، ولن يسعى إلى مكافأة القوة المحتلة التي تطمع في المزيد من الضم، بل لمساعدة السكان المقهورين الذين طالما أُحبِط سعيهم للحصول على الحرية في أرضهم. قائلاً بأن القيادة الإسرائيلية لن تبدل مسارها العدائي إلا في حال فرض المجتمع الدولي، بالعمل المشترك، تكلفة اقتصادية وسياسية متصاعدة على إسرائيل لاستمرارها بالاحتلال. فالميزة الدائمة لمتابعة إطار عمل قائم على الحقوق لإيجاد حل دائم في إسرائيل وفلسطين بالنسبة للينك، ليس فقط أنه يتمتع بإجماع دولي ساحق، بل أن قيَمُه – بما في ذلك المساواة والمساءلة وسيادة القانون – تعتبر الركائز القوية التي ستوفر أفضل فرصة لمستقبل مشترك وديمقراطي وآمن ومفيد. وهذا ما يقتصر فقط على عملية السلام المستندة في المدى المنظور لهذه المبادئ الأساسية التي يمكن أن تعالج واقعية الحقائق المتعذر تجاهلها على الأرض.