ملخص تقرير المقررة الخاصة للأمم المتحدة حول تواطؤ الشركات في اقتصاد الاحتلال و الإبادة الجماعية
(يتضمن قائمة بالشركات المذكورة في التقرير)
إعداد: هنرييت ويلبرغ وزاك كولينز-ويدرز
* لقراءة أو تحميل هذه المادة بنسخة بي دي اف، انقر/ي هنا
نظرة عامة
قدّمت فرانشيسكا ألبانيزي، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، تقريرها الأحدث إلى مجلس حقوق الإنسان في يوليو/تموز 2025. يركّز التقرير، المعنون “من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية“، على الدور الذي تلعبه الشركات في دعم المشروع الاستيطاني الاستعماري الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة، وفي الحملة الجارية للإبادة الجماعية في غزة وتحقيق الأرباح منها.
يشير التقرير إلى أن اقتصاد الاحتلال الاستيطاني الاستعماري واقتصاد الإبادة الجماعية مترابطان بعمق. ويوثق التقرير الدور المحوري الذي اضطلعت به الشركات في الدفع نحو محو الوجود الفلسطيني من أرضه، من خلال المساهمة في عمليات الطرد والاستبدال، وتحقيق الأرباح من انتهاكات حقوق الإنسان والجرائم الدولية التي استمرت لعقود. ففي ما يُعرف بـ”اقتصاد الطرد والاستبدال الناتج عن الاحتلال”، فإن الشركات التي تساهم في تدمير الأراضي والبنى التحتية الفلسطينية هي نفسها تشارك في بناء واستغلال المشاريع الزراعية والبنى التحتية والمؤسسات الاستعمارية التي تحل محل تلك البني التحتية.
ومع ذلك، فإن الخلاصة الأبرز التي توصلت إليها المقررة الخاصة تتمثل في التحوّل الذي وثقته منذ أكتوبر/تشرين أول 2023، حيث تطورت “أنظمة السيطرة والاستغلال والتجريد طويلة الأمد” إلى هياكل “تُعبّأ لإيقاع العنف الجماعي والدمار الهائل” (الفقرة 26). وتشارك الكيانات التجارية العاملة ضمن اقتصاد الاحتلال الاستيطاني، في “نمط من الهيمنة يُعرف بـ’رأسمالية استعمارية عنصرية'”، في تمكين وتمويل وتحقيق الأرباح من اقتصاد الإبادة الجماعية. إضافة إلى ذلك، فإنها “تُسهم في إنكار حق تقرير المصير، وانتهاكات بنيوية أخرى في الأرض الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك الاحتلال، والضم، وجرائم الفصل العنصري والإبادة الجماعية، إلى جانب قائمة طويلة من الجرائم والانتهاكات المرتبطة بها، من التمييز، والتدمير العشوائي، والتهجير القسري، والنهب، إلى الإعدام خارج نطاق القضاء والتجويع” (الفقرة 2).
ولغرض تسليط الضوء على الأوجه المختلفة لاقتصاد الإبادة الجماعية، يستعرض تقرير المقررة الخاصة مساهمة الشركات على ثلاث مراحل: في تهجير الفلسطينيين، وفي استبدالهم، وأخيراً في تمكين الإبادة الجماعية. ويركّز التقرير على ثمانية قطاعات رئيسية كانت محورية في دعم الاقتصاد الاستيطاني وتحوله إلى اقتصاد إبادة، وهي: القطاع العسكري (بما في ذلك شركات تصنيع الأسلحة)؛ المراقبة والاحتجاز؛ الآليات الثقيلة؛ البناء؛ الموارد الطبيعية بما يشمل المياه والكهرباء والغاز والوقود؛ التجارة (بما في ذلك الزراعة التجارية والتجزئة العالمية وسياحة الاحتلال)؛ التمويل؛ وإنتاج المعرفة.
وإضافة إلى أكثر من 45 كياناً تجارياً تم تسميتهم في التقرير (انظر/ي الجدول الكامل أدناه)، أنشأت المقررة الخاصة قاعدة بيانات تشمل 1000 شركة، ترسم خريطة للشركات المتورطة على مستوى العالم (الفقرة 8).
