ملخص تقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة عن الحرمان الشامل والمنهجي من الحرية في الأراضي الفلسطينية المحتلة
إعداد: هدى أبو دقة
مراجعة: إحسان عادل
* لتحميل وقراءة هذه المادة بنسخة pdf انقر/ي هنا
خلفية
في 10 يوليو/تموز 2023، خلال الاجتماع الثلاثين للدورة العادية الثالثة والخمسين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، استعرضت د. فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، تقريرها الأخير، والذي يتناول الحرمان الواسع والمنهجي من الحرية في الأرض الفلسطينية المحتلة. تم تقديم هذا التقرير إلى مجلس حقوق الإنسان في الشهر الماضي.
يشير التقرير إلى أنه، و”بالرغم من دعوة دولة فلسطين لها”، لم تتمكن د. ألبانيز من زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة “بسبب رفض إسرائيل المستمر لتيسير دخولها”. (ص 2). لم يثن هذا الأمر المقررة الخاصة، فقد خصصت ستة أشهر لإجراء التحقيقات، بما في ذلك الاجتماعات والجولات الافتراضية في الأرض الفلسطينية المحتلة، بالإضافة إلى زيارة الأردن، كجزء من جهودها الاستقصائية في إعداد التقرير.
يركز التقرير على استخدام إسرائيل للحرمان التعسفي من الحرية كأداة للهيمنة والقمع، من خلال معالجة القضايا الهيكلية وحجم الحرمان التعسفي من الحرية، ويتناول الظروف والإجراءات التي تؤدي إلى الحرمان التعسفي من الحرية للفلسطينيين. وفقًا لألبانيز، “الحقيقة التي يمكن رؤيتها هي لسكان محتلين بالكامل تم تأطيرهم على أنهم تهديد أمني، وغالبًا ما يُفترض أنهم مذنبون، ويعاقبون بالسجن حتى عند محاولة ممارسة الحريات الأساسية”. (ص 2). تؤكد ألبانيز أن إساءة المعاملة التعسفية والمتعمدة التي يتعرض لها الفلسطينيون، إلى جانب انتشار “سلسلة التقييد” ذات الأشكال الواسعة من الحبس، والتي تشمل الأبعاد المادية والبيروقراطية والرقمية، يمكن أن تشكل جرائم دولية يمكن مقاضاتها بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، وتقع في نطاق الولاية القضائية العالمية.
التحقيق في الحرمان التعسفي من الحرية
يبدأ التقرير بشرح حجم الحرمان من الحرية منذ عام 1967، وكيف كان “عنصرًا مركزيًا في الاحتلال الإسرائيلي منذ بدايته” (ص 2). بين عامي 1967 و 2006، سُجن أكثر من 800.000 فلسطيني في الأرض الفلسطينية المحتلة. في عام 2022 وحده، اعتقلت إسرائيل حوالي 7000 فلسطيني، بينهم 882 طفلاً. وفي الوقت الحالي، تعتقل إسرائيل 5.000 فلسطيني، مع 1.014 من المعتقلين دون تهمة أو محاكمة.
ويوثق التقرير انتهاكات جسيمة بحق الفلسطينيين المحتجزين في إسرائيل، مثل الحبس في زنازين قذرة ومكتظة، والحرمان من الطعام والنوم والإهمال الطبي والضرب المبرح وأشكال أخرى من سوء المعاملة. كما تم توثيق استخدام التعذيب، الذي تم تشريعه من خلال المحاكم الإسرائيلية على أساس الضرورة لأنه قد يردع الهجمات ضد المدنيين الإسرائيليين.
ويلفت التقرير الانتباه إلى فريق الأمم المتحدة العامل المعني بالاحتجاز التعسفي، الذي خلص إلى أن الحرمان من الحرية على نطاق واسع ومنهجي قد يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية. ويذكر التقرير أن حبس الفلسطينيين يذهب إلى أبعد من اعتقالهم بشكل محدد وحصري، حيث يمثل الاعتقال “عنصرا واحدا فقط من مشهد الحبس الأكبر، الذي يمتد إلى ما وراء السجن كنموذج لحكم الأراضي المحتلة وحبس سكانها”. (ص 4)، ويشمل هذا حتى وجود مستوطنات غير قانونية تؤدي إلى تفاقم التمييز والعنف ضد الفلسطينيين.