السياق والإطار القانوني
قبل التطرق إلى الأدلة الواقعية حول تورط الشركات في اقتصاد الإبادة الجماعية، تضع المقررة الخاصة الإطار القانوني الذي يحكم مسؤولية الشركات. ويتعزز ذلك من خلال ملحق موسّع للتقرير يوفر سياقًا قانونيًا إضافيًا. ويُقرّ التقرير بأن التزامات الشركات لا تتناسب مع القوة السياسية والاقتصادية التي تمارسها في كثير من الأحيان، وأن “عدم التوازن بين قوة الشركات الهائلة وانعدام المساءلة وإمكانية التقاضي يكشف عن فجوة أساسية في نظام الحوكمة العالمي” (الفقرة 12). ومع ذلك، يسلط التقرير الضوء على أهمية السوابق القانونية المستخلصة من محاكمات الصناعيين بعد الهولوكوست، ولجنة الحقيقة والمصالحة في جنوب إفريقيا، بالإضافة إلى الدعاوى القضائية على المستويين المحلي والدولي (الفقرة 14).
تشكل المبادئ التوجيهية للأمم المتحدة بشأن الأعمال التجارية وحقوق الإنسان (UNGPs) الإطار المعياري لالتزامات الدول والكيانات التجارية بموجب القانون الدولي. وتلزم هذه المبادئ الدول بمنع انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها أطراف ثالثة، والتحقيق فيها، ومعاقبة مرتكبيها، وتوفير سبل الانتصاف عنها (الفقرة 16). أما مسؤوليات الشركات، فتعتمد على ما إذا كانت الشركة قد تسببت في تأثيرات سلبية على حقوق الإنسان، أو ساهمت فيها، أو كانت مرتبطة مباشرة بها (الفقرة 17). ويتطلب الإطار المعياري المُحدد في هذه المبادئ أن تضمن الشركات أن أنشطتها التجارية لا تجعلها متورطة في انتهاكات لحقوق الإنسان، ويتم تحقيق ذلك من خلال إجراء العناية الواجبة في مجال حقوق الإنسان لتحديد المخاطر، وتعديل السلوك عند الحاجة. ومع ذلك، فإن مجرد القيام بالعناية الواجبة لا يُعفي الشركة من المسؤولية: الأثر المادي لأفعال الشركة هو ما يُحدد المسؤولية (الفقرة 14).
وعند العمل في مناطق النزاع، يجب على الشركات أن تُطبق إجراءات عناية واجبة مُعززة ومشددة في مجال حقوق الإنسان. وفي ملحق التقرير، تحدد المقررة الخاصة ثلاثة أسئلة يتعين على الكيانات التجارية الإجابة عنها (الملحق 1، الفقرة 11):
- هل هناك تأثير سلبي فعلي أو محتمل على حقوق الإنسان، أو هل للنزاع علاقة بأنشطة أو منتجات أو خدمات الكيان التجاري؟
- إذا كانت الإجابة نعم، هل تُسهم أنشطة الكيان التجاري في زيادة خطر هذا التأثير؟
- إذا كانت الإجابة نعم، هل تُعتبر أنشطة الكيان التجاري، بحد ذاتها، كافية لإحداث ذلك التأثير؟
وتؤدي نتائج هذا التحليل إلى التزامات قانونية محددة (الملحق 1، الفقرة 13):
- إذا كانت الإجابة ب”نعم” على الأسئلة الثلاثة، فإن الكيان التجاري يُعد متسببًا بانتهاكات حقوق الإنسان، وعليه أن يتوقف فورًا عن هذه الأفعال، ويقدم تعويضات وجبر ضرر للمتضررين.
- إذا كانت الإجابة “نعم” على السؤالين الأول والثاني فقط، فإن الكيان التجاري يُعتبر مساهمًا في الانتهاكات، ويتوجب عليه اتخاذ خطوات فورية لوقف أو منع هذه المساهمة، والتخفيف من آثارها باستخدام نفوذه، والمشاركة في جهود الإنصاف.
- أما إذا كانت الإجابة “نعم” على السؤال الأول فقط، فإن الكيان التجاري يكون مرتبطًا مباشرة بانتهاكات حقوق الإنسان، ويجب عليه استخدام نفوذه لمنع أو التخفيف من هذه التأثيرات، وإنهاء علاقاته في حال عدم تحقق النتائج المرجوة.
كما يُحدد الملحق الظروف التي قد يفضي فيها عدم التزام الكيان التجاري بالقانون الدولي إلى مسؤولية جنائية على مستوى المدراء التنفيذيين، وأحيانًا على الشركة ذاتها (الفقرات 17-29). وتعرض المقررة الخاصة الشروط القانونية التي تثبت أنماطًا مختلفة من المسؤولية (الفقرات 20-21)، وآليات إنفاذها، خصوصًا على المستويين المحلي والإقليمي (الفقرات 22-29).
وفي تطبيق هذا الإطار على الأرض الفلسطينية المحتلة، تؤكد المقررة الخاصة أن الكيانات التجارية “كانت على علم منذ عقود“ بالانتهاكات الواسعة والمنهجية لحقوق الإنسان، والتي كان يمكن التعرف عليها من خلال عناية واجبة ملائمة في مجال حقوق الإنسان (الملحق 1، الفقرة 30). وتستعرض الجهات الفاعلة الرئيسية والتقارير التي وثّقت وكشفت عن “سياق غير قانوني بطبيعته” والهياكل الاقتصادية التي تدعمه (الملحق 1، الفقرات 31-34).
ويعرض التقرير وملحقه أيضًا تطورات قضائية حديثة تؤكد بقوة أن الأنشطة التجارية “المرتبطة بأي شكل من أشكال الاحتلال” مرتبطة بانتهاك قواعد آمرة وجرائم دولية (الفقرة 18). ويشمل ذلك الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية في يوليو 2024، الذي خلصت فيه المحكمة إلى وجود فصل عنصري وتفرقة عنصرية، وانتهاكات لحق تقرير المصير، وانتهاك لحظر استخدام القوة، وأكدت عدم شرعية الوجود الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة. كما تُشير المقررة الخاصة إلى الإجراءات الجارية أمام محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، وأمام المحكمة الجنائية الدولية بتهم جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية (الفقرة 18).
وتخلص المقررة الخاصة إلى أن هذه القرارات تُفضي إلى مسؤولية أولية على الكيانات التجارية بـ”عدم الانخراط في أي تعاملات ذات صلة، أو الانسحاب منها بشكل كامل وغير مشروط، وضمان أن أي تفاعل مع الفلسطينيين يُمكّنهم من ممارسة حقهم في تقرير المصير” (الفقرة 19). وتشير إلى أن الكيانات التجارية التي تُبقي على علاقات وأنشطة مع إسرائيل “قد يُعتبر أنها ساهمت عن علم في انتهاك القواعد الآمرة والجرائم الدولية” (الفقرة 20).
من اقتصاد الاحتلال الاستيطاني إلى اقتصاد الإبادة الجماعية
يفتتح التقرير بالتأكيد على أن “الاستعمار الاستيطاني ينطوي على الاستغلال وتحقيق الربح من الأرض واستعمارها من خلال طرد مالكيها“، ثم يستعرض الدور الحاسم الذي لعبته الشركات في محو الوجود الفلسطيني من أرضه ضمن هذا المشروع الاستيطاني الاستعماري. فقد ساهمت الشركات بشكل مادي في سلب الفلسطينيين أراضيهم وتهجيرهم (الفقرة 23)، وحققت أرباحًا من استغلال العمالة والموارد الفلسطينية، مع الإضرار الشديد بـ”الاقتصاد الفلسطيني وخنقه” (الفقرة 24)، كما ضمنت استمرار تدفق الأموال نحو الاحتلال غير القانوني (الفقرة 25).
في ظل هذه البنية الرأسمالية التي تُدرّ الأرباح من الاحتلال وتعززه، توثق المقررة الخاصة تحوّلًا طرأ بعد أكتوبر/تشرين أول 2023، حيث تطورت “أنظمة السيطرة والاستغلال والتجريد طويلة الأمد” إلى هياكل “مُسخّرة لإيقاع العنف الجماعي والدمار الهائل” (الفقرة 26). وأصبحت الكيانات العاملة في اقتصاد الاحتلال الاستيطاني اليوم ممكِّنة لاقتصاد الإبادة الجماعية ومستفيدة منه.
ولشرح مختلف أوجه هذا الاقتصاد الإبادي، يتناول تقرير المقررة الخاصة مساهمة الشركات في تهجير الفلسطينيين، واستبدالهم، وتمكين الإبادة الجماعية، مع تركيز خاص على ثمانية قطاعات رئيسية شكّلت العمود الفقري للاقتصاد الاستيطاني وتحولاته الإبادية.