الإطار القانوني للحرمان من الحرية
يغطي التقرير بالتفصيل الأطر القانونية الدولية المختلفة التي تتناول مسألة الحرمان التعسفي من الحرية. وهذا يشمل المعاهدات المكتوبة والقانون الدولي العرفي، بما في ذلك القانون الدولي الإنساني. ومن اللافت أن التقرير يشير هنا إلى اتفاقية جنيف الثالثة المتعلقة بحماية أسرى الحرب، إلى جانب اتفاقية جنيف الرابعة التي عادةً ما يُشار إليها. تمت الإشارة أيضا إلى القانون الدولي لحقوق الإنسان، الذي ينطبق حتى في النزاعات المسلحة والأوضاع التي تتجاوز الحدود الإقليمية للدولة، والقانون الجنائي الدولي. باستقراء هذه القوانين بمجموعها، نجدها تنص على أن الاحتجاز يعتبر تعسفيًا عندما يفتقر إلى أساس قانوني، و”ينتهك الضمانات الأساسية التي يكفلها القانون الدولي … ويستخدم بشكل تمييزي”. (صفحة 4) في مثل هذه الحالات، قد تشكل هذه الممارسات جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
الحبس الجماعي: الحكم والإجراءات
يذكر التقرير أن “إسرائيل أنكرت انطباق القانون الدولي على الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ البداية” (ص 6)، وذلك من خلال التأكيد على أن الأرض الفلسطينية المحتلة “متنازع عليها” وليست محتلة. وقد أدى ذلك إلى انتهاكات لمبادئ القانون الدولي التي تحكم وضع الاحتلال. كما زعمت إسرائيل أن القانون الدولي لحقوق الإنسان لا ينطبق على الأرض الفلسطينية المحتلة، ما عنى أن إسرائيل تنصلت من التزاماتها الدولية بما في ذلك ضمان الوصول إلى محاكمة عادلة، والحظر الآمر على التعذيب أو المعاملة القاسية اللاإنسانية والمهينة. تم تسهيل ذلك من خلال ممارسة إسرائيل للسيطرة على جميع أنحاء الأرض الفلسطينية المحتلة من خلال أكثر من 2.500 أمر عسكري. تتحكم هذه الأوامر العسكرية في كل جانب من جوانب حياة الفلسطينيين، بما في ذلك النظام العام والأمن، وإدارة الموارد الطبيعية، والتعليم، والنقل، والعدل، والتخطيط وتقسيم المناطق. كما تجرم الأوامر العسكرية الحريات الأساسية للفلسطينيين، من خلال فئتين رئيسيتين من الجرائم؛ الجرائم الأمنية التي تتعلق ب “تهديد” الوجود العسكري في الأرض الفلسطينية المحتلة، والأوامر العامة التي تغطي أي شيء من المظاهرات غير المصرح بها إلى الاضطرابات المرورية. يقدم التقرير أمثلة على الكيفية التي أدت بها التعريفات الواسعة والغامضة إلى معاقبة الفلسطينيين للتعبير عن رأيهم أو لمعارضتهم السلمية للاحتلال. في نهاية المطاف، تستهدف كل هذه القوانين/الأوامر حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير.
كما يتناول التقرير الانتهاكات التي يتعرض لها الفلسطينيون داخل نظام الاعتقال والحقوق التي يحرمون منها داخل السجن. يمكن ملاحظة ذلك من خلال الاعتقال الإداري الذي يعد في حد ذاته تعسفيًا وينتهك حقوقهم في عملية الاعتقال والاستجواب، حيث يتعرضون لأشكال مختلفة من التعذيب إلى الاحتجاز السابق للمحاكمة الطويل جدًا والذي يمكن أن يستمر لمدة تصل إلى 90 يومًا قابلة للتجديد، إلى جانب اعتقال الفلسطينيين في أماكن داخل اسرائيل، والظروف القاسية في السجون. وتمتد الإساءة إلى الأطفال الذين يتعرضون أيضًا للاعتقال والصدمات.
كما يسلط التقرير الضوء على ممارسة القوات الإسرائيلية لاحتجاز جثث القتلى الفلسطينيين، والتي غالبًا ما يتم دفنها في ما يُعرف بـ “مقابر الأرقام” لأسباب أمنية مزعومة. حتى مايو 2023، أفادت التقارير عن قيام القوات الإسرائيلية باحتجاز 125 جثة لفلسطينيين، بما في ذلك 13 جثة لمعتقل توفي.