أ. التهجير | الشركات اقتصاد الاحتلال الإبادة
يبدأ التقرير بتناول التهجير، ويستعرض الوسائل التي استُخدمت بها الأسلحة والتقنيات الصناعية، وتقنيات المراقبة والاحتجاز، والآليات الثقيلة والمعدات -وهي جميعها عناصر أساسية في الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي ونظام الفصل العنصري- والتي تم تسخيرها منذ أكتوبر/تشرين أول 2023 كأدوات في حملة الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل ضد الفلسطينيين (الفقرة 28).
ويشدد التقرير على أن “العنف العسكري هو الذي أنشأ دولة إسرائيل، ولا يزال المحرك الأساسي لمشروعها الاستيطاني الاستعماري” (الفقرة 29)، وقد أصبح هذا العنف “العمود الفقري الاقتصادي” للاحتلال (الفقرة 30). وتُصنّف شركتا Elbit Systems وصناعات الطيران الإسرائيلية (IAI) المملوكة للدولة ضمن أكبر 50 شركة لتصنيع الأسلحة عالميًا، وقد وفرتا إمدادات أساسية من السلاح وعززتا مكانة إسرائيل كأحد كبار مصدّري الأسلحة عالميًا (الفقرة 31). ويُسلط الضوء بشكل خاص على الشراكة الدولية في مشروع طائرة F-35 المقاتلة (الفقرة 32)، والتي يشارك فيها أكثر من 1,650 شركة وثماني دول في برنامج التوريد الذي زوّد إسرائيل بـ”قوة جوية غير مسبوقة”، وقد مكّنها، منذ أكتوبر/تشرين أول 2023 من إلقاء 85 ألف طن من القنابل على غزة، ما أدى إلى دمار هائل ومقتل أعداد كبيرة من الفلسطينيين (الفقرة 32).
وقد طورت الشركات العسكرية الإسرائيلية شراكات ملحوظة مع مؤسسات دولية مثل معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) لتطوير تقنيات عسكرية، بما في ذلك أنظمة الأسلحة المؤتمتة للطائرات المسيّرة (الفقرة 33).
ويقر التقرير أيضًا بالبنية التحتية الواسعة والجهات الفاعلة المحيطة بالقطاع العسكري، والتي تدعم تصدير واستيراد الأسلحة، وتشمل المعاملات المرتبطة بها، وسلاسل التوريد المعقدة، والخدمات القانونية والمالية، والوسطاء، وشركات الشحن (الفقرة 34). وأصبحت الإبادة الجماعية مصدر ربح كبير لموردي السلاح الإسرائيليين وكذلك للشركات الأجنبية التي استفادت من ارتفاع الإنفاق العسكري الإسرائيلي (الفقرة 35).
ينتقل التقرير بعد ذلك إلى دراسة دور قطاع التكنولوجيا الإسرائيلي في توفير البنية التحتية للمراقبة واحتجاز الفلسطينيين. فقد أفرزت مزاعم إسرائيل بالحاجة إلى “الأمن” ما يُعرف بـ”دولة الشركات الناشئة”، وهي صناعة مزدهرة أدت إلى “تطورات غير مسبوقة في تقنيات السجن والمراقبة”، وتحقق الشركات أرباحًا من “حقل الاختبار الفريد للتكنولوجيا العسكرية” والذي توفره الأرض الفلسطينية المحتلة (الفقرة 36).
وترتبط العديد من هذه الشركات الناشئة الإسرائيلية بالبنية التحتية العسكرية، وغالبًا ما يؤسسها جنود سابقون، مثل مجموعة NSO التي طورت برنامج التجسس Pegasus المُستخدم في استهداف النشطاء الفلسطينيين (الفقرة 37). كما زودت شركات مثل IBM Israel وHewlett Packard Enterprises البنية التحتية التكنولوجية الأساسية التي تُستخدم في تمكين أنظمة الفصل العنصري التمييزية الإسرائيلية، بما في ذلك جمع البيانات على نطاق واسع، واستخدامها في السجون، ولدى الشرطة (الفقرة 38). وتقوم IBM، على سبيل المثال، بتدريب العسكريين وعناصر الاستخبارات، وتدير قاعدة بيانات مركزية تجمع وتخزن البيانات البيومترية للفلسطينيين (الفقرة 38).
وتقدم شركات مثل Microsoft وGoogle وAmazon خدمات تقنية للجيش والشرطة ومصلحة السجون الإسرائيلية (الفقرة 40)، إلى جانب بنى تحتية حيوية في مجالي الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي (الفقرة 41). كما غيّرت أنظمة الذكاء الاصطناعي التي طوّرها الجيش الإسرائيلي شكل الحروب الحديثة، وذلك بمساعدة شركات مثل Palantir Technologies Inc. التي وسّعت دعمها للجيش الإسرائيلي بعد أكتوبر/تشرين أول 2023، ويُرجّح أن تقنياتها استُخدمت لتسهيل الاستخدام غير المشروع للقوة ضد الفلسطينيين، مع علم مسبق ونية من مستوى الإدارة التنفيذية (الفقرة 42).
وأخيرًا، يبحث التقرير في دور الشركات التجارية في توفير المعدات الثقيلة المدنية، والتي طالما استُخدمت في هدم المنازل والبنى التحتية الفلسطينية، واستغلال الموارد الفلسطينية. ومنذ أكتوبر/تشرين أول 2023، استُخدمت هذه المعدات في غزة لتدمير 70% من المباني و81% من الأراضي الزراعية (الفقرة 44).
وقد زودت شركات مثل Caterpillar وHyundai وVolvo إسرائيل بمعدات ثقيلة، استُخدمت بعد أكتوبر/تشرين أول 2023 في هدم المنازل والمساجد والبنية التحتية الأساسية للحياة في غزة (الفقرات 45-46).
ب. الاستبدال
تنتقل المقررة الخاصة في هذا الجزء إلى تتبّع دور الجهات الفاعلة في القطاع الخاص في دعم مشروع الاستيطان وتحقيق الأرباح من خلاله، وهو المشروع الذي يقوم على استبدال الوجود الفلسطيني وبناء المستوطنات وبنيتها التحتية مكانه (الفقرة 48). ومنذ أكتوبر/تشرين أول 2023، خلق هذا المشروع الاستيطاني ظروف حياة مصمّمة لتدمير الشعب الفلسطيني.
ويبدأ التقرير بفحص التوسع السريع في المستوطنات والبؤر الاستيطانية الجديدة منذ أكتوبر/تشرين أول 2023، بدعم من قطاع البناء الذي يوفر “الآليات والمواد الخام والدعم اللوجستي الأساسي” (الفقرة 49). على سبيل المثال، توضح المقررة الخاصة كيف ساهمت شركة Heidelberg Materials AG الألمانية، من خلال فرعها Hanson Israel، في نهب المواد الخام من محجر “نحال رابَه” في الضفة الغربية، لاستخدامها في بناء المستوطنات (الفقرة 50). وتشارك شركات أخرى في بناء البنى التحتية للنقل مثل الطرق وخطوط الترام، التي توسّع من رقعة المستوطنات وتُرسّخ نظام الفصل العنصري الإسرائيلي (الفقرة 51). كما تسوّق شركات عقارية وحدات سكنية داخل المستوطنات، وتقوم بتطوير وبيع آلاف الشقق في الأرض الفلسطينية المحتلة للإسرائيليين وللمشترين الدوليين (الفقرة 52).
ثم تنتقل المقررة الخاصة إلى السيطرة المنهجية التي تمارسها إسرائيل على الموارد الطبيعية الفلسطينية، وعلى رأسها المياه والطاقة. ويوثق التقرير كيف أن “الحصار الكامل” المفروض على غزة منذ 9 أكتوبر/تشرين أول 2023، شمل قطعًا فوريًا للمياه والكهرباء والوقود، والتي يتم السيطرة عليها من الإسرائيليين في “اعتماد مصطنع تم توظيفه كأداة للإبادة الجماعية” (الفقرة 54). وتشير المقررة إلى أن القيود شبه التامة على هذه الموارد الحيوية ساهمت في الحملة الإبادية من خلال خلق ظروف معيشية تؤدي إلى تدمير الفلسطينيين كجماعة (الفقرة 54).
وتُحكم إسرائيل السيطرة على الوصول إلى المياه في الأرض الفلسطينية المحتلة، وتجبر الفلسطينيين على شراء المياه المستخرجة من أراضيهم بأسعار باهظة من خلال شركة المياه الوطنية الإسرائيلية ميكوروت، التي تحتفظ باحتكارها على المياه في الأرض المحتلة (الفقرة 55). وتوضح المقررة الخاصة كيف تحوّل نظام تزويد المياه هذا إلى “أداة إبادة جماعية”، لا سيما في الأشهر الستة الأولى بعد أكتوبر/تشرين أول 2023، عندما قامت “ميكوروت” بتشغيل خطوط أنابيبها في غزة بنسبة لا تتجاوز 22% من طاقتها الاستيعابية (الفقرة 55).