الهندسة متعددة الطبقات للحبس
يصف التقرير منظومة الحبس carcerality، التي تشير إلى نظام يحرم شعوبا بأكملها من حريتهم وأرضهم، باعتباره جانبًا حاسمًا من جوانب الاستعمار الاستيطاني. تعكس ممارسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة هذا النمط من خلال إخضاع الفلسطينيين للحبس الجماعي. “بمرور الوقت ، وسّعت إسرائيل من سيطرتها المتعددة الأوجه على الفلسطينيين كشعب من خلال الآليات المادية والبيروقراطية والرقمية.” (ص 17). يسهم حبس الفلسطينيين، إلى جانب مصادرة الأراضي والتهجير القسري، في تقنيات العزل الشاملة التي تستخدمها إسرائيل. “لقد حول هذا الحياة الفلسطينية إلى سلسلة متواصلة من الحبس، حيث تتواجد مستويات مختلفة من الأَسْر: من المستوى الجزئي المتمثل بالحرمان الفردي من الحرية، ومن خلال الاعتقال الجماعي، إلى حبس السكان في جيوب محكومة بصرامة”. (ص 17).
ويناقش التقرير كيف تأثرت حياة الفلسطينيين بأشكال مختلفة من الأسر في الوقت نفسه. وهذا يتجاوز مجرد الحرمان الفردي من الحرية إلى الفصل المادي داخل الأرض الفلسطينية المحتلة المجزأة حيث “أوقعت إسرائيل الفلسطينيين في شراك بنية مادية تشبه السجن، ولكن على نطاق إقليمي ومجتمعي أكبر بكثير”. (ص 17) هنا، تذكر المقررة الخاصة الحصار غير القانوني لقطاع غزة باعتباره المثال الأكثر شهرة على هذا “التقييد المادي” ، إلى جانب حقيقة أن 60٪ من الضفة الغربية تقع تحت سيطرة إسرائيل العسكرية والمدنية الكاملة، ومع وجود 270 مستعمرة وقاعدة عسكرية، وجدار بطول 700 كيلومتر، ونحو 64 نقطة تفتيش، و 76 حاجزًا جزئيًا، وآلاف الحواجز الطيارة، و 17 طريقًا معزولا، بإجمالي 400 كيلومتر، مخصصا للإسرائيليين فقط.
في الوقت نفسه، وضمن حدود محبسهم، يُجبر الفلسطينيون على الإبحار في “متاهة من الحواجز البيروقراطية” في شكل تصاريح، وتقييدات، ومتطلبات مقنّعة قائمة على السماح والمنع الصادر عن إسرائيل. تمت إضافة طبقة أخرى من خلال المراقبة الإسرائيلية للفلسطينيين من خلال دوائر التصوير المغلقة CCTV والأجهزة الأخرى عند نقاط التفتيش والأماكن العامة والتجمعات الاجتماعية والاحتجاجات. غالبًا ما يتم اقتحام المساحات الخاصة للفلسطينيين دون علمهم، من خلال المراقبة عبر الإنترنت وتتبع الهواتف والسجلات الطبية. كل أساليب الحبس هذه تخلق قيودًا متعددة الطبقات على الفلسطينيين، وتسيطر على السكان بصرامة، وتعاملهم على أنهم تهديد للأمن الجماعي، وتقمع أي مقاومة للاحتلال.
القمع وتقييد الحقوق في ظل الحكم الذاتي الفلسطيني
أشارت ألبانيز أيضًا إلى أنه منذ اتفاقيات أوسلو، أدى الحكم الذاتي الفلسطيني إلى زيادة القمع والقيود على حقوق الفلسطينيين. نفذت السلطة الفلسطينية وسلطات الأمر الواقع في غزة عمليات اعتقال واحتجاز تعسفية. وأدى التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل إلى خلق “سياسة الباب الدوار” حيث يتعرض الفلسطينيون لسوء المعاملة من قبل كلا السلطتين. كما أن المناطق المختلفة لها سلطات اعتقال مختلفة. حتى الطلاب ومستخدمو وسائل التواصل الاجتماعي مستهدفون حين يكونون جزءا من المعارضة، وإن كان ذلك بدرجة أقل من الممارسات الإسرائيلية. كما ذكرت ألبانيز أن أوضاع الاحتجاز في السجون الفلسطينية تعرضت لانتقادات.
استنتاجات
خلصت السيدة فرانشيسكا ألبانيز في استنتاجاتها إلى أن أجيالًا من الفلسطينيين عانوا من الحرمان الواسع النطاق والمنهجي من الحرية بسبب أفعال بسيطة جدًا نتيجة للاحتلال الإسرائيلي. مع أكثر من 800000 فلسطيني، بينهم أطفال، احتجزوا منذ عام 1967 بناءً على مجموعة من القواعد التي سنها وفرضها الجيش الإسرائيلي، تتعلق غالبية الإدانات الجنائية للفلسطينيين على مر السنين “بالتعبير المشروع عن الحقوق المدنية والسياسية، والحق في مقاومة المحتل الأجنبي غير الشرعي”. (ص 19). وتضيف ألبانيز بأنه “من خلال حرمان الفلسطينيين من الحماية التي يوفرها القانون الدولي ، فإن الاحتلال يحولهم إلى” مجردين من صفتهم كمدنيين”، وبالتالي تجريدهم من صفتهم كأشخاص محميين ومن حقوقهم الأساسية. (ص 19) كما ذكرت ألبانيز أنه بمعاملة الفلسطينيين كجماعة، فإن أي فلسطيني يعارض النظام بما في ذلك المحتجين السلميين، سيعتبر تهديدًا وسيخضع للحبس، مما يجبر الفلسطينيين على البقاء في حالة ضعف دائمة.
كما تؤكد ألبانيز أن “الاعتقال الجماعي يعزز اختلال توازن القوى بين الفلسطينيين والمؤسسات الإسرائيلية والمستوطنين، ويسهل زحف الاستعمار الاستيطاني” (ص 19). وتوضح أن إسرائيل تستخدم “الأمن” كوسيلة دائمة للحفاظ على سيطرتها على الأراضي المحتلة وتعزيز مشروعها الاستعماري الاستيطاني. “من خلال التحول من “أمن دولة الاحتلال” إلى “أمن الاحتلال نفسه”، تعامل إسرائيل” الأمن “على أنه السيطرة الدائمة على الأراضي التي تحتلها وتحاول ضمها” (ص 19). ووفقًا لألبانيز ، فقد أدى ذلك إلى الفصل والقهر والتجزئة ومصادرة الأراضي الفلسطينية والتهجير القسري للفلسطينيين.
كما تسلط الضوء على الطبيعة التعسفية المنتشرة والمنهجية للاحتلال الإسرائيلي وتؤكد على ضرورة محاسبته وإنهائه. وشددت على أن عدم شرعية الاحتلال لا يمكن معالجتها أو إضفاء الطابع الإنساني عليها من خلال إصلاح بعض العواقب الوحشية للاحتلال التي لا يمكن علاجها. وحثت المجتمع الدولي على الاعتراف بذلك، وعدم المساهمة أو التغاضي عن الفصل العنصري الاستعماري الاستيطاني الإسرائيلي، الذي يجرم الفلسطينيين، لتأكيدهم على حقهم في الوجود كشعب وممارسة حقهم في تقرير المصير.
التوصيات
أوصت المقررة الخاصة في الختام بضرورة إلغاء نظام إسرائيل للحرمان التعسفي من الحرية في الأرض الفلسطينية المحتلة بسبب عدم توافقه المتأصل مع القانون الدولي. كما حثت الدول الثالثة على “اتخاذ تدابير دبلوماسية وسياسية واقتصادية ينص عليها ميثاق الأمم المتحدة”، و”عدم الاعتراف بالاحتلال الإسرائيلي باعتباره قانونيًا، أو مساعدة أو تقديم العون للاحتلال الإسرائيلي نظرًا لارتكابه أفعالًا غير مشروعة دوليًا”، ومحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية الواردة في التقرير بموجب الولاية القضائية العالمية.
كما أوصت إسرائيل بالإفراج عن جميع المعتقلين الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم بسبب أفعال ليست جرائم بموجب القانون الدولي، والإفراج عن جثث القتلى الفلسطينيين، فضلاً عن وقف احتجاز القاصرين مؤقتا، والإفراج عن جميع الأطفال المحتجزين. كما أوصت ألبانيز السلطات الفلسطينية بالالتزام بالمعايير الدولية، ووقف الاعتقال التعسفي وسوء المعاملة، ووضع تدابير للرقابة والمساءلة.
أخيرًا، طالبت ألبانيز بإجراء تحقيق مستقل في ارتكاب جرائم دولية محتملة تنشأ عن الاعتقال المنهجي والتعسفي للفلسطينيين، بما في ذلك من خلال الولاية القضائية العالمية، والمحكمة الجنائية الدولية.
—
* يمكنك قراءة التقرير الكامل بالنقر هنا، والبيان الصحفي حوله بالنقر هنا
** يمكنك قراءة/مشاركة ثريد على تويتر عن التقرير، انقر/ي هنا