وتدمج إسرائيل مستوطناتها في الضفة الغربية ضمن بنيتها التحتية للطاقة، في الوقت الذي تتحكم فيه بتدفق الطاقة إلى الفلسطينيين. ويُسجّل التقرير أنه منذ أكتوبر/تشرين أول 2023، قطعت إسرائيل الطاقة عن معظم مناطق غزة، ما هدّد بتوقف مضخات المياه، والمستشفيات، ووسائل النقل (الفقرة 56). وتُسهّل شركات مثل Drummed Company (من الولايات المتحدة) وGlencore PLC (من سويسرا) شحن الفحم من كولومبيا وجنوب إفريقيا لاستخدامه في إنتاج الكهرباء في إسرائيل، في حين تستخرج شركة Chevron الأمريكية الغاز الطبيعي من حقلي “ليفياتان” و”تمار” (الفقرتان 57–58). وتُسهم شركات عملاقة مثل BP وChevron بشكل كبير في واردات إسرائيل من النفط الخام، الذي يتم تكريره في إسرائيل قبل توزيعه في محطات الوقود داخل إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة، أو استخدامه كوقود للطائرات التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي (الفقرة 59). وتُسهم هذه الشركات في دعم بنية تحتية تعزز من الضم غير القانوني وتغذّي الإبادة الجماعية في غزة التي تعتمد على استهلاك كثيف للطاقة.
ينتقل التقرير إلى تدفق التجارة عبر الزراعة، وتجارة التجزئة العالمية، والسياحة. وتُسهم أنشطة الشركات في محو النظم الغذائية الفلسطينية، وفي الوقت ذاته، ترسّخ الاعتماد على الزراعة الإسرائيلية. فالشركات تُنتج سلعًا زراعية من بؤر استيطانية، وتستفيد من سوق فلسطيني “مُحتجز أو مغلق” (الفقرة 62). ويعزز التوسع الزراعي الإسرائيلي في الأرض الفلسطينية المحتلة من خلال تكنولوجيا الزراعة المتقدمة (agritech)، مثل تقنية الري بالتنقيط التي توفرها شركة Netafim، والتي تمكّن المستوطنات من استغلال المياه والأراضي، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد الطبيعية الفلسطينية وإضعاف قدرة المزارعين الفلسطينيين على المنافسة (الفقرة 63).
أما في قطاع التجزئة، فتقوم الشركات بإخفاء مصدر المنتجات القادمة من المستوطنات عبر ملصقات مضللة ودمجها ضمن سلاسل التوريد (الفقرة 65). ويوثق التقرير دور شركات لوجستية عالمية مثل Maersk في تزويد الأسواق العالمية بهذه المنتجات (الفقرة 66)، مشيرًا إلى غياب التمييز بين المنتجات الإسرائيلية وتلك المنتجة في المستوطنات (الفقرة 67). حتى في الأسواق مثل الاتحاد الأوروبي، تُطرح منتجات المستوطنات دون تمييز، على الرغم من وجود قوانين تقتضي ذلك، ويُلقى بالمسؤولية على المستهلكين غير المطلعين بشكل كاف. وبالنظر إلى عدم شرعية المستوطنات بموجب القانون الدولي، فلا يجوز تداول هذه المنتجات على الإطلاق (الفقرة 67).
وفي ختام هذا القسم، تستعرض المقررة الخاصة كيف تستفيد الشركات من “سياحة الاحتلال“، عبر دعم المستوطنات، من خلال توفير أماكن إقامة وفنادق. وتُبرز كيف أن شركات مثل Airbnb وBooking.com تعرض عقارات في المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ما يعزز من “الربح الاستعماري” ويُجمّل العنف الاستيطاني (الفقرتان 70–71).
ج. التمكين
في القسم الثالث، يسلط تقرير المقررة الخاصة الضوء على القطاعات التي ساعدت على استمرار الاحتلال الاستيطاني الإسرائيلي، وحققت أرباحًا من اقتصاد الإبادة الجماعية، وساهمت في تطبيعه (الفقرة 72). وبينما يُحدد التقرير المؤسسات المالية، والبحثية، والقانونية، والاستشارية، والإعلامية، والإعلانية كجهات فاعلة رئيسية، يُركّز هذا القسم بشكل خاص على القطاعين المالي والأكاديمي (الفقرة 72).
ويتناول التقرير بشكل محوري قطاع التمويل، مستندًا إلى عمل منظمات المجتمع المدني الفلسطيني التي وثّقت منذ سنوات قنوات تمويل المستوطنات. ويُعتبر إصدار سندات الخزينة عنصرًا حاسمًا، إذ شكل مصدر تمويل رئيسي لميزانية الدولة الإسرائيلية، وساهم في الزيادة الكبيرة في الإنفاق العسكري الإسرائيلي (الفقرة 74). وقد تولّت بنوك مثل BNP Paribas وBarclays ضمان هذه السندات، ما عزز ثقة السوق بها، واشترى 400 مستثمر من 36 دولة هذه السندات (الفقرة 74). كما ضخت مؤسسات استثمارية كبرى مثل BlackRock وVanguard مليارات الدولارات في هذه السندات، وفي شركات متورطة بشكل مباشر في الاحتلال والإبادة الجماعية (الفقرة 75). أما شركات التأمين العالمية مثل Allianz و AXA، فهي تستثمر بكثافة في شركات متورطة في الاحتلال والإبادة، وتوفر في الوقت نفسه خدمات تأمين تقلّل من المخاطر التشغيلية لتلك الشركات (الفقرة 76).
ويوفّر القطاع المالي أيضًا تمويلًا حيويًا لصناعة الأسلحة، عبر القروض وخدمات الضمان المالي. وتُظهر المقررة الخاصة كيف أن شركات تقديم الاستشارات المالية تجاهلت الانتهاكات الجسيمة في الأرض الفلسطينية المحتلة عند إجراء تقييماتها البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG)، مما أتاح استمرار وضع أن الشركات “تمتثل” للمعايير، رغم ارتباطها بانتهاكات خطيرة. ويوضح التقرير كيف أدى هذا السياق إلى زيادة قياسية بلغت 179% في أسعار أسهم الشركات المدرجة في بورصة تل أبيب منذ بدء الهجوم على غزة، أي ما يعادل أرباحًا بقيمة 157.9 مليار دولار (الفقرة 80).
كما تُسلّط المقررة الضوء على المنظمات الخيرية الدينية، وهي مصدر تمويل غالبًا ما يتم تجاهله لمشاريع التوسع الاستيطاني والمشاريع المرتبطة بالجيش الإسرائيلي (الفقرة 81).
وفي القسم الأخير، تتناول المقررة الخاصة دور المؤسسات الأكاديمية والبحثية في تمكين الانتهاكات وتوفير شرعنة لها. وتشير إلى أن الجامعات الإسرائيلية، وخاصة كليات القانون، والأقسام المعنية بالآثار والدراسات الشرق أوسطية، تُسهم في تشكيل “البنية الأيديولوجية للفصل العنصري”، من خلال نشر السرديات الرسمية، ومحو التاريخ الفلسطيني، وتبرير ممارسات الاحتلال (الفقرة 82). وقد عملت هذه الجامعات أيضًا كمراكز تطوير لتكنولوجيا ومعدات عسكرية، غالبًا بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي وشركات تصنيع السلاح (الفقرة 82).
كما تُشارك جامعات أجنبية، خصوصًا من دول الشمال العالمي، مثل معهد MIT، في شراكات بحثية مع مؤسسات إسرائيلية لتطوير الأسلحة وأدوات المراقبة، بتمويل من وزارة الدفاع الإسرائيلية (الفقرة 83). وموّلت المفوضية الأوروبية من خلال برنامج Horizon Europe كيانات إسرائيلية متورطة في الفصل العنصري والإبادة، بما في ذلك وزارة الدفاع وجامعات تتعاون مع الجيش وشركات التكنولوجيا الإسرائيلية. فعلى سبيل المثال، تشارك الجامعة التقنية في ميونيخ (TUM) في مشاريع مع شركات إسرائيلية في مجالات التكنولوجيا العسكرية، والحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، والتنقل الحضري الذي يُعزز ضم القدس (الفقرة 84).
الاستنتاجات
تخلص المقررة الخاصة إلى أن الإبادة الجماعية التي تنفذها إسرائيل مستمرة بسبب مردودها الربحي. فقد تحوّلت الأرض الفلسطينية المحتلة، بوصفها “احتلالًا دائمًا”، إلى “حقل اختبار مثالي لمصنّعي الأسلحة وشركات التكنولوجيا الكبرى”، ما أدى إلى عوائد ضخمة للمستثمرين دون أي مساءلة أو رقابة تُذكر (الفقرة 87).
لقد ساندت منظومة شركات دولية ضخمة الاقتصاد الإسرائيلي، من خلال توفير الاستثمارات والتأمينات التي موّلت الدمار، وضخت الثروات في اقتصاد الإبادة الجماعية الإسرائيلي. سواء في قطاع الأسلحة أو البناء أو الطاقة الاستخراجية، جنت الشركات أرباحًا، بينما زودت إسرائيل بالسلاح، والآليات، والوقود المستخدم في ارتكاب الإبادة بحق الشعب الفلسطيني.
وبالتوازي مع هذه الإبادة، تؤكد المقررة الخاصة استمرار “عملية ضم عنيفة” في الضفة الغربية، بما في ذلك القدس الشرقية، حيث تُكرّس أنشطة الزراعة التجارية، والسياحة الإلكترونية، وتجارة التجزئة، والجامعات هذا الواقع، لا فقط من خلال تحقيق الأرباح من اقتصاد الاحتلال “الذي يعمل حاليًا في طور الإبادة”، بل لأنها أيضًا تعتمد هيكليًا على التعاون الاستيطاني الاستعماري (الفقرة 90).
يختتم التقرير بالقول إن الآلة الاقتصادية للشركات التي تُحرّك “اقتصاد الإبادة” هذا يجب فهمها كـ”مشروع إجرامي مشترك“، حيث تُسهم أنشطة كل شركة في اقتصادٍ متكامل “يُغذي، ويمدّ، ويُمكّن هذه الإبادة” (الفقرة 91). وتؤكد المقررة أن العلاقات التجارية مع إسرائيل يجب أن تتوقف كليًا حتى يتم تفكيك الاحتلال ونظام الفصل العنصري، كما أمرت محكمة العدل الدولية، وحتى يتم تقديم جبر الضرر.
التوصيات
تختتم المقررة الخاصة تقريرها بجملة من التوصيات الأساسية الموجّهة إلى الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، والكيانات التجارية، والمحكمة الجنائية الدولية، والجهات القضائية الوطنية، والأمم المتحدة نفسها (الفقرة 94).
إلى الدول الأعضاء:
- فرض عقوبات شاملة وحظر كامل على تصدير السلاح إلى إسرائيل.
- تعليق أو منع العلاقات التجارية والاستثمارية معها.
- فرض عقوبات على الكيانات والأفراد المتورطين.
- محاسبة الكيانات التجارية التي تشارك في الانتهاكات.
إلى الكيانات التجارية:
- التوقف الفوري عن جميع الأنشطة التجارية المرتبطة بشكل مباشر أو غير مباشر بالانتهاكات و/أو الجرائم الدولية.
- تقديم تعويضات وجبر ضرر للشعب الفلسطيني.
إلى المحكمة الجنائية الدولية والسلطات القضائية الوطنية:
- التحقيق في الشركات و/أو مقاضاة مديريها التنفيذيين المتورطين في ارتكاب جرائم دولية.
إلى الأمم المتحدة:
- الامتثال لرأي محكمة العدل الدولية الصادر في يوليو 2024.
- توسيع قاعدة بيانات مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان (OHCHR) لتشمل جميع الكيانات المتورطة في الاحتلال غير القانوني الإسرائيلي.
نداء عام:
ودعت المقررة الخاصة إلى تصعيد الضغوط لتفعيل حملات المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS)، إلى جانب دعم الجهود الدولية والمحلية الساعية لتحقيق العدالة والمساءلة في فلسطين. ويشمل ذلك اتخاذ إجراءات دبلوماسية، واقتصادية، وقانونية بحق الجهات التي أسهمت في دعم واستدامة اقتصادَي الاحتلال والإبادة الجماعية.
* يمكنك تحميل قائمة الشركات الواردة في تقرير المقررة الخاصة من هنا – انقر/ي
* لقراءة التقرير كاملًا (بالإنجليزية)، انقر/ي هنا
الشركات اقتصاد الاحتلال الإبادة